المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عادت اسرائيل الرسمية لممارسة "هواية" الهرب الى امام، غداة القرار الذي اتخذته الجمعية العمومية للامم المتحدة، والداعي الى الكفّ عن تهديد مكانة وحياة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وتمثَّل هذا الهروب في إجماع الساسة على ان القرار "غير ذي صلة" بما يجري في الميدان، وعبّر هؤلاء في الوقت ذاته عن اكتفائهم بمجرد ان الولايات المتحدة لا تزال تؤيد اسرائيل في وقوفها ضد قرار الجمعية العامة في موازاة كونها قد شددت مواقفها ضد السلطة الوطنية الفلسطينية والرئيس عرفات (تصريحات الرئيس جورج بوش)، ما يعني في قراءة الغالبية ان "الفلسطينيين خسروا الولايات المتحدة في الجولة الحالية من الصراع"، على ما نقلت الصحف الاسرائيلية (21/9) عن مصادر سياسية رفيعة المستوى في القدس الغربية.

غير ان وسائل الاعلام الاسرائيلية بدت مفارقة لهذا الموقف بعض الشيء. فقد أنشأت صحيفة "هآرتس" (21/9) افتتاحية اكدت في سياقها ان "سلسلة الاحداث الاخيرة في الدبلوماسية العالمية، والتي عادت وكرست وضعية تواجه فيها اسرائيل الغالبية الساحقة من دول العالم، بما في ذلك جميع دول اوروبا، تعود الى قرار غير مسؤول اتخذته حكومة اسرائيل بشأن "إزاحة" الرئيس ياسر عرفات.

ومع أن الصحيفة وجهت انتقادات حادة الى الرئيس الفلسطيني محمّلة اياه "جزءًا كبيرًا من الفشل عن جعل المجتمع الفلسطيني دولة متحضرة" على حد تعبيرها، الا انها اضافت انه من الصعوبة بمكان على اية دولة في العالم ان توافق مع قرار المجلس الوزاري الاسرائيلي بشأن "ازاحة" الزعيم الخصم "خصوصا حين يخف وزراء الحكومة الى توضيح ان الحديث دائر عن احتمالٍ يتراوح بين اعتقاله فعليا وبين طرده وحتى قتله"!

وتؤكد الافتتاحية ان حكومة اسرائيل الراهنة "هي نتاج واضح لثقافة حكم فاسدة. فإن وزراءها يديرون ظهورهم لطاولة الحكومة ووجوههم تتجه نحو من ارسلوهم، في مركز الليكود مثلا.. وفي ثقافة حكم كهذه يبقى رئيس الحكومة العنصر السياسي الوحيد الملتزم حيال المصلحة السياسية لاسرائيل بالمفهوم الواسع، لكن ارئيل شارون يتذكر بشكل اكيد كيف انه، كوزير مسؤول، عمل على تقويض الاداء المتزن لكل حكومة كان عضوًا فيها".

من جهته رأى المعلق عوزي بنزيمن (هآرتس 21/9) ان "المسعى لازاحة عرفات من الحلبة السياسية هو التجسيد الابرز للنزعة الاسرائيلية نحو التهرب من المسؤولية وقذف مسؤولية التطورات السياسية المترتبة على ذلك نحو الطرف الفلسطيني".

واضاف: "بدل ان تقوم بتنفيذ الملقى عليها في محاولة لتهدئة النزاع فان اسرائيل تنتج برامج عمل للطرف الخصم وتطلب منه تطبيقها. وعندما لا يلبي هذا الطرف توقعاتها فان اسرائيل تحصل على تصديق جديد لموقفها الذاهب الى انه ليس ثمة من نتفاوض معه"!

وفي واقع الامر لا تزال اصداء القرار الاسرائيلي الخاص بالرئيس عرفات تترد في وسائل الاعلام الاسرائيلية، وقد احتل حيّزاً واسعاً في الملاحق الاسبوعية للصحف الكبرى يوم الجمعة الفائت.

وفي هذا الصدد من المفيد الاشارة الى ما يلي:

* قال بن كسبيت، المعلق في صحيفة "معريف" (19/9) ان الجهاز السياسي والامني الاسرائيلي مرتبك، وان الاراء في المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر (للشؤون الامنية) مختلفة، حيث ان سيلفان شالوم (وزير الخارجية)، وهو رائد طرد عرفات، غاضب على القرار غير المبلور وعلى الفرص التي اهدرت وعلى الضرر السياسي الذي ترتب عليه. والخلافات في الاجهزة الامنية ليست اقل حدة برأيه. والخارطة الداخلية تتغير في حركتها مثل رمال متحركة. فقائد هيئة اركان الجيش، الجنرال موشيه يعلون، يعارض الطرد او التصفية. وسوية معه يقود "الاتجاه المعتدل" رئيس شعبة التخطيط، الجنرال غيورا آيلند، ورئيس شعبة الاستخبارات، الجنرال اهرون زئيفي (فركش)، الذي بدأ يؤيد ما يسميه "طرداً مشروطا". اما "الاتجاه المتطرف" فيقوده رئيس جهاز الامن العام آفي ديختر (الذي يؤيد تصفية عرفات) ووزير الدفاع شاؤول موفاز، الذي يؤيد "أي خيار يؤدي الى تغييبه (عرفات)".

ويكتب كسبيت: موفاز غير متأثر من الاستنكارات والانتقادات. حتى الان، يقول، كانت لدينا فرص كثيرة لازاحة عرفات. ولم يكن هناك قرار. الان ثمة قرار لكن ليست هناك فرصة. ويجب ان ننتظر بصبر الفرصة المقبلة.

ويشير هذا المعلق الى ان موفاز، ربما خلافاً لجميع "زملائه" في الأجهزة الامنية الاسرائيلية، يؤمن بأن الرئيس الفلسطيني عقد حلفًا استراتيجياً مع ايران. وهو لم يسر في اتجاه التسوية مع اسرائيل في الماضي لأنه يؤمن بأن التسلح النووي المستقبلي لايران سوف يساعد الفلسطينيين في الوصول الى تسوية كهذه ضمن شروط افضل بكثير "تتيح لهم امكانية تقويض مجرد وجود الدولة اليهودية"، على ما يكتب.

* ويعتقد دورون روزنبلوم، المعلق والمحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" (19/9) ان رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارئيل شارون، لا يزال "اسير" سياسة "الأخذ بالثأر" التي وضع مداميكها الاولى عندما قاد، في اوائل الخمسينات، وحدة الكوماندو التي اصبحت في وقت لاحق تعرف باسم "وحدة 101"!

ويضيف روزنبلوم: "صحيح أ، آماد العمليات الآن اصبحت اكثر وحشية، لكنها في الجوهر لا تزال هي نفسها (العمليات الانتقامية) مع نوبات الانتقام، العمليات التي تتيح اعمالا منفلتة من كل عقال، ثمة شك كبير حول مدى "نجاحها" وكذلك حول مدى منطقيتها، ومع نفس الدافع التربوي الذي لا يقف عند حد او سد ومفاده "تربية العرب" عبر سلسلة متصاعدة من اعمال العقاب حتى يحفر ذلك في وعيهم".

والنتيجة التي يتوصل اليها هذا المعلق هو ان شارون يستحيل ان يتحول عما كان عليه، منذ ان بدأ نجمه العسكري بالصعود. وبالتالي فان حكومة اسرائيل الراهنة اصبحت "حكومة على ظله وتحولت الى ما يشبه وحدة 101: ثأرية، ذات رأس حام، استفزازية، لا تعرف حدوداً، وتحتقر اية بادرة للمصالحة او الاشكالية"!

* وقبل هذا المعلق رأى الوف بن، المعلق السياسي في "هآرتس" (18/9) ان جوهر ما يسعى اليه شارون وحكومته هو "الحفاظ على ارض اسرائيل الكاملة" و "كل ما عدا ذلك هو مجرد تكتيك".فقد انهمك فقط في توزيع خطط افتراضية غايتها الكشف عن "الوجه الحقيقي للعرب" بأنهم "رافضو سلام". وفي الوقت ذاته "استمر في بناء المستوطنات"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات