تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1916

يحاول اليمين المتطرف الإسرائيلي، المتمثل بحزب "البيت اليهودي" وقسم كبير من حزب الليكود الحاكم وقادة المستوطنين عموما، دفع حكومة بنيامين نتنياهو إلى اتخاذ قرارات لشن عملية عسكرية واسعة ضد الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، بادعاء القضاء على حركة حماس سياسيا وعسكريا، في أعقاب اختطاف ثلاثة مستوطنين وقتلهم.
لكن هذا اليمين يعلم أن عملية عسكرية واسعة كهذه، تشمل اجتياحا بريا للقطاع ومواصلة الاجتياح الحاصل في الضفة، ستكون موجهة بالأساس ضد المواطنين الفلسطينيين العزّل، مثلما حدث في جميع العمليات العسكرية الإسرائيلية في العقود الماضية.


وفي المقابل، يظهر نتنياهو ووزير الدفاع، موشيه يعلون، ورئيس هيئة أركان الجيش، بيني غانتس، أنهم "الكبار المسؤولون"، ويتم تصويرهم في الإعلام الإسرائيلي بأنهم يصدون اليمين المتطرف ودعواته إلى تصعيد أمني أكبر من التصعيد الحاصل أصلا.

وذكرت تقارير إعلامية أن الجيش الإسرائيلي عبر عن معارضته لعملية برية في القطاع، خلال اجتماعات المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية- الأمنية (الكابينيت) المتتالية، التي عُقدت يوميا منذ العثور على جثث المستوطنين الثلاثة، يوم الاثنين الماضي. ونقلت هذه التقارير عن يعلون قوله إن إسرائيل لا تريد حربا الآن، فيما منع نتنياهو الكابينيت من اتخاذ قرار بشن عدوان على غزة.

وقال نتنياهو، خلال حفل في بيت السفير الأميركي في مدينة هرتسيليا بمناسبة يوم الاستقلال الأميركي، يوم الخميس الماضي: "إننا جاهزون لاحتمالين في الجنوب. الاحتمال الأول هو توقف إطلاق الصواريخ واستئناف الهدوء. والاحتمال الثاني هو أن القوات (الإسرائيلية) الموجودة في الجنوب ستعمل بكل القوة. إن أمن المواطنين قبل أي شيء آخر".

وسبق ذلك بساعات قليلة تسرب أنباء عن اجتماع الكابينيت وأنه قرر "الامتناع عن المبادرة إلى شن عملية عسكرية في غزة في حال الحفاظ على الهدوء"، وأن "إطلاق الصواريخ خلال الـ 24 ساعة المقبلة سيحسم طبيعة رد الفعل الإسرائيلي".

ونقل موقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين قولهم، أول من أمس الجمعة، إن "الكرة في ملعب حماس. وقد أبلغنا حماس بأن الهدوء سيقابل بهدوء، وأنه إذا لم يسد الهدوء فإنهم سيتلقون ضربة شديدة جدا. والرسالة واضحة جدا وتم نقلها (إلى حماس) بصورة واضحة جدا. وإذا وافقوا على وقف إطلاق نار أحادي الجانب وساد الهدوء – فهذا حسن".

تصعيد اليمين المتطرف

تفيد التقارير الإعلامية بأن الأجواء في إسرائيل مشحونة وأن الجمهور الإسرائيلي سيؤيد أي قرار للحكومة بالتصعيد ضد الفلسطينيين. وقد غذّى اليمين المتطرف هذه الأجواء، طوال الأسابيع الثلاثة الماضية، منذ اختطاف المستوطنين الثلاثة.

وكتب كبير المعلقين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، يوم الجمعة الماضي، أن "متحدثين إسرائيليين يشكون كثيرا من التحريض في الجانب الفلسطيني. وليست حماس وحدها التي تدعو إلى المس بيهود أبرياء، وإنما أيضاً قياديون في السلطة الفلسطينية". وأردف أن جمعيات اليمين المتطرف "تسترزق" من ذلك. وأشار الكاتب إلى تصريحات منفلتة أطلقها وزراء ونواب اليمين المتطرف.

وكتب نائب وزير الدفاع، داني دانون، من حزب الليكود، في صفحته على موقع "فيسبوك": "كان بوتين سيسوي قرية تلو الأخرى بالأرض لو جرى اختطاف ولد روسي".

وكتبت عضو الكنيست أييليت شكيد، من حزب "البيت اليهودي": "ينبغي التعامل مع شعب يقتل أبطاله الأولاد بما يتلاءم مع ذلك".

وكتب رئيس الحركة العالمية للشبيبة الصهيونية – الدينية "بني عكيفا"، الحاخام نوعام بيريل: "أمة كاملة وآلاف سنوات التاريخ تطالب بالانتقام. وحكومة إسرائيل منعقدة في جلسة انتقام وهي ليست جلسة تأبينية. وقد جنّ صاحب البيت لمشهد جثث أبنائه. والحكومة تحول جيش الباحثين إلى جيش منتقمين، جيش لن يتوقف عند خط 300 قتيل فلسطيني. ويتم التكفير عن المذلة بدماء العدو وليس بالدموع". 

وكتب أوري باراك، وهو أحد قادة المستوطنين: "هذه هي اللحظة التي يثور جنوننا. وعندما يمسون بأولادنا، سيجن صاحب البيت وليست لدينا حدود؛ حل السلطة الفلسطينية، ضم يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، إعدام جميع المخربين في السجون والذين أدينوا بالقتل، نفي عائلات المخربين إلى غزة".

وأضاف برنياع أن جهات في اليمين المتطرف وزعت أرقام هواتف محمولة لوزراء أعضاء في الكابينيت، وبعد وقت قصير غرقت هذه الهواتف برسائل خليوية تضمنت عبارة "الموت للعرب".

ويبدو أن اليمين المتطرف يصعد الأجواء، مستغلا عملية الاختطاف، من أجل تحقيق عدة أمور. الأمر الأول هو تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية. والأمر الثاني هو اتخاذ الحكومة قرارا بشن عملية عسكرية واسعة ضد الفلسطينيين. ونتيجة لذلك، فإن الأمر الثالث هو منع احتمال استئناف العملية السياسية الإسرائيلية – الفلسطينية بعد أن تهدأ الأوضاع.

وذكر محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، أن اليمين المتطرف سعى إلى ممارسة ضغوط على وزراء الكابينيت من أجل اتخاذ قرارات بهذا الاتجاه.

وكتب فيرتر أن "اجتماع الكابينيت الذي التأم بصورة هلعة مساء يوم الاثنين الماضي في مكتب رئيس الحكومة في القدس، بعد العثور على جثث الفتية الثلاثة المخطوفين، حمل كافة مؤشرات حدث أمني – سياسي دراماتيكي. وكان هذا من نوع الاجتماعات التي ولّدت في الماضي البعيد والقريب حروبا وعمليات عسكرية".

وأضاف فيرتر أن وزراء الكابينيت فوجئوا لدى حضورهم إلى الاجتماع بوجود وزير البناء والإسكان، أوري أريئيل، من حزب "البيت اليهودي" وأحد أبرز قادة المستوطنين منذ بدء المشروع الاستيطاني. وتأتي هذه المفاجأة لسببين. الأول هو أن أريئيل ليس عضوا في الكابينيت. والسبب الثاني أنه قبل ذلك بأسبوع طرد نتنياهو أريئيل من اجتماع للكابينيت، حاول الأخير المشاركة فيه بدون إذن من نتنياهو.

لكن أريئيل لم يتواجد، هذه المرة، في غرفة الاجتماع، وإنما في الرواق المؤدي إلى غرفة الاجتماع. وفوجئ الوزراء أكثر عندما رأوا أنه بانتظارهم في الرواق، إلى جانب أريئيل، زئيف حيفر، الملقب بـ "زامبيش"، وهو أبرز بناة المستوطنات ومن قادة مجلس المستوطنات، الذي أدين في الثمانينيات بالعضوية في "التنظيم السري اليهودي" وتنفيذ عمليات عدائية ضد الفلسطينيين.

وأضاف فيرتر أن أريئيل وحيفر تحدثا إلى الوزراء، لدى دخولهم إلى الاجتماع، وطالبوهم بممارسة ضغوط على نتنياهو من أجل اتخاذ قرارات لتنفيذ مشاريع وأعمال بناء جديدة في المستوطنات لتشكل "ردا صهيونيا" على عملية الاختطاف وقتل المخطوفين.

ولفت فيرتر إلى أنه إذا كان ضابط الأمن في مكتب رئيس الحكومة قد أصدر تصريحا يسمح لحيفر بالدخول إلى مقر رئاسة الحكومة والوصول إلى غرفة اجتماعات الكابينيت، وهو "المكان الأكثر حساسية، في أكثر فترة مشحونة بالتوتر، وفي أصعب الظروف، فعليكم أن تعتمدوا عليه (على حيفر)، بأنه سيكون هناك وسيحاول دفع مئة وحدة سكنية أخرى وشق نصف شارع آخر يؤدي إلى لا مكان" من أجل الاستيلاء على أراض في الضفة.

وأضاف فيرتر أن أريئيل طالب في اليوم التالي متابعي صفحته على موقع "تويتر" بالاتصال مع مكتب رئيس الحكومة، وكتب "الاتصال إلى هاتف رقم 026703332"، و"ممارسة ضغوط" على نتنياهو كي يسمح له بتنفيذ أعمال بناء استيطانية في غور الأردن.

 

سجال بين اليمين و... اليمين!

 السجال الدائر في مقر صنع القرار الإسرائيلي هو سجال بين اليمين واليمين المتطرف. ومواقف وأفكار نتنياهو ويعلون لم تتحرك باتجاه الوسطية السياسية. ليس هذا وحسب، بل إن نتنياهو أيضاً غذّى هو الآخر انفلات اليمين المتطرف، عندما زعم باستعلاء عنصري، الأسبوع الماضي، أن "هوة أخلاقية واسعة وعميقة تفصل بيننا وبين أعدائنا: هم يقدسون الموت، ونحن نقدس الحياة؛ هم يقدسون القسوة، ونحن نقدس الرحمة". 

وفيما طالب رئيس حزب "البيت اليهودي" ووزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، خلال اجتماع الكابينيت، يوم الثلاثاء الماضي، "بتنفيذ عمليات عسكرية كبيرة ضد حماس في غزة" و"فرض عقوبة الإعدام فعليا على المخربين"، طرح يعلون خطة "من أجل تعزيز الاستيطان". وحظيت هذه الخطة بتأييد نتنياهو. كذلك اقترح يعلون إقامة مستوطنة جديدة يطلق عليها اسم المخطوفين الثلاثة. وهذا ما حدث في نهاية الأسبوع الماضي، حيث أقام مستوطنون ثلاث بؤر استيطانية في منطقة الكتلة الاستيطانية "غوش عتسيون" وأطلق على إحداها اسم "رمات هشلوشا" أي "هضبة الثلاثة".

رغم ذلك، فإن وسائل الإعلام تصور يعلون بأنه كان "معتدلا" خلال اجتماعات الكابينيت، الأسبوع الماضي، وأن خلافات حادة نشبت بينه وبين بينيت. وهذه الخلافات كانت متعلقة بموضوع واحد وهو عملية برية ضد غزة.

ودافع وزير الأمن الداخلي، إسحاق أهرونوفيتش، عن موقف يعلون، وقال لبينيت خلال اجتماع الكابينيت إن "دمي يغلي أيضا. لكن علينا أن نعمل من الرأس (أي العقل) وليس من البطن (أي المشاعر). ولن يحدث شيء إذا انفض الاجتماع من دون أن نتخذ قرارا، ونهدأ، ونعود إلى هنا غدا. ما الذي علينا أن نبحث عنه في غزة الآن؟ ماذا فقدنا في غزة؟ عنواننا هو حماس في يهودا والسامرة، وهناك ينبغي أن نعمل".

وأشارت وسائل الإعلام إلى أن رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" الذي ينتمي إليه أهرونوفيتش، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، تغيب عن اجتماع الكابينيت.

وكان ليبرمان طالب في تصريحات للإذاعة العامة الإسرائيلية بشن حملة "السور الواقي 2" ضد غزة، كتلك التي شنها الجيش الإسرائيلي في الضفة في العام 2002، و"دراسة إعادة احتلال غزة". وتساءل محللون في ما إذا كان أحد يعرف ما الذي يريده ليبرمان، مشيرين إلى أنه قبل ذلك بيومين اقترح، خلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، التوصل إلى اتفاق سلام شامل مع الدول العربية والفلسطينيين.

وفيما عبر نتنياهو ويعلون والجيش الإسرائيلي عن موافقتهم على وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس، قال ليبرمان خلال زيارة لمدينة سديروت في جنوب إسرائيل، يوم الجمعة الأخير، إن "الحديث والرسائل التي نُقلت إلى حماس حول وقف إطلاق النار هي خطأ شديد. ومفهوم الهدوء سيقابل بالهدوء هو خطأ خطير ونحن في حزب إسرائيل بيتنا نرفض هذا التوجه جملة وتفصيلا"، علما أن وزير الأمن الداخلي أهرونوفيتش يوافق على ذلك.

وتابع ليبرمان، ربما بهدف كسب تأييد شعبي بعد تدني شعبيته إلى الحضيض منذ الانتخابات العامة الأخيرة، أنه "لا يعقل أنه بعد أن خطفوا ثلاثة من شباننا وبعد أسبوعين متواصلين من تساقط الصواريخ، يكون التوجه الإسرائيلي بأن الهدوء سيقابل بالهدوء. وبدلا من مواجهة المشكلة يؤجلونها. علينا أن ندمر البنى التحتية الإرهابية ومصانع إنتاج الصواريخ التي باتت تصل اليوم إلى نتانيا. ولا يمكن القضاء على البنى التحتية للإرهاب من الجو فقط".

 

"بينيت لا يفهم الفرق بين منصبه كوزير ومدوّن في فيسبوك"

 على خلفية السجال داخل الحكومة، ذكرت تقارير صحافية أن اجتماع الكابينيت، يوم الثلاثاء الماضي، افتتح بصورة غير مألوفة. ففي بداية الاجتماع، طلب نتنياهو من جميع المشاركين فيه وليسوا وزراء، مثل قادة الأذرع الأمنية والمستشارين والمسؤولين في أجهزة الاستخبارات، الخروج من غرفة الاجتماع. وبعد خروجهم، راح نتنياهو يوبخ الوزراء بسبب تسريب تفاصيل من اجتماع الكابينيت من اليوم السابق إلى وسائل الإعلام. وألمح نتنياهو إلى أنه في حال تكرار تسريبات كهذه فإنه سيرسل جميع الوزراء لفحص على آلة كشف الكذب كي يكتشف هوية المسربين. وقد امتنع الوزراء عن تسريب أية تفاصيل حول مداولات اجتماعات الكابينيت في اليومين التاليين.

وأشار فيرتر إلى الأجواء في اجتماعات الكابينيت. وكتب أن "التوتر بين الوزراء المعتدلين، يعلون ويائير لبيد وتسيبي ليفني وأهرونوفيتش وبالإمكان ضم نتنياهو إليهم أيضا، وبين الجناح الحربجي بقيادة بينيت وغلعاد إردان وليبرمان، تصاعد بشكل كبير وتحول إلى خلاف شخصي ومسموم".

وأضاف أن "وزراء الكابينيت الذين ينتمون إلى الجناح الهادئ" وجهوا انتقادات شديدة إلى بينيت "وحملوه مسؤولية موجة أعمال الشغب القومية في إسرائيل" في إشارة إلى قيام مجموعات يمينية متطرفة بالاعتداء على المارة العرب في شوارع القدس الغربية.

ونقل فيرتر عمن أسماهم بـ "الوزراء الهادئين" قولهم عن بينيت، إن "هذا الرجل تجاوز مرحلة التهكم، وهو يتصرف بصورة سائبة وخطيرة. وهو لا يفهم الفرق بين أن يكون وزيرا في الحكومة وبين أن يكون وزيرا في حكومة الفيسبوك. وأداؤه يشبه أداء معقّب (في مواقع الانترنت) منفلت من عقاله. واقتراحاته صبيانية في أفضل الأحوال وجنونية في أسوأها. إنه يحرض. وهناك رعاع يهود يقومون بأعمال شغب ويتظاهرون في الشوارع وبينيت يتحمل بعض المسؤولية عن ذلك. وما يروّعنا أنه توجد نوايا لدى هذا الرجل للوصول إلى القمة السياسية".  

 

 

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي.

 
مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار" و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"