المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 885

في الدول التي تراعي القانون والنظام، كالولايات المتحدة مثلا، يحتاج الرئيس لمصادقة الكونغرس لشن حرب. وفي دولتنا تُسَوّى مثل هذه الامور بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع. وزير الدفاع شاؤول موفاز، لا يزال يعاني من مصاعب تأقلم في الانتقال من دور الجندي الى دور السياسي، الذي لا يتعين عليه بالضرورة رؤية حل المشكلات الامنية عبر فوهة البندقية فقط. ان حقيقة كونه (موفاز) ليس عضوًا في الكنيست وبالتالي متعلقًا كليًا بنوايا شارون الحسنة، انما تعيق وتعرقل قدرته على التخلص من هالة رئيس الاركان الاعلى. فبعدما يصرح مرارًا، بصورة علنية، بأن اسرائيل اعلنت حربًا على حركة "حماس" في قطاع غزة، يتولد التساؤل: من اتخذ القرار بشن هذه الحرب، وما هي بالضبط اهدافها، عدا عن التمادي في قتل المدنيين وتدمير البيوت والقضاء على المخارط؟!قرار تصفية ابراهيم المقادمة اتخذ قبل عدة اشهر. في تلك الاثناء سقطت الحكومة وجرت انتخابات عامة، وشكلت حكومة جديدة تضم شركاء مختلفين. والسؤال: هل طرح قرار "اغتيال المقادمة" مجددًا للنقاش والبحث ؟ وعلى اي مستوى طرح؟

 

طبقا للتوقعات، سيعلن الرئيس بوش في الاسبوع المقبل الحرب على العراق من موقع عزلة عالمية. انه عالم غريب يدافع عن صدام، وفي نفس الوقت، يتحد في القاء المسؤولية عما يحصل هنا على عاتق اسرائيل.

ولكن هل هذا هو التوقيت الملائم لتصفية احد قادة حماس البارزين؟ هل هذا هو الوقت لتأجيج وتصعيد دائرة العنف وسفك الدماء والانتقام المتبادل، بينما يجري الاستعداد لانتخاب محمود عباس (ابو مازن) رئيسا للوزراء استجابة لرغبة بوش في اجراء اصلاحات في السلطة الفلسطينية؟!

انا لا اعارض سياسة التصفيات الفردية المحددة كجزء من الحرب ضد الارهاب. فمن يقوم بتفجير سيارات مفخخة في اماكن مزدحمة بالناس ويقتل المدنيين دون تمييز، يجب ان يدفع الثمن. ولكن عند القيام بعمليات التصفية (الاغتيال) ينبغي التفكير جيدًا ليس بالتوقيت وحسب، وانما ايضًا بالسؤال عمن يجب تصفيته من زاوية التكلفة، والثمن، مقابل الجدوى او الفائدة. فمحاولة اغتيال خالد مشعل على سبيل المثال، لم تؤد فقط الى زج اسرائيل في ورطة مع صديقها الحقيقي العاهل الاردني (الراحل) الملك حسين، بل ارغمت الحكومة الاسرائيلية على ان تعيد بنفسها (الشيخ) احمد ياسين الى غزة .

ان الدافع للانتقام هو الوقود الذي يغذي ويؤجج نار الارهاب ويؤدي الى اتساع رقعته. وكلما كانت مرتبة او مكانة المستهدف في عملية الاغتيال عالية، وكذلك شهرته، كلما تكون الرغبة في الانتقام اشد واعظم. قرار اغتيال المهندس يحيى عياش في العام 1996 (بدلا من القاء القبض عليه) لم يؤد فقط الى موجة عمليات من اعنف ما شهدناه في قلب مدننا، بل أدى ايضا الى هزيمة شمعون بيرس في الانتخابات وانتصار "الليكود".

عملية اغتيال المقادمة، عدا عن التوقيت الخاطئ، ستجر في اعقابها عمليات انتقامية.

والجواب على سؤال: الم يكن الارهاب، بدون عملية الاغتيال هذه سيواصل جباية الثمن الدموي الذي يوقعه دون توقف.. الجواب هو ان ردود افعالنا وعملياتنا المضادة تسهم في اذكاء وزيادة الكراهية وزيادة وحشية الهجمات. علاوة على ذلك فان كل قائد ارهابي يتم اغتياله، لا يلبث ان يحل مكانه قائد جديد، وكل قنبلة ندمرها او نبطل مفعولها يظهر مكانها عشر قنابل.

وفيما نقوم نحن بتدمير المخارط، نجد ان صواريخ " القسام" لاتزال تنهال على بلدة سديروت. فنحن لا زلنا نخفق في القضاء على قواعد وبنى الارهاب الحقيقية ذلك لأن بنية الارهاب تبدأ بالحافز، والاستعداد، والتأييد الشعبي من جانب السكان، وليس بعدد المخارط الموجودة لديها او تحت تصرفها. وكلما شددنا من قبضتنا كلما اشتد وسيشتد ساعد الارهاب. وبمقدار ما نحقق انتصارات بمقدار ما يزداد التأييد لحركة " حماس".

ان نزعة الانتقام تعمي ابصارهم وابصارنا على حد سواء. عندما يقول عضو الكنيست يوفال شتاينيتس إنه آن الاوان لشن حرب حاسمة فانه لا يدرك معنى ما يقول. فالحرب بين الدول تحسم عندما تحتل احدى عواصم الدول المتحاربة، ولكن القواعد مختلفة كليا في الارهاب. فها نحن نسيطر على العاصمة، في رام الله، وعلى المقاطعة بل على كامل الضفة الغربية في الواقع، ولكن بالرغم من كل ذلك لا يزال الارهاب يقوض الحياة في الدولة (اسرائيل) ولن يكون بالامكان القضاء عليه طالما لم يتم التوصل الى حل سياسي.

من الناحية العملية، وصلت السياسة الاسرائيلية على هذا الصعيد الى طريق مسدود. فدورة الفعل ورد الفعل في المواجهه الحالية تحولت الى دوامة من اراقة الدماء. مسؤولية الفلسطينين عن الارهاب لا يمكن غفرانها او التغاضي عنها، لكن الحاجة الى التحلي بالمبادرة واعطائهم بارقة امل انما تقع على كاهلنا، ذلك لأننا الطرف الأقوى القابض على مفتاح الحل. فما الذي جرى يا ترى للعقل اليهودي ؟!

(هآرتس 11 آذار، الترجمة العربية: "مـدار")

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الليكود, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات