المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مرت 38 عاماً على احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، ومع مرور كل عام تجد إسرائيل أعذاراً وحججاً جديدة لتبرير استمرار احتلالها، مرة مستندة إلى أعذار أمنية ومرة أخرى إلى أعذار دينية قومية.

مثلها مثل جميع الاحتلالات "المتنورة" التي سبقتها، تحاول إسرائيل أن تجد إطاراً قانونياً لعملها ولترتيب علاقتها مع الشعب الخاضع للاحتلال، وفي الغالب يكون رجال القانون في خدمة رجال السياسة لتقديم المشورة والعون القانوني لقوننة الاحتلال وإضفاء الشرعية على ممارساته.

منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 أصدرت إسرائيل "حبلاً طويلاً" من الأوامر العسكرية وفرضت نظاماً قانونياً يتماشى مع مراحل احتلالها المختلفة، فارضة قوانينها تارة- كقانون الضريبة المضافة والجمارك- ونافضة يديها من المسؤولية عن حياة المواطنين وأمنهم تارة أخرى.

آخر ما تفتق عنه عقل المشرع الإسرائيلي مشروع قانون يعفي إسرائيل من مسؤوليتها في تعويض سكان الأراضي المحتلة الذين تعرضوا لأضرار جسدية أو مادية جراء إساءة استخدام السلطة والإهمال في أداء الوظيفة. فقد ناقشت لجنة الدستور والقانون في الكنيست الأسبوع المنصرم مشروع قانون تقدمت به الحكومة يعفي إسرائيل من مسؤوليتها في تعويض أي فلسطيني من سكان الأراضي عن أي ضرر تعرض له من قوات الاحتلال منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في 29.09.2000.

وسوغ مقدمو الاقتراح القانون الجديد بأن إسرائيل موجودة في حالة مواجهة وصراع مع الفلسطينيين وعلى كل طرف في النزاع أن يتحمل مسؤولية تعويض مواطنيه ورعاياه وليس من المنطق أن تعوض إسرائيل مواطنيها المتضررين ومواطني السلطة الفلسطينية عن الأضرار الناجمة جراء المواجهات والصراع الدائم. غني عن الذكر أن الوضعية القانونية الحالية تعفي إسرائيل من التعويض عن الأضرار اللاحقة بسكان الأراضي المحتلة جراء عمليات حربية أو عمليات تم تنفيذها في إطار ما يسمى بـ"مكافحة الارهاب" حتى وإن كان المتضرر غير ضالع في عمل كهذا.

لقد كانت إسرائيل تتبجح دائماً أمام المحافل الدولية بعدالة قانونها وقضائها حيث كانت تسوق مثال فتح أبواب محاكمها أمام المواطنين الفلسطينيين لمقاضاة أذرع السلطة المختلفة على ممارستهم ومن ضمن ذلك مقاضاة سلطات الأمن على أضرار لحقت بهم جراء تعسفهم وإهمالهم أو إساءة استخدام نفوذهم وسلطتهم.

الآن وفي حال قبول مشروع القانون المقترح سيتم رد جميع الدعاوى التي تم تقديمها ضد سلطة الاحتلال منذ اندلاع انتفاضة الأقصى بمعزل عن ظروف الإصابة أو الاستشهاد أو الضرر من خلال تطبيق القانون بأثرٍ رجعي. وعليه يكفي أن تكون فلسطينياً تقطن في مناطق السلطة الفلسطينية لرد الدعوى حتى وان كان الضرر اللاحق بمقدم الدعوى غير مبرر حتى في نظر القانون الوضعي الإسرائيلي.

إن لجوء إسرائيل لمبدأ "ندية التعامل" غير مقبول قانونياً في القانون الدولي الإنساني وفي القانون الوضعي الداخلي لإسرائيل. كما في حالة السلام كذلك في حالة الحرب، توجد قوانين تضمن حقوق مواطني مناطق الصراع وتلزم الجهة المسؤولة في تعويض الطرف المتضرر وذلك حق مكفول به بموجب المعاهدات والمواثيق الدولية، ناهيك عن كون إسرائيل طرفاً غير موازٍ للسلطة الفلسطينية، التي لم ترق بعد إلى دولة ذات سيادة بمفهوم القانون الدولي، وإسرائيل كانت وما زالت السلطة المحتلة بموجب هذه المواثيق.

ليس هذا فحسب، فلقد جمدت إسرائيل عشرات الملايين المستحقة للسلطة الفلسطينية من الجمارك وسلطات الضرائب الإسرائيلية، والتي تمت جبايتها أصلاً من مواطني الأراضي المحتلة وذلك استجابة لأوامر حجز صدرت عن محاكم إسرائيلية في إجراءات قانونية تم تقديمها من قبل مواطنين إسرائيليين ادعوا أنهم تضرروا جراء تنفيذ عمليات من قبل التنظيمات الفلسطينية بدعوى أن السلطة الفلسطينية تتحمل مسؤولية قانونية عن هذه العمليات.

إسرائيل بلجوئها إلى قانون كهذا ربما تفتح الباب على مصراعيه أمام الفلسطينيين لمقاضاتها أمام المحاكم الأجنبية والمحافل الدولية ولا تستطيع عندئذ الدفاع عن نفسها بدعوى الحصانة لجنودها ولقواتها العسكريين أثناء تواجدهم في الخارج.

بعد اليوم، وفي حال عبور القانون المراحل التشريعية، لن يستطيع شيخ أهين وأجبر على الرقص عارياً أو أم قضت وهي تلد في المعبر بعد أن منعها جنود الاحتلال من المرور للولادة في مستشفى، أو محاضر جامعي عضته كلاب الاحتلال حتى الموت جراء خطأ تم استدراكه متأخراً- لن يستطيع هؤلاء جميعاً الحصول على تعويض في المحاكم الإسرائيلية، وربما سيطلب منهم في هذا الزمن الرديء تعويض إسرائيل على أنهم أجبروها على احتلالهم خلال 38 عاماً مضت.

(*) حسين أبو حسين- محام ومكافح في مجال حقوق الإنسان

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات