المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أصدرت "سيكوي" - الجمعية لدعم المساواة المدنية- تقريرها السنوي بعنوان "سياسات الحكومة تجاه المواطنين العرب"، والذي قام بإعداده وتحريره المحامي على حيدر، المدير العام المشارك في جمعيّة "سيكوي"، بمشاركة الباحثتين ندى متّى وميخال بليكوف.


ويُبْرِزُ تقرير "سيكوي" أن الفقر لدى الأولاد العرب يفوق الفقر لدى الأولاد اليهود بثلاث مرّات، كما يفوق الأولاد العرب أترابهم اليهود في التسرّب من التعليم بثلاث مرّات، كما أن عدد العائلات العربية التي تحصل على مخصّصات ضمان الدخل تبلغ أكثر من ضعفي نسبتها المئويّة لدى العائلات اليهودية، وأن ربع المواطنين العرب، فقط، يملكون برامج توفير، مقابل ثلثي اليهود، وهكذا دواليك.

وفي ما يلي أهم ما جاء في التقرير:

٭ الرفاه الاجتماعي: تمييز متواصل

- بينما يشكّل الأولاد العرب ثُلث مجموعة الأولاد في البلاد، فإنهم يشكّلون نصف الأولاد الفقراء. أي أن الفقر لدى الأولاد العرب يفوق لدى الأولاد اليهود بثلاث مرّات.

- انتشار الفقر: حسب معطيات التأمين الوطنيّ، يبلغ انتشار الفقر في صفوف الأولاد العرب نسبةَ 5ر57% مُقابل 2ر21% في صفوف الأولاد اليهود.

- نسب التسرّب: نسبة الشباب العرب من أبناء السابعة عشرة ،الذين لا يتعلّمون ولا يُنهون اثنتي عشرة سنة تعليميّة، تفوق نسبتَهم بين اليهود بثلاثة أضعاف (7ر13%، مقابل01ر4%).

٭ أفراد وعائلات:

- الفقر: في العام 2004، شكّلت العائلات العربيّة نسبة 7ر12% من مجموع العائلات العامّ، غير أنّ العائلات العربيّة الفقيرة شكّلت نسبة3ر31% من العائلات الفقيرة في البلاد.

- مخصَّصات ضمان الدخل: 5ر15% منَ العائلات العربيّة تعيش على مخصّصات الدولة، كي تضمن الحدّ المعيشيّ الأدنى، مقابل 6% من العائلات اليهوديّة.

- برامج توفير وتأمين لمرحلة التقاعد : يملك 57% من اليهود، الذين في سنّ الـ 20 فما فوق، برامجَ توفير وتأمين لمرحلة التقاعد، مقابل 2ر26% من العرب، الذين ينتمون إلى الفئة العمْريّة عينها.

ويسرد التقرير المسبّبات الأساسيّة للفجوات في رصد الموارد بين اليهود والعرب في مجال الرفاه الاجتماعي على النحو التالي:

معايير إشكاليّة وتمييزيّة:

* محاولة الوصول إلى معطيات أسـاسيّة حول عدد العائلات والأولاد الذين تعالجهم عمليًّا مكاتبُ الشؤون الاجتماعيّة وصلت إلى طريق مسدود، إذ إنّ النقص في الموارد لدى مكاتب الشؤون يحول دون وصولها إلى جميع المحتاجين، وتتمخّض عن ذلك معطيات أساسيّة متدنّية عن تلك التي تعبّر عن الصورة الحقيقيّة للوضع.

* بلدات الأفضليّة القوميّة: اعتبارات تصنيف القرية أو المدينة تحت تعريف الأفضليّة القوميّة لا تعكس بالضرورة احتياجاتها في مجال الرفاه الاجتماعيّ. البلدات التي يشملها هذا التعريف لا تتميّز بالضرورة باحتياجات في مجال الرفاه كتلك التي تسوّغ زيادات في الميزانيّة. وفي المقابل، هنالك بلدات وبؤر واقعة في ضائقة لم تُشمَل في قائمة الأفضليّة، ولا تتمتّع بزيادة في الموارد.

أوزان مقاييس لا تلائم الاحتياجات:

* أوزان متدنّية: يحصل المقياسان: "العائلات الكثيرة الأولاد" و"المكانة الاجتماعيّة الاقتصاديّة" على ثقل متدنٍّ نسبيًّا (10% لكلّ منهما)، وذلك على الرغم من كونهما من المسبّبات الرئيسيّة للفقر والضائقة في المدن والقرى العربيّة.

* العائلات الأحادية الوالدين: نسبة العائلات الأحاديّة في صفوف الجمهور العربيّ متدنّية نسبيًّا، مقارنةً بنسبتها لدى اليهود، لذا، من الأجدر منح هذا المقياس ثقلاً أقلّ عند تناول احتياجات الجمهور العربيّ.

الاحتياجات الخاصّة- "عامل" (فاكتور) القادمين الجدد:

يعتبر جمهور القادمين الجدد عرضة للتضرّر أكثر من غيره في مجال الرفاه الاجتماعيّ؛ لذا فهو يحصل على رعاية خاصّة، تنعكس في زيادات ماليّة كبيرة. البنية الديموغرافيّة للجمهور العربيّ مختلفة، وتشمل نسبة مرتفعة نسبيًّا من الأولاد، ونسبة قليلة من المسنّين. الاختلاف في توزيع الفئات العمْريّة يستوجب توزيعًا للميزانيّات مختلفًا. ويَحمل رصد الميزانيّات على أساس قطريّ عامّ مقدارًا بالغًا من التمييز ضدّ الأولاد العرب الذين يشكّلون نحو نصف السكّان في المدن والقرى العربيّة.

٭ لا يوجد تمثيل مناسب للعرب في أي من الوزارات الحكومية:

بالرغم عن أن الكنيست سنّ قبل خمس سنوات قانوناً يهدف إلى تمثيل العرب في سلك خدمة الدولة بشكل مناسب، وبالرغم عن أنه في بداية عام 2004 حدّدت اللجنة الوزاريّة لشؤون العرب هدفاً، بحسبه يكون 8% على الأقلّ من مستخدمي الدولة من العرب، إلا أن التقرير السنويّ التلخيصيّ لمأموريّة خدمة الدولة حول تمثيل المواطنين العرب في سلك خدمة الدولة للعام 2004 يقرّ أن 5ر5% من المستخدمين في سلك خدمة الدولة هم من العرب (3154 موظفا عربيا فقط من أصل41965 ).

٭ توزيع المستخدمين العرب حسب الوزارات الحكوميّة

يعمل 2843 مستخدمًا عربيًّا في ستّ وزارات حكوميّة فقط. ويعمل نحو 56% من هؤلاء في وزارة الصحّة، بما في ذلك المستشفيات الحكوميّة.

في الوزارات والأقسام التالية لم يجرِ استيعاب أيّ من المستخدمين العرب في العام 2004: مكتب رئيس الحكومة؛ مأموريّة خدمة الدولة؛ وزارة الماليّة؛ وزارة الأمن الداخليّ؛ التلفزيون التعليمي؛ مأموريّة المياه؛ خدمات الإرشاد والمهنة؛ سلطة التقييدات التجاريّة؛ مأموريّة الإطفاء والإنقاذ؛ خدمات الأرصاد الجويّة، المعهد الجيولوجيّ؛ سلطة الكهرباء؛ مركز المسح الإسرائيليّ؛ دائرة البناء القرويّ.

٭ تمثيل المواطنين العرب في مجالس إدارة الشركات الحكوميّة

في أيّار عام 2000، صادق الكنيست على تعديل قانون الشركات الحكوميّة- 1975، الذي يضمن تمثيلاً ملائمًا للجمهور العربيّ في تركيبة مجالس إدارة الشركات الحكوميّة. يُورد التقرير الإحصائيّ لسلطة الشركات الحكوميّة معطيات سارية حتّى تاريخ الثاني من آب عام 2005، أي بعد مرور خمسة أعوام من المصادقة على تعديل القانون، ومرور عامين بعد اتّخاذ القرار الحكوميّ وإعلان رئيس الحكومة أنّه حتّى شهر آب 2004 سيشغل عربيّ واحد على الأقلّ منصب مدير في مجالس إدارة كلّ واحدة من الـ 105 شركات حكوميّة. ويُستشفّ من التقرير أنّ هنالك 50 مواطنًا عربيًّا يشغلون مناصب مديرين في مجالس إدارة الشركات الحكوميّة من أصل 551 مديرًا، ويُشكّل هؤلاء نسبة 5% من المجموع العام للمديرين. وهنالك 10 مديرات عربيّات من أصل 189 مديرة، ويشكّلن 3ر5% من مجموع المديرات في مجالس إدارة الشركات الحكوميّة.

٭ تمثيل المواطنين العرب في صفوف المستخدمين في الشركات الحكوميّة والسلطات الحكوميّة والسلطات المحلّيّة

يشكّل المستخدمون العرب 2ر1% فقط من موظّفي مركز الحكم المحلي. ويعمل المستخدمون العرب بغالبيّتهم في المجالات والشؤون ذات الصلة بالجمهور العربيّ، ويشغل معظمهم وظائف ميدانيّة، ولا يشغلون وظائف في المراكز القياديّة حيث توضَع وتُحدَّد السياسات العامّة. حسب الاستطلاع الذي أُجري في العام 2002 ،تبيّن أن نسبة العرب في الشركات الحكوميّة لا تتعدّى الـ 08ر0%.

وثيقة مبادئ لتحقيق العدالة في التخطيط للمواطنين العرب في إسرائيل

"اتبعت حكومات إسرائيل سياسات تمييزية في شؤون التخطيط والأراضي تجاه المواطنين العرب في إسرائيل، حيث تتجاهل هذه السياسات الاحتياجات الاجتماعية، الاقتصادية والحيزية للأقلية العربية"- هذا ما ورد في وثيقة المبادئ التي قدمها مركز عدالة القانوني لحقوق المواطنين العرب في إسرائيل أخيرًا، إلى لجنة الداخلية وجودة البيئة في الكنيست، حيث يعرض القسم الأول منها النتائج الحيزية والجغرافية لسياسة التخطيط والأرض تجاه المواطنين العرب في إسرائيل؛ ويعرض القسم الثاني مبادئ التخطيط التي على الدولة ومؤسساتها أن يعملوا على تنفيذها، وذلك من أجل تحقيق المساواة والعدل الحيزي بين المواطنين العرب والمواطنين اليهود في البلاد.

يذكر أنه في يوم 15 شباط 2006 عرضت لجنة الداخلية البرلمانية "وثيقة تلخيص: التخطيط والبناء في الوسط العربي، في ألوية الشمال، حيفا، المركز والجنوب". ولخصت هذه الوثيقة جلسات لجنة الداخلية وجودة البيئة في موضوع "التخطيط والبناء في البلدات العربية"، وعرضت عددًا من التوصيات تتعلق بهذا الموضوع.

وفي وثيقة المبادئ التي قدمها عدالة أكدت مخططة المدن والمناطق هناء حمدان والمحامية سهاد بشارة أن السياسات المستمرة لحكومات إسرائيل أدت إلى نتائج حيزية تمس بشدة بالحقوق الأساسية للمواطنين العرب في إسرائيل، وذلك على النحو التالي:

- تقسيم حيزي جغرافي غير عادل بين السلطات المحلية العربية وبين السلطات اليهودية، التي أدت بدورها إلى مشاكل في البنى التحتية ونقص في الأراضي للتطوير على المدى القريب والبعيد في البلدات العربية.

- فصل عنصري بين السكان العرب وبين السكان اليهود في الدولة. على هذا الأساس، توجد اليوم بلدات يمنع العرب من السكنى فيها وهي معدة لليهود فقط.

هذه السياسة أدت أيضا إلى وجود حوالي 40 قرية غير معترف بها في الجنوب. كما أدّت إلى وجود أحياء سكنية كاملة غير معترف بها خارج نطاق الخارطة الهيكلية. مثال على ذلك: الحي الغربي القديم في قرية وادي سلامة. كما أدى ذلك إلى وجود أحياء عربية دون تخطيط في المدن المختلطة مثل حي شنّير في اللد.

وحسب ما جاء أعلاه، طلب عدالة من لجنة الداخلية تبني المبادئ التخطيطية التالية، وتوصية السلطات المختلفة على العمل حسب هذه المبادئ:

- الاعتراف بكل القرى العربية غير المعترف بها في النقب وتخطيطها حسب احتياجات السكان المحليين: على الدولة ومؤسساتها المختلفة الاعتراف بهذه القرى والعمل جاهدة على أن تجد حلا تخطيطيا كاملا ومناسبا، وإنهاء معاناة السكان المتواصلة منذ قيام الدولة.

- إيجاد حل لضائقة الأحياء العربية في المدن المختلطة: يجب توفير إطار تخطيطي يتلاءم واحتياجات السكان العرب في المدن المختلطة، على هذا الإطار أن يأخذ بالاعتبار الميزات الاجتماعية والثقافية للسكان العرب.

- توسيع مناطق نفوذ البلدات العربية: من أجل إيجاد حل للنقص القائم في الأراضي في البلدات العربية يجب توسيع مناطق نفوذ هذه البلدات، وذلك حسب احتياجات كل مدينة وقرية عربية.

- الأخذ بعين الاعتبار "الاختلاف" لدى السكان العرب: تتطرق توصية رقم 9 في الوثيقة التي قدمتها لجنة الداخلية إلى تعجيل مسارات التخطيط في البلدات العربية. هذا التعجيل يشكل خطوة جيدة فقط إذا أرفق به عامل مهم وحيوي وهو الأخذ بالحسبان موضوع "الاختلاف" لدى السكان العرب عن المجموعات السكانية الأخرى.

- مشاركة السكان العرب في مسارات التخطيط: مشاركة الجمهور في مسار التخطيط هي أداة مهمة وحيوية وحتى واجبة من أجل معرفة ودراسة احتياجات السكان المختلفة. لهذا، على مؤسسات التخطيط والمخططين والمخططات إشراك السكان العرب (نساء ورجالا) في مسارات التخطيط المختلفة، كجزء لا يتجزأ من مسار اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبل وتطوير البلدات العربية.

- تمثيل لائق في مؤسسات التخطيط: يحدد مجلس التخطيط القطري ولجان التخطيط اللوائية والمحلية المستقبل التخطيطي للبلدات العربية وتطوير الحيز. لذلك، يجب ضمان تمثيل لائق للسكان العرب في مؤسسات التخطيط المختلفة، من أجل تمثيل صحيح ومناسب لتجربة، احتياجات، مطالب ومصالح السكان العرب.

"- الحق في الاختيار": يقترح الواقع "المديني" العربي، تقريبا، إمكانية سكن واحدة: العيش في حيز مديني يعاني من ضائقة في البنية التحتية والتطوير الاقتصادي ومحدود جدا من ناحية إمكانيات التطوير المستقبلية. هذا الأمر خلق واقعا لا يمكّن المواطن العربي من "الحق في الاختيار" بين إمكانيات سكن مختلفة (مدينية، قروية، قروية مشتركة وما شابه)، وهو الأمر المتوفر لدى المواطن اليهودي. على هذا الأساس، وعند مناقشة فكرة "إقامة مدينة عربية" (توصية رقم 10 في وثيقة لجنة الداخلية) يجب إجراء دراسة وفحص جدي لاحتياجات السكن لدى السكان العرب؛ تحديد أهداف التخطيط، إشراك كامل للسكان العرب في التخطيط وعليهم هم تحديد احتياجاتهم ورؤيتهم المستقبلية.

- الاعتراف بطرق الملكية التقليدية على الأراضي لدى السكان العرب البدو في الجنوب: يعيش السكان العرب البدو في الجنوب قبل قيام الدولة. طرق ملكية الأرض المتعارف عليها كانت ترتكز على قواعد اجتماعية وتقليدية طورت خلال مئات السنين، لذلك من المناسب أن تعترف الدولة ومؤسساتها بطرق الملكية هذه.

هل كانت كآبة مناحيم بيغن السبب وراء الاجتياح الإسرائيلي للبنان؟

اعتبر كتاب صدر حديثا في إسرائيل أن الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982 لم يؤد إلى إصابة رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه مناحيم بيغن بحالة اكتئاب بل على العكس.

ونقض الطبيب النفساني الدكتور عوفر غروزبرد في كتابه "مناحيم بيغن، سيرة قائد" النظرية التي كانت قائمة حتى اليوم ومفادها أن الاجتياح الإسرائيلي للبنان أدى إلى إصابة بيغن بحالة اكتئاب شديد أدت إلى انعزاله في بيته وإنهاء عمله كرئيس للوزراء.

وبحسب الدكتور غروزبرد فإن حالة الاكتئاب الطبي التي ألمّت ببيغن أدت إلى نشوء فراغ ملأه وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه اريئيل شارون.

وقال إن "الانزلاق إلى حرب لا فائدة منها ودموية نبع من اندفاع الكآبة المزمنة لدى رئيس الوزراء، وهي واحدة من اندفاعات عديدة أدت إلى إضعاف قدرته على الصمود في وجه خطة الحرب التي وضعها اريئيل شارون".

وشدد غروزبرد على أن "التدهور في الحالة النفسية لبيغن هي التي أدت إلى تدهور الحرب إلى أبعد من أهدافها الأولية لأنها لم تمكنه من السيطرة على مجرى التطورات.

"ليست حرب لبنان أدت إلى كآبته وإنما على العكس.

"الكآبة التي رافقته طوال حياته تصاعدت في سنواته الأخيرة خلال إشغاله رئاسة الوزراء وهذا ما أدى إلى تدهور حرب لبنان".

وأضاف أنه "بعدما كان الوزراء ينصاعون لأوامر بيغن طوال سنوات واجهوا صعوبة في انتقاده بسبب فقدان القدرة على العمل. كما أن اعتماده الزائد على شارون وهو أمر لم يفعله في الماضي كان نابعا أيضا من الشعور بضعف متعاظم وبالرغبة في التعويض عن ذلك".

وذكر غروزبرد أن المرأة التي ولّدت بيغن هي جدة اريئيل شارون.

وأجرى ملحق صحيفة "هآرتس" مقابلة مع الدكتور غروزبرد استعرضت النظرية الجديدة التي وضعها.

وتتعقب السيرة الجديدة سلسلة طويلة من الأزمات النفسية التي تعرض لها بيغن ورافقته منذ طفولته.

وقال غروزبرد إنه يتعذّر عليه فهم كيف أنه طوال السنوات وحتى عندما بدا رئيس الوزراء بيغن شارد الذهن وصمت خلال اجتماعات الحكومة "نجحوا في إخفاء مرضه عن الجمهور".

وبحسب غروزبرد فإن "الاكتئاب تطوّر لدى بيغن منذ طفولته وقد كان هذا وضعا مرضيا (باثولوجي) متواصلا نابعا من تركيبة شخصيته".

ورأى غروزبرد أن إحدى العبر التي استخلصها من كتابه الجديد هي "القدرة على رؤية كآبة بيغن والأضرار التي سببتها وكيف أن مجموعة من الأشخاص تآمروا على الصمت حيال رئيس وزراء لا يمارس مهامه في حالة حرب".

لكن الكشف الأساسي للكتاب، فيما عدا التفاصيل التي أوردها عن فترة اجتياح لبنان، يكمن في مجموعة كبيرة من الشهادات حول حالة الكآبة المرضية (اكلينيكية) لدى بيغن منذ فترة قيادته للحركات الإرهابية اليهودية قبل قيام إسرائيل.

وتشير الشهادات التي جمعها غروزبرد إلى أن حالة الكآبة في تلك الفترة كانت تنتابه في أوقات متباعدة أو مرة كل عدة سنوات.

وقال غروزبرد إن حالة من الشعور بالذنب والسوداوية كانت تسيطر على بيغن منذ طفولته.

وأضاف أن "بيغن لم يعبر أبدا عن غضبه تجاه أحد".

كذلك لفت غروزبرد إلى أن نزعات انتحارية رافقت بيغن في فترة عضويته في المجموعات الإرهابية مثل الايتسل في السنوات التي سبقت قيام إسرائيل.

وقال إن "بيغن أراد أن يكون ضحية أو قديسا وتعريف الكآبة هو أيضا عدوان موجه للذات".

واعتبر غروزبرد أنه "منذ سن الخامسة أو السادسة لا يمكن الحديث عن بيغن الفرد لأن ذكرياته كطفل كانت حول الهجمات التي تعرض لها اليهود في روسيا بمعنى أنها رهن للشعب اليهودي وهذا الوضع استمر حتى بلغ السبعين عندما عزل نفسه في بيته وعاد ليصبح فردا وقريبا من ذاته لأول مرة لكن في حالة كآبة عميقة".

وأضاف أن "نوبات الكآبة أصبحت تنتاب بيغن في فترات متقاربة أكثر بعد التوقيع على اتفاق كامب ديفيد (مع مصر) إلى درجة أنه عندما اندلعت حرب لبنان أصبحت الكآبة ترافقه بشكل دائم".

وقال غروزبرد إنه في العام 1978 عندما كانت عملية السلام مع مصر في أوجها مارس وزير الخارجية الأميركي في حينه، سايروس فانس، ضغوطا على بيغن ليوافق على منح الفلسطينيين سيادة.

ونقل غروزبرد عن الوزير الإسرائيلي في حينه عيزر فايتسمان قوله إن بيغن "حضر إلى المداولات (في كامب ديفيد) في حالة نفسية صعبة وأبدى عدم اكتراث بما يجري ولم يتدخل في الجدل ولم يفرض جدول عمل على المتناقشين".

وأضاف فايتسمان أن بيغن "جلس على رأس الطاولة منطويًا على ذاته وكانت عيناه مغروستين في مكان ما غير معروف.

"وكانت شائعات تقول إن الأدوية تغلبت عليه وتم تسريب شائعات إليّ مفادها أن بيغن يعاني من حالة نفسية صعبة للغاية وأنه قد يستقيل من منصبه".

وأكد غروزبرد أن بيغن كان في مطلع العام 1980 في حالة "اكتئاب كبير" وذلك بعد شهرين على استقالة وزير الخارجية موشيه ديان.

ونقل عن مستشار ديان القضائي الياكيم روبنشطاين قوله إنه عندما ودّع بيغن اثر مغادرته مكتب ديان المستقيل "لقد كنت مصعوقا، فقد بدا (بيغن) في حالة اكتئاب عميق.. كان يبدو كأنه في فترة حداد".

وقال غروزبرد إنه بعد فوز الليكود، الذي قاده بيغن في الانتخابات العامة في العام 1981، شكّل حكومة مؤلفة من الصقور مثل موشيه أرنس وإسحق شمير واريئيل شارون وعيّن رفائيل ايتان رئيسا لأركان الجيش وجميعهم معروفون بأفكارهم اليمينية.

وأضاف أنه "كلما أصبح بيغن أكثر ضعفا سعى للتغطية على ذلك بإحاطة نفسه بمجموعة صقرية أكثر وذلك خلافا للحكومة التي شكّلها في العام 1977.

"وحتى أن برنامج حزب الليكود في انتخابات 1981 كان أكثر تطرفا وتحدث فيه عن ضم الضفة الغربية وقطاع غزة لإسرائيل بشكل يتعارض مع اتفاقية كامب ديفيد".

وتابع أنه "كلما ضعف بيغن اعتمد أكثر على شارون ومنحه المزيد الصلاحيات وهذه حالة مرضية بمعنى أن لا فرق بين بيغن وشارون. وهذا يعني أن بيغن لم يعد يفكر بشكل مستقل.

"ولذلك فإني أدعي بأن الكآبة لدى بيغن التي تصاعدت بعد انتخابات 1981 سبقت الحرب وليس التورط في الحرب هو الذي أدى إلى الكآبة".

كذلك فإن تزايد عدد الجنود الإسرائيليين الذي قتلوا في لبنان بعد الاجتياح أدى إلى غوص بيغن في اكتئاب عميق.

وقال غروزبرد إن زوجة بيغن قالت مرة إن بيغن اعتكف في إحدى الأمسيات في غرفته وبكى طوال الليل حزنا على جنود قتلوا في لبنان وإنها طلبت عدم الاتصال به في ساعات الليل لإبلاغه بسقوط المزيد من الجنود.

وقال بيغن في جلسة الحكومة التي عقدت في 28 آب 1983 "لا أشعر بأنني أمارس مهامي كما يتوجب أن يمارسها شخص يتحمل مسؤولية كهذه". وأعلن عن استقالته من رئاسة الوزراء.

"نحو صياغة رواية تاريخية للنكبة: إشكاليات وتحديات"

يأتي هذا الكتاب في إطار مشروع لمركز "مدى الكرمل"، يشرف عليه محرر الكتاب د. مصطفى كبها، وهو يهدف للمساهمة في وضع الأسس لعملية إعادة صياغة وتشكيل الرواية التاريخية الفلسطينية.

بدأ هذا المشروع في خريف عام 2003، وضمن فعالياته قام مركز "مدى" بتنظيم سيمنارين أتبعهما بيومين دراسيين كان الأول تحت عنوان "النكبة والتهجير" وتشكل المقالات التي ألقيت فيه حصة الأسد من هذا الكتاب. أما الثاني فقد تناول فترة الحكم العسكري التي فرضت على الفلسطينيين العرب داخل إسرائيل في الفترة الواقعة بين 1948-1966.

يتكون الكتاب من تسعة مقالات وملحق، تم تقسيم المقالات التسعة إلى ثلاثة أبواب: الأول جاء تحت عنوان "التأريخ الفلسطيني للنكبة" وهو مكوّن من أربعة مقالات يناقش الأول (لمحرر الكتاب) موضوع التـأريخ الفلسطيني، بشكل عام، وإشكاليات صياغته، في حين يتعرض المقال الثاني (للدكتور صالح عبد الجواد) لقسريات التأريخ للنكبة وأهمية دور التاريخ الشفوي في ذلك. أما المقال الثالث (للدكتور أحمد سعدي) فيتناول موضوع ذاكرة النكبة وأشكال صياغتها، في حين يعرض المقال الرابع (للدكتور عصام نصار) دور الصورة والمصورين في توثيق أحداث النكبة وقت وقوعها.

يتعرض الباب الثاني للكتاب، والمكون من ثلاثة مقالات، لنماذج متنوعة من أداء قطاعات وشرائح مختلفة من الشعب الفلسطيني وقت النكبة. فالمقال الأول (للدكتور سليم تماري) يتعرض لتعامل القطاع المدني، ممثلاً بمدينة القدس وعمقها القروي، مع أحداث النكبة وتداعياتها. أما المقالان الثاني والثالث والمتعرضان لأداء القطاع القروي في منطقتين مختلفتين، فإنهما يتميزان أيضًا لكون كاتبيهما يرويان أيضًا شهادة تحمل بعدًا ذاتيًا لما حصل في قرية كل منهما، أحدهما (للدكتور نمر سرحان) يتحدث عن قريته السنديانة (منطقة الروحة) التي كان قد غادرها وهو في الحادية عشرة من عمره وشاهد عن كثب ما حصل هناك، في حين غادر كاتب المقال الآخر (الدكتور عادل مناع) قريته مجد الكروم (الجليل الأعلى) عام النكبة وهو طفل رضيع ليعود إليها بعد رحلة لجوء قاسية في لبنان. وخلاصة ما حصل في القريتين يمكن أن يكون نموذجًا لما حصل في قطاعين قرويين مختلفين.

في الباب الثالث الذي يتعرض للتأريخ الصهيوني- الإسرائيلي للنكبة مقالان: الأول (للمؤرخ مردخاي بار- أون المحسوب على مجموعة مؤرخي النظام) يستعرض فيه مجمل مواقف المؤرخين المؤسساتيين محاولاً الرد أيضًا على مجموعة "المؤرخين الجدد"، في حين يتناول المقال الثاني (للدكتور إيلان بابه، أحد أركان مجموعة المؤرخين الجدد) بشكل ناقد التاريخ المؤسساتي الإسرائيلي وطريقة تناوله لموضوع النكبة.

أما ملحق الكتاب فيقص فيه الدكتور سميح شبيب من خلال شهادة شخصية قصة أرشيف مركز الدراسات الفلسطيني في بيروت الذي كان قد عمل فيه سنوات طوال وشاهد عن كثب عملية بنائه وعمله ومن ثم استيلاء القوات الإسرائيلية عليه على أثر اجتياحها بيروت عام 1982 ودرب الآلام التي مرت بها مواد هذا الأرشيف منذ ذلك التاريخ. ويؤكد محرّر الكتاب "رأينا أن نورد هذه الشهادة في هذا الكتاب عسى أن تكون عبرة ودرسًا لكل من يحاول بإخلاص بناء أرشيف وطني فلسطيني يكون من شأنه سد بعض الثغرات في نقص المواد الخام الذي يعانيه المؤرخون الفلسطينيون".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات