تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

فقدَ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حليفه الأقرب في الائتلاف الحكومي، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، الذي أعلن يوم الاثنين الماضي انفصال حزبه، "إسرائيل بيتنا"، عن حزب الليكود، بعد مرور سنة وثمانية شهور تقريبا على تحالف الحزبين وخوضهما الانتخابات في بداية العام الماضي (2013) ضمن قائمة "الليكود بيتنا".
وبرزت الخلافات بين نتنياهو وليبرمان من خلال تصريحاتهما في الأسابيع الأخيرة، في أعقاب اختطاف وقتل المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة واتهام إسرائيل حركة حماس بالوقوف وراء هذه العملية. واشتدت هذه الخلافات قبل أسبوعين، بعد أن بدأ ليبرمان يطالب بـ"احتلال غزة" وشن "عملية سور واق في قطاع غزة"، قائلاً إن "مفهوم أن الهدوء (من جانب الفلسطينيين في غزة) سيقابل بالهدوء (من جانب إسرائيل) هو أمر خطير". من جانبه ادعى نتنياهو أنه ينبغي "ضبط النفس"، علما أن الطيران الحربي الإسرائيلي كان في ذلك الوقت يشن غارات كثيفة على القطاع.

 


وفي إثر ذلك، نشبت مشادة كلامية بين نتنياهو وليبرمان، خلال اجتماع الحكومة الأسبوعي، يوم الأحد، على خلفية السجال الدائر في الحكومة حول العمليات العسكرية ضد قطاع غزة. وقالت الصحف الإسرائيلية إن الوزراء "دُهشوا" من طبيعة المواجهة الكلامية بين الاثنين.

وبدأت المشادة الكلامية، عندما انتقد نتنياهو أمام كاميرات الصحافيين، في مستهل اجتماع الحكومة، ليبرمان ووزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، على ضوء مطالبتهما بشن عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة وانتقادهما سياسة الحكومة.

وقال نتنياهو "في مثل هذه الأوقات ينبغي التصرف ببرودة أعصاب وعدم إطلاق تصريحات منفلتة ومتسرعة. سننفذ كل ما هو مطلوب من أجل إعادة الهدوء إلى الجنوب".

ووفقا للتقارير الإسرائيلية فإنه بعد إخراج الصحافيين من قاعة الاجتماع، استمر نتنياهو في انتقاد ليبرمان وبينيت، وقال إن "من ينتقدني وينتقد الحكومة على أدائها يفتقر إلى المسؤولية ويفعل ذلك من أجل تحقيق مكاسب سياسية".

وسارع ليبرمان إلى الرد على نتنياهو قائلا "أنت الذي عقدت مؤتمرا صحافيا بعد جنازة المخطوفين وقبل اجتماع الكابينيت (المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية) وأطلقت شعارات بدون رصيد. ما قلته أنا عن غزة وعرب إسرائيل أمور أقولها لجمهور ناخبيّ منذ سنين. وأنت تعهدت بإنزال ضربة شديدة بحماس، لكن لم يحصل أي شيء من هذا، وها هم يواصلون إطلاق الصواريخ على المواطنين".

ورد نتنياهو بدوره، وهو في حالة غضب، وقال "عليك أن تحضر اجتماعات الكابينيت أولا، وبعد ذلك تتحدث إلى وسائل الإعلام حول سياسة الحكومة".

ورفض ليبرمان ذلك قائلا "لا تعطني علامات. كنت في ألمانيا في زيارة سياسية وفور عودتي إلى البلاد سمعت عن جثث المخطوفين. خسرت (حضور) اجتماع كابينيت واحد. وأنت قررت عقد الاجتماع الثاني للكابينيت خلال فترة قصيرة، وكنت في لقاء مع رئيس البرلمان الألباني. ولا يمكن اتهامي، على الأقل، بأني سربت معلومات من اجتماع الكابينيت" إلى وسائل الإعلام. 

والتقى ليبرمان مع نتنياهو، في اليوم التالي، وأبلغه بأنه قرر فك التحالف بين الحزبين. وفسر ليبرمان قراره بأن "الخلافات بيننا أصبحت جوهرية ومبدئية في الأيام الأخيرة. وطالما كانت الخلافات تتعلق بأمور تقنية أو سياسية - حزبية فقد تغلبنا عليها، لكن بعد أن أصبحت الآراء المختلفة تتعلق فيما ينبغي تنفيذه من الناحية الأمنية في الصراع ضد حماس والإرهاب من غزة، لم يعد بالإمكان الاستمرار والعمل في إطار كتلة برلمانية واحدة. والواقع الذي تكون فيه مئات الصواريخ موجودة بحوزة منظمة إرهابية وبإمكانها أن تقرر في أي لحظة متى تستخدمها، هو واقع لا يحتمل بالنسبة لنا وعلينا أن نعمل ضده بصورة حازمة ومن دون مساومة". 

وأضاف ليبرمان أن "اقتراحات التريث والاحتواء والإرجاء والانتظار ليست مقبولة علينا. ووزراء ’إسرائيل بيتنا’ ونوابه في الكنيست سيعملون من أجل أن تفعل إسرائيل ما ينبغي فعله ضد المنظمات الإرهابية التي تخرق السكينة وتهدد سلامة مواطني إسرائيل. وسنبقى أعضاء مخلصين في الائتلاف لأن ثمة أهمية بأن تكون لدولة إسرائيل حكومة وطنية وهذه هي الحكومة الوطنية الوحيدة الممكنة حاليا وانتخابات جديدة لن تغير ذلك أيضا".

 

غضب في حزب الليكود

أثار إعلان ليبرمان عن شق كتلة "الليكود بيتنا" غضباً في صفوف حزب الليكود، ووصف قياديون في هذا الحزب قرار ليبرمان بأنه جاء في "توقيت بائس"، إذ كانت التقديرات، منذ تشكيل التحالف بين هذين الحزبين، أن ليبرمان يسعى من خلاله إلى توحيد الحزبين والوصول إلى زعامة الكتلة وأن يصبح مرشحها لرئاسة الحكومة خلفا لنتنياهو. لكن قيادة الليكود كلها تقريبا كانت مجمعة على رفض مخطط ليبرمان هذا، ولذا كان هذا الانفصال متوقعا.

وقال رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، زئيف إلكين، من الليكود، في أعقاب قرار ليبرمان بفصل الحزبين، إنه "كان واضحا أنه منذ اللحظة التي أدرك فيها ليبرمان أنه لن يتمكن من الانضمام إلى الليكود، سيتحيّن الفرصة من أجل الانفصال. وليبرمان بحاجة لفترة زمنية كي يبعد نفسه عن الليكود ليخوض الانتخابات المقبلة مستقلا. والسؤال هو ليس لماذا حدث هذا الآن، وإنما لماذا لم يحدث حتى الآن؟".   

وعقبت عضو الكنيست تسيبي حوطوفيللي بالقول "إذا كانت قرارات الكابينيت لا تروق له، فليتكرم وينسحب من الحكومة. فنفاق ليبرمان يرافقه طوال طريقه السياسية، ووفقا للمزاج القومي".

وقال نائب وزير الدفاع وعضو الكنيست داني دانون، إن "حل الكتلة كان سيحدث في جميع الأحوال. وقد أدرك أعضاء الليكود أن التحالف لم يضف نوابا لليكود. وسنستمر في التعاون مع حزب إسرائيل بيتنا ككتلتين منفصلتين لدفع قيم المعسكر القومي إلى الأمام".

من جانبها، قالت الوزيرة ليمور ليفنات إنه "لأمر محزن أنه في هذه الأيام بالذات التي يتعين علينا فيها أن نكون موحدين، هناك وزراء يفضلون القيام بحراك حزبي".

واعتبر رئيس الائتلاف، عضو الكنيست ياريف ليفين، أنه "لا شك في أن حل الكتلة المشتركة سيعزز قوة الليكود على المدى البعيد وسيمكننا من أن نعيد ناخبي الليكود الذين عارضوا التحالف مع إسرائيل بيتنا".

ولمحت مصادر في الائتلاف الحكومي إلى أن قرار ليبرمان من شأنه أن يقود إلى حدوث تغييرات في تركيبة الائتلاف. وترددت أنباء، خلال الأسبوع الماضي، مفادها أن نتنياهو اقترح على رئيس حزب شاس، أرييه درعي، الانضمام إلى الحكومة. لكن على ما يبدو أن خطوة كهذه غير واردة، لأنه في حال انضمام هذا الحزب الحريدي فإن حزب "يوجد مستقبل" قد ينسحب من الحكومة، بعد أن اشترط انضمامه إليها بعدم ضم أحزاب الحريديم.

وكتب المحلل السياسي دان مرغليت، في صحيفة "يسرائيل هيوم"، التي توصف بأنها "بوق" نتنياهو، أن "التوقيت الذي اختاره ليبرمان لشق الكتلة يتلاءم مع طبيعة أدائه في الحكومة، إذ لا توجد حكومة في العالم يسمح فيها وزير الخارجية لنفسه بمهاجمة سياستها مثلما فعل ليبرمان". وأضاف أنه "لزام على أي وزير، ومهما يكن موقفه داخل الكابينيت، أن يتبنى سياسة الحكومة، وليس أن يشرح لماذا هي مخطئة. وبالإمكان فعل ذلك في صفوف المعارضة فقط".

ورأى مرغليت أن "ليبرمان ركب على الموجة"، أي أنه يسير وفقا لمزاج الرأي العام في إسرائيل، الذي يؤيد شن هجوم ضد قطاع غزة. وأضاف أنه في حال تقرر شن عملية عسكرية برية ضد القطاع "وفي حال حدوث أخطاء، عندها سيكون ليبرمان أول من يوجه انتقادات إلى سيرها وكأنه كان سيفعل ذلك بشكل أفضل".

 

أنظار نتنياهو تتجه نحو الانتخابات

 وفقا لمرغليت، ومحللين آخرين أيضا، فإن أعين أعضاء الائتلاف الحكومي تتجه نحو صندوق الاقتراع. "وسوف يشددون على الخلافات ويقللون من أهمية الطاعة الائتلافية في الكنيست. وقد بدأ الفصل الذي يسمى في أروقة الكنيست بـ’الحراك’، أي الفترة التي تبدأ فيها الحكومة بالتحرك نحو انتخابات مبكرة حتى لو أنها لا تتعمد ذلك. وربما ستتمكن من تمرير الميزانية العامة المقبلة بصعوبة. لكنها ستكون الأخيرة" التي ستمررها الحكومة الحالية.

واعتبرت محللة الشؤون الحزبية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيما كدمون، أن "نتنياهو استنفد حتى النهاية موضوع ضبط النفس وامتلاك المبادرة والاحتواء (تجاه غزة)، رغم أنه يعلم أنه يوجد لذلك ثمن سياسي وحتى عواقب انتخابية. وهو ووزير الدفاع، موشيه يعلون، متفقان تماما على أنه لا جدوى من الدخول مجددا والسيطرة على غزة، إذ لا يوجد في ذلك منطق عسكري. ورغم أنه لم يقل ذلك أحد علنا، لكن الحديث عن التسبب بانهيار حكم حماس بواسطة عملية برية هو كلام فارغ. وهذا لم يحدث ولن يحدث. وإذا كان هذا لن يحدث، وإذا لن يكون بالإمكان تنفيذه، وإذا كان ليس واضحا ما إذا ينبغي القيام بذلك لأنه من يعرف من سيكون في غزة بعد حماس، فإنه لا يوجد أي مبرر للتوغل البري. وكل ما هو أقل من القضاء على حماس وفرض هدوء أكيد على غزة، لا يبرر خدشا واحدا يصيب جنديا إسرائيليا... والمنطق الوحيد للحديث عن توغل بري هو من أجل الردع".

ووصفت كدمون نتنياهو بأنه "وحيد في المعركة". وأشارت إلى أن "الوحيد بين الوزراء الذين كان يتشاور معهم واعتمد على رجاحة رأيه وعلى حفاظه على السرية، هو ليبرمان. وبعد أن هاجم وزير الخارجية سياسة ضبط النفس التي اتبعها رئيس الحكومة ورد عليه نتنياهو بهجوم مضاد على تغيبه عن اجتماعات الكابينيت، فقد وُضعت نهاية لهذه الثقة".

ولفتت كدمون إلى أن نتنياهو تعرض لانتقادات كثيرة من اليمين بسبب عدم اتخاذه قرارا بشن عملية برية ضد غزة. وأضافت أنه "لا يمكن أن نحسد نتنياهو في هذه الأيام. ويبدو لي أنه أكثر رئيس حكومة وحيدا كان هنا أبدا". وتابعت أن نتنياهو لا يثق بأعضاء الكابينيت الذين يفتقرون للخبرة، ولا يثق بقدرتهم على ترجيح الرأي، "وهو متأكد أن بين الأسباب التي تحركهم رغبتهم في تقويض مكانته". وأشارت إلى أن نتنياهو يشعر بأنه لا يتلقى الدعم من حزبه، وأن الكثيرين من نواب الحزب في الكنيست "لا يوافقون على سياسة ضبط النفس التي يتبعها، وبعضهم يقول ذلك علنا".

بدوره، اعتبر محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، أن نتنياهو كان حذرا في تصريحاته حول العملية العسكرية ضد غزة، وأنه لم يستخدم كلمات مثل "حسم" و"اجتثاث" و"تحطيم". كذلك فإن "نتنياهو لم يضع أهدافا سامية كغايات للعملية العسكرية الحالية باستثناء جباية ’ثمن باهظ’ من حماس".

وفيما يتعلق بالوضع السياسي الداخلي في إسرائيل، كتب فيرتر أنه "لا يوجد أحد بين المقربين المحيطين بنتنياهو يمنح هذه الحكومة أكثر من عام، أو عاماً ونصف العام في الحد الأقصى. وواضح لجميع اللاعبين السياسيين أن ميزانية العام 2015 ستكون الأخيرة التي ستمررها حكومة نتنياهو الثالثة. ويعتقد الكثيرون أن هذه الميزانية ستصطدم بصعوبات كبيرة أيضا، وأنه سيتم تبكير موعد الانتخابات إلى الربع الأول من العام المقبل".

وكتب فيرتر أنه "في جميع الأحوال، وفيما لا يزال نتنياهو يدير الحملة العسكرية، سوية مع وزير الدفاع موشيه يعلون، ورئيس هيئة أركان الجيش بيني غانتس، فإن رأسه ليست نظيفة من الحسابات السياسية الداخلية أيضا".

ولفت فيرتر إلى أنه "رغم أن الأمر يبدو متناقضا، فإن الشخص الوحيد، ورئيس الحزب الوحيد، الذي بإمكان نتنياهو الاعتماد على دعمه المستقبلي (بأن يوصي أمام الرئيس الإسرائيلي بتكليفه بتشكيل الحكومة) هو نفتالي بينيت من حزب البيت اليهودي، إذ إنه مع كل الكراهية والشحنات والترسبات ومشاعر الانتقام، يظل بإمكان المشترك بينهما أن يتغلب على ما يفرق بينهما". 

 
 

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي.

 
مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"  و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي