من نافل القول إن أكثر ما يهمّ المراقب لدى متابعة التداعيات التي ستترتب على نتائج الانتخابات الإسرائيلية للكنيست الـ22، التي ستجري يوم 17 أيلول المقبل، في نطاق حقل الدلالات المرتبط بالاستشراف، هو الانعكاس المرتقب أو المُفترض لتلك النتائج على مسار القضية الفلسطينية ومستقبلها. ولا شك في أن هذا الانعكاس سيكون متأثراً إلى أبعد الحدود بالمواقف السياسية إزاء تلك القضية، سواء تلك التي تتبناها الأحزاب والقوى السياسية المتعددة، أو تلك السائدة في أوساط المجتمع الإسرائيلي.
وفي هذا الشأن ارتأينا ضمن هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" أن ننشر على نحو موسّع قراءة في وثيقة شاملة تحت عنوان "عَظَمة في ساعة امتحان ـ مخطط سياسات لحكومة إسرائيل" أصدرها "معهد القدس للاستراتيجيا والأمن"، وهو معهد أبحاث يميني محافظ جرى تأسيسه قبل أقل من عامين، في أوائل حزيران الجاري، ووصفها بأنها "مقترح مخطط للسياسات الحكومية" في مختلف المجالات، السياسية والعسكرية والدبلوماسية، الدولية والإقليمية والمحلية، يضعها على طاولة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي سيجري تشكيلها في إثر انتخابات الكنيست الـ 22، انطلاقا من الافتراض بأن هذه الحكومة (الجديدة) ستكون يمينية، مثل سابقاتها خلال العقد الأخير.
وفيما يخص القضية الفلسطينية تؤكد الوثيقة أنه يتعين على إسرائيل مواصلة اعتماد استراتيجية "إدارة الصراع" التي ترمي إلى تقليص الأثمان المترتبة على الصراع من كلا الطرفين. وتشمل هذه الاستراتيجية المركبات التالية: استخدام القوة بصورة محسوبة، و"جزرات" اقتصادية، والمحافظة على الهدوء الحالي في البناء الاستيطاني باستثناء البناء في منطقة غلاف القدس وفي القدس نفسها، والذي ينبغي توسيعه. وتدعو الوثيقة إسرائيل إلى الرد بالإيجاب على خطة السلام التي ستطرحها إدارة الرئيس دونالد ترامب ("صفقة القرن") والموافقة على الدخول في مفاوضات تُجرى على أساسها، وتؤكد أن القيادة الفلسطينية ما تزال غير ناضجة للتوصل إلى تسوية تاريخية مع الحركة الصهيونية.
بموازاة هذه الوثيقة، وبالتضاد معها، يرى الأستاذ الجامعي الإسرائيلي مناحيم كلاين أنه فقط من شأن أزمة قاسية أو ضغط خارجي كبير التأدية إلى فرض تسوية للقضية الفلسطينية على إسرائيل. وإذ يتناول هذه المسألة من زاوية الاستعمار الاستيطاني في نموذجه المُطبّق في الأراضي المحتلة منذ عام 1967، فإنه يشير إلى أن تعريف "المستوطن" لا يقتصر على تلك الأراضي لأن هناك "مستوطنين" في نطاق الخط الأخضر أيضاً، أي من تماثل رؤيتهم الدينية والسياسية والأمنية والقومية تلك التي لدى المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية. كما يطرح الجانب المتعلق بالامتيازات التي حازت عليها "المجموعة اليهودية المنغمسة إلى حد عميق في مشروع التوسع والسيطرة" على حدّ تعبيره، واحتمال أن تخوض هذه المجموعة حرباً أهلية للدفاع عن امتيازاتها المتراكمة حيال أي فرصة تسنح للتسوية، مؤكداً في الوقت عينه أنه على النقيض من الانطباع في التقارير المتتالية حول "عنف مستوطنين ضد فلسطينيين"، فإن الخطر الأساس الذي يهدد تطبيق تسوية دائمة لا يأتي من جهة عصابات شغب شابة، بل مما يصفه بأنه "تنظيم سري" لديه امتداد واسع نسبياً داخل المجتمع وداخل مؤسسة الدولة.
ويثير ما يطرحه كلاين في مقاله زوايا نظر جديرة بالبحث.
وبين الوثيقة المُشار إليها أعلاه ومقال كلاين، تجري الانتخابات للكنيست الـ22 على خلفية قضايا أخرى، خارجية وداخلية، ليست أقل أهمية. ولعل في صدارة القضايا الداخلية مستقبل المعركة على "ماهية الجهاز القضائي"، وعلى "صلاحيات المحكمة العليا" وخصوصاً فيما يتعلق بالقوانين التي يسنها الكنيست. وكان من آخر مظاهر هذه المعركة تصريحات أمير أوحانا، وزير العدل الجديد في الحكومة الإسرائيلية المؤقتة، التي هاجم فيها الجهاز القضائي والمحكمة العليا، وما أثارته من موجة نقد عارمة، إلى درجة أنها أخرجت عن صمتهما كلاً من رئيسة المحكمة العليا، القاضية إستير حيوت، والمستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، وهما المنصبان اللذان يمتنع من يشغلهما، في العادة وفي الغالب، عن الخوض في أي نقاشات سياسية أو أي سجال سياسي مع أي من المسؤولين السياسيين.
ومن الواضح طبعاً أن هذا الهجوم تقف وراءه غاية تجنّب تقديم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى المحاكمة بشبهات ارتكاب مخالفات جنائية، لكنه ينطوي على نتائج بعيدة المدى فيما يخص الحُكم والنظام في إسرائيل المُختليْن أصلاً.
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, الخط الأخضر, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, أمير أوحانا