من ناقلة الجنود المدرعة التي كانت تخوض في الوحل بين الكروم قرب جباليا في شمال قطاع غزة، خرج يوم الاثنين صباحًا ضابط طويل القامة يحمل طاقية حمراء. كان هذا رئيس اركان الجيش، الجنرال موشي (بوجي) يعلون.
"أشاهد كثيرا الصور الفوتوغرافية من الجو، لكن لكي تفهم معنى الوحل ومدى صعوبة المشي فيه وصعوبة مواجهة مسألة قذائف القسام، ينبغي الحضور الى المكان والاحساس به"، يشرح يعلون سبب حضوره الى منطقة مخيمات اللاجئين في قطاع غزة.
* كيف يمكن مواجهة قذائف القسام التي تتساقط، المرة تلو الأخرى، على سديروت، والخوف من ان تصل قذائف مطورة منها الى اشكلون (عسقلان)؟
ـ "بالنسبة للجمهور، الطريقة الأفضل هي تجاهل الموضوع وعدم اعطائه اهمية كبيرة. واجبنا، كجيش، العمل لكي لا تكون هنالك صواريخ".
* ورغم ذلك، المناطق التي استولى عليها الجيش في شمال القطاع كان يفترض فيها منع اطلاق القذائف على سديروت. لكنه استمر. هل الحل هو في الإستيلاء على حزام امني ـ كما كان في لبنان ـ ام الإكتفاء بالردع الذي يمنع التصويب؟
ـ "الحل، بشكل عام، هو الردع. رأينا في الماضي ما حصل في منطقة بيت حانون وجباليا، حيث تحرك السكان انفسهم وقوى الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لمنع اطلاق قذائف القسام خوفا من رد الجيش الاسرائيلي. انني اعتقد انه كما حصل آنذاك، كذلك في الفترة القريبة ايضًا سيتوجهون الينا طالبين تمكينهم من التحرك. سيحاولون مرة اخرى، بالتأكيد، ان يمنعوا بأنفسهم اطلاق قذائف القسام، لأنهم يقولون "نحن نطلق القسام الى سديروت وكل ما يفعله هو ثقب في العشب الأخضر، ليس الا، ولكن انظروا ما يحدث هنا وأي ثمن نحن ندفع".
* "جدا جدا جدا "
جولة يعلون في غزة تدل على انه رغم كون الهجوم الأمريكي على العراق "مسألة ايام" فقط حسب تقديرات اجهزة الأمن الاسرائيلية، الا ان رئيس الأركان لا يخصص للحرب الوشيكة سوى القليل جدا من الوقت.
* ألست مشغولا منذ الصباح وحتى المساء بالتحضيرات للحرب الوشيكة؟
ـ "لا. جزء قليل جدًا من الوقت يخصص فقط للتقييمات في هذا الشأن. تشغلني جدًا الحلبة الفلسطينية، التي ازعم دائمًا بأنها تقلقني اكثر من أي شيء آخر في الوقت الراهن، على المدى القصير والمدى المتوسط. ويقلقني ايضا ان الجميع هادئون عشية الحرب".
*عدم اكتراث، اكثر من اللزوم؟
ـ يضحك رئيس الاركان ويقول: "لقد سمعت البعض يتساءل لماذا وظفنا مبالغ طائلة من المال في التحضيرات، اذا كان احتمال تعرضنا للهجوم ضئيلا جدًا؟".
* ما هي احتمالات تعرضنا للهجوم؟
ـ " انا اقول ان الاحتمال ضئيل جدًا جدًا جدًا".
*هل يمكنكم القول، بالتأكيد، ان صدام حسين لا يمتلك الصواريخ في غرب العراق؟
ـ "لا اريد الخوض في التفاصيل هنا، لكن ليس ثمة شك في ان قدرتنا الاستخبارية على تغطية المنطقة، هذه الأيام، وكذلك قدرة الأمريكان بالطبع، تختلف كثيرًا عما كان في الماضي. واريد ان اذكر بأنه في العام 1991 لم يكن لدينا أي قمر إصطناعي في الجو، بينما هو موجود اليوم".
* وهل يمكن رؤية الصواريخ بالقمر الإصطناعي؟
ـ "رئيس شعبة الإستخبارات قال انه لا يرى هناك صواريخ".
* طبقا لهذه التقييمات، ما هي نصيحتك، لحظات قليلة قبل الحرب؟ هل ستوجه المواطنين الى تجهيز الغرف المحكمة الإغلاق، مما سيرفع درجة التوتر والخوف لديهم، ام ستمتنع عن ذلك؟
ـ "حتى الآن نحن لم نوجه الجمهور الى ذلك، لكن من المحتمل جدًا ان نطلب ذلك منه ذلك في لحظة معينة، خلال الهجوم، دون ان نضطر الى استخدامها في نهاية الأمر".
* هل تعني ان التعليمات لتجهيز الغرف المحكمة الإغلاق قد تصدر فقط خلال الحرب في العراق؟
ـ "هذا سيحدث مع بداية الهجوم او خلال الحرب، استنادًا على التقييمات. وليس من شأن هذا ان يمس مجرى الحياة العادية، لا في العمل ولا في التعليم ولا في برنامج الرحلات الجوية من اسرائيل واليها".
* "انذار منذ سنة"
* اذا كان احتمال تعرضنا للهجوم ضئيلا جدًا الى هذا الحد، فلماذا من المهم ان نتلقى انذارًا من الأمريكان قبل بدء الهجوم؟
ـ "لا اريد الخوض في تفاصيل ما هو بيننا وبين الأمريكان. سنتلقى الانذار".
* ما هي المدة الزمنية؟
ـ "سنتلقى الانذار. لن أخوض في التفاصيل. لدينا انذار منذ سنة لم نتوقف عن الاستعداد خلالها، اليس كذلك؟ وعلى اية حال، حين تبدأ الحرب، سنعرف انها على وشك الاندلاع، حتى لو لم يخبرونا".
* انت لا تتحدث، بالتأكيد، عن جاسوس في صفوف الجنود الأمريكيين، على غرار جوناثان بولارد، وانما عن وسائل استخباراتية عادية ستتيح لنا معرفة ذلك...
ـ "دون الدخول في التفاصيل، البدء بهجوم بهذا الحجم لن يخفى عن أعيننا".
* هل شعرت بغضب من جانب الولايات المتحدة على التسريبات من اسرائيل؟
ـ كلا. قرأت عن ذلك في الصحف هذا الأسبوع، لكنني لم أسمع ذلك من الأمريكان. فحصت ما اذا كان ثمة شيء كهذا، وحصلت على جواب سلبي".
* الم يوبخوك بسبب التسريبات؟
ـ "كلا".
* يتحدثون عن ان صدام يريد تركيز المعركة الحقيقية في قلب بغداد، التركيز على القتال في منطقة سكنية مأهولة، لتكبيد الأمريكان خسائر فادحة. هل انت ايضا تعتقد ذلك ؟
ـ "ليس انني اعتقد ذلك فقط، بل أعرفه بالتأكيد. انني ارى، ببساطة، كيفية استعداده الآن. انه يجمع القوات من الضواحي الى المركز، الى بغداد، لكي ينجر الأمريكان الى داخل المناطق المأهولة، وبافتراض ان القتال في مثل هذه المناطق سيؤدي الى سفك دماء امريكية غزيرة، وبأنه كلما استمر هذا وقتًا اطول كلما زادت احتمالات وقف الحرب قبل الوصول اليه. اعتقد ان الأمريكان ايضاً يرون الصورة ذاتها، ويبدو انهم يخططون شيئًا ما للتغلب على ذلك. وكانسان مهني، اقدر انهم سينجحون".
* اذا كانت هذه هي استراتيجية صدام، فمعناها انه لن يرغب في اطلاق الصواريخ باتجاهنا؟
ـ "كل ما يريده صدام هو البقاء، وخاصة في هذه الظروف حيث دول العالم منقسمة. لا اتفاق في مجلس الأمن ولا في اوروبا ايضًا، على السير مع الولايات المتحدة. إقدام صدام على مهاجمتنا من شأنه ان يوحد العالم ضده وان يخرج الولايات المتحدة من جميع المآزق التي تتخبط فيها الآن. كذلك خلال الحرب، ولأنه يحاول تحويلها الى معركة على البقاء، سيحاول المحافظة على الإنقسام الدولي. نحن نفترض اننا سنبدأ باثارة اهتمامه فقط حين يصبح ظهره الى الحائط، جرياً على قاعدة "علي وعلى اعدائي". ينبغي اولا وقبل كل شيء، اكتشاف هذه اللحظة على امل ان لا تكون لديه، حينئذ، اية قدرة على مهاجمتنا. وبتقديري، ثمة احتمال بأن يكون هذا هو الحال".
* في أي من سيناريوهات الحرب الوشيكة ستتتدخل اسرائيل، حسب رأيك؟ هل اذا تعرضنا لهجوم بصاروخ غير تقليدي، ستوصي بأن نشن الهجوم؟
ـ " نحن، كجيش، يجب ان نكون مستعدين للدفاع عن انفسنا، وجزء من هذا الدفاع هو القدرة الهجومية ايضا".
* "ليس كل ما نفعله يرى"
* ثمن تركيز الولايات المتحدة على العراق قد يكون الاهمال في معالجة ايران التي تواصل، دون توقف، تطوير قنابل نووية وصواريخ قادرة على الوصول الى اسرائيل.
ـ "انا لا اعتقد ان هذا سيكون الثمن. واعتقد ان كل من ينبغي عليه معرفة ما يجري في ايران يعرف. سمعنا تصريحات امريكية في هذا الشأن الاسبوع الماضي ايضاً. اسلحة الدمار الشامل لدى دولة تدعو الى ابادة دولة اسرائيل، وخاصة اذا كان نظامها غير مسؤول ومتطرف، هي مصدر خطر يجب ان يقلقنا".
* كانت ثمة نظرية تقول ان اسرائيل لن تسمح لأية دولة في المنطقة بحيازة قدرة نووية، هل عفا عليها الزمن؟
ـ "حتى الآن تم تطبيق هذه النظرية".
* مرة واحدة؟ ( قصف المفاعل النووي العراقي ـ المحرر).
ـ "اكثر من مرة واحدة. ليس كل ما نفعله يرى على السطح".
* بالنسبة لإيران تحديدًا، هل سنسمح لها بامتلاك سلاح نووي؟
ـ " لن اتطرق الى هذا الآن، نظرا لحساسية الموضوع".
* ايران تحاربنا في المناطق وعلى الحدود الشمالية وفي دعم الارهاب. هل سيكثف حزب الله هجماته ضدنا إبان الحرب في العراق؟
ـ "على الجبهة الشمالية بالذات أراهم منضبطين. فهم يخافون منا، اوّلاً. كما انهم لا يريدون البروز في قائمة محور الشر التي تضعها الولايات المتحدة. انا لا اعتقد انه ستكون لهم مصلحة في اثارة غضب الجهات المختلفة، وخاصة خلال الحرب. ولكن بعد ان نرى نتائجها، سيكون من الضروري فحص الوضع من جديد".
* من باريس حتى القاهرة
رئيس الأركان يعلون يعتقد ان تعيين محمود عباس (ابو مازن) رئيسًا للحكومة الفلسطينية، هذا الأسبوع، هو احد التطورات الأكثر أهمية منذ اندلاع المواجهات قبل سنتين ونصف السنة. فقد وقف ابو مازن، علانية، ضد "الارهاب"، وضد التجليات العسكرية للمواجهة، منذ بدايتها تقريباً.
ـ "كان هنالك جدل حول ما اذا كانت هذه انتفاضة وفق الرواية الفلسطينية، أي: عنف شعبي تلقائي، فقدت السلطة الفلسطينية السيطرة عليه، ام انها هجمة ارهابية مبرمجة؟ وانا اقول، بشكل واضح وحازم، ان هذه هجمة مخططة نتجت عن قرار استراتيجي. لقد ايقنت ان الإنجاز المطلوب من هذه المعركة في نهاية المطاف، هو جعل الفلسطينيين يفهمون ان الارهاب ليس في صالحهم، لن يفيدهم ولن يوصلهم الى أي مكان. الآن نلاحظ ان هذا ما يحصل حاليا في الجانب الفلسطيني. هناك من قال منذ البداية، في غرف مغلقة، ان استراتيجية الارهاب هي صفقة خاسرة ، ثم بعد عملية "السور الواقي" بدأوا يقولون ذلك جهارة. في اعقاب خطاب الرئيس بوش في شهر حزيران، إتحدوا كمجموعة تقود اجراء معينا، وما حصل هذا الاسبوع هو جزء من هذا الاجراء".
* ماهي الغاية من هذا هذا الاجراء، هل هي وقف العنف؟ هل تستطيع اعتبار تعيين ابي مازن بمثابة بداية نهاية الانتفاضة؟
ـ "انه حدث هام. السؤال الى اين سيقود هو، حتى اللحظة، مسألة صراع فلسطيني داخلي بين اولئك الذين يدركون منذ وقت طويل ان ممارسة الارهاب هي صفقة خاسرة، وبين من لا يزال يتمتع بقوة، حتى لو كان مسجوناً في مكان ما لكن لديه قدرة فاعلة سلبية ويحبط كل محاولات وقف اطلاق النار".
* انت تقصد ياسر عرفات؟
ـ "نعم. كل محاولات التوصل الى وقف لإطلاق النار منذ بداية المواجهة أفشلها هو بشكل شخصي. منذ الاسبوع الأول في باريس مرورًا بشرم الشيخ، واللقاءات مع وزراء اسرائيليين، ومبادرة زيني، ومبادرة تينت، واخيرًا المحادثات التي جرت في القاهرة. من احبط وقف اطلاق النار في محادثات القاهرة ليس "حماس" وانما هو (الرئيس ياسر عرفات). من تصرفاته في اللقاءات الأخيرة، فهمت حركة "حماس" انه لا يقصد وقف اطلاق النار. وهذا ما يفهمه ايضا نشطاء "التنظيم" الذين ـ حتى نشوء هذا الادراك ـ كانوا قد اوقفوا العمليات التفجيرية لبضعة ايام بضغط داخلي من المجموعة التي تحاول كل الوقت تحقيق وقف لاطلاق النار. لكنهم بعد ذلك عادوا الى النشاط ونفذوا العمليات في حرميش، وفي ميتسر، وفي المركز التجاري في كفار سابا".
* اليس من المحتمل اننا نقوي، بالذات، المجموعة الفلسطينية المتشددة بالمعاملة القاسية على الحواجز في المناطق وبالاغتيالات التي تثير الرأي العام الفلسطيني؟
ـ "نحن واعون لهذا ايضاً. اننا نأخذ بالحسبان جميع الاتهامات القائلة بأننا، بعملياتنا، نسبب الضرر لمعسكر المعتدلين في الجانب الفلسطيني... ثمة هنا تعقيد مؤكد في الموضوع".
* "وسام تقدير وعزل"
* اذا ما افترضنا ان ابا مازن، كرئيس للحكومة، سيقرر حقاً محاربة ارهاب حماس، والجهاد الاسلامي والفئة من "التنظيم" التي تواصل تنفيذ العمليات، فهل لديه القدرة اصلاً على القيام بذلك، ام اننا قد قضينا على كل الاجهزة الأمنية الفلسطينية؟
ـ "لا شك عندي في انه يستطيع. منذ دخول السلطة الفلسطينية الى المناطق في ايار 1994 دائماً طُرح السؤال: هل لديهم القدرة؟ في كل لحظة زمنية اتخذوا فيها قرارًا بالتحرك، تحركوا بصورة فعالة. وعلى الرغم من كل ما تعرضوا له في السنتين والنصف الأخيرتين، لا تزال لديهم قدرة أمنية فعالة. انهم ينتظرون القرار".
* اكثر من مرة ثار ضدنا الادعاء بأننا قطعنا فترات من الهدوء باغتيال قيادات فلسطينية.
ـ "هذه هي الرواية الفلسطينية، واحيانًا أقرأ عنها حقًا في صحف اسرائيلية. سمعت، بعد اغتيال صلاح شحادة، ادعاءً بأن الفلسطينيين كانوا سيعلنون وقف اطلاق النار بعد ساعة ونصف الساعة. لم يكن لهذا الإدعاء أي اساس".
* هل فحصت كم من بين القتلى الفلسطينيين في المناطق كانوا ابرياء؟
ـ "كل حادثة يقتل فيها شخص بريء تصل الى رئيس الأركان للتحقيق. من الأحداث الأخيرة، لدينا خطأ في البريج حيث بقيت سيدة حامل في منزل محاذ لبناية قمنا بقصفها فتوفيت. الفحص الذي أجريته دل على ان هذا الحادث وقع تحت اطلاق النيران. قائد القوة في المكان قرر عدم النزول وتمشيط البيوت المجاورة للبناية المستهدفة بالقصف، لأنه من الخطر كشف الجنود، واكتفى بدعوة السكان الى المغادرة، بواسطة مكبر الصوت. يبدو ان تلك السيدة بقيت في احد البيوت المجاورة".
* مؤخرًا وقع ايضاً، حادث اطلقت فيه دبابة قذيفة على سيارة اجرة كانت تقل مواطنين في نابلس.
ـ "في هذا الحادث العيني تبين ان قائد الدبابة تصرف خلافًا للأوامر العملياتية وخلافاً لأوامر اطلاق النار. وقد مَثل للمحاكمة وأدخل الى السجن. احدى الصعوبات التي تواجهنا في هذه التحقيقات ان الجانب الفلسطيني يرفض التعاون ويحاول الإفتراء علينا. بالنسبة للحادث الذي وقع في جباليا الأسبوع الماضي، يفترون علينا بأن دبابة اطلقت قذيفة على عمل مطافىء ومواطنين وقتلت ثمانية. التحقيق الذي اجريناه بين ان ثمانية من بين القتلى الفلسطينيين الأحد عشر في تلك العملية كانوا مسلحين. مواطنان فلسطينيان قتلا جراء عبوة فلسطينية انفجرت داخل حانوت، وليس من قذيفة ناثرة للمسامير اطلقناها نحن".
* ما هو رأيك في حادث الضابط من وحدة جمع المعلومات في الأستخبارات العسكرية (الوحدة رقم 8200) الذي رفض تنفيذ اوامر، خشية المس بفلسطينيين ابرياء، اذ رفض نقل معلومات استخبارية كانت مطلوبة لهجوم جوي، وبذلك منع تنفيذ الهجوم؟
ـ "في ما يتعلق بهذا الحادث، يجب التمييز: من الناحية القيمية يستحق هذا الضابط وسام تقدير. اما من ناحية الاداء، فهو يستحق العزل. وبما انني انا الذي صادقت على تلك العملية، استطيع القول بوضوح تام انه لم تكن هنالك اية نية للمس بأناس أبرياء. على العكس، ففي اطار مسؤوليته وكجزء من عمله، كان من الواجب على ذلك الضابط التأكد من عدم وجود اناس ابرياء. لقد فهم هو شيئا آخر مختلفاً، نتيجة محادثة مع ضابط ادنى درجة من وحدة اخرى، وبدلا من رفع الراية السوداء فورًا، بدأ يبحث الموضوع مع زملائه وأخر نقل المعلومة. هذا التصرف لم يكن سليماً. لذلك، ورغم اعتزازي من الناحية القيمية بوجود مثل هذا الضابط بيننا، هو حساس للنواحي القيمية الأخلاقية، الا انه أخل بواجبه من الناحية الادائية".
* "حصان طروادة"
* ثمة تذمرات، بين الحين والآخر، من خوضك في قضايا سياسية، كان ينبغي عليك، كرئيس للأركان، الامتناع عن الخوض فيها.
ـ "في النقاش الجماهيري في اسرائيل، التمييز بين ما هو مهني وبين ما هو سياسي ليس واضحًا دائمًا. لقد وجدت نفسي، اكثر من مرة، اعبر عن رأي مهني يتساوق مع موقف مهني لشخص ما ما جعله يمتدح مهنيتي العالية، وعندما لم يتساوق رأيي المهني مع موقفه وتوجهاته راح ينتقد تسيّسي".
* يمكن القول، ربما، انك رئيس اركان سياسي ـ حزبي، حين تقول انه ممنوع اخلاء المستوطنات الآن.
ـ "يسألونني دائما عن امكانية الإستغناء عن كتيبة عسكرية بواسطة اخلاء مستوطنة في منطقة نار، فأجيب بالقول انني اعرف، بالرؤية المهنية ـ الأمنية، معنى الإخلاء خلال القتال. هذا ليس استغناء عن كتيبة، وانما الإحتياج الى فرقة اخرى اضافية".
* في الفترة الأخيرة انضم عدد من رجالات الجيش الى التقييم القائل بأنه، بعد سنتين ونصف السنة من المواجهة وبعد عشر سنوات على اتفاقيات اوسلو، يمكن الجزم بأن هذه الاتفاقيات كانت خديعة من جانب عرفات. يعلون، كما يتضح، يتبنى هذا التقييم.
ـ "كنت جزءًا من مؤسسة اتاحت الفرصة للفلسطينيين. ذهبت لمقابلة الرئيس في عمليات اعادة الانتشار، عملت بتعاون مع الفلسطينيين في العديد من المجالات، لكنني لم ارتبك، قط، حين رأيت الحقائق، ولم ادع رغباتي تؤثر عليّ. ليت ما كان حتي ايلول 2000 وصل الى مكان آخر، لكنني اصر على ان ما يحصل اليوم هو هجوم مخطط".
* معنى كلامك ان اتفاقيات اوسلو كانت نوعاً من الخداع، وربما جزءًا من نظرية المراحل؟
ـ "ثمة هنا الكثير من الاستنتاجات. لا حاجة الى تحليلاتي انا. اقرأوا التحليلات الفلسطينية. انهم يصفون هذه المواجهة بأنها خروج من بطن حصان طروادة. انني اقر بأن هذه هي الايديولوجية، هذه هي النظرية، هذه هي الاستراتيجية. انظروا الى تهربهم من الاعتراف، في الاتفاقيات، بحق دولة اسرائيل في الوجود كدولة يهودية، وعدم تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني، والتهرب من التوصل الى اتفاق نهائي".
* اليوم يمكن معرفة ما لم يكن بالامكان معرفته من قبل، ان هذه لم تكن سوى خديعة؟
ـ "انا وضعت علامات استفهام. بنظرة الى الوراء، يمكن وضع علامات تعجب".
* اذا كنت تقول حصان طروادة، فهذه اذن احدى عمليات الغش والخداع الأكبر في التاريخ؟
ـ "هذه مقولة فلسطينية، اعتقد انها صحيحة".
* بعد تعيين ابي مازن هذا الاسبوع رئيسًا للحكومة في السلطة الفلسطينية، واذا ما نظرت سنة واحدة الى الأمام، هل تعتقد ان هذه المواجهة ستستمر؟ وهل تعتقد ان عرفات لا يزال ذا اهمية وذا جدوى؟
ـ "اعتقد اننا نمرّ الآن في ذروة ساعات وأيام يمكن ان تشكل نقطة مفصلية في هذه المواجهة. هذه ليست نهاية النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني، لكنها بالتأكيد فرصة لانهاء هذه الجولة من العنف".
* "جدير بالبحث"
* هل سنستغل غطاء الحرب في العراق للعمل في المجال الفلسطيني؟
ـ "حقا لا اريد اخوض في هذا، لأنه محدد جدا".
اضافة الى المواجهة مع الفلسطينيين، خصص يعلون جزءًا كبيرًا من وقته هذا الاسبوع، للمباحثات الماراثونية التي اجراها رئيس الحكومة بين اجهزة الأمن وبين وزارة المالية حول ميزانية الأمن. الربع الأول من العام 2003 على وشك الانتهاء والجيش يقول انه ينقصه مبلغ 6،3 مليار شيكل.
* هل انت واع للوضع الاقتصادي الصعب، وللضائقة بين الجنود ايضا؟
ـ "في الفترة الاخيرة هنالك ضائقة اقتصادية بارزة للعيان، وهي تمس بعدد اكبر من العائلات عما كان في الماضي. جنودنا يأتون من هذه العائلات. وقد اعلنت انه ممنوع ان نخسر أي جندي بسبب الضائقة الاقتصادية، وخاصة في الوحدات القتالية، لأن الجندي في وحدة قتالية لا يستطيع العمل خارج ساعات الخدمة ليضمن دخلا اضافيا لعائلته".
* ثمة ادعاء، لدى وزارة المالية تحديدًا، بأن الجيش لا يفهم مدى خطورة الوضع الاقتصادي، وبأنه جسم مشبع بالدهنيات في درجاته العليا غير القتالية خاصة، ويعيش في داخل فقاعة.
ـ "عند البدء ببحث ميزانية الأمن، يعلو في وسائل الاعلام مباشرة، موضوع السيارات البيضاء (السيارات الملازمة للضباط)، وسيارات الجنرالات، وشروط الخدمة للجنود النظاميين، والدراسة الأكاديمية وشروط التقاعد. حتى انني قرأت في احدى الصحف في الأسبوع الماضي، ان الجيش اشترى النبيذ رغم الضائقة التي نعيشها حيث الميزانيات لدينا لتمويل أعمالنا الجارية. أي اننا الآن سكارى ايضا. كل ما في الأمر اننا نشتري النبيذ لموائد السبت. وفي صلب الموضوع، طلب الجيش اجراء فحوصات خارجية حول نجاعة عمله وحول احتياجاته الحقيقية. اذا كنا جسمًا غير ناجع الى هذه الدرجة، فلماذا تحصل مراكز قسم التكنولوجيا والإمدادات، كل مرة، على الجوائز الأولى عن الادارة والنجاعة؟
"ثمة سؤال واحد، واضح جدًا، لن يتم حسمه في النقاش حول السيارات وحول الرواتب. انه سؤال حول المبلغ الذي تستطيع دولة اسرائيل تخصيصه لضمان أمنها واي أمن تريد؟ هذا هو السؤال الذي يتطلب الاجابة والحسم. خلال البحث في ميزانية الأمن في شهر تموز من العام الماضي كانت لدينا معلومات عن 6،3 مليارات شيكل سنتلقاها من مصادر خارجية، لكن ذلك لم يتم. الآن، حين يقولون للجيش عليك تدبر امورك بـ 6،3 مليارات شيكل أقل، فهذا كلام غير مسؤول. لأن هذا يعني تقليص عدد الطائرات والدبابات والقوى البشرية. وهذا ايضًا لن يكفي.
"لا يمكن ألا نحصل على المليارات الستة. نحن الآن في آذار ولا نملك المال للبدء بالربع التالي، في الأول من نيسان، باستدعاء كتائب الاحتياط للقتال في الساحة الفلسطينية، والحصول على خدمات الوقود للطائرات. ماذا يريدون؟ ان نوقف الجيش؟ لذلك ينبغي ان يتركز النقاش، اولاً، على كيفية حل المشكلة في 2003".
* مسؤولو وزارة المالية يقولون ان الجيش يتصرف تمامًا كما في جمهوريات الموز، ويصرف أموالاً تزيد بكثير عما أقر له في قانون الميزانية.
ـ "تسلمنا امرًا كتابياً بالعمل في الربع الأول من 2003 كما في 2002، وعدم خفض حجم القوات القتالية او عدد الدبابات او مستوى الجاهزية والإمتناع عن فصل عمال من الصناعات العسكرية".
* وفي هذه الأثناء، قررتم المس بالامتيازات ومخصصات النقاهة التي يحصل عليها الجنود النظاميون.
ـ "لا، لا، لآ. اولا وقبل كل شيء، امرت بعدم المس بالجنود النظاميين ولا بمخصصات النقاهة. ولكنني، بالمقابل، الغيت تدريبات لوحدات في الاحتياط".
* هل انت مستعد للتنازل عن جزء من الرواتب، باسم الضباط الكبار الذين تبلغ رواتبهم عشرات الاف الشواقل شهريا؟
ـ "ليست لدي، شخصيًا، اية سيطرة على راتبي المرتبط براتب رئيس المحكمة العليا، حسب القانون. انا لم ابق في الخدمة النظامية بسبب الراتب. اما بشأن التقليصات، فأنا مستعد لأن نكون الأوائل في القطاع العام. ولكن، ليس الوحيدين".
* غرنيق ليس فلسطينيا
قبل حوالي اسبوعين، تعرض يعلون لحادثة مثيرة للقشعريرة، حين اصطدمت المروحية التي كان يحلق فيها بغرنيق حطم زجاج النفذة مما اضطر المروحية الى الهبوط الاضطراري.
* هل خفت؟
ـ "لا. لقد مررت بتجارب اكثر تعقيدًا واكثر صعوبة. المروحية اصطدمت بغرنيق وتلقت ضربة. الطيار سيطر على الوضع بسرعة فائقة. الأمر الاول الذي فعلته هو التفكير بالمكان الأفضل للهبوط. وحين فهمت ان الطيار ينوي الهبوط في عين شيمر، اهتممت بضمان سيارة تقلني الى المكان الذي كنت اقصده. وحين هبطنا تأكدت من ان هذا الطائر ليس فلسطينياً، اذ كان من الواضح لي ان حماس ستحاول اعلان مسؤوليتها عن الحادث. وحين نزلت من المروحية رأيت على نفسي بقايا من الطائر وقطعاً من الزجاج. رأيت ان الغرنيق ليس فلسطينيا وواصلت طريقي.
* مرت ثمانية اشهر على تسلمك منصب رئيس الأركان. هل ترى ان السفينة تبحر في الإتجاه الذي رسمته؟ وما الذي فاجأك؟
ـ "لم يفاجئني أي شيء. انني اقف منذ سنوات عديدة في مفترق اتخاذ القرارات هذا، ما بين السياسي والعسكري، واعرف كل زوايا العلاقة بين الجيش والمجتمع. السفينة تبحر، بلا شك، في الاتجاه الذي كنت اريده، لكنني انظر ايضا الى خمس سنوات مستقبلية. لدي مسؤولية. لا اريد ان اورث من يأتي بعدي مستقبلا مرهونًا. احد الأمور التي تشغلني هو كيف نكون مستعدين، التأكد من اننا نستعد للحرب القادمة، لا للحرب السابقة".
عمير راببورت (ملحق "معريف" الأسبوعي ـ الجمعة 14/3)
الترجمة العربية: "مـدار"