تفتتح في اسرائيل في منتصف الشهر الجاري، تشرين الاول/ اكتوبر، السنة الدراسية الجامعية الجديدة، في جميع الجامعات الاسرائيلية وكلياتها. وقد اصدرت دائرة الاحصاء المركزية الاسرائيلية في الايام الاخيرة مسحا شاملا لاعداد الطلاب الجامعيين للقب الاول، في العام الدراسي قبل الماضي، 2002/ 2003، ولم يحظ هذا المسح بأي صدى في الاعلام الاسرائيلي حتى الآن، ولكن في طياته يكشف من جديد ما هو معروف عن حجم التمييز العنصري ضد العرب، في كل ما يتعلق بالتعليم الجامعي، بدءا من نسبة قبول الطلاب العرب من بين المتقدمين، ومرورا بالموضوعات التي يدرسونها، ونسبتهم من بين الحاصلين على شهادات اللقب الاول، ومن ثم الثاني والثالث
سنة جامعية جديدة في اسرائيل وتعميق آخر للتمييز العنصري
معطيات واحصائيات رسمية دامغة توثق التمييز ضد العرب في الجامعات الاسرائيلية
كتب برهوم جرايسي:
تفتتح في اسرائيل في منتصف الشهر الجاري، تشرين الاول/ اكتوبر، السنة الدراسية الجامعية الجديدة، في جميع الجامعات الاسرائيلية وكلياتها. وقد اصدرت دائرة الاحصاء المركزية الاسرائيلية في الايام الاخيرة مسحا شاملا لاعداد الطلاب الجامعيين للقب الاول، في العام الدراسي قبل الماضي، 2002/ 2003، ولم يحظ هذا المسح بأي صدى في الاعلام الاسرائيلي حتى الآن، ولكن في طياته يكشف من جديد ما هو معروف عن حجم التمييز العنصري ضد العرب، في كل ما يتعلق بالتعليم الجامعي، بدءا من نسبة قبول الطلاب العرب من بين المتقدمين، ومرورا بالموضوعات التي يدرسونها، ونسبتهم من بين الحاصلين على شهادات اللقب الاول، ومن ثم الثاني والثالث.
في الحقيقة لا يمكن معالجة موضوع الدراسة الجامعية، في ما يتعلق بالطلاب العرب في اسرائيل، بمعزل عن مجمل جهاز التعليم المدرسي الذي يسبق التعليم الجامعي، فالتمييز يبدأ من هناك في اوسع ابوابه، بدءا من مرحلة ما قبل التعليم الالزامي، مرورا بجميع المراحل الدراسية وحتى التخرج، فالتمييز في الجهاز المدرسي يعكس نفسه على مستويات التحصيل العلمي لدى العرب، ولولا الوعي العالي لدى المجتمع العربي في اسرائيل ومؤسساته التمثيلية، لكان المستوى التعليمي أقل بكثير مما هو عليه اليوم، وهو ليس بقليل مقارنة مع العالم المتطور، ولكنه أقل بالمقارنة مع المجتمع اليهودي في اسرائيل.
في هذا المسح الذي صدر في كراس كبير، يظهر الكثير من الجداول التي تتعلق بجميع مراحل التعليم الجامعي، ومواضيعه وانهائه، ولكن كما جرت العادة فإن المؤسسة الحاكمة في اسرائيل تتعامل مع المواطنين على أساس ديني، وليس على اساس قومي، وحتى وإن وجد تقسيم كهذا يكون عادة مهمشا، والتركيز بالاساس يكون على طوائف، وهذا يخلق احيانا صعوبة في التوصل الى النسبة الدقيقة في عدد من الجوانب، فمثلا في هذا المسح، حين يجري الحديث عن "المسيحيين" في عدد من المجالات، هناك ملاحظة تشير الى ان بين هؤلاء من هم ليسوا عربا، ولربما يكون من بينهم طلاب جامعيون اجانب، أو من المهاجرين الجدد الى اسرائيل الذين "اكتشف" لاحقا انهم ليسوا يهودا وفق الشريعة اليهودية، وفي العرض التالي للارقام هناك محاولة للتوصل الى أقرب ما يمكن من النسب الحقيقية لمجمل العرب، دون التقسيم الديني لهم.
القبول الى الجامعات
في العام الدراسي 2002/ 2003 تقدم بطلب الالتحاق الى الجامعات الاسرائيلية 38316 طالبا، تم قبول 29261 طالبا منهم، اي ما نسبته 76,3%، ورفض 9055 طالبا، أي 23,7%، ولكن عدد الطلاب الذي درسوا كان 23039 طالبا، إذ ان 6222 طالبا من الذين تم قبولهم لم يدرسوا، وهذه ظاهرة معروفة، وناجمة بالاساس عن ان الكثير من الطلاب يتقدمون بطلبات الالتحاق لأكثر من جامعة واحدة، واحيانا لثلاث جامعات، ثم يختار الطالب ما هو أفضل من ناحية الموضوع والمنطقة الجغرافية له، وايضا هناك من يختار تأجيل دراسته بعد ان يرى ان الموضوع الذي سمح له بدراسته لا يلائمه، وينتظر عاما آخر لتحسين تحصيله، وغير ذلك من الاسباب.
وكما يظهر من المسح فإن نسبة الطلاب العرب من بين المتقدمين تقترب من نسبة العرب (فوق 18 عاما) من بين مجمل مواطني اسرائيل في ذلك العام، وكانت نسبة المتقدمين العرب 15,1%، بينما نسبة اليهود المتقدمين كانت 81%، أما الاجانب فقد كانت نسبتهم 3,9%.
ومن هنا تبدأ مسيرة التمييز، إذ ان نسبة الطلاب العرب من بين الذين تم قبولهم للجامعات هي 12,6%، ونسبة الطلاب العرب من بين الذين رفضت طلباتهم 29,8% اي ضعف نسبتهم من بين المتقدمين، وفي المحصلة، بعد خصم الذين قبلت طلباتهم ولم يتعلموا ، فإن نسبة الطلاب العرب من مجمل الطلاب الجامعيين في الجامعات الاسرائيلية في السنة الدراسية الاولى في ذلك العام هي 9,8%، ولكن كما سنشهد لاحقا فإن هذه النسبة ستتراجع في سنوات التعليم اللاحقة.
ولكي نعطي عينة أوضح ننظر الى توزيع الطلاب العرب حسب أماكن سكناهم، ففي الجداول التي نشرتها دائرة الاحصاء المركزية تظهر البلدات التي فيها أكثر من خمسين متقدما وما فوق، نجد ان اعلى نسب لرفض طلبات المتقدمين هي في القرى والمدن العربية، أما اقل هذه النسب فإنها في مستوطنات الضفة الغربية، ومن ثم البلدات اليهودية في اسرائيل، وهذا نابع من الامتيازات والتسهيلات التي تعطى للطلاب اليهود تحت غطاء "الخدمة العسكرية"، أو بلدات التطوير، وغيرها من المقاييس التي لا تشمل العرب وتجمعاتهم السكنية.
وفي ما يلي بعض الارقام: في العام الدراسي 2002/ 2003 تم رفض 61% من الطلبات التي تقدم بها طلاب مدينة أم الفحم، وفي باقة الغربية كانت النسبة حوالي 58%، وفي بيت جن 56,5%، وفي قرية جت 59,4%، وفي يافة الناصرة 52%، وفي كفر قاسم 54,4% وفي كفر قرع 59,8%، وفي قرية عرعرة نسبة مماثلة.
وفي المجمل العام نادرة هي الحالات التي وصلت فيها نسبة رفض الطلبات في بلدات يهودية الى حدود 30%، باستثناء اور يهودا التي بلغت فيها نسبة الرفض 52%، حيث هناك نسبة عالية من الشريحة الاجتماعية الفقيرة والضعيفة. وفي المقابل فإننا نرى ان نسبة الرفض في المستوطنات كانت اقل نسبة قطريا، فمثلا في مستوطنة الكناه تم رفض 7,1%، وفي مستوطنة موديعين 9,4، وفي مستوطنة كرني شومرون 10%، وفي عدة مستوطنات في محيط القدس مثل غفعات زئيف وغيرها تراوحت النسب في حدود 17%.
الطلاب العرب في مجمل التعليم الجامعي والحصول على الشهادات
حين نرى ان نسبة الطلاب العرب في العام الدراسي الأول للقب الجامعي الأول هو 9,8% من مجمل الطلاب في ذلك العام، فإننا نرى، وحسب هذا المسح، ان نسبة الطلاب العرب في جميع مراحل وسنوات التعليم الجامعي في الجامعات الاسرائيلية تهبط الى 7,8% وليس هذا فحسب بل إننا سنرى انه كلما تقدمنا في مراحل التعليم هبطت نسبة الطلاب العرب.
قبل عرض الارقام، تجدر الاشارة الى ان سبب هذا التراجع يكمن في عدة جوانب واهمها مستوى التحصيل العلمي واسباب تراجعه، والأمر الأهم هو الوضع الاقتصادي الاجتماعي للأقلية الفلسطينية في اسرائيل، وكل هذا في الاساس انعكاس لسياسة التمييز العنصري المنتهجة ضد العرب منذ أكثر من 56 عاما.
وكما تقدم فقد ذكرنا ان التمييز ضد العرب وضد جهازهم التعليمي يبدأ حتى في مراحل روضات الاطفال، وقبل بدء مراحل التعليم الالزامي، ويستفحل التمييز كلما تقدمت المراحل المدرسية. ولنكون في الصورة الحقيقية والواضحة فإن هناك تفاوتا في التحصيل العلمي بين التجمعات السكانية العربية، وهذا حسب الوضع الاقتصادي الاجتماعي لهذه التجمعات، إذ ان أسوأ الاوضاع نجدها في الجنوب، وقد استعرضنا في مقام سابق من "المشهد الاسرائيلي" الوضع الاقتصادي الاجتماعي الذي يشهده العرب من حيث نسبة المدخول للفرد العربي الواحد، وايضا معدل الأجور، وظهر هناك الفرق الشاسع بين مداخيل العرب ومداخيل اليهود. وكما هو معروف فإن الوضع الاقتصادي هو مسألة هامة للتقدم في المرحلة الدراسية.
حسب معطيات المسح الذي نستعرضه هنا فإن نسبة العرب في مرحلة الدراسة الجامعية للقب الأول في الجامعات الاسرائيلية هي 9,5%، وفي العام الجامعي الاول لهذا اللقب كانت نسبة العرب 9,7%. اما نسبة الطلاب العرب للقب الثاني فقد كانت 4,8% وللقب الثالث كانت نسبة العرب 3,2%.
اما في ما يتعلق بالحصول على الشهادات فإن المسح يتطرق للعام الدراسي الذي قبله، وهو 2001/ 2002، وحسب استعراض الجداول فتقريبا لا يوجد أي فرق في النسب المئوية بين هذين العامين الدراسيين.
وكانت نسبة العرب من بين الحاصلين على شهادة اللقب الأول 6,4% أما نسبة العرب من بين الحاصلين على اللقب الثاني فكانت 3,3%، ولا يتطرق المسح الى شهادة اللقب الثالث.
يظهر مما تقدم حجم الفجوة الرهيبة بين العرب واليهود في هذا المجال، ولكن نشير الى ان هذه النسبة لا تعكس نسبة الاكاديميين العرب في اسرائيل، بل ان نسبة العرب الاكاديميين هي افضل بقليل، وذلك لأن الطلبة العرب يتوجهون منذ عشرات السنوات للدراسة في الخارج، فحتى العام 1990 كانت أكبر البعثات تتوجه الى الدول الاشتراكية، وكانت اعلى نسبة من الخريجين العرب حملة الشهادات من تلك الدول، فمثلا في سنوات الثمانين كانت نسبة حاملي شهادات الطب من الدول الاشتراكية من بين العرب 70%. كما أنه في تلك الفترة كانت نسبة ملحوظة من الطلاب العرب تتعلم في اليونان وايطاليا.
اليوم لا يوجد احصاء منظم لعدد الطلاب العرب في الدول الاجنبية، ولكن أكبر المجموعات نجدها اليوم في الاردن التي تمنح الطلاب العرب منحا دراسية، كما ان هناك عددا كبيرا من الطلاب يتعلمون في الدول الاشتراكية السابقة في شرق اوروبا. وبعد عودتهم حاملين شهاداتهم يبدأون مسيرة صعبة للغاية للتصديق على شهاداتهم التي بحوزتهم، غير أن هذا هو موضوع آخر يستحق وقفة أخرى.