بقلم: د. أساف موتسكين (*)
قال وينستون تشرشل ذات مرة "إن ثمن العظمة هو المسؤولية". وهذا القول يبدو لنا بديهيا، لكن في الوقت ذاته يبدو كفكرة بعيدة المنال. فإذا كانت المسؤولية غائبة فمن أين ستأتي العظمة؟! الويل لجيل قادته منقادون ولا يشكلون مثالا يحتذى به.
لقد انحدرنا إلى مثل هذا الواقع الذي يدعونا لأن نرثي لحالنا، ولأن نبكي بدموع حقيقية لا بدموع التماسيح، وذلك لأن انعكاسات هذا الوضع وتداعياته ستكون بعيدة المدى وتشكل خطرا على وحدة واستقرار المجتمع. ويعلمنا التاريخ أن أي مجتمع غير أخلاقي سوف تتقلص بالضرورة فرصه في البقاء. ولا فرق إن كان الحديث يدور على اليمين أو اليسار، أو على القطاع العلماني أو الحريدي أو العربي، فقد أضحى مفهوم "كل شيء مسموح" عابرا للحدود السياسية، وقد علمتنا السنين أن أولئك الذين انتخبوا من قبلنا، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ليكونوا في مواقع القيادة، لا يشكلون رمزا ونموذجا يمكن أن يكون محط أنظارنا. لم يعد مبدأ المسؤولية العامة منذ زمن طويل جزءا من الخطاب العام في إسرائيل. فما الذي نتوقعه إذن؟! هل نتوقع من الذين يتبوأون مناصب رفيعة أن يقولوا (لا سمح الله!) "لقد أخطأنا!!"؟ هل لدينا أية آمال في أن يعترف هؤلاء بأخطائهم ويغادروا مناصبهم؟ متى يمكن أن نصل إلى اللحظة التي يعترف فيها كبارنا بهذا حتى نتمكن من الصفح والشفقة؟ إن الزعامة تتطلب مسؤولية جوهرية. والسلطة لا تعني الاستحواذ والمتعة، بل تعني القيادة والمسؤولية والاستعداد للعطاء ودفع ثمن شخصي والتضحية من أجل الصالح العام.
إن تولي زمام القيادة والمسؤولية لا يعني البحث عن الملذات والمكاسب الشخصية والسفر في طائرة خاصة والجري لاحتلال المكان الأفضل في قاعة العروض والحفلات. فمثل هذه السلوك يمكن أن يكون مشروعا لأناس عاديين، ولكن ليس بالتأكيد إذا كان ذلك يتعلق بأشخاص من المفروض أن يشكلوا قدوة ونموذجا يحتذى. وإذا غاب مثل هذا النوع من القيادات فسوف يتحول المجتمع الإسرائيلي إلى مجتمع يلهث وراء تلبية غرائزه الحيوانية، وللأسف فإن مثل هؤلاء القادة والزعماء لم يعد لهم وجود في إسرائيل منذ زمن بعيد، حتى أنه لم تعد هناك إمكانية، منذ سبعينيات القرن الماضي، للحديث عن وجود زعامة حقيقية، فقد أضحت الانتهازية والدونكيشوتية والجري وراء الملذات هي الشعار الموجه لسلوك كبار المسؤولين وممثلي الجمهور المنتخبين، أما الإخلاص الحضاري في تحمل المسؤولية والقيام بالواجب، فبات يشكل شعارات فارغة من المضمون في حملة انتخابات أو في عناوين الصحف، وإذا ما استخدمت فهي تستخدم فقط لأغراض حزبية - سياسية أو باسم هذه المفاهيم الأيديولوجية أو تلك.
إن الكلب الذي يسير أمام صاحبه يبدو ظاهريا كما لو أنه يقوده، لكن الكلب ينظر دائما وراءه ليرى وجهة صاحبه. أما الزعامة الحقيقية فلا تنظر وراءها كي تلائم نفسها مع عادات وسلوكيات الناس، فهي التي تقود في طريق المبادئ والمثل وسيسير الباقون خلفها. وفي هذا السياق يحضرني المثل القائل: نعم الجدود ولكن بئس ما خلفوا!
__________________________
(*) الكاتب نائب رئيس قسم الإدارة والسياسة العامة في الكلية الأكاديمية "بيت بيرل". المصدر: شبكة الانترنت. ترجمة خاصة.