ما زالت تحليلات إسرائيلية كثيرة منشغلة حتى النخاع بالخلافات في الرأي القائمة بين الحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة في ما يتعلق بالحرب المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من خمسة أشهر وما ستؤول إليه، وهي خلافات انعكست مؤخراً بكيفية ما في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي جو بايدن عن "حال الاتحاد" أمام الكونغرس الأميركي في نهاية الأسبوع الماضي، وكذلك في التصريحات التي أدلى بها إلى وسائل إعلام في إثر الخطاب، واستمر عبرها في إبداء تحفظاته وإن ضمنياً من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو متهّماً إياه بـ "الإضرار بإسرائيل أكثر من نفعها"، إنما جنباً إلى جنب تأكيد دعمه إسرائيلَ وما وصفه بأنه حقّها في الدفاع عن نفسها، على ما يحمله ذلك من إشارة إلى تبدّد أوهام الرهان على حدوث تحوّل جوهري في موقف أميركا الثابت من الحرب ضد غزة وأهدافها.
تتسبب بعض نقاط الخلاف التي اندلعت بين إسرائيل والولايات المتحدة على خلفية إدارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو سير الحرب على قطاع غزة ومحاولته عدم التماشي مع ما تطرحه الإدارة الأميركية الحالية من خطوط سياسية عريضة تتعلق بـ "اليوم التالي"، بإغواء كثير من المحللين الإسرائيليين للخروج بسيناريوات تتعلق أكثر من أي شيء آخر بمستقبل الحرب وتأثيرها على السياسة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وبأفق العلاقات الإسرائيلية- الأميركية على حدّ سواء.
برهنت ردات الفعل المتواترة على الخطة التي طرحها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بشأن إدارة قطاع غزة بعد الحرب المستمرة ضده، بواسطة وثيقة خاصة عمّمها ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية مؤخراً، على ما يمكن توصيفه بأنه فتور ولا سيما في الولايات المتحدة، وكذلك في إسرائيل أيضاً.
ليس من المبالغة القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المستمرة منذ يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تقف في الوقت الحالي أمام لحظة فارقة، وذلك في ضوء آخر التطورات المرتبطة بها على الصعيد الميداني وعلى المستوى الإسرائيلي المحلي، وكذلك على المستويين الإقليمي والدولي.
وإذا ما بدأنا بالمستوى الإسرائيلي يمكن ملاحظة أن أبرز ما تناولته أحدث التحليلات هو إصرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على ما يصفه البعض بأنه "تحقيق النصر عبر إنجازات تكتيكية" من دون سياسة استراتيجية بعيدة المدى، تأخذ في الحسبان، من ضمن أمور أخرى، المخاطر التي قد تترتب على دخول قوات الجيش الإسرائيلي إلى رفح، كما أشار أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء كل من اللوائين في الاحتياط إسحق بريك وعاموس جلعاد ("هآرتس"، 20/2/2024 و"يديعوت أحرونوت"، 21/2/2024).
وجد محللون إسرائيليون كثيرون، ولا سيما المتخصصين منهم في تشريح العلاقات الإسرائيلية الأميركية، في بعض الوقائع الأخيرة مؤشرات إلى تباين في موقفي البلدين حيال حرب الإبادة الجماعية والتدمير الشاملة على قطاع غزة التي دخلت شهرها الخامس قبل أقل من أسبوع. ويتعلق هذا التباين، أساساً، بسير الحرب واتجاهاتها المتوقعّة من جهة، وبالمسار المتعلق في ما يوصف بـ "اليوم التالي" للحرب من جهة أخرى.
مع اقتراب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي اندلعت في إثر عملية "طوفان الأقصى" يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، من دخول شهرها الخامس، يمكن ملاحظة أنها بدأت بالدفع قدماً نحو صدارة الجدل في إسرائيل عدة أمور، لعلّ أبرزها ما يلي: ما الذي يتعيّن على إسرائيل أن تستخلصه من صراعها مع الشعب الفلسطيني على مدار الأعوام التي مضت منذ إقامتها، ونكبة العام 1948؟
الصفحة 5 من 45