تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2120

احتدم السجال في إسرائيل خلال الأسابيع الأخيرة بين الحكومة ونقابات الفنانين المسرحيين حول حرية التعبير عن الرأي في القضايا التي يجري تناولها في الحياة الثقافية. ورغم أن قسما بارزا من هذه القضايا المختلف حولها يتعلق بقضايا الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، إلا أن السجال الحاصل أبرز شرخا واسعا بين اليمين واليسار الصهيوني في إسرائيل.

هذا السجال لم يبدأ بحكومة بنيامين نتنياهو الحالية التي تمثل اليمين المتطرف الإسرائيلي، وإنما بدأ بعد عودة نتنياهو إلى الحكم في العام 2009. فقد سعى اليمين منذئذ إلى ترسيخ حكمه وأفكاره، وتأسست حركات يمينية من أجل تحقيق هذا الهدف، أبرزها حركة "إم ترتسو"، التي تنشط في الجامعات، ومن بين أهدافها المتعدّدة نفي النكبة الفلسطينية.

تجدر الإشارة بداية إلى أن تعريف مصطلحي اليمين واليسار في إسرائيل يختلف عنه في باقي أنحاء العالم. وبينما يرمز هذان المصطلحان في العالم الغربي خصوصا إلى المواقف الاجتماعية – الاقتصادية، حيث يحمل اليسار أفكارا اشتراكية ودولة الرفاه ويحمل اليمين أفكارا اقتصادية رأسمالية ونيو – ليبرالية، فإن اليسار في إسرائيل يعبر عن تأييده للمفاوضات مع الفلسطينيين، وقسم منه يؤيد بشدة قيام دولة فلسطينية، بينما يعارض اليمين مفاوضات كهذه ويرفض قيام دولة فلسطينية ويسعى إلى توسيع المستوطنات.

وبرزت في السنوات الماضية، وحتى قبل عودة نتنياهو إلى الحكم، زيادة البرامج التعليمية والتثقيفية، في جهاز التعليم والجيش، التي تعزز الهوية اليهودية، وذلك في موازاة تزايد انخراط أنصار التيار الصهيوني – الديني في مركز صناعة القرار في الحكومة والجيش.

وعيّن نتنياهو، في العام 2009، عضو الكنيست عن حزب الليكود الذي يتزعمه، ليمور ليفنات، وزيرة للثقافة والرياضة. وبقيت ليفنات في منصبها هذا حتى نهاية ولاية الحكومة السابقة، في أيار الفائت.

ودخلت ليفنات في مواجهة مع منظمات المسرحيين والفنانين، في أعقاب مطالب الأخيرين بعدم تقديم عروض مسرحية في المستوطنات. واعترضت ليفنات بشدة على هذه المطالب، وفي أعقاب ذلك أعلنت أن وزارتها ستمنع التمويل عن كل من يرفض الظهور "في كل مكان في البلاد"، وأن وزارتها ستمنح تمويلا خاصا لـ"إبداعات صهيونية".


كذلك استجابت ليفنات لدعوة حركة "إم ترتسو"، التي بين أنشطتها ملاحقة النشطاء والفنانين والمثقفين اليساريين والعرب، بطرد الممثل محمد بكري من مسرحية في مسرح "تسافتا" في تل أبيب، بسبب فيلم "جنين جنين" حول الجرائم الإسرائيلية في مخيم جنين في بداية الانتفاضة الثانية والذي أخرجه بكري. وقد رفض هذا المسرح طرد الممثل العربي.

كذلك طالبت ليفنات الفنانين بممارسة رقابة ذاتية على أعمالهم. وهددت في تشرين الثاني الماضي بوقف تمويل سينماتك تل أبيب بسبب تنظيمه مهرجان أفلام النكبة.


وأبرز الصراعات التي دارت في الحياة الثقافية في إسرائيل، كان قرار نتنياهو شخصيا، في نهاية ولاية حكومته السابقة، في بداية العام الحالي، بالتدخل في تشكيل لجنة "جائزة إسرائيل"، وهي أهم جائزة في إسرائيل. وأعلن نتنياهو حينها أنه يسعى إلى تعيين أدباء وأكاديميين ومثقفين من اليمين في لجنة الجائزة، واعتبر أن الغالبية العظمى من أعضاء لجان الجائزة كانوا من اليسار دائما، وأن هذا الأمر منع منح الجائزة لأدباء وباحثين ومثقفين من اليمين.

وأدى تدخل نتنياهو المكثف والفظ في تشكيل لجنة الجائزة إلى استقالات جماعية من اللجنة، وإلى إعلان عدد من المرشحين للحصول على الجائزة عن رفضهم لها.

تهديد بوقف تمويل مسارح عربية

لم يكن تأجيج الصراع الثقافي في إسرائيل مفاجئا، بعد تشكيل حكومة اليمين المتطرف الحالية ذات النزعات الفاشية، وتعيين رئيس حزب "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، وزيرا للتربية والتعليم، وعضو الكنيست ميري ريغف، وزيرة للثقافة.

وأعلن بينيت، يوم الثلاثاء الماضي، أنه قرر إخراج مسرحية "الزمن الموازي"، للمخرج بشار مرقص والتي تعرض في مسرح الميدان في حيفا، من "سلة الثقافة"، كون المسرحية تتحدث عن الأسير وليد دقة، الذي ما زال يقبع في السجون الإسرائيلية منذ 29 عاما بعدما أدين بخطف وقتل جندي إسرائيلي.

وجاء قرار بينيت رغم أن لجنة مرجعية "سلة الثقافة" التابعة لوزارة التربية والتعليم قررت، قبل يوم واحد وبإجماع أعضائها، إبقاء هذه المسرحية في السلة ورصد تمويل للمسرحية، في إطار خطة تهدف إلى تشجيع وتعليم الفنون، وبضمنها الموسيقى والرقص والسينما والمسرح. وشددت رئيسة اللجنة على أن أعضاء اللجنة "لم يجدوا في المسرحية أية مركبات مؤذية أو محرضة".

وقال بينيت، في بيان للصحافة، إن المسرحية لم تعد مشمولة في السلة، معتبرا أن "مواطني إسرائيل لن يمولوا من جيوبهم عروضا متسامحة مع قتلة الجنود". وأضاف حول قرار لجنة "سلة الثقافة" أن "لجنة تصادق على عرض مسرحي يجعل قاتل جندي بطلا هي لجنة ينبغي فحص أخلاقياتها'.

واجتمعت لجنة مرجعية "سلة الثقافة"، مساء يوم السبت الماضي، وقالت وسائل إعلام إن أعضاءها قرروا ألا يستقيلوا في هذه الأثناء، رغم أن بينيت شكك في أخلاقيتهم. لكنهم هددوا بالاستقالة احتجاجا على قرار بينيت إخراج مسرحية "الزمن الموازي" من السلة. وقال أعضاء اللجنة في ختام اجتماعهم إن "اللجنة تحتج على محاولة الوزير تحويلها إلى ختم مطاطي لقراراته".

وفي موازاة ذلك، وقع أكثر من 300 فنان وأديب وكاتب إسرائيلي، في نهاية الأسبوع الماضي، على عريضة بعنوان "القائمة السوداء" احتجوا فيها على خطوات وتصريحات بينيت وريغف.

وجاء في العريضة "إننا نحتج على الخطوات المعادية للديمقراطية التي تتخذها الوزارات في الأسابيع الأخيرة تجاه مبدعين ومثقفين، من الذين لا تتلاءم إبداعاتهم أو أفكارهم مع الرياح التي تهب من جهة هذه الوزارات".
وصدرت عريضة الاحتجاج أيضا في أعقاب إعلان وزيرة الثقافة، ميري ريغف، التي أشغلت في الماضي منصبي الناطقة العسكرية والرقيبة العسكرية، أنها تعتزم وقف تمويل مسرح الأطفال "المينا" في يافا، الذي يديره الممثل العربي نورمان عيسى، بادعاء رفضه المشاركة في عرض مسرحية للمسرح البلدي في حيفا يؤدي دورا فيها، في مستوطنة في غور الأردن.

وتبين لاحقا أن الوزيرة اتخذت قرارها من دون التأكد من الحقائق، وبتأثير الأجواء اليمينية السائدة في إسرائيل، إذ أبلغت نقابة المسرحيين ريغف بأن عيسى ترك المسرح البلدي في حيفا وانتقل للعمل في مسرح "هبيما"، الذي يعتبر المسرح القومي الإسرائيلي، وأن المسرح البلدي أراد الانتقام منه عندما أعلن أن عيسى يرفض الحضور إلى المستوطنة.

كذلك أعلنت زوجة عيسى، غدعونا راز، التي تدير مسرح "المينا" سوية مع زوجها، أن هذا المسرح سيقدم عرضا مسرحيا في مستوطنة في غور الأردن، وأن "المسرح سيذهب إلى أي مكان يُدعى إليه، ونحن جمعية، وهذا ليس مرتبطا بنورمان، ووزيرة الثقافة لم تفهم أن نورمان هو ليس الجمعية".

وكانت ريغف قد أعلنت لدى تسلمها منصبها أنه "لن أتعاون مع المس بصورة دولة إسرائيل"، وهو تصريح اعتبر أنه موجه إلى الفنانين والمثقفين والأدباء وتحذيرهم من توجيه انتقادات لسياسة الحكومة.

شرخ واسع وعميق

أظهر السجال الحاصل في إسرائيل وجود شرخ واسع وعميق بين اليمين واليسار الصهيوني، لم يتردد فيه الجانبان من مهاجمة بعضهما. وبرز هذا الشرخ بصورة جلية خلال "اجتماع طارئ من أجل الثقافة"، عقد في يافا، أول من أمس الأحد، وشارك فيه قرابة 400 فنان ومؤلف مسرحي وأدباء وموسيقيون.

وعُقد هذا الاجتماع احتجاجا على الخطوات الحكومية ضد مسرحية "الزمن الموازي" ومسرح "المينا"، وأيضا احتجاجا على تصريحات أطلقتها ريغف ضد الفنانين، قالت فيها "نحن حصلنا على 30 مقعدا في الكنيست وكل ما حصلتم عليه أنتم هو 20 مقعدا"، وأن "أهمية الثقافة هي تزويد الشعب بالخبز والتسلية".

وبلغ الاجتماع ذروته عندما ألقى الممثل والمخرج عوديد كوتلر كلمة قال فيها "جئت إلى هنا من أجل تهدئة الأجواء العاصفة. وحبة التهدئة خاصتي هي تعيين رئيس الحكومة لميري ريغف وزيرة للثقافة. من كان بإمكانه، عدا رئيس حكومتنا، أن يخترع حدثا تاريخيا – هستيريا كهذا؟... وهذا هو الوقت الذي ينبغي فيه رفع الرأس مقابل التبهم المسيطر على شوارعنا الفنية، والقول للسيدة ريغف: اهدئي. لن ندعك تعملين جاهدة، لن نسمح لك بأن تبدعي بدلا منا، ولن ندعك تقولين ما الذي ينبغي أن نفعله وكيف نفعله".

وأضاف كوتلر "تخيلي يا وزيرة الثقافة عالما بدون كتاب، بدون مسرحية، وبدون وجود عائق لقوم لكي يحتفلوا بثلاثين عضو كنيست، يسير وراءهم قطيع بهائم يلعق القش والخشب. وقد كشفت الوزيرة أسلوبها أمامنا. من صوت لي سيحصل على مقابل، ومن لم يصوت فليذهب إلى الجحيم".

وردت ريغف على كوتلر بالقول إن "تصريحاته تكشف عن وجهه البشع واستعلائه هو وقسم من الحاضرين الذين صفقوا له. وبنظري، هو يمثل ظلامية ثقافية".

كذلك هاجم رئيس المعارضة و"المعسكر الصهيوني"، إسحاق هرتسوغ، وعضو الكنيست شيلي يحيموفيتش، كوتلر بسبب تصريحاته. وقالت يحيموفيتش إن "من يصف 985.408 شخصا (أي مصوتي حزب الليكود) بأنهم ’بهائم’ هو نفسه بهيمة".

كذلك هاجم نتنياهو كوتلر، خلال اجتماع كتلة حزب الليكود في الكنيست، أمس الاثنين، وقال إن "الأمور التي قيلت ضد جمهور كبير وعزيز في إسرائيل مثيرة للغضب وتستحق التنديد بشدة".

واعتبر نتنياهو أنه "لا يوجد حق ممنوح وأوتوماتيكي بأن أي شيء يقال يجب أن يحصل على تمويل حكومي أو من الجمهور" في إشارة إلى قرار بينيت بإخراج مسرحية "الزمن الموازي" من سلة الثقافة".

وادعى أنه يعتز بأنه رئيس حكومة "الدولة الديمقراطية التي تواجه أكبر عدد من التحديات في العالم، وتحافظ بتعصب على حرية التعبير"، وأن "القانون يحمي حق التعبير. ولكل إنسان الحق والحرية في قول ما يشاء والإبداع كما يشاء".

من جانبه، قال الروائي الإسرائيلي دافيد غروسمان، في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" نُشرت أمس، إنه "بدا لي منذ اللحظة الأولى أن الوزيرة ريغف أخذتنا جميعا إلى مسار تصادم. ورغم وجود نية حسنة لدي، إلا أنني لست مقتنعا بأنه ستحدث تغييرات في مواقفها. فهي تمثل وجهة نظر يحملها كثيرون، وترى أن مركزها في اليهودية والإسرائيلية وترغب بالبقاء هناك. وهناك أشخاص مثلي، الذين تشكل اليهودية والإسرائيلية جزءا مركزيا في حياتهم، لكنهم يريدون أن يلتقوا مع العالم".

وأردف غروسمان أن "الخطر الكامن في وجهة النظر التي تمثلها ريغف هو تقلص صلتنا بواقعنا وبوضعنا المعقد. والخطر هو أنه في حال استمرار هذه العملية، وإذا ما ازدادت عزلتنا في العالم، فإن إسرائيل ستتحول إلى طائفة عسكرية وسلفية منغلقة في هامش التاريخ لا أكثر".

وفي مقابل استهداف المسارح العربية وحرية التعبير، أعلن مكتب رئيس حكومة إسرائيل أنه سيمول بمئة ألف شيكل كتابة سيناريو مسرحية عن حياة الوزير السابق وداعية الترانسفير رحبعام زئيفي. وقرر مكتب نتنياهو تحويل المبلغ إلى مسرح "إكسبكليريا"، الذي قالت وسائل إعلام إن مديريه من صفوف اليمين وينتمون لحزب "البيت اليهودي" الذي يرأسه بينيت.