المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اشارت معطيات التقرير السنوي للفقر في اسرائيل، الذي يتعلق بالعام الماضي 2003، الى ان عدد الفقراء ارتفع في العام الماضي بأكثر من مئة الف فقير، ليصبح اجمالي عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر وفق الارقام الرسمية في اسرائيل، 1,427 مليون شخص، وهؤلاء يشكلون أكثر بقليل من 21% من سكان اسرائيل الذين كان تعدادهم في نهاية العام الماضي 6,75 مليون نسمة. ويؤكد التقرير ان ليس عدد الفقراء فقط ازداد، وانما الفقراء أصلا زاد فقرهم

تقرير الفقر عن العام الحالي سيكون أكثر سوءا

إسرائيل تغوص عميقًا في دائرة الفقر

*التقرير السنوي للفقر الذي صدر مؤخرا، عن العام 2003، يؤكد قذف مئة ألف انسان آخرين الى دائرة الفقر، والمحللون يتوقعون ارتفاعا أكبر في العام الحالي * نسبة الفقر بين العرب في اسرائيل هي أكثر بضعفين ونصف الضعف من النسبة لدى اليهود*

من برهوم جرايسي:

جاء تقرير الفقر السنوي في اسرائيل الذي تصدره مؤسسة الضمان الاجتماعي (التأمين الوطني) هذا العام وفق التقديرات والتوقعات التي أشارت الى أن وتيرة الفقر آخذة بالارتفاع، كما هي الحال بشكل خاص في السنوات الأربع الأخيرة.

فقد اشارت معطيات التقرير السنوي للفقر في اسرائيل، الذي يتعلق بالعام الماضي 2003، الى ان عدد الفقراء ارتفع في العام الماضي بأكثر من مئة الف فقير، ليصبح اجمالي عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر وفق الارقام الرسمية في اسرائيل، 1,427 مليون شخص، وهؤلاء يشكلون أكثر بقليل من 21% من سكان اسرائيل الذين كان تعدادهم في نهاية العام الماضي 6,75 مليون نسمة. ويؤكد التقرير ان ليس عدد الفقراء فقط ازداد، وانما الفقراء أصلا زاد فقرهم.

ولكن حين نقول الارقام الرسمية، فإن هذا يعني ان الارقام الحقيقية هي أكبر بكثير، فيكفي ان يجتاز الفرد تدريج الفقر بشيكل واحد (22 سنتا) ليجد نفسه فوق خط الفقر. وتقدر المحللة الاقتصادية في صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية، روتي سيناي، عدد الذي قفزوا بقليل جدا عن خط الفقر بحوالي 730 ألفا، إذ أن هؤلاء تجاوزوا الخط المحدد للفقر بمساعدة مخصصات اجتماعية، فالتدريج الاسرائيلي للفقر هو 1736 شيكلا للفرد الواحد الذي يعيش بمفرده، (حوالي 393 دولارا)، ولزوجين يعيشان بمفرديهما 2777 شيكل، وهو ما يعادل حوالي 630 دولار، وعائلة من ثلاثة انفار 3680 شيكلا، ما يعادل 836 دولارا، ولعائلة مكونة من اربعة انفار 4443 شيكل، اي حوالي ألف دولار، وعائلة من ستة انفار 5900 شيكل، أي 1340 دولار. ومن يضع هذا التدريج هي مؤسسة الضمان الاجتماعي، ولكنه يضمن بالاساس غذاء اساسيا للأفراد، فهذه المبالغ لا يمكنها ان تؤمن المأوى ومستلزماته الاساسية من مياه وكهرباء.

وقبل الولوج في تفاصيل نسب الفقر والفجوات بين العرب واليهود، نقول ان اسرائيل وبعد سنوات قليلة جدا من قيامها بدأت تقدم مخصصات اجتماعية متنوعة، وكانت تزداد بشكل دائم حتى أواخر سنوات التسعين من القرن الماضي، حين بدأت تصدر اصوات، وبالاساس في الحكومة، لتخفيض هذه المخصصات، وحتى شطبها اكثر ما يمكن، بمعنى القضاء على شعار دولة الرفاه الذي رفعته اسرائيل.

وفي ظل الحكومة الحالية، والحكومة التي سبقتها برئاسة اريئيل شارون أيضًا، بدأت وزارة المالية توجه ضربات قاصمة لنظام المخصصات التي تدفع للابناء الذين هم دون سن الثامنة عشرة، مع زيادة هذه المخصصات للعائلات كثيرة الاولاد، وايضا للمسنين والمعوقين والارامل والعاطلين عن العمل، وغيرها القليل. وادعت وزارة المالية بقيادة بنيامين نتنياهو ان ضرب المخصصات يهدف الى تحفيز الناس على الخروج الى العمل، ولكن هذا كان يناقض الواقع، إذ افادت آخر المعطيات ان حوالي 40% من الاجيرين في اسرائيل يتقاضون رواتب الحد الادنى وحتى اقل، وهذه النسبة بين العرب تجتاز نسبة الـ 51%.

ويتضح من معطيات تقرير الفقر ان هناك 122 الف عائلة فيها شخص واحد يعمل تعيش تحت خط الفقر، و17 ألف عائلة فقيرة يعمل فيها اثنان، وكل هذه الارقام هي أكبر من الارقام التي كانت في تقرير العام 2002. بمعنى انه حتى الخروج الى سوق العمل لم ينقذ مئات الآلاف من الناس من دائرة الفقر في اسرائيل.

ومن المعطيات الملفتة للنظر في التقرير ان 32% من مجمل الاطفال والقاصرين في اسرائيل يعيشون تحت خط الفقر، وهذا الرقم يتضاعف حين يكون الحديث عن العرب الفلسطينيين في اسرائيل.

وتظهر في وسائل الاعلام الاسرائيلية بين الحين والآخر قصص اطفال جوعى يتوجهون الى المدارس من دون ان يحملوا ما يقيتهم، وهناك بعض البرامج الغذائية لتقديم وجبات طعام للاطفال في المدارس، ولكن هذا يتعلق فقط بالمدارس اليهودية، ولم يصل الى المدارس العربية، وهناك مطالب ان يكون برنامج غذاء الاطفال برنامجا شاملا يشمل جميع المدارس في المناطق والبلدات الفقيرة.

الفقر بين العرب

تنعكس سياسة التمييز العنصري ضد العرب الفلسطينيين في اسرائيل على كافة مجالات الحياة، وبشكل خاص البطالة والفقر، حيث "يتبوأ" العرب رأس القائمة من حيث النسب المرتفعة. ويتضح من المعطيات في التقرير ان نسبة الفقر بين العائلات العربية في العام 2003 هي 48,4% بينما نسبة العائلات اليهودية الفقيرة هي في حدود 17%، والنسبة العامة 19,4%، أما الفقر بين الاطفال فإن نسبة الاطفال العرب الفقراء من مجمل الاطفال العرب تصل الى 60%، بينما النسبة بين اليهود هي في حدود 27%، فيما النسبة القطرية تصل الى 30%، وكل هذا في الوقت الذي يشكل فيه العرب نسبة 18% من مجمل السكان (اسرائيل تدعي أن نسبتهم أكثر من ذلك بقليل، ولكنها تضم اليها فلسطينيي القدس المحتلة وسوريي هضبة الجولان المحتلة).

كما يعاني العرب من اعلى نسبة بطالة في اسرائيل، ففي حين ان نسبة البطالة العامة في اسرائيل هي في حدود 10,7%، فإن النسبة بين العرب تبدأ من 12% وتصل في بعض المناطق الى اكثر من 18%، وتصدر وزارة العمل شهريا قائمة البلدات التي فيها نسبة البطالة فوق 10%، وفي اغلب الاحيان فإن كل القائمة تحتلها بلدات عربية ويصل عددها من بين 32 بلدة الى 30 بلدة، وقد تفلت بين الحين والآخرة بلدة يهودية او اثنتان الى هذه القائمة، ولكنها سرعان ما تنزل عن القائمة في الشهر الذي يليه بينما هناك بلدات عربية متواجدة بشكل ثابت في قائمة البطالة.

الفقر لم يتراجع في العام الحالي

يدعي وزير المالية بنيامين نتنياهو ان الاقتصاد الاسرائيلي يشهد في العام الحالي 2004 نموا اقتصاديا بنسبة 4%، وان سوق العمل استوعب هذا العام 90 ألف وظيفة، ولكن على ارض الواقع فإن الصورة مغايرة كليا، فبالنسبة للنمو الاقتصادي يؤكد بنك اسرائيل المركزي ان النمو الحاصل هو نمو لكبار اصحاب رؤوس الاموال والمشغلين، بينما الجمهور العام ما زال غارقا في الأزمة الاقتصادية.

أما بالنسبة لـ 90 ألف وظيفة، فإن هذا العدد لا يسد حاجة نسبة التزايد الطبيعي وفي غالبيتها نشأت هذه الوظائف في اعقاب حملة الطرد للعمال الاجانب غير المرخصين، وتخفيض عدد العمال الاجانب المرخصين، يمعنى ان اسرائيل لم تستطع خلق اماكن عمل بنيوية وصناعية وخدماتية ثابتة.

وكان "المشهد الاسرائيلي" قد نشر في شهر ايلول الماضي تقريرا حول اغنياء وفقراء اليهود وهم على ابواب الاعياد اليهودية، وجاء في ذلك التقرير انه في فترة الاعياد اليهودية التي كانت في شهر ايلول الماضي توجه اكثر من 600 ألف يهودي الى جمعيات اغاثة ومساعدات اجتماعية من اجل الحصول على رزم غذائية تضمن لهم الحد الادنى من الطعام في فترة الاعياد.

ولكن هذا ليس فقط عند اليهود، ففي شهر رمضان المبارك الأخير اتضح ان في مدينة الناصرة لوحدها، التي يعيش فيها 70 الف نسمة (حوالي 14 الف عائلة)، هناك اكثر من 1600 عائلة بحاجة الى مساعدة غذائية عاجلة، وقامت لجنة شعبية بتوزيع اكثر من الف رزمة غذائية اساسية للعائلات الفقيرة، كما تلقت هذه العائلات رزمة أخرى عشية عيد الفطر.

كما من مظاهر الفقر والجوع، ازدياد حالات الطرد من البيوت، لأن اصحاب البيوت لم يستطيعوا تسديد ديون قروض الاسكان الحكومية، أو انهم رهنوا بيوتهم امام ديون متراكمة عليهم ولم يستطيعوا تسديدها. واعلنت شركة الكهرباء الاسرائيلية في الآونة الأخيرة انها تقطع تيار الكهرباء في كل شهر عن 11 ألف بيت، ومنهم من يبقى دون تيار كهربائي لفترة طويلة، ومنذ أكثر من عامين تقوم امام وزارة المالية في القدس خيمة ضخمة، "خيمة الخبز"، التي تؤوي عددا من محرومي السكن، كوسيلة احتجاج ولكن بنفس الوقت كمأوى لكثيرين، وتنتشر في مدينة تل ابيب بالذات، وايضا في المدن الكبرى مثل القدس الغربية وحيفا مظاهر محرومي السكن الذين ينامون في الحدائق العامة او في بيوت الدرج في البنايات الكبرى وغيرها.

وهذا يعني ان تقرير الفقر عن العام الحالي، الذي سيصدرفي شهر حزيران القادم (لأول مرة يتم تقديم موعد تقديم التقرير لعرضه على الحكومة قبل تحضير ميزانية العام التالي)، اصبح واضح المعالم، وهو ان الفقر آخذ بالازدياد أكثر، فتقليص المخصصات الاجتماعية للشرائح الفقيرة، والقضاء على دولة الرفاه وجّه عشرات آلاف العائلات الى دائرة الفقر، بينما زاد أكثر فقر الفقراء.

وتقول المحللة سيناي إن الفقراء في اسرائيل يزدادون فقرا، بمعنى انهم لا يبقون على نفس المستوى من الفقر بل ان وضعيتهم تزداد سوءا. وتضيف سيناي قائلة "إن الجوع حاصل بسبب العولمة، التي تضع العامل الاسرائيلي في منافسة امام العامل الصيني والعمال الاجانب الذي خفضوا مستوى الرواتب، وايضا انخفاض المستوى العلمي في بعض المناطق...". وتؤكد سيناي هي ايضا ان تقرير الفقر عن العام الحالي سيكون اكثر سوءا.

ولكن في نظرة أعمق فإن استفحال الأزمة الاقتصادية وتعمق نسب الفقر هما انعكاس مباشر للأوضاع الأمنية وحالة الحرب المستمرة التي تبادر اليها حكومات اسرائيل باستمرار، كما ان الجيش والاحتلال والاستيطان يحصل على نسبة 30% بشكل مباشر وغير مباشر من ميزانية اسرائيل التي تبلغ حوالي 60 مليار دولار. وفي نظرة الى الوراء، نرى انه في سنوات ما بعد اوسلو والانفراج السياسي، في منتصف التسعينيات، طرأ انخفاض على نسب الفقر في اسرائيل، وهبطت البطالة الى أدنى مستوياتها منذ قيام اسرائيل في 1948.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات