الشكاوى المحقة ضد المؤسسات الرسمية في إسرائيل تعادل أضعاف ما هو مقبول في دول العالم
حان الوقت لإجراء مراجعة لسلوك معسكر الوسط - اليسار إزاء انهيار العملية السياسية
ورقة موقف صادرة عن "مركز مولاد من أجل تجدّد الديمقراطية في إسرائيل"
مسألة "من هو يهودي" تعرقل حياة مئات آلاف البشر في إسرائيل
*نحو 350 ألف شخص "من دون ديانة" في إسرائيل غالبيتهم الساحقة جدا من أصول يهودية والمؤسسة الدينية ترفض الاعتراف بيهوديتهم * 27% منهم معنيون بالتهود لكن غالبيتهم لا تتحمل إجراءات التهويد*
نصف المعلمين في إسرائيل يعتزلون بعد خمسة أعوام من مزاولة المهنة
*المعلمون يشكون من انعدام دعم جهاز التعليم ومديري المدارس لهم ومن إسكات أفكار خلاقة*
أنهى أكثر من مليوني تلميذ في المدارس الابتدائية وطفل في روضات الأطفال في إسرائيل، أمس الاثنين، السنة الدراسية، لينضموا بذلك إلى تلاميذ المدارس الإعدادية والثانوية، الذين خرجوا إلى العطلة الصيفية قبل عشرة أيام. وسوية معهم خرج إلى العطلة الصيفية المعلمون. لكن بحسب إحصائيات موجودة بحوزة وزارة التربية والتعليم فإن الكثيرين منهم لن يعودوا على ما يبدو إلى التدريس بعد العطلة.
ورغم أن وزارة التربية والتعليم ودائرة الإحصاء المركزية توقفتا عن إجراء تدقيق عميق في الموضوع، إلا أن معطيات من سنوات سابقة، نشرتها صحيفة "هآرتس" أمس، تدل على أن نصف المعلمين يعتزلون مهنة التدريس خلال السنوات الخمس الأولى في هذه المهنة، وأن نسبة المعلمين الذين يعتزلون مهنتهم بعد عشر سنوات ترتفع إلى 60%.
وهناك من يعتبر أن أسباب اعتزال هذه النسبة المرتفعة من المعلمين تنبع من الراتب المنخفض، وتراجع سريع في المحفزات للبقاء في هذه المهنة، أو أن جهاز التعليم لا يعوّض المعلمين الجيدين ولذلك فإنه لا يحافظ على بقائهم داخل الجهاز. لكن يتبين أن هناك أسبابا أخرى لاعتزال المعلمين، وبينها أنهم يشكون من انعدام دعم جهاز التعليم لهم وانعدام الدعم من جانب مديري المدارس، وإسكات أفكار خلاقة.
"يضعون العصي في الدواليب"
وحاول طال عيرون، وهو أحد المعلمين الذين قرروا اعتزال العمل في جهاز التعليم، شرح الأسباب التي دفعته إلى الاعتزال، رغم أن سنه لم يتجاوز الثلاثين عاما. وقال لـ"هآرتس" إنه كان يحلم بمزاولة مهنة التعليم، وإنه عندما بلغ سن 24 عاما بدأ يدرس موضوع التربية في مسار خاص للمتفوقين في إحدى كليات التربية المرموقة في إسرائيل. وبعد إنهاء دراسته بدأ يعمل كمعلم لموضوع العلوم للصف الخامس الابتدائي في مدرسة في جنوب تل أبيب، وهي منطقة فقيرة وتعاني من مشاكل اجتماعية ومن وجود عدد كبير من العمال الأجانب واللاجئين الأفارقة.
وأضاف عيرون أن الأزمة المركزية التي اصطدم بها خلال عمله كانت تتعلق بامتحان "مؤشرات نجاعة ونمو المدرسة"، المعروف باسم "ميتساف"، والذي يتم من خلاله امتحان التحصيل العلمي لتلاميذ المدارس الابتدائية. وقال "شعرت أن الغاية الوحيدة للعام الدراسي كله هي حصول التلاميذ على علامات عالية في الميتساف فقط لا غير".
وأردف أن التلاميذ في المدرسة جاؤوا من شرائح اجتماعية صعبة، ورغم ذلك "كانت هناك ضغوط قوية جدا من جانب مديرة المدرسة من أجل حصول التلاميذ على علامات عالية. وقد شملت هذه الضغوط تلميحات لطاقم المعلمين بعدم إدخال أولاد العمال الأجانب إلى الامتحان، كي لا يمسوا بمعدل المدرسة. وكنت حينها معلما جديدا وبدون دعم، ولم يكن ثمة ما يمكنني فعله".
وتحدث عيرون عن تعامل جهاز التعليم مع التلاميذ الضعفاء وعدم منحهم فرصة من أجل تحسين تحصيلهم العلمي، وأن هذا ما دفعه إلى اعتزال التعليم. فقد انتقل للعمل في مدرسة ثانوية اسمها "الفرصة الثانية"، وهي مخصصة للتلاميذ الذين تسربوا من المدارس العادية. "وبسبب اللقب الجامعي الذي أحمله في التربية الخاصة، فقد أعطوني الصفوف الصعبة، ’الحمراء’، والتي لا يتم تقديم تلاميذها لامتحانات البجروت (التوجيهي). وقد درّست موضوعي التاريخ والرياضيات، لكني حصلت على صفر من الدعم".
وأدرك عيرون وطاقم معلمي الرياضيات في المدرسة أنهم لا يتمكنون من تدريس المادة كلها قبل موعد امتحان البجروت، لأن قسما من التلاميذ يعاني من مشكلة التركيز ويزعج باقي الصف. وفي الوقت نفسه، رفضت المدرسة إخراج هؤلاء التلاميذ من الصف وإشغالهم بأمور أخرى. ووصف ذلك كأن جهاز التعليم وإدارة المدرسة "وضعا لنا العصي في الدواليب". وأضاف أن "ما حدث هو أن أولئك غير القادرين على التقدم لامتحان البجروت أخذوا معهم الجميع إلى الحضيض. وقد طرحنا اقتراحات كثيرة، ولكن مُنعنا من إعادة تنظيم المجموعة".
وعلى أثر ذلك، قرر عيرون تقديم التلاميذ الذين بإمكانهم النجاح في الامتحان إلى الموعد الثاني من امتحان البجروت، لكي تكون لديهم فرصة للدراسة مدة أطول. لكن المدرسة طالبته بأن يقدمهم للموعد الأول، مهما كانت النتيجة، وإنه إذا قدمهم للموعد الثاني فإن عليه أن يفعل ذلك على مسؤوليته ومن دون الحصول على تعويض الساعات الإضافية.
وتابع عيرون أن النتيجة كانت أن قسما ضئيلاً من التلاميذ نجح في الامتحان.
"روضة الأطفال تشبه بيتا فيه 35 طفلا"
وقالت معلمة في روضة أطفال، لم تذكر اسمها كي تتمكن من التحدث بحرية، إنها قررت اعتزال مهنتها في نهاية العام الدراسي الأخير. وقالت إنه "من أجل أن أبقى في هذه المهنة وتجاوز العمل اليومي بمواصفاتي التربوية، فإني بحاجة إلى طاقة أكبر مما لدي. والعمل اليومي منهك جدا بشكل يصعب وصفه. وهناك 35 طفلا في الروضة، تتراوح أعمارهم بين 4 – 6 سنوات، ويصعب تمرير عملية نفسية وتربوية وحسية معهم".
وأضافت أنه "إلى جانب الاهتمام بالأولاد فإن وظيفتي تشمل الاهتمام بأن يعمل كل شيء في الروضة بصورة جيدة، وبضمن ذلك انسداد المرحاض، أو حدوث خراب في ساحة الروضة. كل هذا تحت مسؤوليتي. هذا يشبه أن تدير بيتا يوجد فيه 35 ولدا. وحتى فتح بوابة الروضة هو في نطاق مسؤوليتي، لأني الحارس. لم يكن بإمكاني أن أستمع للأطفال. كذلك فإن الإدارة الاقتصادية للروضة ملقاة على المعلمة. وتعين عليّ بعد ساعات العمل أن أذهب إلى الحوانيت لشراء مواد تعليم ومواد تنظيف وإحضارها إلى الروضة".
وأشارت المعلمة إلى مشاكل يعاني منها الأولاد "وعلى سبيل المثال، كانت لدينا طفلة عبرت عن يأس وكآبة. وقد أردت نقل الموضوع إلى مستوى أعلى لكن مديرة المدرسة أرادت كنس الموضوع تحت البساط. كذلك منعتني المديرة من تقديم شكوى بعد أن اكتشفنا أن طفلة في الروضة تتعرض للعنف في بيتها".
من لديه بديل يغادر
أكدت رئيسة كلية التربية "أورانيم"، البروفسور ياعرا بار- أون، أن "الدخول إلى جهاز التعليم بالنسبة لمعظم المعلمين الجدد هو كابوس، ومن لديه بديل للعمل في مجال آخر فإنه يغادر الجهاز، إذ يتم إرسال معلمين جدد إلى أصعب الصفوف، خلافا لأي منطق. ويأتي المعلم الجديد إلى جهاز التعليم، ويحصل أحيانا على ثمانية صفوف مختلفة، ويدرس موضوعين مختلفين ويتعين عليه أن يعلم كل صف ما بين ساعة إلى ثلاث ساعات، من أجل أن يستكمل وظيفته. وواضح أنه سيفشل. والسؤال الوحيد هو ما إذا كان هذا الفشل سيكسره أم لا؟".
وتابعت أنه يجب على جميع الجهات الضالعة في الأمر أن تفكر بصورة عميقة في ما يمكن فعله من أجل حل هذه المشاكل، نظراً إلى أن جهاز التربية والتعليم لا يمكنه الاستمرار في مثل الوضع السائد الآن.
الصفحة 105 من 1047