تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

بحلول الصيف الحالي، تكون قد مرت عشر سنوات على خطة الانفصال، التي أخلت إسرائيل بموجبها جميع المستوطنات في قطاع غزة، وكانت تعرف باسم "غوش قطيف"، وأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية، وتم في إطارها أيضا سحب قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع وإعادة انتشاره حوله في حصار مستمر حتى اليوم.

ونفذت خطة الانفصال، في صيف العام 2005، حكومة يمينية شكلها حزب الليكود برئاسة أريئيل شارون، وسط معارضة من داخل معسكر اليمين، من داخل الليكود نفسه وبين المستوطنين. وأبرزت هذه الخطة الخلافات داخل اليمين، وخصوصا الحزب المركزي فيه، الليكود، وذلك في الوقت الذي كانت تتعرض فيه إسرائيل لانتقادات دولية على خلفية قمع الفلسطينيين خلال الانتفاضة الثانية، في السنوات 2000 – 2005، وسقوط آلاف القتلى والمصابين بين الفلسطينيين، وجمود العملية السياسية التي بدأت بتوقيع اتفاقيات أوسلو في العام 1993.

وأدت الخلافات حول خطة الانفصال إلى انشقاق حزب الليكود، عندما انسحب شارون ومجموعة كبيرة معه عن الليكود، وتأسيس حزب كديما، الذي رغم تشكيله من رموز اليمين، إلا أنه وُصف بحزب وسطي، لأنه وافق على الانسحاب من أراض محتلة عام 1967. وانضمت إلى كديما قيادات من حزب العمل، أبرزهم شمعون بيريس، وبقي شارون في رئاسة الحكومة حتى مطلع العام 2006. وفي الرابع من كانون الثاني أصيب شارون بجلطة دماغية حادة أدخلته في غيبوبة لم يصحُ منها، حتى وفاته في كانون الثاني من العام 2014 الماضي.

وخلف شارون القائم بأعماله، أيهود أولمرت، الذي قاد حزب كديما في انتخابات عامة جرت في آذار العام 2006، وحقق فوزا ساحقا فيها بحصوله على 29 مقعدا في الكنيست وشكل حكومة، بينما حصل حزب الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو على 12 مقعدا فقط. ويذكر أن أولمرت تحدث خلال حملته الانتخابية عن خطة الانطواء عن الضفة الغربية، في إشارة إلى انسحاب من الضفة الغربية والتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين وضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل.

وبعد ثلاث سنوات، في انتخابات العام 2009، عاد حزب الليكود إلى الحكم ونتنياهو إلى رئاسة الحكومة. لكن عودة الليكود إلى الحكم هذه المرة لم تكن مثل المرات السابقة عندما فاز الليكود بالحكم تحت قيادة مناحيم بيغن وإسحق شامير أو حتى شارون. في هذا العام، وصل نتنياهو إلى الحكم من أجل تعزيز قوة اليمين عموما، واليمين المتطرف خصوصا، والبقاء في الحكم لسنوات طويلة، يمنع خلالها أي تسوية مع الفلسطينيين، بادعاء أن تسوية كهذه تشكل خطرا على أمن إسرائيل، وليروج أن خطة الانفصال أدت فقط إلى دخول حركات إسلامية متطرفة إلى قطاع غزة وإطلاق الصواريخ والقذائف باتجاه المدن والبلدات في جنوب إسرائيل.

خطوات متشابهة وأهداف معاكسة
يسعى نتنياهو حاليا إلى تنفيذ خطوات داخلية شبيهة لخطوات نفذها شارون عشية تنفيذ خطة الانفصال، ولكن الهدف معاكس، وهو إحباط أي محاولة لإخلاء مستوطنات أو للانسحاب من الضفة الغربية. وهو يصرح طوال الوقت بأنه في حال تم التوصل إلى تسوية، بعد أن يوافق الفلسطينيون على شروطه التعجيزية، فإن هذه التسوية ستطرح في استفتاء شعبي، ولذلك يسعى إلى سن القانون الاستفتاء الشعبي.

وقبل عشر سنوات، في 28 آذار العام 2005، رفض الكنيست مشروع قانون الاستفتاء الشعبي، الذي طرحه معارضو خطة الانفصال. وقد وضع شارون كل ثقله السياسي من أجل منع إقرار هذا القانون، تحسبا من معارضة أغلبية الإسرائيليين للخطة.

وفي الانتخابات الأخيرة، التي جرت في 17 آذار الماضي، نجح نتنياهو في جذب ناخبين، من مصوتي حزب "البيت اليهودي"، ليصوتوا لحزب الليكود، ليصبح الحزب الأكبر، ويكون من الصعب تشكيل حكومة من دون مشاركته فيها. ثم شكل حكومة يمين – حريديم، لم يشارك فيها سوى حزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان. لكن أصوات نواب هذا الحزب إلى جانب الحكومة في القرارات السياسية مضمونة بسبب مواقفه المعارضة للتسوية مع الفلسطينيين.

في حينه أيضا، في انتخابات العام 2003، تحالف حزب الليكود مع حزب "يسرائيل بعليا" بقيادة نتان شيرانسكي، وحصل على 40 مقعدا في الكنيست، ليكون من الصعب تشكيل حكومة من دون مشاركته فيها. وبعد ذلك شكل شارون حكومة يمين – حريديم وحزب شينوي. وفي وقت لاحق، في كانون الثاني العام 2005، انضم حزب العمل إلى هذه الحكومة بعدما انسحب منها حزب شينوي، كما انسحب منها وزراء على خلفية إقرار خطة الانفصال.

وفي 16 شباط العام 2005 صادق الكنيست على قانون تطبيق خطة الانفصال، الذي عُرف في حينه باسم "قانون الإخلاء والتعويض". وفي 20 شباط وقع شارون على أوامر إخلاء 21 مستوطنة في القطاع وأربع مستوطنات في شمال الضفة.
وأظهرت استطلاعات الرأي أن 66% من الإسرائيليين يؤيدون خطة الانفصال، وكان هناك أغلبية مؤيدة واضحة للخطة في الكنيست، كما أن الأجواء التي بثتها وسائل الإعلام كانت مشابهة.

رغم ذلك، كان المستوطنون وقيادتهم في مجلس المستوطنات يأملون بأن يتمكنوا من قلب الأمور رأسا على عقب من خلال سن قانون الاستفتاء الشعبي. وكانوا يأملون أيضا بمنع إقرار الموازنة العامة وسقوط حكومة شارون، لكن الكنيست أسقط مشروع قانون الاستفتاء وصادق على الموازنة العامة، بتأييد "متمردي الليكود"، وهم 13 عضو كنيست عارضوا خطة الانفصال.

وقد أيد "متمردو الليكود" الموازنة بعد أن هدد شارون بالذهاب إلى انتخابات مبكرة في حال عدم المصادقة عليها، وأن قسما من "المتمردين" لن ينتخبوا مجددا لعضوية الكنيست.

وأشارت الدكتوره عنات روت، المستشارة السابقة لرئيس الحكومة، ايهود باراك، ورئيس حزب العمل الأسبق، عمرام متسناع والوزير السابق متان فيلنائي، في مقال نشرته مؤخرا في صحيفة "مَكور ريشون"، إلى أن حكومة شارون نفذت حملة نزع شرعية ضد معارضي الانفصال، ووصفتهم بأنهم جمهور عنيف ويهدد وجود النظام الديمقراطي.

وحذر رئيس الشاباك في حينه، آفي ديختر، من أنه بين معارضي خطة الانفصال "طرأ ارتفاع دراماتيكي في مخالفات التحريض على العنف والعنصرية، والتهرب من الخدمة العسكرية والعصيان". كذلك حذرت عناوين الصحف من أن آلاف نشطاء اليمين يعتزمون مهاجمة الحرم القدسي والقيام بأعمال شغب والدخول في مواجهات خلال تنفيذ الخطة.

وأظهرت استطلاعات الرأي أن 65% من الإسرائيليين مقتنعون بأن جهات في اليمين تخطط لاغتيال شارون.
ومن أجل ضمان تأييد أغلبية من أعضاء الائتلاف في الكنيست إلى جانب خطة الانفصال وإسقاط مشاريع قد تعرقلها، منح شارون مكاسب لأحزاب ووزراء، مثل تعيين عضوي كنيست من كتلة "يهدوت هتوراة" في منصبي نائب وزير، وتعيين أعضاء كنيست من الليكود في منصب وزير أو نائب وزير.

لا علاقة بين خطة الانفصال وإطلاق الصواريخ
توقعت المحللة السياسية في موقع "ألمونيتور" الالكتروني، مازل معلم، أنه "في الأيام والأسابيع القريبة، وكلما اقتربنا من 15 آب، يوم الذكرى السنوية العاشرة لموعد بدء الإخلاء، سنستمع إلى المزيد من الشعارات الجوفاء المأخوذة من الرواية التي رعاها اليمين في العقيد الأخير، وبموجبها خطة الانفصال عن غزة كانت كارثة تسببت بصعود حماس وأدت إلى إرهاب الصواريخ".

وأشارت إلى أن "المتحدثين باسم اليمين، وبينهم كبار السياسيين وعلى رأسهم نتنياهو، نجحوا طوال السنوات الماضية بتحويل خطة الانفصال التي بادر إليها شارون إلى رمز للعمى السياسي والفوضى السياسية والأمنية، وإلى إشارة تحذير من خطوات مشابهة في المستقبل. وقد تعمقت في وعي الجمهور فكرة اليمين، التي بموجبها أنه في كل مرة تنسحب فيها إسرائيل من مناطق ستتحول هذه المناطق إلى دفيئة للإرهاب".

لكن معلم اعتبرت أن خطة الانفصال كانت "مبادرة سياسية" وكتبت أنه "في هذه الفترة بالذات، فيما يطلع الجمهور الإسرائيلي على تبعات وانعكاسات الضغوط السياسية المتزايدة على إسرائيل (بسبب جمود العملية السياسية مع الفلسطينيين)، بإمكان المتحدثين باسم الوسط – يسار أن يستعرضوا أفضليات مبادرة سياسية، إن لم يكن من أجل تحسين وضع إسرائيل الإستراتيجي في المنطقة، فعلى الأقل من أجل وقف عملية نزع الشرعية الدولية، التي من شأنها المس بمناعتها السياسية".

وأضافت أن "خطة الانفصال كانت عمليا آخر خطوة سياسية نفذتها إسرائيل منذ عشر سنوات. لقد طُرحت بعدها مبادرات وخطط سلام، لكن لم يوصل أي رئيس حكومة بعد شارون إلى حيز التنفيذ خطوة دراماتيكية إلى هذا الحد. وتمحورت الانتقادات ضد شارون من جانب اليسار حول حقيقة أن هذا إخلاء تم من دون اتفاق مع الفلسطينيين، لكن اليسار تبنى الخطة نفسها بدفء".

ولفتت معلم إلى أنه "خلافا لادعاءات اليمين، بأنه بسبب خطة الانفصال بدأت حماس تطلق الصواريخ باتجاه بلدات الجنوب، فإن الحقيقة هي أن أول صاروخ قسام باتجاه مدينة سديروت تم إطلاقه من غزة في العام 2001، وعشية الانفصال تم إطلاق مئات صواريخ القسام. وهناك أمر آخر تناساه الجمهور وهو الثمن الدموي اليومي تقريبا الذي دفعته إسرائيل بجنودها، الذين أصيبوا وقتلوا جراء تفجير عبوات ناسفة ضدهم. كذلك تم نسيان العبء غير المحتمل بحراسة 8600 مستوطن كانوا يعيشون في قطاع غزة حينذاك".

ورأت معلم أن "بين الأسباب التي جعلت شارون يبادر إلى خطة الانفصال، إدراكه أن الجمود السياسي أدى إلى نمو مبادرات كان بإمكانها، بنظره، أن تلحق ضررا بمكانة إسرائيل الدولية، وبينها مبادرة جنيف. وآمن بأن إزالة المسؤولية عن مليون فلسطيني في القطاع سيعود بالفائدة على إسرائيل ويزيل عنها جزءا من الضغط الدولي. وكانت خطوة شارون تعبيرا عن أخذ زمام المبادرة والمسؤولية، ومنح إسرائيل اعتمادا سياسيا واقتصاديا هائلا، كانت في أشد الحاجة إليه بعد السنوات العنيفة للانتفاضة الثانية".

كذلك أشار المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، شمعون شيفر، أمس الأحد، إلى أنه تم إطلاق آلاف قذائف الهاون باتجاه المستوطنات في القطاع في الأعوام 2000 – 2005، وقُتل قرابة 150 إسرائيليا، بين جندي ومستوطن، في عمليات تفجيرية.

وأضاف شيفر أن "من يدعي أنه حتى خطة الانفصال كانت كتلة ’غوش قطيف’ جنة عدن، هو مخطئ ومضلل. ومصدر "الإرهاب الفلسطيني" مرتبط بالرغبة في طرد الكيان الإسرائيلي من كل المناطق التي احتلت عام 1967، وبالنسبة لتنظيمات عديدة ينبغي القضاء على الكيان الصهيوني في كل مكان".

وأشار إلى أنه "خلال السنوات الست الأخيرة توجد في إسرائيل حكومات يمينية، توجه انتقادات قاتلة لخطة الانفصال عن غزة رغم أن معظم أعضائها أيدوا الخطة. وإذا أردت أن أكون ديماغوغيا أكثر، فإنه ينبغي توجيه سؤال إلى أعضاء الحكومة هؤلاء، لماذا لم تأمروا الجيش الإسرائيلي بإعادة احتلال القطاع وتوطين آلاف (المستوطنين) ’المطرودين’ فيها؟".

وخلص شيفر إلى أن "الاعتداء الدموي في نهاية الأسبوع الماضي، الذي قُتل فيه شاب إسرائيلي بالقرب من مستوطنة دوليف في السامرة، العمل الذي أعلنت حماس مسؤوليتها عنه، تحتم على حكومة نتنياهو أن تطرح بديلا شاملا للحل، وتسوية العلاقات مع ملايين الفلسطينيين الذي يعيشون في محيطنا. لا مفر من ذلك".