في الوقت الذي أصبحت فيه نتائج الانتخابات البرلمانية في إسرائيل شبه محسومة، وتشير إلى تقدم حزب "كديما" على باقي الأحزاب، إذا لم تحدث أي مفاجأة خارقة، فإن السؤال الأكبر يبقى نسبة التصويت في هذه الانتخابات، بعد أن تم رفع نسبة الحسم من 1.5% إلى 2%، وخلق صعوبة أمام القوائم الصغيرة، أو القوائم الحديثة العهد أمام الدخول الى البرلمان. كذلك فإن نسبة التصويت هي مؤشر هام لمدى تعاطي الجمهور مع السياسة.
في شهر تشرين الثاني، مع بدء ظهور أولى بوادر إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، والتقلبات الكبيرة التي حدثت في الحلبة السياسية، بدءا من الإطاحة بشمعون بيريس من رئاسة حزب العمل، ليحل محله رئيس اتحاد النقابات عمير بيرتس، وبعد ذلك بأسبوعين انفصال أريئيل شارون ومجموعة من شخصيات الليكود عن الحزب وتشكيل حزب "كديما"، توقع المحللون وحتى استطلاعات رأي أن تصل نسبة التصويت في هذه الانتخابات الى 80%، وهي نسبة ضخمة تذكر بنسب التصويت في سنوات الخمسين من القرن الماضي. ولكي تتحقق نسبة كهذه، فإن نسبة التصويت بين اليهود يجب أن تصل الى 83% إن لم يكن أكثر، من أجل سد الفجوة بين نسبة التصويت لدى اليهود ونسبة التصويت لدى العرب التي عادة ما تكون أقل. لكن ما يظهر الآن أن نسبة التصويت ستكون أقل مما كان متوقعا قبل أربعة أشهر.
وليس هذا فحسب، بل إن استطلاعات للرأي أكدت أن الحماس للمشاركة في العملية الانتخابية تراجع الى درجة ملحوظة، وهناك من يتوقع أن تكون النسبة العامة للتصويت في حدود 70% الى 72% كأبعد حد، مقابل 69% في الانتخابات السابقة التي جرت في العام 2003.
ويلاحظ من استعراض نسب التصويت في الانتخابات الإسرائيلية، أن هذه النسبة في تراجع مستمر من انتخابات الى أخرى. ونرى أن نسب التصويت في الانتخابات التي كانت تجري منذ العام 1949 وحتى العام 1969 تراوحت ما بين 82% الى 87%، ومنذ الانتخابات التي جرت في العام 1973، وحتى الانتخابات التي جرت في العام 1999، كانت نسبة التصويت تتقلب من 77% الى 79%، وهبطت مرّة واحدة في الانتخابات الماضية 2003 الى 69%.
وحسب خبراء فإنه كلما ازداد عدد ذوي حق الاقتراع فإن نسبة التصويت تتراجع، وهذا لعدة أسباب متراكمة، من بينها مثلا التواجد خارج البلاد (تقدير سابق تحدث عن نصف مليون يهودي إسرائيلي يقيمون بشكل ثابت خارج إسرائيل)، كذلك تحدثت عدة تقارير صحفية أن ظاهرة اللامبالاة تتسع بين أوساط الجمهور، وبشكل خاص بين أوساط الشباب.
ورغم ظاهرة تراجع نسبة التصويت بشكل عام، فإن هناك تركيزا خاصا على نسبة التصويت بين العرب في إسرائيل، الذين كانت نسبة التصويت بينهم في الانتخابات السابقة في حدود 64%. ويلاحظ أن وسائل إعلام عبرية تكثر الحديث عن تراجع نسبة التصويت بين العرب، حتى بدا الأمر وكأن هناك موجها لزرع الفكرة بين الجمهور، رغم أن سلسلة من استطلاعات الرأي أشارت الى أن نسبة التصويت قد ترتفع في هذا العام، مقارنة مع الانتخابات السابقة، الى 66% وحتى أكثر.
وهناك تفاوت كبير في نسب التصويت في المناطق العربية، ففي حين أنها ترتفع الى نسب عالية جدا في الريف والمدن الصغيرة، وقد تصل الى حدود 80%، فإنها في مدينة الناصرة، أكبر المدن العربية، تكون في حدود 60% الى 62%، ونسب مماثلة أو أكثر في مدينة أم الفحم.
وتبلغ نسبة العرب من بين ذوي حق الاقتراع في إسرائيل، البالغ عددهم 5.1 مليون شخص، حوالي 12%، أي حوالي 620 ألف مصوت عربي، ولو تساوت نسبة التصويت بين العرب واليهود لكان بمقدور العرب أن يؤثروا على 15 مقعدا.
في هذه الانتخابات من المتوقع أن يحقق العرب تأثيرهم على هذا العدد من المقاعد نظرا لكون القوائم الناشطة في الشارع اليهودي قد تحرق حوالي 6% من الأصوات، بسبب كثرة القوائم التي لن تعبر نسبة الحسم، وهذه النسبة ستغلق الفجوة في فارق التصويت، ويبقى هذا في إطار التوقعات والفرضيات.
يذكر في هذا السياق أن مجموعة من النشيطين السياسيين حاولت في هذا العام تنظيم حركة مقاطعة للانتخابات في الشارع العربي، لكن استطلاعات رأي علمية تؤكد أن نسبة الذين يقاطعون الانتخابات لأسباب سياسية وأيديولوجية تصل إلى حد 5% في أعلى مستوياتها.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يظهر فيها مثل هذا النشاط، فحتى مطلع سنوات التسعين من القرن الماضي كانت تنشط حركة أبناء البلد قبل كل انتخابات للدعوة لمقاطعة الانتخابات، لكن هذه الحركة واجهت سلسلة من الانشقاقات، وقسم جدي من الحركة منخرط في حزب التجمع الوطني الديمقراطي ويشارك في العملية الانتخابية.
كذلك فإن الجناح الشمالي للحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، يمتنع عن المشاركة في الانتخابات، لكنه لا يدعو للمقاطعة، ويعطي حرية القرار لناشطيه، وقد أعلن رئيس بلدية أم الفحم، الشيخ هاشم عبد الرحمن، وأحد أبرز قادة الحركة الإسلامية- الجناح الشمالي، في مقابلة مع صحيفة "كل العرب"، عن نيته التصويت في هذه الانتخابات.