يشمل هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" مقالات وتقارير تحاول أن تستشرف أبرز القضايا والتحديات التي ستكون مطروحة في جدول أعمال إسرائيل في غضون الفترة القليلة المقبلة على مختلف الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك في إثر إنجاز تأليف حكومة وحدة بين حزبي الليكود و"أزرق أبيض" برئاسة بنيامين نتنياهو في البداية، والتي وصفت بحق بأنها حكومته الخامسة، من المتوقع أن تؤدي اليمين الدستورية يوم الخميس المقبل.
ومن المهم على صعيد السياستين الخارجية والداخلية أن نشير إلى مسألتين:
الأولى، مسألة ضم أراض من مناطق الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل على أساس ما ورد في "صفقة القرن"، وذلك بموجب ما نصت عليه اتفاقية الائتلاف الحكومي بين الليكود و"أزرق أبيض". ومن المقرّر أن تُدرج هذه المسألة في أجندة الحكومة والكنيست في الفاتح من تموز المقبل. وبالتزامن مع صدور هذا العدد، حظيت سياسة الضم مرة أخرى بدعم من الإدارة الأميركية الحالية، سواء من خلال التصريحات التي نُسبت إلى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، عشية الزيارة التي يزمع القيام بها إلى إسرائيل غداً الأربعاء، أو من خلال ما قاله السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، في سياق مقابلة أجرتها معه صحيفة "يسرائيل هيوم" يوم الجمعة الفائت في مناسبة مرور سنتين على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، من أنه إذا ما أعلنت الحكومة الإسرائيلية في غضون الأسابيع القليلة المقبلة فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وعلى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية فإن الولايات المتحدة مستعدة للاعتراف بذلك خلال فترة قريبة. وأوضح فريدمان أن هناك عدة سيرورات يجب أن تنتهي وهي متعلقة أساساً بإسرائيل، ولكنه في الوقت عينه شدّد على أنه لن تكون هناك أي شروط جديدة من طرف الولايات المتحدة. وأضاف: "عندما تنتهي عملية رسم الخرائط، وعندما توافق إسرائيل على تجميد البناء في تلك الأجزاء من مناطق ج التي لن يتم فرض السيادة الإسرائيلية عليها، وعندما يوافق رئيس الحكومة على التفاوض مع الفلسطينيين على أساس خطة ترامب ("صفقة القرن")- وقد وافق على ذلك منذ اليوم الأول- فإننا سنعترف بالسيادة الإسرائيلية على المناطق التي ستتحول وفقاً لتلك الخطة إلى جزء من دولة إسرائيل".
في المقابل وحيال هذا المسعى الحكومي، تتعالى في إسرائيل أكثر فأكثر أصوات تتساءل عن دوافع هذه الخطوة، وتشكك فيها وفي دوافعها، بل وتحذّر من خطورتها، وإسقاطاتها وعواقبها، كما تتساءل عن الردود المحتملة عليها في دول العالم، أو ما يسمى بالمجتمع الدولي، وخاصة في الدول الأوروبية، كلاً على حدة، وفي الاتحاد الأوروبي كهيئة جامعة عموماً، ناهيك عما يمكن أن يصدر من ردود فعل على الصعيدين العربي والفلسطيني.
الثانية، مسألة تعرّض المحكمة الإسرائيلية العليا في الأيام الأخيرة إلى موجة نقد واسعة وحادة من كلا معسكريّ الخارطة السياسية في إسرائيل (اليمين و"اليسار")، بادعاءات وحجج مختلفة تماماً، بل متناقضة، كتناقض الرؤية والمصالح. وبينما كان اليمين، الرسمي، الحكومي والبرلماني، والشعبي، يصعّد معركته الشرسة ضد المحكمة العليا خلال السنوات الأخيرة تحديداً، كانت هذه المحكمة تحظى بالتبرير والتسويغ، والدعم والتأييد، من الجناح الليبرالي المسمى "يساراً" في إسرائيل، بدعوى كونها "الحصن الأخير لسلطة القانون وسيادته"، و"حامي حقوق الإنسان، الفرد، والمواطن الأساسية" و"حارس الديمقراطية الإسرائيلية" وغيرها من هذه المقولات والتوصيفات، سواء في مجال حماية حقوق الإنسان والمواطن، أو في مجال محاربة الفساد السلطوي الرسمي، وذلك على الرغم من تاريخ حافل بالقرارات القضائية المعادية لحقوق الإنسان الفلسطيني، الفردية والجماعية، في داخل إسرائيل أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة على حدّ سواء، والتي ساهمت وتساهم في تكريس الاحتلال الإسرائيلي في هذه الأراضي ومشروعه الاستيطاني. لكن ما حدث مؤخراً هو أن هذا الجناح الليبرالي فتح نيران انتقاداته وتهجماته على هذه المحكمة، وذلك في أعقاب قرارها الذي صدر مساء يوم الخميس الأخير ردّ جميع طلبات الالتماس التي كانت قُدّمت إليها مطالبةً إياها بإصدار قرار قضائي يمنع تكليف بنيامين نتنياهو من تأليف حكومة جديدة وتولي رئاستها على خلفية لائحة الاتهام الجنائية الخطيرة التي قُدّمت بحقه، إضافة إلى قرار قضائي آخر يلغي اتفاقية الائتلاف الحكومي المُبرمة بين الليكود و"أزرق أبيض"، أو إلغاء بعض بنودها المركزية على الأقل، بدعوى عدم شرعيتها القانونية والجماهيرية والأخلاقية ـ القيمية. وبقراريها هذين، فتحت المحكمة العليا الطريق على شسعها أمام إقامة الحكومة الإسرائيلية الجديدة بالارتكاز على ائتلاف برلماني ـ حكومي بين الليكود و"أزرق أبيض" وبرئاسة نتنياهو وغانتس المزدوجة.
وبين هاتين المسألتين يتواصل في إسرائيل الجدل بشأن الحالة الرثة التي وصل إليها "اليسار"، كما أظهرت نتائج الجولات الانتخابية الثلاث الأخيرة، وفي ضوء قرار زعيم حزب العمل عمير بيرتس، الذي ترأس الكتلة التي سميت "كتلة اليسار"، الانضمام إلى حكومة نتنياهو الخامسة وتفكيك هذا اليسار وسحقه. وثمة من يعتقد أنه بالرغم من الانخفاض الدراماتيكي في قوة "اليسار"، ومن نزع الشرعية عنه والتحريض عليه من طرف اليمين ونتنياهو، فإن ناخبيه المحتملين ما زالوا قوة سياسية كبيرة، ولا يمكن لأي قوة سياسية أن تبني بديلاً للحكم اليميني بدون مشاركة فاعلة من جانب "اليساريين"، ما يستدعي طرح السؤال حول كيفية إعادة بنائه.
كما يستمر النقاش حول التداعيات الاقتصادية- الاجتماعية لأزمة فيروس كورونا، والتي من المنتظر أن تكون الشغل الرئيس الشاغل للحكومة الجديدة.
المصطلحات المستخدمة:
يسرائيل هيوم, الكتلة, الليكود, رئيس الحكومة, اتفاقية الائتلاف الحكومي, بنيامين نتنياهو, عمير بيرتس