تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1965

يستغل اليمين المتطرف الإسرائيلي، الذي يشكل العمود الفقري لحكومة إسرائيل الحالية، والمتمثل بحزبي الليكود و"البيت اليهودي"، الأجواء المشحونة بالتوتر في البلاد عموما والقدس خصوصا، من أجل تشديد السياسة والإجراءات ضد الفلسطينيين وسن قوانين تعسفية.

وأظهرت استطلاعات للرأي العام في إسرائيل، كان آخرها استطلاع نشرته صحيفة "معاريف" يوم الجمعة الماضي، أن الإسرائيليين فقدوا الشعور بالأمن في ظل الهبة الفلسطينية الحالية في القدس.

وبحسب استطلاع "معاريف"، قال 92% من اليهود إنهم لا يشعرون بالأمن لدى تجوالهم في المدن العربية داخل الخط الأخضر، و80% لا يشعرون بالأمن بالتجوال في المدن المختلطة. ويشار إلى أن الإسرائيليين يعتبرون القدس الشرقية جزءا من إسرائيل.

وجاء في الاستطلاع نفسه أن من نتائج هذه الأجواء، تأييد 58% من اليهود لفكرة "الترانسفير الطوعي"، و61% يؤيدون المقاطعة الاقتصادية ضد العرب. كما أيدت أغلبية كبيرة منهم (66%) انسحاب إسرائيل من الأحياء الفلسطينية في القدس، باستثناء البلدة القديمة ومحيطها.

ورغم تشديد الإجراءات ضد الفلسطينيين، إلا أن 67% من الإسرائيليين قالوا إنهم غير راضين من طريقة تعامل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مع الهبة الفلسطينية الحالية في القدس.

إزالة الخطوط الحمراء

تعتبر عقيدة الردع واحدة من أبرز مميزات السياسة الأمنية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في كل مكان، وكذلك مع أي جهة معادية لها، وبموجب هذه العقيدة يتم استخدام قوة مفرطة وغير تناسبية. ويبدو أنه في الوضع الحالي، تعمل الحكومة الإسرائيلية، خطوة بعد أخرى، على إزالة خطوط حمراء، ليس في القدس الشرقية والضفة الغربية فقط، وإنما ضد المواطنين العرب داخل الخط الأخضر.

ومن بين هذه الإجراءات ما يلي:
• تغيير التعليمات الموجهة للشرطة بشأن إطلاق النار. وكانت هذه أولى الإجراءات في أعقاب اندلاع المواجهات في القدس، التي رشق المتظاهرون الفلسطينيون خلالها قوات الشرطة بالحجارة وألقوا زجاجات حارقة. وبموجب الإجراءات الجديدة تم السماح لأفراد الشرطة في القدس وداخل الخط الأخضر باستخدام الرصاص الحي والقناصة ضد المتظاهرين.

• في أعقاب تكرار عمليات الطعن، صدرت تعليمات لقوات الأمن بإطلاق النار على منفذي العمليات بهدف القتل. وبعد ذلك، انفلت سياسيون، بينهم رئيس حزب "ييش عتيد"، يائير لبيد، يطالبون بإطلاق النار "بين العينين" على أي شخص يرفع سكينا. وفي هذا الإطار تعرض فلسطينيون، في كلا جانبي الخط الأخضر، لإطلاق نار رغم عدم وجود نية لديهم بتنفيذ عملية طعن، أو كان بالإمكان السيطرة عليهم واعتقالهم من دون إطلاق رصاصة واحدة.

• مسؤولون سياسيون وضباط شرطة دعوا المواطنين الإسرائيليين الذين بحوزتهم سلاح مرخص بحمله لدى خروجهم من البيت. وسعى رئيس حزب "البيت اليهودي" ووزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، إلى أن يشكل "قدوة" في هذا السياق، حيث أعلن والتقطت صور له واضعا مسدسه على خاصرته.

• في ظل هذا التصعيد، قررت الحكومة الإسرائيلية، أمس الأحد، سن قانون يسمح بإجراء تفتيش جسدي على أي شخص حتى لو لم يكن مشتبها به بارتكاب مخالفة قانونية. ويسمح تعديل القانون بإجراء أفراد الشرطة تفتيشات على جسد وملابس وأغراض شخص رغم عدم وجود شبهة بأنه يحمل سلاحا. ويشار إلى أن النص الحالي للقانون يسمح بإجراء تفتيش كهذا فقط في حال اشتباه جدي بوجود سلاح بحوزة شخص أو بنيته استخدام السلاح. وقال وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، إن "هذه خطوة أخرى أبادر إليها، ضمن سلسلة قرارات، من أجل تعزيز الشرطة وصلاحياتها وزيادة الأمن الشخصي في الشوارع".
• وفي بداية الهبة، صادقت الحكومة الإسرائيلية على تعديل قانون العقوبات من خلال تشديدها وبأن يكون الحد الأدنى للعقوبة على من يدان بإلقاء حجر أربع سنوات سجن فعلي.

• إغلاق أحياء عربية في القدس بالمكعبات الإسمنتية وتفتيش الداخلين إليها والخارجين منها، ووضع حواجز عسكرية. وبالأمس وضعت الشرطة الإسرائيلية جدارا "مؤقتا" في جبل المكبر لفصله عن سائر أنحاء المدينة.

• نقل قوات من الجيش الإسرائيلي، واستدعاء 13 سرية من قوات احتياط في حرس الحدود، وتجنيد 400 سجان، ونشر كل هذه القوات في القدس والمدن الإسرائيلية إلى جانب قوات الشرطة.

• فرض اعتقال إداري على مواطنة عربية بادعاء أنها عبرت عن رغبتها بتنفيذ عملية في المسجد الأقصى من خلال رسالة بعثت بها بواسطة هاتفها المحمول. وهذه هي المرة الأولى منذ سنوات طويلة جدا التي يستخدم فيها هذا الإجراء ضد شخص يحمل الجنسية الإسرائيلية.

• نتنياهو يعلن نيته بإخراج الحركة الإسلامية – الجناح الشمالي خارج القانون، بادعاء أن قادتها "يحرضون" على العنف في الحرم القدسي. وأعلن نتنياهو، خلال جلسة الحكومة أمس، أنه "سنبدأ اليوم إجراءات ضد التحريض، وبضمنها خطوات ضد الحركة الإسلامية التي تقود التحريض، وخاصة ضد مصادرها المالية".

• منع طالبات وطلاب "مصاطب العلم" و"مجالس العلم" في المسجد الأقصى من الدخول إلى الحرم القدسي.

• التحسب من عمليات ينفذها مستوطنون وإسرائيليون متطرفون ضد الفلسطينيين في كلا جانبي الخط الأخضر. رجل يهودي طعن يهوديا في مدينة كريات آتا معتقدا أنه عربي. وشرطي أطلق النار على شاب يهودي، معتقدا أنه عربي، لأنه كان يحمل سكينا خلال عراك، في مدينة بات يام، وأرداه قتيلا.


آثار اقتصادية

انعكس التوتر الأمني في أنحاء البلاد على الوضع الاقتصادي في إسرائيل في العديد من المجالات، التي تأثرت سلبا بسبب تراجع شعور الإسرائيليين بالأمن.

ومنذ حوالي الشهر تراجع سفر الإسرائيليين في المواصلات العامة، كما تراجع عدد رواد التجمعات التجارية الكبيرة، وقالت تقارير صحافية إن الشوارع في القدس الغربية بدت مهجورة في أحيان كثيرة، خصوصا في أعقاب الأيام التي شهدت عمليات طعن.

وذكر تقرير أن فرع ترميم البيوت تراجع بشكل كبير، لأن المقاولين في هذا الفرع إما عرب أو يشغلون عمالا عرب، بينما السكان اليهود باتوا يرفضون إدخال العرب إلى بيوتهم.

وأفادت تقارير بأن شركات السياحة لم تنظم جولات للسياح الأجانب، ومعظمها سياحة دينية، في القدس خصوصا، وبدلا من ذلك تتركز هذه الجولات في مدن بعيدة عن القدس، مثل الناصرة وطبريا، ما أدى إلى أضرار اقتصادية للمحال التجارية وفرع الفنادق في القدس خصوصا، ولكن في منطقة وسط إسرائيل أيضا.

وبسبب التوتر الأمني لحقت أضرار اقتصادية بفرع المطاعم في مناطق واسعة في إسرائيل، خاصة وأن عمليات الطعن لم تنحصر في القدس، وإنما وقع عدد منها في تل أبيب والمدن المجاورة لها.

وقال رجل الأعمال الإسرائيلي، يعقوب هلبرين، مالك شبكة "بصريات هلبرين"، لموقع "يديعوت أحرونوت"، أمس، إن "المصالح التجارية في القدس تطرح أرخص الأسعار في البلاد اليوم. والجميع يبيعون بأسعار نهاية الموسم، لأنه لا خيار أمامهم. وهذا هو الوقت المناسب لمجيء المستهلكين للشراء في المدينة".

وأضاف أن "المحال التجارية تعاني من الوضع، وخسرت وفقا للتقديرات أكثر من 50% من دخلها... وشبكة هلبرين تشغل اليهود والعرب، وجميعهم يعانون. وفي حالاتنا، فنحن شركة كبيرة وبإمكاننا امتصاص الخسائر، لكن المصالح التجارية الصغيرة آخذة بالانهيار. ولدي أصدقاء لا يعرفون كيف سيدفعون إيجار المحل وأجر العاملين، والحديث يدور عن مطاعم وفنادق وحوانيت صغيرة في الشارع".

وأشار هلبرين إلى أنه "ينبغي أن نتذكر أن المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة هي محرك النمو الأكبر في إسرائيل. نحن نسمع عن صناعة الهاي- تك، لكن المشغل الأكبر في إسرائيل هو المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة، وفي القدس تعاني هذه المصالح من شلل. ومئات وآلاف المصالح التجارية في القدس، التي تشغل عشرات آلاف العاملين، آخذة بالانهيار بكل بساطة".

التهديد بقطع أرزاق الفلسطينيين

من جهة أخرى، هدد وزراء إسرائيليون، بينهم وزير المواصلات يسرائيل كاتس، بإغلاق الضفة الغربية والقدس الشرقية، ومنع العمال الفلسطينيين من العمل في إسرائيل. إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تتخذ خطوة كهذه حتى الآن.

ونشر الباحث في العلاقات اليهودية – العربية في "معهد القدس للدراسات الإسرائيلية"، مارك شطيرن، مقالا في موقع "يديعوت أحرونوت"، أول من أمس السبت، حذر فيه من العواقب الاقتصادية والأمنية، للإسرائيليين والفلسطينيين، لقرار يقضي بمنع العمال الفلسطينيين من الدخول إلى إسرائيل.

وكتب شطيرن أنه "منذ الانتفاضة الثانية، وبشكل أكبر منذ بناء الجدار الفاصل، ارتفعت نسبة سكان شرقي القدس الذين يتم تشغيلهم في غربي المدينة. ووفقا لتحليل أجري في معهد القدس للدراسات الإسرائيلية، واستنادا إلى إحصاء لخطة المواصلات في القدس من العام 2011، فإن نصف القوة العاملة تقريبا لعرب شرقي القدس يتم تشغيلها في القدس الغربية أو في مدن إسرائيلية أخرى".

وأضاف أن عدد الفلسطينيين المقدسيين العاملين في القدس الغربية وحدها يصل إلى 35 ألفا، "الأمر الذي يدل على تعلق اقتصادي يكاد يكون مطلقا لآلاف العائلات في شرقي القدس بمصادر رزق إسرائيلية".

وشدد شطيرن على أن "سد الطريق أمام الوصول إلى مصادر كسب الرزق هذه لفترة طويلة ستحدث أزمة اقتصادية هائلة في شرقي المدينة، لكن العلاقة ليست باتجاه واحد، وإنما هي في كلا الاتجاهين. وفي عدد من الفروع الاقتصادية في القدس، لا بديل لقسم كبير من العاملين من شرقي المدينة، وبالتأكيد ليس بالأمد الآني".

وأوضح أن المعطيات تشير إلى أنه في العامين 2012 – 2013، شكل الفلسطينيون من سكان القدس 75% من عمال الفنادق في المدينة، و65% من العمال في فرع البناء، وهذا لا يشمل العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية، و52% من العاملين في فرع المواصلات، و29% من العاملين في الصناعة، وحوالي 20% من العاملين في الصحة والرفاه.

ورأى شطيرن أن "إغلاقا يمنع وصول العمال العرب إلى غربي القدس سيؤدي إلى نقص خطير في القوى العاملة في الفنادق والمصانع وورش البناء والحوانيت والصيدليات والمستشفيات. وخطوة كهذه ستؤدي إلى أزمة اقتصادية وركود اقتصادي في القدس".

وأشار إلى أنه إلى جانب ذلك "يشكل سكان شرقي القدس قوة شرائية هامة في التجمعات والمراكز التجارية في غربي المدينة. وأثناء أحداث العام 2014، توقف سكان شرقي القدس عن الوصول إلى تجمع المالحة التجاري، وأظهرت تقارير عدد من الحوانيت انخفاضا فوريا في دخلها بنسبة 15%".

وحذر شطيرن من أن فرض إغلاق شامل على القدس الشرقية لفترة طويلة من شأنه أن يؤدي إلى "عادات استهلاك مختلفة ستؤثر بشكل لا يمكن تغييره على الدورة التجارية في غربي المدينة. وانخفاض كهذا في الدورة التجارية سيزيد الضرر الاقتصادي الطويل الأمد الحاصل في أعقاب انخفاض حجم السياحة الداخلة إلى القدس منذ بداية الأحداث الحالية".