تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1909

يتعمد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في كل مرة يتطرق فيها إلى حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، التشديد على المطلب الإسرائيلي الجديد بأن يعترف الفلسطينيون بأن إسرائيل هي "الدولة القومية للشعب اليهودي"، ويطرح ذلك كشرط أساس لا يمكن من دونه التوصل إلى اتفاق دائم بين الجانبين.
ويدعي مؤيدو هذا المطلب أنه ليس مطلبا جديدا. وينطوي هذا الادعاء على محاولة لتشويه الحقائق التاريخية، إذ إنه منذ إنشاء إسرائيل، في العام 1948، وحتى قبل ذلك، كان يتحدث قادة الحركة الصهيونية وقادة إسرائيل عن أن هذه دولة يهودية. وعندما أعلن زعيم الحركة الصهيونية، دافيد بن غوريون، عن قيام إسرائيل، قال "إننا نعلن بهذا عن قيام دولة يهودية، هي إسرائيل".

 


وتبع ذلك، على مدار العقود الماضية، سن قوانين في الكنيست تضمنت بنودا بأن إسرائيل هي "دولة يهودية"، وأبرزها "قانون العودة" الذي يتيح لأي يهودي في العالم الهجرة إلى إسرائيل والحصول على جنسيتها وامتيازات أخرى. إضافة إلى ذلك تم سن "قوانين أساس"، تعتبر قوانين دستورية، وشملت عبارة أن إسرائيل هي "دولة يهودية وديمقراطية"، بينها "قانون أساس: الكنيست"، في العام 1985، و"قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته" في العام 1992. ورغم ذلك فإن سجالا وجدلا حادين دارا في إسرائيل حول انسجام أو تناقض مصطلح "اليهودية" مع مصطلح "الديمقراطية".

إن تعبير "الدولة اليهودية" ظهر في عدة وثائق وقوانين إسرائيلية، خلال العقود الماضية. كذلك أعلن الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، خلال قمة العقبة، في العام 2003، عن أن "أميركا ملتزمة اليوم بأمن إسرائيل كدولة يهودية". إلا أن إسرائيل لم تطالب الفلسطينيين، منذ بدء المحادثات بين الجانبين، قبل 20 عاما، بأن يعترفوا بأنها "دولة يهودية".

ورغم ذلك، فإنه منذ "مؤتمر أنابوليس"، أو ما يسمى بـ "عملية أنابوليس"، في أواخر العام 2007 وحتى نهاية العام 2008، بدأت إسرائيل، ممثلة برئيس الحكومة حينذاك، إيهود أولمرت، ووزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، بالتحدث حول وجوب اعتراف الفلسطينيين بـ "الدولة اليهودية". وتحدثت ليفني في حينه عن "حل الدولتين للشعبين" وليس "حل الدولتين"، بحيث تكون "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي، وفلسطين الدولة القومية للشعب الفلسطيني". وأضافت أن فلسطين هي أيضا الدولة القومية لعرب 48. وقد حاول الجانب الإسرائيلي أن يضمّن "بيان التفاهم المشترك"، لدى انطلاق عملية أنابوليس، مصطلح الدولة اليهودية، لكن الجانب الفلسطيني رفض ذلك بشدة، الأمر الذي هدد بتفجير مؤتمر أنابوليس، ما أدى إلى تنازل الجانب الإسرائيلي عن طلبه.

خطاب نتنياهو في بار إيلان

بعد عودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة، في العام 2009، مورست ضغوط عليه من أجل الاعتراف بحل الدولتين، خاصة من جانب الولايات المتحدة، وفي أعقاب خطاب الرئيس الأميركي الجديد في حينه، باراك أوباما، في القاهرة. وألقى نتنياهو خطابا في "مركز بيغن - السادات" في جامعة بار إيلان، التي تعتبر أحد معاقل اليمين الإسرائيلي، في 14 حزيران العام 2009، وأعلن فيه عن موافقته على قيام دولة فلسطينية بعد تحقق عدة شروط، أبرزها اعتراف الفلسطينيين بأن إسرائيل هي "الدولة القومية للشعب اليهودي" وتنازلهم عن حق العودة وأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح. وبذلك كان نتنياهو أول من طالب الفلسطينيين، بشكل علني واضح، بالاعتراف بيهودية إسرائيل.

وقال نتنياهو في خطاب بار إيلان ما يلي:

·        "الحقيقة البسيطة هي أن جذور الصراع كانت وما زالت رفض الاعتراف بحق الشعب اليهودي بدولة خاصة به في وطنه التاريخي".

·        "حتى المعتدلون بين الفلسطينيين، لأسفنا، ليسوا مستعدين حتى الآن لقول الأمور البسيطة: دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وهكذا ستبقى. ومن أجل تحقيق السلام... ينبغي على القيادة الفلسطينية أن تنهض وتقول ببساطة: ’كفانا هذا الصراع. إننا نعترف بحق الشعب اليهودي في دولة خاصة به في هذه البلاد، وسنعيش إلى جانبكم بسلام حقيقي".

·        "عندما يقول القادة الفلسطينيون هذه الكلمات لشعبنا وشعبهم ستُفتح الطريق لحل باقي القضايا، مهما كانت صعوبتها. لذلك فإن الشرط الأساس لنهاية الصراع هو اعتراف فلسطيني علني ملزم وصادق بإسرائيل على أنها الدولة القومية للشعب اليهودي".

·        "لكي يكون لهذا الإعلان معنى عملي، مطلوب موافقة واضحة أيضا على إيجاد حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود دولة إسرائيل. إذ أنه واضح للجميع أن مطلب إسكان اللاجئين الفلسطينيين داخل إسرائيل يتناقض مع استمرار وجود إسرائيل كدولة الشعب اليهودي".

·        "ها هو جوهر الأمور الذي أقوله هنا بصوت صاف وواضح: إذا حصلنا على هذا الضمان المتمثل بالدولة [الفلسطينية] المنزوعة السلاح وترتيبات أمنية مطلوبة لإسرائيل، وإذا اعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي، سنكون مستعدين في إطار تسوية سلمية مستقبلية للتوصل إلى حل لدولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانب الدولة اليهودية". 

دوافع مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بـ "الدولة اليهودية"

وضع عضو الوفد الإسرائيلي إلى عملية أنابوليس والرئيس السابق لدائرة القانون الدولي في وزارة الخارجية الإسرائيلية، الدكتور طال بيكر، في العام 2012، دراسة بعنوان "مطلب الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية – إعادة تقييم"، وقد صدرت عن "ميتسيلا – المركز لفكر صهيوني، ليبرالي وديمقراطي" و"معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى".

وأشار بيكر إلى أن مؤيدي مطلب الاعتراف بـ "الدولة اليهودية" يطرحون ثلاثة ادعاءات "جوهرية" لضرورة وجود اعتراف كهذا في أي اتفاق سلام إسرائيلي – فلسطيني:

أولا: "رفض الاعتراف بحق الشعب اليهودي في تقرير المصير، إلى جانب الحقوق الفلسطينية، أذكى الصراع، وسيكون هناك حل حقيقي فقط عندما يتم الاعتراف بقانونية الحقوق الجماعية لليهود والفلسطينيين. ووفقا لهذا الرأي، فإن اتفاقا من دون اعتراف كهذا يُخفي القضية الكامنة في صلب الصراع ويكشف انعدام رغبة الفلسطينيين في إنهائه أبدا".

ثانيا: "مؤيدو الاعتراف يرون أن التعبير العملي الأهم له يكمن في التوجه الذي يُملي حل قضية اللاجئين. والاعتراف بقانونية دولة يهودية يتم تصويره على أنه ضمان ضروري لحل مطالب اللاجئين الفلسطينيين بشكل يتلاءم مع نموذج الدولتين للشعبين والذي لا يشكل خطرا على الصبغة اليهودية لإسرائيل".

ثالثا: "مؤيدو الاعتراف قلقون من أنه بعد التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي – فلسطيني، ستستمر الأقلية العربية – الفلسطينية في إسرائيل في تحدي شرعية الصبغة اليهودية الداخلية للدولة. ولذلك يتم تصوير الاعتراف بأنه رد فعل ملائم ضد اتهامات بأن حماية الحقوق الجماعية اليهودية ليست شرعية من أساسها، خاصة في حال اتفاق سلام إسرائيلي – فلسطيني، والذي سيحظى بمصادقة واسعة".

إلى جانب ذلك، رأى بيكر أنه يوجد "بعد إستراتيجي" للاعتراف بـ "الدولة اليهودية" يتجاوز غرفة المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، ويتمثل بالآتي:

أولا: "قوة معارضي حل الدولتين خاصة والمصالح الأميركية في المنطقة عامة، في أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، تتعزز على ما يبدو بفضل رفضهم الاعتراف بشرعية تقرير المصير لليهود وبفضل فشل الأسرة الدولية في الإصرار على ذلك".

ثانيا: "القوى المتطرفة بشكل خاص تستغل اللامبالاة الدولية للتحدي المتصاعد لشرعية إسرائيل كوطن للشعب اليهودي. وفي هذا السياق، فإن إصرار الأسرة الدولية على اعتراف متبادل بالحقوق الجماعية الفلسطينية واليهودية على حد سواء، سيكون ذا قيمة كبيرة للغاية. وسيمكن المفاوضين من طرح الاعتراف والمصالحة على أنهما المساران الفعالان الحصريان لتطبيق حقوقهما القومية، فيما سيُصور خصومهما كأسرى أجندة مهووسة يتم انتهاجها على حساب مصالح وطنية".

ثالثا: "تأييد الاعتراف من شأنه أن يُصور على أنه تكمن فيه أهمية أخلاقية وشمولية".

رابعا: "غياب دعم معلن من جانب الأسرة الدولية حيال تقرير المصير لليهود، أو رفض أهمية معادلة ما لاعتراف متبادل باتفاق إسرائيلي – فلسطيني، قد يبعث مؤشرا خطيرا بشأن قدرة المصالح السياسية الضيقة والمعارضة الراديكالية على التغلب على قوة المبدأ الأخلاقي".

معارضة الاعتراف بـ "الدولة اليهودية"

تناولت الدراسة التي أعدها بيكر المعارضة لمطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بـ "الدولة اليهودية"، وهذه المعارضة لم تأت من جانب الفلسطينيين فقط. وأشار إلى أن المعارضة الأكثر مباشرة هي أن اعترافا كهذا ليس ضروريا، وأن هذه المطالبة تعقد المفاوضات أكثر مما هي معقدة أصلا. وأشار أيضا إلى أن الاعتراف بـ "الدولة اليهودية" يعني بالنسبة للفلسطينيين نسف الرواية التاريخية الفلسطينية للصراع.

ولفت بيكر إلى أن الموقف الفلسطيني من هذا المطلب كان كالتالي: إسرائيل لم تطلب من مصر والأردن اعترافا كهذا عندما وقعت اتفاقيتي سلام معهما؛ منظمة التحرير الفلسطينية اعترفت بحق إسرائيل في الوجود بسلام وأمن، في العام 1993، ورغم أن لإسرائيل الحق في تعريف طابعها الداخلي إلا أنه لا ينبغي أن تطالب باعتراف فلسطيني علني لمثل هذا التعريف.

وهناك معارضة كهذه من داخل إسرائيل: شخصيات إسرائيلية بارزة، وتؤيد الطابع اليهودي لإسرائيل، تؤكد أن المجهود من أجل الحصول على اعتراف فلسطيني يجبي ثمنا أغلى مما ينبغي أو أنه يضعف إسرائيل بواسطة عرض قانونيتها كدولة يهودية ويبقيها مسألة مفتوحة؛ قسم من المحللين الإسرائيليين يرون أن غياب اتفاق على حل الدولتين، وليس غياب اعتراف بـ "الدولة اليهودية"، هو التحدي الأكبر لشرعية إسرائيل كدولة يهودية.

وأشار بيكر إلى أن مطلب الاعتراف بـ "الدولة اليهودية" يهدف أيضا إلى استباق المفاوضات حول قضية اللاجئين الفلسطينيين. وأضاف أن مؤيدي الاعتراف "لا يخفون رأيهم بأن الاعتراف بالدولة اليهودية غايته، جزئيا على الأقل، هي دفع الادعاء بأن المنطق في حل الدولتين بحد ذاته يلزم برفض أي حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين التي من شأنها أن تهدد الصبغة اليهودية لإسرائيل".

وأضاف أنه "يصعب التفكير في أن المفاوضين الفلسطينيين سيتمكنون من التعبير علنا ومباشرة عن حقوق اليهود بتقرير المصير إلا في حال تأكدوا من أن مطالب اللاجئين وحقهم في تقرير المصير تم حلها أيضا. ولهذا السبب بالذات، يتعين على مؤيدي الاعتراف بطبيعة إسرائيل اليهودية ألا يطرحوا مسألة الاعتراف كشرط مسبق للمفاوضات وإنما كأحد مركبات اتفاق شامل".

ورأى بيكر أن التسوية ما بين مطلب الاعتراف بـ "الدولة اليهودية" ومعارضته يجب أن تكون وفقا للآتي:

·        "ينبغي النظر إلى هذا المطلب على أنه مجهود للاعتراف بحق الشعب اليهودي في تقرير المصير في دولة ذات سيادة، وليس الاعتراف بإسرائيل كـ ’دولة يهودية’".

·        "يجب أن يكون الاعتراف متبادلا، ومثلما يعترف الفلسطينيون بشكل صريح بحق تقرير المصير لليهود، يجب على إسرائيل الاعتراف بشكل صريح بحق تقرير المصير للفلسطينيين".

·        "ينبغي السعي نحو اعتراف في إطار الاتفاق على نهاية الصراع بحيث يشمل حلا لقضية اللاجئين وإقامة دولة قومية فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وأن يكون المبدأ العقلاني لإطار الدولتين موجها لتسوية المواضيع المختلف حولها، ولا ينبغي تسريع اعتراف صريح كشرط مسبق لمعالجة هذه المواضيع أو كوسيلة للإقرار بنتائجها مسبقا".

تراجع بن غوريون عن تعريف "دولة اليهود"

كذلك فإن بن غوريون تراجع عن وصف إسرائيل بأنها "دولة اليهود"، أي الدولة التي ينتمي إليها اليهود في أي مكان يتواجدون فيه. وكتب الوزير الإسرائيلي السابق، يوسي بيلين، في مقال في صحيفة "يسرائيل هيوم"، في 3 كانون الأول العام 2010، أنه "في اللحظة التي بدأ فيها بن غوريون بعرض إسرائيل كدولة اليهود، وطالب جميع يهود العالم بالهجرة إلى إسرائيل"، أثار ذلك غضب زعيم اليهود – الأميركيين في ذلك الحين، يعقوب بلاوشطاين، وهو ملياردير كان يتبرع بسخاء لإسرائيل.

وأضاف بيلين أن ثلاثة من زعماء المنظمات اليهودية – الأميركية حضروا إلى إسرائيل، في شهر أيار العام 1948، والتقوا مع بن غوريون، وقالوا له إن "إسرائيل ليست مخولة بالإعلان عن نفسها أنها دولة يهود العالم وتدعوهم للهجرة، لأن هذا الأمر قد يشعل عداء للسامية خفيا وادعاءات حول ولاء مزدوج".

ووفقا لبيلين، فإن بلاوشطاين هدد بوقف التبرعات لإسرائيل "إذا ما استمر قادتها بالتسبب ليهود أميركا الاصطدام مع غير اليهود حول مسألة الولاء المزدوج". بعد ذلك دعا بن غوريون بلاوشطاين إلى زيارة إسرائيل "وسرعان ما تبين لرئيس الحكومة أنه يجري مفاوضات مع زعيم يهود أميركا". وقد أوضح بلاوشطاين لبن غوريون أن "الولايات المتحدة ليست شتاتا، وهي ليست مكانا علق فيه اليهود. وبالنسبة ليهود أميركا، الولايات المتحدة هي الغاية الأخيرة...".

وأصدر بلاوشطاين بيانا حذر فيه إسرائيل من "المس بمواضيع حساسة لليهود في أماكن أخرى من العالم. ويهود أميركا يرفضون أي تلميح إليهم بأنهم يعيشون في الشتات".

بدوره أصدر بن غوريون بيانا تراجع من خلاله عن وصف إسرائيل بأنها "دولة اليهود"، وأعلن أن "دولة إسرائيل تمثل مواطنيها فقط، وتتحدث باسمهم، ولا تتطلع بأي شكل من الأشكال إلى أن تمثل أو أن تتحدث باسم اليهود مواطني دول أخرى... وليس لدينا، نحن الإسرائيليين، أية نية للتدخل بأية طريقة كانت في شؤون المجتمعات اليهودية خارج إسرائيل".

مشروعا قانون حول "دولة الشعب اليهودي"

 في إطار الاتفاق الائتلافي بين كتلتي "الليكود بيتنا" و"البيت اليهودي"، قدم رئيس الائتلاف في الكنيست، ياريف ليفين، ورئيسة كتلة "البيت اليهودي"، عضو الكنيست أييليت شاكيد، في 24 حزيران الماضي، صيغة مشتركة بلوراها لمشروع "قانون أساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي"، وتهدف إلى تعزيز الطابع اليهودي لإسرائيل وتفضيله على النظام الديمقراطي.

ورغم أن صيغة مشروع القانون الجديد تعتبر أكثر ليونة قياسا بمشروع القانون الذي قدمه الوزير وعضو الكنيست السابق عن حزب كاديما، آفي ديختر، إلا أن مشروع القانون الذي يطرحه ليفين وشاكيد ينص على أن إسرائيل هي "البيت القومي للشعب اليهودي"، وأن "الحق في تقرير المصير في إسرائيل يسري فقط على الشعب اليهودي". وينص مشروع القانون الجديد على أن "أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي فقط"، ويرفض الاعتراف بأن هذه البلاد هي وطن الفلسطينيين.

ويفضل مشروع القانون الجديد يهودية الدولة على ديمقراطيتها بشكل واضح، وذلك من خلال وضع بند خاص بشأن النظام الديمقراطي في إسرائيل. وينص القانون على أن الدولة ستلتزم بالحقوق الشخصية لجميع مواطنيها، ما يعني رفضهم لوجود حقوق للأقلية القومية العربية.

ويدعي ليفين وشاكيد أنهما خففا صيغة مشروع القانون الذي قدمه ديختر، بأن ألغيا خضوع ديمقراطية الدولة ليهوديتها. لكن مشروع القانون الجديد يبرز بشكل كبير، في بدايته، العلاقة بين "الشعب اليهودي" والدولة والبلاد على حساب قوميات أخرى ويضع البند المتعلق بالنظام الديمقراطي في المرتبة الثانية. وأزيل من مشروع القانون الجديد البند الذي نص في مشروع قانون ديختر على أن اللغة العربية لن تكون لغة رسمية.

وجاء في تفسير مشروع القانون أنه "وُلد على أثر الحاجة لإجراء توازن بين قسم الدولة اليهودية والديمقراطية، مثلما تم التعبير عنها في روح مبادئ الإعلان عن دولة إسرائيل". ونص على أن دولة إسرائيل لا يمكنها أن تقوم في أي مكان غير "أرض إسرائيل".

وفيما ادعى مشروع القانون أنه يضمن المساواة في الحقوق المدنية لجميع مواطني إسرائيل، إلا أنه اعتبر أن "هناك جهات داخلية وخارجية تحاول المس بطبيعة الدولة في السنوات الأخيرة، وتحويلها إلى دولة ’جميع مواطنيها’. ودولة إسرائيل قامت كدولة قومية للشعب اليهودي، وهكذا يجب أن تبقى. وعلينا أن نمنع ونقضي على التراجع المتواصل في الأسس اليهودي للدولة".

من جانبها، رفضت عضو الكنيست روت كلدرون، من حزب "يوجد مستقبل"، الانضمام إلى مشروع قانون ليفين وشاكيد، وطرحت، في اليوم نفسه، مشروع قانون حول الموضوع نفسه. ويتبنى مشروع القانون الذي قدمته كلدرون بنود "وثيقة استقلال إسرائيل" كقانون أساس. وينص على تعريف دولة إسرائيل أنها "دولة الشعب اليهودي" وأن تحافظ على حقوق الإنسان لجميع مواطنيها.

وينص مشروع قانون كلدرون هو الآخر على أن إسرائيل هي "دولة الشعب اليهودي"، لكنه اعتبر أن "مصطلح الدولة اليهودية لا يتعامل مع اليهودية كدين، وإنما مع الدولة القومية والثقافة اليهودية، وتشكل موطنا لليهود في العالم كله. وإلى جانب ذلك، دولة إسرائيل ملزمة بالحفاظ والدفاع عن حقوق الإنسان لجميع مواطنيها وسكانها، دون فرق بين الأصل والدين والجنس. ويوجد في وثيقة الاستقلال تعبير واضح، منذ قيام الدولة، عن الرغبة والنية في إقامة دولة ذات طابع يهودي من جهة، والتزام بالمساواة في الحقوق من الجهة الأخرى".

ووجه مسؤولون في الكنيست انتقادات لمشروع القانون الذي طرحته كلدرون كونه لا يتطرق بتاتا إلى النظام الديمقراطي في إسرائيل. ونقلت تقارير صحافية عن هؤلاء المسؤولين قولهم إن "كلدرون تدعو إلى تبني وثيقة الاستقلال كقانون أساس، لكن وثيقة الاستقلال لا تذكر كلمة الديمقراطية. ويمكن أن تكون لقانون كهذا انعكاسات هدامة على أي تفسير يتعلق بالمكانة الديمقراطية أو القومية للدولة. والتناقض الحاصل هو أن مشروع القانون الأكثر تطرفا، الذي يطرحه ليفين وشاكيد، يعبر بشكل واضح عن النظام الديمقراطي للدولة".

وعلى ضوء طرح عدة صياغات لمشروع القانون، قررت وزيرة العدل الإسرائيلية، تسيبي ليفني، في 19 آب الفائت، تعيين الخبيرة القانونية، البروفسور روت غابيزون، من أجل بلورة صيغة متفق عليها بين أحزاب الائتلاف الحكومي. وكتبت ليفني في رسالة تعيينها لغابيزون أنه "حان الوقت لصياغة تسوية دستورية تتناول طبيعة دولة إسرائيل كيهودية وديمقراطية وترسي مركبات الهوية بصورة توازن وتدمج هاتين القيمتين اليهودية والديمقراطية".

وعبرت غابيزون عن موافقتها على التعيين وأعلنت أنها ستعمل "بهدف المساعدة في دفع الرغبة بتوفير مرساة دستورية لهوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية بروح المبادئ المفصلة في الإعلان عن قيام الدولة". ويشار إلى أن قوانين الأساس في إسرائيل تعتبر ذات طابع دستوري، وذلك في ظل امتناع إسرائيل عن وضع دستور لها وفشل جميع المحاولات للقيام بذلك.

ولفتت تقارير إعلامية إلى أن اختيار ليفني تعيين غابيزون لبلورة صيغة لمشروع القانون، وعدم تعيين أحد الخبراء من وزارة العدل للقيام بذلك، نابع من اعتقادها أنها قادرة على الجسر بين الصياغات العديدة ووضع اقتراح يكون مقبولا على جميع كتل الائتلاف.

وأعلنت ليفني أن تعيين غابيزون تم بالاتفاق مع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، لكن مسؤولين حكوميين مقربين من الأخير عبروا عن غضبهم من هذا التعيين. وقال هؤلاء المقربون إن "نتنياهو لم يرحب بهذه الخطوة ولم يعبر عن دعمه لمبادرة غابيزون. وليفني أبلغته بنيتها إقامة جهاز للتوصل إلى تسوية [بين الصياغات المتعددة]. ورئيس الحكومة لا يدفع ولا يرحب بخطوات لا يعرف تفاصيلها الكاملة".

نزع شرعية معارضة الأقلية العربية لاستمرار الاحتلال

 وجهت المنظمات الحقوقية في إسرائيل انتقادات شديدة لمشروع "قانون أساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذي طرحته أحزاب اليمين عدة مرات خلال السنوات الأخيرة. وأكدت هذه المنظمات أن مشروع القانون هذا عنصري ويميز ضد الأقلية العربية في إسرائيل، وفي حال سنه فإنه سيغلق الباب أمام مطلب تحقيق المساواة.

وأكد رئيس "المركز العربي للحقوق والسياسات - دراسات"، الدكتور يوسف جبارين، أن مشروع القانون يمس بشكل خطير بحقوق الإنسان في إسرائيل ويسمح بانتهاج سياسة تمييزية وعنصرية. وأضاف أنه يمس بشكل خاص بمكانة وحقوق الأقلية العربية، لأن ما يتم طرحه هو إلغاء مكانة العربية كلغة رسمية والاكتفاء بأنه ستكون لها مكانة خاصة. وشدد على أن "اللغة العربية هي جزء عضوي من الهوية الثقافية والوطنية للأقلية العربية كأقلية قومية. وترفرف راية سوداء فوق مشروع القانون هذا".

ورأى مركز "عدالة" لحقوق الأقلية الفلسطينية في مشروع القانون أنه يشكل تصعيدا في التمييز ضد المواطنين العرب وفي السياسة العنصرية تجاههم. وأضاف أنه "في حال إقرار مشروع القانون، فإنه سيتم إغلاق الباب بشكل نهائي أمام مطالب المواطنين العرب بالمساواة الكاملة في الحقوق".

وكان "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" قد حذر من تبعات مشروع القانون، الذي قدمه ديختر في حينه. وقال المعهد في وجهة نظر أعدها الخبيران القانونيان البروفسور مردخاي كريمنيتسر والمحامي عمير فوكس، إن القانون المقترح يقصي الأساس الديمقراطي من المركز إلى الهامش، "وبنظرنا، فإنه يسعى إلى قلب الأسس الصهيونية نفسها". وأشارا إلى أن مؤسس الصهيونية وواضع فكرة "دولة اليهود"، ثيودور هرتسل، ومؤسس التيار التنقيحي اليميني في الحركة الصهيونية، زئيف جابوتينسكي، "لم يرغبا فقط بإقامة دولة قومية يهودية. وقد أرادا أن يؤسسا في إسرائيل دولة مثالية وفقا لأفضل مبادئ التراث الديمقراطية – الليبرالي".


ولفت أستاذ القانون في جامعة تل أبيب، البروفسور مناحيم ماوتنر، إلى أن طرح مشروع "قانون أساس: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي" يثير تساؤلات، مثل "هل توجد حاجة لأن يتم الإقرار من خلال قانون بأن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي؟ وما هو المكان الذي ينبغي منحه من خلال القانون للثنائية القومية الديمغرافية في الدولة، أي لوجود أقلية قومية عربية فيها، تبلغ نسبتها 20% من سكان الدولة؟".

واقتبس ماوتنر، في مقال نشره في صحيفة "هآرتس"، من أقوال جابوتينسكي أمام اللجنة الملكية في مجلس اللوردات في لندن، في العام 1937، حيث قال "لا أعتقد أنه مرغوب في أن يشمل دستور دولة ما بنودا خاصة تضمن بصورة واضحة الصبغة ’القومية’. والطريقة الطبيعية والأفضل هي أن الصبغة ’القومية’ لدولة، تكون مضمونة بمجرد حقيقة وجود أغلبية معينة فيها. وإذا كانت الأغلبية انكليزية فإن الدولة انكليزية، ولا توجد حاجة لأية ضمانات".

كذلك اقتبس ماوتنر من أقوال أدلت بها غابيزون، في العام 1982، وجاء فيها أنه على ضوء وجود قوميتين في إسرائيل فإن "الجهاز القضائي، الذي يستند إلى القوة التي تمارسها الدولة، ليس بحاجة إلى أن يتبنى بشكل حصري مبادئ دين أو تراث قومي لقسم من السكان".

وأشار ماوتنر إلى أنه خلافا لقانون "أسس القضاء"، فإن لإدخال عبارة "دولة يهودية وديمقراطية" تأثيرا فعليا بالغا. وإدخال هذه العبارة إلى قانوني الأساس المذكورين "سمح للمحكمة العليا بأن تدعي أنه نشأ دستور في إسرائيل وأن مهمة المحكمة أن تفسره. وتحت غطاء التفسير بدأت المحكمة تنشغل في كتابة دستور. وأصيب أعضاء الكنيست القوميون والمتدينون، وبحق، بالإحباط. وكان واضحا أنهم سيردون، وسيكون هذا بمثابة رد فعل مؤلم وواسع ومتواصل".

وتابع ماوتنر أن العرب في إسرائيل وجدوا أنفسهم خارج "لعبة التعريفات" وخارج عدة معاهدات تم إبرامها بين اليهودي العلمانيين والمتدينين، في سنوات التسعين، وفي مكان متدنٍ في مشاريع القوانين التي تم طرحها خلال العقد الأخير، "وعندها دخلوا إلى الصورة بمبادرتهم. فقد اقترحت ’وثائق الرؤى’ العربية، في العامين 2006 و2007، إلغاء تعريف الدولة كدولة يهودية وتعريفها كدولة ثنائية القومية لجميع مواطنيها".

وكتب ماوتنر أن الخطوة القادمة في "لعبة التعريفات" كانت مشروع "قانون أساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذي بادر إليه ديختر في العام 2011. وتبعه مشروع قانون مشابه طرحه عضو الكنيست أرييه إلداد، في العام 2012. وبعده مشروع القانون الذي طرحه، العام الحالي، ليفين وشاكيد.

وإضافة إلى ما ذُكر أعلاه، فإن ماوتنر أشار إلى أن مشاريع القوانين هذه نصت على أنه توجد للقانون العبري وتراث إسرائيل مكانة خاصة لدى سن القوانين وقرارات المحاكم، "وتوجه مشاريع القوانين ليس فقط نحو إنشاء هرمية بين يهودية وديمقراطية الدولة، وإنما أيضا نحو منع أي اعتراف بالمواطنين العرب على أنهم ينتمون إلى مجموعة قومية منفصلة". ولفت الكاتب إلى أنه اقترح، سوية مع الخبير القانوني والوزير السابق، البروفسور أمنون روبتشتاين، والمؤرخ البروفسور أليكس يعقوبسون، من الجامعة العبرية، منح تعبير لوجود المواطنين العرب كمجموعة قومية متميزة.

وحذر ماوتنر من أنه "في حال تبني قانون الأساس وفقا للاقتراحات الحالية، فإنه سيؤدي دورا هاما في الخطاب السياسي والخطاب العام. فاليمين الإسرائيلي، الذي حسم في العشرين عاما الأخيرة حسما تاريخيا باتجاه الاستقرار في المناطق [الفلسطينية] وضد السلام، يستعد لوضع يتسبب فيه الاحتلال بوجود ضغط خارجي، سيؤثر على الحياة اليومية للمواطنين. ومن شأن قانون الأساس أن يشكل أداة لتقليص شرعية المواقف المعارضة، خاصة إذا قالها مواطنون عرب".

 

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي



"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"