يعتبر قادة إسرائيل من دون استثناء تقريبا أن التصعيد الأمني والهبة الفلسطينية الحالية في القدس الشرقية والضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، كما لو أنها جاءت فجأة من دون وجود أسباب لها على أرض الواقع، وكما لو أنها ليست نتيجة للاحتلال المستمر منذ حوالي خمسين عاما، وذلك على الرغم من تكرّر مثل هذه الهبة في السنوات الأخيرة، ولا سيما في أعقاب استفزازات اليمين الإسرائيلي والمستوطنين، وبشكل خاص من خلال الاقتحامات المتكررة للحرم القدسي الشريف.
وترفض أغلبية الإسرائيليين الاعتراف بممارسات دولتها ضد الفلسطينيين، وتعتبر أن الهبة الحالية هي استمرار "للتطرف الإسلامي" في الشرق الأوسط، ونتيجة "لتحريض" تمارسه السلطة الفلسطينية وحركتا حماس والجهاد الإسلامي والجناح الشمالي للحركة الإسلامية، وكذلك النواب العرب في الكنيست.
ومن منطلق هذه النظرة التضليلية والمشوهة للواقع، يعتبر قادة إسرائيل بدءا من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أن الحل لهذه الهبة ووضع نهاية لعمليات الطعن ورشق الحجارة وإلقاء الزجاجات الحارقة والمظاهرات والمواجهات بين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية، وبالتالي "إعادة الهدوء" سيتم من خلال مزيد من قمع الفلسطينيين، عسكريا وقانونيا واقتصاديا.
يستعرض هذا التقرير الحلول التي يطرحها قادة إسرائيل لوقف الهبة الفلسطينية الحالية، بالاستناد إلى ممارسة المزيد من القمع ضد الفلسطينيين، بينما يرى بعض الخبراء الأمنيين وعدد من المحللين السياسيين والعسكريين أن حلولا كهذه ليست ناجعة، بل أن ممارسة القوة غير التناسبية تحمل بذور موجة عنف أخرى، أو أنها ربما ستؤول إلى اتساع نطاق الهبة إلى حدّ اندلاع انتفاضة ثالثة.
نتنياهو: "سنتغلب على موجة الإرهاب الحالية"!
يتجاهل السياسيون الإسرائيليون، وفي مقدمتهم نتنياهو ووزراء حكومته اليمينية المتطرفة، حقيقة أن الهبة الحالية اندلعت بالأساس على شكل مظاهرات ومواجهات احتجاجا على اقتحامات غلاة المستوطنين للحرم القدسي واستفزازاتهم للفلسطينيين في البلدة القديمة في القدس خصوصا.
وبسبب هذا التجاهل، تصف إسرائيل هذه الهبة بأنها "إرهاب" وتنعت المشاركين في الاحتجاجات بأنهم "مخربون"، لتوحي بذلك للجمهور الإسرائيلي بأن إسرائيل تخوض حربا وجودية، ما دفع أحد الخبراء الأمنيين الإسرائيليين إلى التأكيد أنه لا يوجد خطر وجودي على إسرائيل.
وأوضح نتنياهو سياسته في هذا السياق، في خطاب ألقاه خلال جلسة افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، أمس الاثنين، قائلا إنه "سنتغلب على موجة الإرهاب الحالية أيضا، بعمل حازم وصارم لأفراد الشرطة والجنود وبواسطة شل حركة المخربين مثلما حدث في القدس اليوم أيضا".
وأردف "إننا نعمل من أجل إخراج الحركة الإسلامية خارج القانون. وأوضحنا تعليمات إطلاق النار، من خلال السماح لقوات الشرطة باستخدام القناصة وإطلاق الرصاص الحي ضد المتظاهرين الفلسطينيين، وعززنا القوات وصادقنا على سن قانون الحد الأدنى من العقوبات".
وصادقت اللجنة الوزارية للتشريع، أول من أمس الأحد، على تعديل قانون العقوبات بحيث يكون الحد الأدنى من العقوبة على من يدان بإلقاء حجارة السجن لمدة أربع سنوات. وطالب نتنياهو أحزاب المعارضة في الكنيست بتأييد هذا التعديل.
واعتبر نتنياهو أن "ما يوجهنا هو الوعي العميق بأننا نخوض صراعا عادلا. سنخرج الجناح الشمالي للحركة الإسلامية عن القانون. ولن تكون هناك حصانة لمن يشجع الإرهاب".
وأضاف أن "الإرهاب ليس نابعا من الإحباط بسبب عدم تقدم العملية السياسية، وواضح أنه ينبع من الرغبة في إبادتنا، وهذا هو دافعه في أيامنا نحن أيضا".
بدوره، وصف الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، أمام الكنيست، احتجاجات الفلسطينيين بأنها نتيجة "الإرهاب الدموي والسلفية الإسلامية"، وهدد بأنه "سنقطع أيدي الإرهاب الملطخة بالدماء، وسنحارب الإرهاب بشدة، ولن نرحم القساة".
واعتبر ريفلين أن "دولة إسرائيل هي دولة قانون، وهذا مصدر قوتها ومناعتها"، لكن في الوقت نفسه قال إنه "ملقاة علينا جميعا مسؤولية العمل من أجل تهدئة الخواطر".
وفي أعقاب تعالي دعوات، كتلك التي أطلقها وزير الدفاع موشيه يعلون، ورئيس بلدية القدس نير بركات، بأن يحمل كل المواطنين الإسرائيليين الأسلحة المرخصة التي بحوزتهم، ولم يعقب عليها نتنياهو أو أحد من حكومته، حذر ريفلين من أنه "علينا أن نتذكر ونُذكّر بأن لدينا قوات جيش وشرطة وجهاز قضاء، وبأيديهم، وفقط بأيديهم، الحق والواجب لاستنفاد الحكم مع المسؤولين عن هذه الجرائم البشعة".
هيرتسوغ: "إدارة الصراع تحولت إلى سكين في ظهر مواطني إسرائيل"
هاجم رئيس قائمة "المعسكر الصهيوني" والمعارضة الإسرائيلية، إسحق هيرتسوغ، في خطابه أمام الكنيست أمس، سياسة نتنياهو وتعنته في عدم الدخول إلى مفاوضات مع الفلسطينيين وإصراره على "إدارة الصراع" بدلا من ذلك.
وقال هيرتسوغ إن "نتنياهو يقول إنه يدير الصراع، وذلك الذي يعدّ نفسه لرئاسة الحكومة، نفتالي بينيت، يقول إنه يجب أن نتعلم العيش مع الصراع وكأنه شوكة في المؤخرة. إن الصراع الذي تديرانه في السنوات الأخيرة بطريقتكما ووفقا لقناعتكما تحول إلى سكين في ظهر مواطني إسرائيل. لقد فشلتما".
وأضاف هيرتسوغ "أن الإرهابيين السفلة رفعوا رأسهم في ورديتكما".
وقال إن نتنياهو الذي اتهمه مع تسيبي ليفني بأنهما سيقسمان القدس، يقوم بتفكيكها.
وتابع أنه "في هذا الوقت علينا أن نرفع صوتا أخلاقيا يطالبنا جميعا نحن والشعب، أبناء جميع الديانات والمجموعات، اليهود والعرب على حد سواء، بأن نتصرف بمسؤولية وبضبط نفس بالغ. علينا إظهار قدرة على القيادة وألا نقف جانبا، والتنديد بكافة أنواع الإرهاب والانفلات والعدوانية والعنصرية. وقدرنا أن نعيش في هذه البلاد، في هذه الدولة، يهودا وعربا سوية إلى الأبد".
وعبر رئيس حزب "ييش عتيد" (يوجد مستقبل)، يائير لبيد، عن تأييده لعمليات الإعدام الميدانية بحق الفلسطينيين وقتل منفذي عمليات طعن أو مشتبه بهم بتنفيذ عمليات كهذه، وقال إن "من يُخرج سكينا أو مفكا أو أي شيء آخر، فإن التعليمات يجب أن تكون بإطلاق النار عليه من أجل قتله" وأن توفر الدولة دعما قضائيا لمن يطلق النار
توصيات "معهد أبحاث الأمن القومي"
نشر "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، في الثامن من تشرين الأول الحالي، ورقة حول التصعيد الأمني الحالي، شملت توصيات للحكومة الإسرائيلية بشأن الخروج من هذا التصعيد.
وكتب الورقة الباحثان في المعهد كوبي ميخائيل وأودي ديكل والعميد في الاحتياط أساف أوريون، وهذا الأخير كان يتولى قبل عام منصب رئيس الدائرة الإستراتيجية في شعبة التخطيط في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي.
وقسم الباحثون توصياتهم إلى قسمين: "جهود لاستقرار الوضع في المدى الزمني الفوري، وهي ذات طابع أمني – شرطي"، و"جهود لبلورة الوضع في المدى الزمني الأبعد، وهي ذات طابع سياسي"، وشددوا على أن يتم تنفيذ هذه التوصيات في القدس والضفة وغزة.
وفيما يتعلق بالمدى الزمني الفوري، أوصت الورقة بما يلي:
• "إبعاد مثيري الاستفزاز" الفلسطينيين عن الحرم القدسي والسعي إلى استقرار الوضع فيه بمساعدة "موظفي الأوقاف الأردنية"، وفي موازاة ذلك عزل البلدة القديمة في القدس ومراقبة الداخلين إليها.
• بذل جهد خاص لمراقبة منهجية للشبكات الاجتماعية، بهدف العثور مسبقا على نشطاء، ومعرفة توجهات، وتطوير قدرات للتشويش والإحباط في حيز الشبكات الاجتماعية.
• تنسيق الإجراءات في الحرم القدسي مع الأردن وإرفاقها بشرح وتفسيرات.
• بذل جهود مشابهة مع مصر فيما يتعلق بقطاع غزة، كما أن إعمار القطاع قبل أن تمتص إسرائيل نتائج انهيار البنى التحتية في المنطقة مصلحة إسرائيلية هامة.
• تنظيم جولات لدبلوماسيين أجانب ومندوبين عن المنظمات العالمية الناشطة في البلاد في الحرم القدسي، لكي يشاهدوا عن كثب ما يحدث ولتوضيح موقف إسرائيل وسياستها فيما يتعلق بـ"الحفاظ على الوضع القائم" في الحرم.
• يجب بذل جهود من أجل منع استفزازات "من جانب المسلمين وكذلك من جانب يهود متطرفين" الأمر الذي يسهم في التصعيد.
• ثمة أهمية لتحسين جهود تطبيق القانون ضد الجرائم القومية والمعادية للدين التي ينفذها مواطنو إسرائيل (اعتداءات "تدفيع (جباية) الثمن")، في إطار الجهود الرامية إلى تخفيف الضغوط وتسكين البعد الديني المتزايد للمواجهة.
توصيات للأمد البعيد:
• حكومة إسرائيل ملزمة بالعمل من أجل تحسين ظروف الحياة في القدس الشرقية، من أجل تقليص إحباط السكان المهملين في المدينة وتقليص ضائقة الشبان العاطلين عن العمل، الذين يشكلون أرضا خصبة للتحريض والانفلات وتُترجم إلى عنف وإرهاب.
• في موازاة تواجد الشرطة في القدس الشرقية ينبغي تحسين الخدمات المقدمة للسكان الفلسطينيين وتقليص المس بها في أعقاب الوضع الميداني المتوتر.
• وفي الضفة الغربية، على إسرائيل الحرص على استمرار التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الفلسطينية وطرح مطالب واضحة بشأن الإجراءات ضد "مثيري الإرهاب والعنف" في مناطق السلطة الفلسطينية، إلى جانب تصعيد إسرائيل حربها ضد "الجهات الإرهابية" في مناطق السلطة.
• ثمة أهمية للسماح باستمرار عمل العمال الفلسطينيين، بالعدد الذي تمت المصادقة عليه مؤخرا، وعدم وقف التسهيلات في التنقل والتجارة.
• على حكومة إسرائيل بلورة مبادرة سياسية من أجل تغيير الوضع الميداني في الضفة في ظل غياب احتمال التوصل إلى اتفاق دائم، بدءا من ترتيبات تنقل، مرورا بخطوات أحادية الجانب من أجل بلورة واقع الدولتين للشعبين، وصولا إلى طرح أفكار قديمة وجديدة مثل إقامة نظام "وصاية" في مناطق السلطة الفلسطينية، "وربما بقيادة الدول العربية البراغماتية".
"لا يمكن اعتماد إدارة الصراع وتوسيع الاستيطان"
كتب رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق، غيورا آيلاند، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس، أنه "خلافا لأحداث أخرى في الشرق الأوسط تأثيرنا عليها محدود مثل سورية، فإنه في كل ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني إسرائيل هي اللاعب الأهم. وسياستنا تؤثر على الأحداث ليس أقل من أداء أبو مازن، وإرهاب حماس، ومصالح الأردن أو السياسة الأميركية".
وأشار آيلاند إلى أن السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين تعتمد على "إدارة الصراع" وليس على حله، معتبرا أن ثمة منطقاً في انتهاج هذه السياسة شريطة إدارة الصراع بشكل صحيح وإدراك أن لها تبعات وأثمان، وثمة ضرورة للامتناع عن الاحتكاكات.
وبحسب آيلاند، فإن بإمكان إسرائيل أن تبني "أحياء يهودية"، أي مستوطنات، في القدس الشرقية لكن لا ينبغي تشجيع اليهود على الاستيطان في قلب الأحياء الفلسطينية. كذلك وجّه اللوم إلى إسرائيل لأنها رفضت في العام 2004 وما زالت ترفض حتى اليوم، مقترحا أميركيا يقضي بأن يتم رسم حدود المستوطنات والبناء داخل هذه الحدود وعدم التوسع خارجها.
وأضاف آيلاند أنه لو شرح نتنياهو للعالم قبل سنة أنه لا يريد تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي لكان منع الهبة الحالية وكذلك الأمر بالنسبة للاستيطان في الضفة. وشدد آيلاند على أنه "ليس بالإمكان إدارة الصراع وفي الوقت نفسه بناء مستوطنات جديدة".
رغم ذلك، اعتبر آيلاند أن إدارة الصراع هي السياسة الصحيحة في الوقت الحالي، وأن "ما ينقص هو القول بشكل واضح إن إدارة الصراع والحفاظ على الوضع القائم سيّان وليس حيال جبل الهيكل فقط".
لا حلول لمواجهة فتية يحملون سكاكين
حاول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، اليوم الثلاثاء، رسم صورة لمواصفات منفذي عمليات الطعن الفلسطينيين، وأشار إلى أن أكثر من نصف هذه العمليات وقع في القدس.
وكتب أن جميع منفذي عمليات الطعن لم يبلغوا العشرين من عمرهم، بينهم أربع نساء، ولا يوجد لجميعهم ماض أمني، وتبين أن لعدد قليل منهم فقط علاقة ضعيفة للغاية بـ"تنظيم إرهابي"، وبعضهم أظهر تمسكا بالدين.
وأضاف هرئيل أن ثمة قاسما مشتركا لمعظمهم، هو أنهم من سكان القدس الشرقية ويحملون بطاقة هوية زرقاء تسمح لهم بالتنقل بحرية بين أجزاء المدينة، وإلى جانبهم اثنان يحملان الجنسية الإسرائيلية.
وتابع هرئيل أن هذه المعطيات، وخاصة العملية التي نفذها فتيان في مستوطنة "بسغات زئيف"، أمس، تبرز استنتاجين آخريْن: الأول، مدى صعوبة مهمة قوات الأمن الإسرائيلية في إحباط العمليات مسبقا لأن منفذيها لا يظهرون مؤشرات مسبقة على نواياهم، والاستنتاج الثاني يؤكد الفجوة في المنطق الذي يتعالى من صفوف جهات إسرائيلية على يمين الائتلاف الحكومي وبين عدد من الوزراء.
ورأى هرئيل أنه "حتى أولئك الذين يطالبون بشن عملية عسكرية واسعة من أجل إحباط الإرهاب ويحذرون من جمود إسرائيلي في مواجهته، يجدون صعوبة في طرح حلول مقنعة"، وفي الوقت ذاته شكك في نجاعة حملات الاعتقالات "فيما ’قواعد الإرهاب’ التي تهاجم إسرائيل في الجولة الحالية مبنية على فتية وفتيات مسلحين بسكاكين مطبخ".
المصطلحات المستخدمة:
الخط الأخضر, يديعوت أحرونوت, هآرتس, مجلس الأمن القومي, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, موشيه يعلون, يائير لبيد, نفتالي بينيت