المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1100

المؤرخون الذين يبحثون في سيرورات صعود وانهيار الدول العظمى يتساءلون باستمرار كيف وصلت دولة عظمى الى وضعية امبريالية. ثمة من يبحثون في الدافع الامبريالي، أي يتساءلون عن الدافع الذي اثار لدى الدولة العظمى الطموح الذي اوصلها الى مركز الصدارة، اذ ان نشوء الامبراطوريات كان مصحوباً دائماً بأيديولوجية السعي الامبريالي. لكن السؤال الأكثر اثارة وتشويقا هو ذلك الذي يبحث في نقطة الانعطاف التي تسقط فيها الدولة العظمى من موقع عظمتها وهيبتها.

 

الرأي الذي يجزم بأن الامبراطورية البريطانية ولدت في غفلة، سبق رأياً آخر يقول ان الشمس ان تغيب عنها ابدًا. ورغم ذلك، فقد غابت.الامبراطورية الامريكية، وريثة البريطانية، وصلت الى مكانتها الحالية بعد ان هزمت المانيا النازية واليابان القيصرية. وفيما كانت تتمتع، بداية، بالوحدانية النووية، اقامت الولايات المتحدة نظامًا جديدًا مؤسساً على نسيج من التحالفات العسكرية والمؤسسات الاقتصادية. لكنها سرعان ما اضطرت الى مواجهة دولة عظمى منتصرة اخرى، الاتحاد السوفييتي، التي اعتمدت نظاماً امبرياليًا مختلفا في مناطق نفوذها. انهيار الامبراطورية السوفييتية لم ينتج عن التصادم وجهاً لوجه بين الدولتين العظميين، وانما كانت تلك استراتيجية الاحتواء والردع غير المباشرة التي وضعتها الولايات المتحدة واستنزفت الاتحاد السوفييتي. هكذا بقيت الولايات المتحدة دولة عظمى امبريالية وحيدة.

الامتحان الاول الذي واجهته الولايات المتحدة كدولة عظمى وحيدة كان في العام 1990، مع غزو العراق للكويت، الغزو الذي هدد بزعزعة النظام العالمي الجديد الذي بشر به آنذاك الرئيس بوش. خلال اشهر معدودة نقلت الولايات المتحدة الى الخليج نصف مليون جندي وطردت العراق من الكويت. حين بدأت ادارة بوش الحالية ممارسة مهامها اظهرت عدم رغبة في التدخل في الحلبة الشرق اوسطية - وهو مزاج تغير فجأة اثر صدمة احداث 11 أيلول. المؤرخ الأمريكي اليوت كوهن شبه اسقاطات ذلك اليوم باسقاطات بيرل هاربر.

حتى لو لم تكن الولايات المتحدة مدفوعة بشعور الطموح الامبريالي، الا انه من الواضح ان ما يوجهها هو شعور بالضرورة الامبريالية - المشتقة من القوة غير المسبوقة التي استحوذت عليها. كما الامبراطورية الرومانية التي توجب عليها الدفاع عن "الباكس رومانا" في فضائها الامبريالي، وكما بريطانيا التي تولت بوارجها حراسة "الباكس بريطانيكا" وفرضت كتائبها النظام في جمبع انحاء الامبراطورية، كذلك الولايات المتحدة ايضًا يتوجب عليها ارسال حاملات الطائرات الى انحاء مختلفة في العالم من اجل حماية "الباكس امريكانا".

المؤرخ الأمريكي ستيفن روزن من هارفارد، شرح الضرورة الامبريالية الامريكية على النحو التالي: "نحن القوة العسكرية الأعظم في العالم. مصروفاتنا الامنية تفوق مصروفات الدول العظمى الست او السبع الأخرى مجتمعة... هدفنا هو ليس محاربة الخصوم، وانما الحفاظ على المركز والنظام الامبرياليين... الاستراتيجية الامبريالية تتمحور في منع نشوء قوى معادية تتحدى الدولة الامبريالية الأعظم".

في كانون الثاني 2002 حدد الرئيس بوش خطوط الجبهة الجديدة التي تقف فيها مصادر التهديد للنظام الامريكي: ايران، والعراق، وكوريا الشمالية. وفي حزيران 2002 صعدت الولايات المتحدة درجة اخرى حين ادعى الرئيس للمرة الأولى ان من حق الولايات المتحدة شن حرب وقائية. وفي ايلول 2002 جهرت ادارته باستراتيجية امن قومي جديدة، تقول بأنه في كل ما يتصل بمواجهة المخاطر المترتبة عن الربط بين الراديكالية والتكنولوجيا - لا يمكن الاعتماد اكثر على الاحتواء والردع فقط، وانما من واجب الولايات المتحدة التبكير والتحرك قبل ان تنضج هذه المخاطر.

الازمة الحالية في العراق هي الاختبار الاول لهذه الاستراتيجية الجديدة، وهي تنطوي على مخاطر تورط عديدة. لذلك، وبسب الأذى الذي قد يسببه اجراء عسكري امريكي لصورة الولايات المتحدة السياسية والاخلاقية، فان المؤرخ الامريكي ستيفن ميلر يعتبره مقامرة غير ضرورية. قد يكون هذا صحيحاً، لكن هذا هو حكم الاجابات الامبريالية على التحديات.

اذا ما حققت الولايات المتحدة اهدافها في العراق، فستعزز مكانتها وترسخ النظام العالمي الخاضع لوصايتها. واذا فشلت، فسيترتب على ذلك نتائج قاسية وخطيرة على المنطقة وستتزعزع مكانتها الامبريالية. المعركة في العراق ليست فقط حول التهديد الذي يشكله كدولة مارقة تتزود بأسلحة غير تقليدية؛ انها ايضًا معركة على مكانة الولايات المتحدة.

السلام الامبريالي يستوجب كفاحًا متواصلاً. الامبراطوريات تغيب حين لا تتبقى لديهم قوة لمواجهة التحديات الماثلة امامها. اذا ما حصل هذا الآن، فستشكل نقطة الزمن الحالية لحظة الانعطاف في تاريخ امريكا الامبريالية. على كفتي الميزان يقف مصير السلام الامريكي، وبرؤية تاريخية ليس هنالك خيار حقيقي امام الولايات المتحدة سوى مواجهة التحدي. اذا لم يخنع صدام ويستسلم في اللحظة الاخيرة، فستكون المعركة على العراق بالنسبة للولايات المتحدة حربا اضطرارية لا مفر منها، وستكون المقامرة بها ضرورة امبريالية.

("هآرتس"، 17/3، الترجمة العربية: "مـدار") * عوزي اراد ، هو رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في "المعهد المتعدد المجالات" في هرتسليا، ومستشار استراتيجي سابق لبنيامين نتنياهو.

المصطلحات المستخدمة:

هرتسليا, هآرتس, عوزي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات