اهتم عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية، خلال الفترة القليلة الماضية، بكتاب صادر حديثاً هو عبارة عن مذكرات شخصية من تأليف يولي نوفيك، المديرة العامة السابقة لمنظمة "فلنكسر الصمت"، بعنوان "من أنتِ أصلاً". وسردت فيه بعض أحلامها وهواجسها، ولكن الأهم أنها كشفت النقاب عما يمكن وصفه بأنه "صندوقها الأسود" الذي تحمله في داخلها، ويحتوي على مفاعيل القمع المتعمّد الذي قامت به إسرائيل ضد منظمات حقوق الإنسان عبر أساليب خسيسة يصعب حصرها ليس أبسطها محاولة التدمير الذاتي لمن ينشطون في هذه المنظمات، بموازاة زرع إحساس بالعجز الدائم أمام القوى المتسلّطة.
يعيد هذا الكتاب إلى الجدل وربما إلى صدارة الاهتمام مسألتين مُهمتيّن من شأنهما توضيح الصيرورة التي آلت إليها إسرائيل في الوقت الراهن، ولا سيما تحت تأثير الأعوام التي كانت فيها تحت حكم بنيامين نتنياهو والتي استمرت من 2009 وحتى 2021.
المسألة الأولى ترتبط بمنظمة "فلنكسر الصمت" تحديداً. فقد بدأت هذه المنظمة نشاطها في كشف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في أراضي 1967 في العام 2004 وذلك من خلال معرض صور لعدد من الجنود الإسرائيليين الذين أدوا خدمتهم العسكرية في مدينة الخليل إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وكان المبادر إلى تنظيم المعرض يهودا شاؤول الذي أدى خدمته العسكرية في الفرقة 51 التابعة للواء "ناحل" في الخليل، بداية كجندي ومن ثم كقائد للفرقة.
تأسست "الوحدة الحكومية لتنسيق مكافحة العنصرية" قبل خمس سنوات بموجب قرار الحكومة الإسرائيلية عقب تنفيذ التوصيات التي تقدم بها تقرير الفريق الوزاري المشترك حول مناهضة العنصرية ضد اليهود المنحدرين من أصول أثيوبية. تقول الوحدة إنها "تعمل على تطوير المعرفة والإدراك المهني في هذا المجال، وهي عنوان مخصص لشكاوى الجمهور في موضوع العنصرية. وإلى جانب وحدة التنسيق، هناك مجلس استشاري عام برئاسة حضرة القاضي البروفسور إلياكيم روبنشتاين، نائب رئيسة محكمة العدل العليا سابقاً".
في التاسع عشر من آذار الحالي، استهدف الحرس الثوري الإيراني بالصواريخ "منشأة عسكرية سرية" في قلب أربيل، عاصمة كردستان العراق. وقال الحرس إن الهدف الذي تم قصفه هو عبارة عن "منشأة استخباراتية إسرائيلية" تابعة للموساد الإسرائيلي، وهو ما أكده مسؤول أميركي كبير تم اقتباس أقواله في تغريدة على موقع صحيفة "نيويورك تايمز"، إذ اعترف أن المبنى الذي تم استهدافه هو "مركز تدريب تابع لإسرائيل".
بتاريخ 18 آذار 2022، توفي الحاخام حاييم كانييفسكي. ربما تكون هذه من المرات النادرة إن لم تكن الأولى التي يتعرف فيها الفلسطينيون على هذا الحاخام، الذي اجتمع في جنازته نحو 750 ألف إسرائيلي متدين، أي ما يقارب نحو ثُمن الإسرائيليين اليهود، وهو عدد غير اعتيادي بحيث أن الشرطة الإسرائيلية قدرت أن هذه من أكبر الجنازات في تاريخ دولة إسرائيل بعد جنازة عوفاديا يوسف. هذا قد يعني أن مجتمع الحريديم، الذين كان كانييفسكي يتزعم أحد أهم تياراته (وهو التيار الليتواني)، هو مجتمع ذو وزن اجتماعي مهم داخل إسرائيل لكنه في المقابل يظل مجتمعا غير مكشوف كفاية على الفلسطينيين. السبب ربما يعود إلى أن مجتمعات الحريديم ظلت حتى فترة طويلة تنأى بنفسها عن دهاليز السياسة، ولا تعتبر نفسها تيارات صهيونية بالمعنى القومي الذي يتطلب إزاحة الفلسطينيين لإقامة دولة اليهود السيادية. لكن، منذ ما ينيف عن عقد من الزمن، ثمة انزياح سياسي واضح، وإن كان في بداياته، لدى مجتمعات الحريديم بحيث أنهم يتحولون من مجتمعات خاملة ومنغلقة على دراسة التوراة، إلى مجتمعات فاعلة سياسيا، بل وذات أجندة صهيونية صاعدة لا بد من الانتباه إليها فلسطينيا.
الصفحة 173 من 883