المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 999

بروفيسور افرايم ياعر
* اوراق اسرائيلية: العدد الحادي عشر، وهو مخصص للبحث في تداعيات انهيار الوضع السياسي - الامني على اتفاقات التسوية بين اسرائيل والفلسطينيين.

 

منذ بداية عملية المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين في أعقاب توقيع الطرفين على اتفاقية أوسلو في أيلول 1993 انقسم جمهور اليهود في إسرائيل الى معسكرين واضحين بين مؤيد للاتفاقية ومعارض لها. في صلب الهوة الفاصلة بين المعسكرين تقع الاختلافات في المفاهيم الأيديولوجية والاعتبارات البراغماتية معاً. أما من الناحية الأيديولوجية فينقسم المعسكر الى مجموعات تنادي بفكرة "أرض إسرائيل الكبرى" ومجموعات تتعاطف بغالبيتها مع الأيديولوجية الصهيونية وحق القومية اليهودية التاريخي على أرض إسرائيل، لكنهم يعترفون في نفس الوقت بحقيقة وجود شعب فلسطيني في هذه البلاد له الحق بتحقيق تطلعاته القومية من خلال اقامة دولة له.

أما من وجهة النظر البراغماتية فينقسم المعسكران حول ما إذا كان بالإمكان إقامة دولتين تكونان قادرتين على ممارسة حياتهما الاقتصادية والسياسية على هذه البقعة الصغيرة والشحيحة الموارد. زد على ذلك، يدعي معارضو أوسلو ان إقامة دولة فلسطينية، وخاصة إذا تطلب الأمر انسحاب إسرائيل الى حدود 1967، سيشكل تهديداً استراتيجياً على وجود دولة إسرائيل، حيث ستنضم هذه الدولة الى دول عربية أخرى. يتملك هذا الخوف أيضاً الكثير من مؤيدي أوسلو ولهذا قدموا اقتراحات مختلفة تمنح إسرائيل سيادة أمنية في مناطق معينة من الضفة الغربية كغور الأردن، وتطالب أيضاً بأن تكون الدولة الفلسطينية محدودة بحجم جيشها وبنوع الأسلحة التي تملكها. مؤيدو أوسلو يثيرون أيضاً الجانب الأخلاقي المترتب عن احتلال شعب آخر وهذا هو التناقض بين هذا الواقع وبين التزام إسرائيل بقيم الديمقراطية. ومن هذا المنطلق فان حل "دولتين لشعبين" يعزز من قدرة إسرائيل على الوجود كدولة يهودية وديمقراطية. يدعي هذا المعسكر ان أمن إسرائيل سيتعزز من خلال تحقيق اتفاقية سلام مع الفلسطينيين وسائر الدول العربية، إذ سيصبح ممكناً في هذه الحالة تحويل موارد الدولة البشرية والمادية لتطوير أهداف اجتماعية واقتصادية من خلال التعاون المشترك بين شعوب المنطقة.

يتمثل الفرق الأساسي بين المعسكرين في نهاية الأمر في مدى الاستعداد للتسوية الإقليمية بين الشعبين وفي الاعتقاد بان حلاً كهذا سيؤدي الى نهاية النزاع التاريخي. ومع ذلك، من الجدير ذكره ان المعسكرين موحدان في طموحهما الى الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة، ولهذا السبب نجد إجماعا واسعاً في أوساط الجمهور الاسرائيلي اليهودي ضد المطلب الفلسطيني بممارسة حق اللاجئين العرب بالعودة الى مناطق في داخل دولة إسرائيل.

ماذا كان حجم المعسكرين في السنة الأولى لعملية أوسلو وكيف تغير - إذا تغير أصلاً - مع مرور الوقت؟ يمكننا العثور على جواب لهذا السؤال في تحليل بيانات "استطلاع السلام" الذي يجريه مركز تامي شطاينمتس منذ يونيو 1994.

تدلنا البينات على ان "مقياس أوسلو" الذي يعبر عن نسب تأييد لاتفاقية أوسلو والاعتقاد بأنها ستؤدي الى سلام مع الفلسطينيين كان ثابتاً نسبياً في عهد حكومة رابين - بيريس وحكومة نتنياهو، مع ارتفاع طفيف في عهد نتنياهو بالذات. لكن، وبعد بضعة شهور من تشكيل حكومة باراك، قبل قمة كامب ديفيد والانتفاضة الفلسطينية، يرتسم في المقياس توجه واضح يشير الى تآكل تدريجي تواصل حتى نهاية عهد تلك الحكومة، وكذلك في عهد حكومة شارون. أضف الى ذلك، وكما يتضح من البينات، فان تآكل مقياس أوسلو كان أكثر وضوحاً في أوساط اليسار وخاصة في السنتين الأخيرتين. وتمثل هذا التوجه على الصعيد العملي بفوز شارون في انتخابات فبراير 2001. فطالما استمرت الانتفاضة تعزز التوجه الصقري في أوساط الجماهير في المجال الأمني مع تأييد واسع للوسائل العسكرية التي تتخذها الحكومة في محاربة الإرهاب. على سبيل المثال: 90% من الجماهير أيدت عملية "الجدار الواقي" وهناك من 70% الى 80% ممن يؤيدون "التصفيات العينية".

على هذه الخلفية لا نعجب لميل غالبية الجمهور اليهودي في إسرائيل الى تعريف أنفسهم كيمينيين في رؤيتهم للأمور الأمنية والخارجية. ولكن، وبالرغم من هذه التوجهات، نجدهم في الواقع يؤيدون قسما كبيرا من مواقف معسكر اليسار فيما يتعلق بشروط السلام مع الفلسطينيين، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وإخلاء المستوطنات من المناطق ما عدا الكتل الكبيرة والعودة الى حدود 67 ما عدا تعديلات حدودية تتيح إبقاء تلك الكتل الكبيرة في نطاق حدود إسرائيل. بالإضافة لذلك، وفيما يتعلق بمنطقة المسجد الأقصى، هناك غالبية واضحة لمؤيدي فكرة ان لا تكون سيادة لأي من الدولتين على المنطقة؛ منطقة المساجد تُدار فلسطينياً ومنطقة حائط المبكى تظل بإدارة إسرائيلية.

فيما يلي مواقف الجمهور اليهودي في إسرائيل هذه الأيام حول قضايا الأساسية لعملية أوسلو:

* إقامة دولة فلسطينية

هناك غالبية من 61% "تؤيد" أو "تؤيد كثيرا" إقامة دولة فلسطينية "في إطار اتفاقية سلام دائم، يتضمن تنازل الفلسطينيين عن حق عودة لاجئين الى داخل إسرائيل". 35% يعارضون ذلك والباقي ليس لديهم موقف واضح من القضية. 50% (!) ممن انتموا الى معسكر اليمين أيدوا إقامة دولة فلسطينية، وأيدها ايضا 74% ممن انتموا الى معسكر المركز و 81% ممن انتموا الى معسكر اليسار.

ومع ذلك ليست هناك غالبية واضحة لتسوية تتضمن العودة الى حدود 1967، ما عدا تعديلات حدودية تضمن بقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة في نطاق دولة إسرائيل.47% فقط يؤيدون ذلك مقابل 43.5% من المعارضين. التقسيم بموجب التعريف الذاتي يمين - يسار كان قطبياً أكثر كما هو متوقع: فقط 35% ممن عرفوا أنفسهم كيمين أيدوا العودة الى هذه الحدود وكذلك 35% من المركز و 76% من اليسار.

* إخلاء المستوطنات

في إجابة على السؤال "هل تؤيد أم تعارض، في إطار اتفاقية كهذه، إخلاء المستوطنات اليهودية من المناطق ما عدا الكتل الكبيرة مثل غوش عتسيون أو معاليه أدوميم؟"، أيد 64% من مجموع الجمهور اليهودي إخلاء المستوطنات وعارضها 30% فقط. تحليل الإجابات على هذا السؤال بحسب التعريف الذاتي (يمين - يسار) مفاجئ بنفس القدر: 52% ممن عرفوا أنفسهم كيمينيين أيدوا الإخلاء وكذلك 75% من المركز و 91.5% من اليسار.

* تسوية في القدس

المعطيات المتعلقة بمسألة القدس كانت مفاجئة جداً: الفرق في النسب بين من أيدوا نقل الأحياء العربية في شرق القدس للحكم الفلسطيني وجعلها عاصمة فلسطين وبين من عارضوا ذلك هو فرق ضئيل نسبيا – 13% فقط: 40% مؤيدون و 53% معارضون. التحليل بحسب التعريف الذاتي (يسار - يمين) يدل على ان 27% من اليمين يؤيدون ذلك وكذلك 49% من المركز و 62% من اليسار. بالإضافة لذلك، هناك أغلبية (53.5%) لمؤيدي فكرة أن يخصص جزء من اتفاقية السلام يتنازل الفلسطينيون بموجبه عن حق العودة، ولا تكون لأي دولة سيادة على بيت المقدس بحيث تُدار منطقة المساجد بأيدٍ فلسطينية وتُدار منطقة حائط المبكى بأيدٍ إسرائيلية. 40% يعارضون اتفاقا من هذا القبيل بينما لا يملك الباقون رأيا واضحا حول الموضوع. تقسيم الإجابات يدل على ان 44% ممن عرفوا أنفسهم كيمينيين يؤيدون ذلك وكذلك 57.5% من المركز و 71% ممن عرقوا أنفسهم كيساريين.

- البروفيسور افرايم ياعار هو رئيس مركز تامي شطاينمتس لدراسات السلام، جامعة تل ابيب

 

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, حق العودة, باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات