سيتأجل نشر "خارطة الطريق" الى أن يستكمل السيد محمود عباس "ابو مازن" تشكيل حكومة فلسطينية – هذا ما اتضح (الثلاثاء 8/4) في ختام قمة جورج بوش – توني بلير في بلفاست بارلنده الشمالية.وجدد الرئيس الاميركي جورج بوش في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير التأكيد على اعلان هذه الخطة حينما ينتهي رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) من تشكيل حكومته.
في هذه الحالة، يجب ببساطة الاستماع إلى تصريحات "الكبار" بكامل الجدية. وزير "الأمن"، شاؤول موفاز، يدلي بهذه الأقوال، مؤخرًا، في كل فرصة: إسرائيل أعلنت حربًا على "حماس" في قطاع غزة. وفي هذه الحرب، كل الوسائل متاحة وشرعية من ناحيتها. كلها - ما عدا (حاليًا) احتلال القطاع كاملاً.لذلك، فإن إغتيال د. إبراهيم المقادمة، (السبت 8 آذار) في حي الشيخ رضوان في غزة، هو علامة أخرى تنذر بالتصعيد الكبير. وقد تمت المصادقة على هذا الاغتيال، قبل مدة طويلة نسبيًا، لكن إسرائيل امتنعت عن إخراجه إلى حيز التنفيذ لأن المقادمة تواجد في مناطق مأهولة بالسكان. بالأمس، نشأت الفرصة للمسّ به، وثلاثة من "حماس" فقط كانوا معه في السيارة - وهذا ما حدث. ولم يكن ما حدث مفاجأةً تامةً. فقد تحدثوا في قيادة الجنوب في الجيش الاسرائيلي منذ منتصف الأسبوع الماضي، قبل ساعات معدودة من العملية التي نفذها منتحر من "حماس" في حيفا، عن أن <<شهادات تأمين رؤساء التنظيمات قد انتهى سريانها>>. كما أن كبار "حماس" و "الجهاد الاسلامي" كانوا واعين لذلك. وقد تنقّل القياديون (ومن بينهم المقادمة) مؤخرًا، مع حراس خاصين ودرج قسم منهم على تبديل أماكن سكناهم.
لا تزال الأحزاب والحركات السياسية الفاعلة بين المواطنين العرب في إسرائيل منكبة على تلخيص نتائج الإنتخابات البرلمانية العامة التي جرت في الثامن والعشرين من كانون الثاني الماضي، وما أفرزته هذه النتائج من تراجع في حجم وقوة التمثيل العربي في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) بشكل عام، وما حققه (وما لم يحققه) كل واحد من هذه الأحزاب بشكل خاص.
بقلم: نضال حمد
منذ مجزرة مخيم جنين وحتى هذه الأيام التي تحمل لنا كل يوم ضحايا جددا يسقطون بالرصاص الإسرائيلي الحي والمميت في آن، لم يثر استغرابي وعجبي واستهجاني وأعصابي خبر ما مثلما أثاره خبر التنسيق الجاري على قدم وساق لتنظيم وفد عربي من اسرائيل لزيارة "اوشفيتس".
هذه محاولة مكشوفة لإضفاء الشرعية على "ورثة المذابح"، الذين يعتبرون "أوشفيتس" ميراثهم لا بل كنزهم الكبير الذي يحاربون به العالم كله، ويصعدون معه الجبال ويتسلقون القمم، في الدول وعند الأمم، بهذا القدر الكبير من الإرهاب الذي تعرض له اليهود في أوروبا، والإجرام الذي مورس عليهم وبحقهم من جانب النازية، التي طال إرهابها وأجرامها الأوروبيين من كافة الفئات والديانات أيضا، وليس اليهود فقط.
لا يمكن لأي كائن كان أن ينفي عذاب اليهود في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية، وبنفس القدر، لا يمكن لأي شخص كان أن يسلب الضحية موتها وعذابها ليتاجر به لحساب لا إنسانيته وتجاوزاته واحتلاله لأراضي الغير بالقوة وتحت يافطة تلك المذابح ومعسكراتها - من أوشفيتس إلى بوخنفولد. لأن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين هو حملة ابادة منظمة تم خلالها محو عدة قرى فلسطينية من الوجود ومورس فيها التطهير العرقي والقتل الجماعي والإرهاب الأصولي وحصل للفلسطينيين في بلادهم المحتلة ما حصل لليهود في معسكرات الموت الجماعي.
والغريب أن الذين يريدون الذهاب لزيارة اوشفيتس لغاية الآن حصروا الأمر في عذابات اليهود وكأنهم هم خارج أطار العذاب اليومي والتفرقة العنصرية اليومية، منذ قيام دولة إسرائيل على أراضيهم وسلبهم هويتهم ومواطنتهم وكينونتهم، ومحاولة تهويدهم أو إلغائهم عبر اعتبارهم زوائد في المجتمع، لا يصلحون سوى للعمل في تأسيس البنية التحتية للدولة اليهودية.
المطلوب من القائمين على تلك الفكرة من العرب الفلسطينيين، الذين كتب عليهم أن يبقوا متمسكين بأرضهم وبالتالي تابعين للكيان الجديد والدولة الوليدة بغير أرادتهم وبدون استشارتهم، أن يضعوا أيضا أمامهم التاريخ الفلسطيني وكافة الأعمال التي قامت بها الحركة الصهيونية ومجموعاتها المسلحة بحق الشعب الفلسطيني، منذ السيطرة على فلسطين الطبيعية وحتى إعادة احتلال الضفة والقطاع في اطار اجتياح "السور الواقي" الاجرامي، ولغاية هذه الأيام، حيث تستمر بلا توقف أعمال الأجرام والإرهاب التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.
هل من معنى للسفر إلى اوشفيتس لمعرفة حقيقة المذبحة ما دام "ورثة المذبحة" يواصلون مذابحهم بحق الفلسطينيين ؟
ألم يكن من الأفضل دعوة الإسرائيليين للقيام بزيارة المواقع الفلسطينية الممسوحة والقبور الجماعية الباقية في القرى والمدن والبلدات التي طرد منها أهلها ليصبحوا لاجئين داخل وخارج بلدهم، وللمخيمات التي لا زالت شاهدا على عصر المذبحة الرهيبة التي تتواصل بحق الشعب الفلسطيني ويقوم ببطولتها أبناء النظام العنصري الإسرائيلي.
لو كنت مواطنا عربيا في اسرائيل، التي لا تعترف بمواطنتي، لكنت دعوت من يدَّعون أنهم مع الحق والسلام والمساواة والحوار والعيش المشترك والجوار الحسن، لزيارة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وبالتحديد - مخيم جنين، حيث وقعت الهزة الأرضية بفعل زلزال الدبابات والطائرات والمدافع الإسرائيلية، ونتيجة القنابل والصواريخ والبلدوزارات القاتلة، ولكنت دعوتهم ايضاً لزيارة ضريح شهداء مذبحة قانا في جنوب لبنان، ومجزرة صبرا وشاتيلا في بيروت...
هذه الزيارة المتوقعة والتي يعتزم البعض من فلسطينيي الـ 48 القيام بها برفقة بعض يهود اسرائيليين لموقع أوشفتس، الذي سبق لي شخصيا أن زرته أثناء دراستي الجامعية في بولندا (كما قمت بزيارة موقع تريبلينكا أيضا في بولندا)، تعتبر بادرة جديدة لكن ناقصة، لأن المشكلة ليست في الزيارة الفردية أو التضامن مع الضحايا الذين تمت إبادتهم على أيدي النازيين، لكن المشكلة الحقيقية موجودة في ثنايا المجتمع الإسرائيلي الذي احتكر ولا زال يحتكر دور الضحية منذ أوشفيتس وحتى يومنا هذا، كما أنها تكمن في خياراته وتوجهاته التي حددها في الانتخابات الأخيرة، حيث وضحت وبانت وعرفت بما لا يدع مجالا للشك.
لقد اختار الشعب الإسرائيلي، الذي أقام كيانه و دولته بفضل آلام وعذاب وعظام ضحايا أوشفيتس وغيره من المعسكرات والأماكن التي ارتبطت بذبح اليهود معسكر الحرب. وتلقى المساعدات وبقي يتلقى ولازال يتلقى العطاءات والهبات والتعويضات عن الضحايا اليهود الذين قتلوا في عهد النازية، على أساس انه الوريث الشرعي الوحيد لجميع الضحايا اليهود في العالم قبل وبعد ولادة اسرائيل.
أما العالم الذي أقام تلك الدولة فلا زال يواصل التعامل معها على هذا الأساس، مع أنها لم تكن موجودة ولا قائمة لا على أرض الواقع ولا حتى في الخيال. لكن لهذه اللعبة الدولية المنافقة أسبابها ومسبباتها، أما نحن الفلسطينيين أصحاب الحقوق المسلوبة والضائعة، فعلينا تذكر تلك الأسباب والمسببات جيداً، لأنها ساهمت ولا تزال تساهم في نكبتنا ومأساتنا، ومحنتنا منذ اقتلاعنا من أرضنا وحتى إعادة احتلال ما أعيد لنا من تلك الأرض بفعل سلام أوسلو المنتوف الشعر والمكشوف. هذه الأسباب والمسببات هي التي جعلت من دولة إسرائيل الأحتلالية والتي لم تكن موجودة أيام أوشفتس وغيره وكأنها الوريث الشرعي لمأساة اليهود في العالم، مع أن بعض الكتب والدراسات التي تحدثت عن المحرقة أو الهولوكوست، تتضمن دلائل على ارتباط قيادات صهيونية ومنها على وجه الخصوص رئيس الوزراء السابق اسحق شامير (مطلوب للأنتربول الدولي كمجرم حرب بتهمة قتل المبعوث الدولي السويدي سنة 1947) بعقد تفاهم مع النازيين. (جاء في الصفحة 75 من كتاب "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" للمفكر الفرنسي روجيه غارودي، ان اسحق شامير ارتكب في عام 1941 جريمة لا تغتفر من الناحية الأخلاقية، هي تحبيذ التحالف مع هتلر، مع ألمانيا النازية، ضد بريطانيا. نقلا عن بار زوهار – بن غوريون. النبي المسلح، باريس 1966، ص 99). ومع هذا استطاع شامير أن يصبح بطلا قوميا إسرائيليا وشخصية يهودية هامة ورئيسا لوزراء دولة إسرائيل.
ان تمجيد الذين قاموا بأعمال فظيعة بحق الآخرين يعتبر عملا شاذا ومشاركة في تلك الأعمال، لذا على الذين شاركوا في جعل شامير وغيره من المجرمين أبطالا وشخصيات وطنية قيادية أن ينبشوا في صفحات التاريخ جيدا للبحث عن الحقيقة المخفية وقراءة المحرقة بعيدا عن القراءات السابقة وبشكل علمي وليس عاطفي. لأن اليهود كانوا فعلا ضحايا السياسة النازية والعنصرية في أوروبا لكنهم أصبحوا عبر إسرائيل الوريث الشرعي ليس للضحية فقط بل للقاتل أيضا لأنهم يقومون بتجديد أساليبه الإجرامية في فلسطين ويمارسونها على الفلسطينيين.
أما الطرح العربي الجديد والذي أرى انه لم يأت في موعده ولا في زمانه ومكانه، فيمكن ان يصبح جيداً إذا عرف متى وأين وكيف يطرح نفسه، أما الآن فهو ناقص، وإذا كان لابد من بداية على هذا الطريق، فعليه أن يبدأ طريقه وخطواته الأولى من المنطقة الأقرب والذاكرة الطرية، الحاضرة الآن بقوة في الحاضر الملتهب والواقع المشتعل، و حيث لازالت الدماء سائلة وحارة ولم تجف لغاية الآن.
ما عدا ذلك يعتبر مضيعة للوقت ومجرد طرح أو كلام لن يجلب لا مساواة ولا سلاما ولا ما يحزنون!
(اوسلو – خاص)
الصفحة 897 من 1047