المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
نتنياهو في مؤتمر صحافي في تل ابيب يوم 13 الجاري. (أ.ف.ب)
  • كلمة في البداية
  • 112
  • أنطوان شلحت

وفقاً لآخر القراءات الإسرائيلية حول المحطة الراهنة التي وصلت إليها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المستمرة منذ يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما يمكن أن تؤول إليه في قادم الأيام، يمكن ملاحظة ما يلي:

أولاً، هناك اتفاق واسع على أن سلوك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ناجم قبل أي شيء عن مصلحته الشخصية والسياسية الضيقة من جهة، وعلى أن هذه المصلحة منفصلة تماماً عن حاجات إسرائيل في الواقع، من جهة أخرى. ولعلّ أكثر ما دفع في اتجاه هذا الاتفاق الواسع في أوساط المحللين الإسرائيليين هو موضوع صفقة التبادل التي من شأنها أن تؤدي إلى وقف الحرب، ولكنها ما زالت متعثرة، فقط بسبب الشروط التي يضعها نتنياهو، وكان آخرها ضرورة استمرار سيطرة إسرائيل على كل من معبر رفح ومحور فيلادلفيا في منطقة الحدود بين قطاع غزة ومصر.

ثانياً، هذا الاتفاق الواسع إسرائيلياً ينسحب كذلك على خلاصة أخرى هي أن العقبة الأكبر التي تعترض طريق صفقة التبادل كامنة في نتنياهو بالأساس، وأن إعلان نتنياهو شروطه ليس سوى تمهيد لإفشال الصفقة، وإلّا فلماذا يقوم بنشر شروطه عشية المفاوضات؟ وأساساً لماذا أدخل شروطاً جديدة لا علاقة لها بالصفقة، وما هدفها، إن لم يكن إحباط الصفقة؟.

ثالثاً، تؤكد معظم القراءات الإسرائيلية أن التوصل إلى صفقة تبادُل أسرى الآن هو "أعظم إنجاز يمكن لإسرائيل أن تحققه في هذه الحرب"، ويتمثّل هذا الإنجاز في استعادة جميع المخطوفين. وبرأي اللواء احتياط يسرائيل زيف، القائد السابق لفرقة غزة وشعبة العمليات العسكرية، ما من أمر "أكثر أخلاقيةً، وأكثر قيمةً، وأكثر وطنيةً، من إعادة جميع الذين فشلت إسرائيل وجيشها في حمايتهم، وهم النساء والأطفال والمسنون الذين قُتلوا واختُطفوا من منازلهم، وكان اعتمادهم الكليّ على الحماية التي يوفرها الجيش الإسرائيلي. والآن يعتمد هؤلاء على الدولة، التي ينبغي بها أن تعتبر إنقاذ مواطنيها إحدى أهم قيمها التاريخية" (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 8/7/2024). فضلاً عن ذلك فإن التوصل إلى صفقة تبادل أسرى الآن، يمكن أن يشكل أيضاً فرصة لوقف إطلاق النار في منطقة الحدود الشمالية مع لبنان، ولتجنّب الانزلاق نحو حرب إقليمية شاملة. كما أنها يمكن أن تتيح إمكان إعادة سكان البلدات الشمالية إلى منازلهم التي تم إخلاؤهم منها.

عند هذا الحدّ، لا بُدّ من القول إن يسرائيل زيف كان أكثر حدّة من غيره فيما يتعلّق بموقف نتنياهو، حيث جزم بأن هذا الأخير غير معنيّ بإنهاء الحرب لدوافعه الخاصة فقط، وبأن شعار "الانتصار المطلق" ليس سوى خديعة وفارغ من أي مضمون، وهدفه يتمثل في خدمة مصالح هذا الرجل، عبر إطالة أمد الحرب لضمان بقائه في سدّة الحكم. كما أن إطالة أمد الحرب تضمن لنتنياهو استمرار دعم كلٍّ من الوزيرين إيتمار بن غفير (رئيس "عوتسما يهوديت") وبتسلئيل سموتريتش (رئيس "الصهيونية الدينيّة")، اللذين يريان في احتلال قطاع غزة تحقيقاً لحلمهما، ويسعيان لتحويل هذه الحرب التي تهدف إلى تفكيك حركة حماس وتبديل حكمها واستعادة المخطوفين الإسرائيليين، إلى حرب هدفها احتلال قطاع غزة وضمّه إلى إسرائيل، وإعادة الاستيطان إلى المنطقة. وفي قراءة زيف: هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها رئيس حكومة خلال الحرب بتغيير أهدافها المُحدّدة مسبقاً من طرف الحكومة.

رابعاً، لدى عرض القرارات المهمة التي يتعين على الحكومة الإسرائيلية اتخاذها في الوقت الحالي بمبادرة مباشرة من نتنياهو ولكنه يتهرّب منها، يُشار إلى القرارات التالية على وجه التحديد: أولاً، القرار المطلوب بشأن استعادة المخطوفين والسعي لعقد صفقة الآن، وثانياً، القرار السياسي المتعلق بـ "اليوم التالي للحرب" والذي يحدّد أهداف إسرائيل بعد انتهاء الحرب ومصير قطاع غزة، وثالثاً، القرار بشأن ما الذي يجب فعله في مواجهة حزب الله في الجبهة الشمالية في الوقت الذي أصبح الجليل بأكمله مهجوراً ومحترقاً، وباتت إسرائيل تخوض قتالاً هناك على مدار تسعة أشهر من دون أيّ حسم أو قرار أو توجّه، ورابعاً، القرار المتعلّق بقانون التجنيد إذ يحتاج الجيش الإسرائيلي الآن إلى عشرة آلاف جندي وبات من الواجب على الشبان اليهود الحريديم (المتشددون دينياً) أن يتجندوا. ويضيف محللون إسرائيليون إلى هذا ضرورة اتخاذ قرارات أخرى تتعلق بآخر الأوضاع في أراضي الضفة الغربية، وبتدهور مكانة إسرائيل في العالم، وبالأوضاع الاقتصادية الآخذة بالتفاقم، وبقضية الإسرائيليين الذين تم إخلاؤهم من منازلهم في منطقتي الحدود الجنوبية مع قطاع غزة والشمالية مع لبنان. 

خامساً، يسود في أوساط أغلب المحللين الإسرائيليين الاعتقاد بأن نتنياهو سوف يظل يماطل ويحاول إفشال التوصل إلى صفقة تبادل إلى حين قيامه بزيارة إلى الولايات المتحدة والتي من المقرّر أن يلقي خلالها خطاباً أمام الكونغرس الأميركي يوم 24 تموز الحالي، وأن يعقد اجتماعاً مع الرئيس جو بايدن. ويبدو أن المناظرة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه الرئيس السابق دونالد ترامب والتي تسببت بأزمة للأول، أجّجت حملة يقودها نتنياهو ضد الإدارة الأميركية الحالية، وتهدف من بين أمور أخرى إلى تحميلها وزر فشل إسرائيل في تحقيق انتصار مطلق في حربها ضد قطاع غزة.

وفي ظل هذه الحملة نصادف سمتين متصلتين:

الأولى، اتهام إدارة بايدن بأنها هي التي تحول دون تحقيق إسرائيل "الانتصار المأمول" في الحرب التي تشنها على قطاع غزة، من طريق وضع شروط عليها، وتأخير شحنات أسلحة. غير أنه من خلال الاطلاع على ما يكتبه الأكثر قرباً من نتنياهو نصادف شبهات أخرى تتعلق بمواقف تلك الإدارة من إيران. فقد كتب أحد هؤلاء، وهو المؤرخ المتخصّص في التاريخ الأميركي غادي طاوب، أن إدارة بايدن مقتنعة بأن الطريق إلى استتباب الهدوء في منطقة الشرق الأوسط تمرّ عبر إلغاء التصعيد والتوصل إلى تسويات في مقابل إيران. وهي سياسة منهجية بدأت بها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وما زال يقف في صلبها هدف تقليص تدخل الولايات المتحدة في المنطقة من أجل منع الانجرار إلى حروب. وبرأيه، خلافاً للسياسة التي انتهجها دونالد ترامب، فإن ما تقوم به إدارة بايدن لا يعزّز قوة حلفاء الولايات المتحدة في مقابل طهران بل على العكس يتسبب بالابتعاد عن حليفاتها واتخاذ خطوات في اتجاه إيران من شأنها أن تضفي مكانة جديدة على الولايات المتحدة وهي مكانة المحكّم الذي لا يحمل أي توجهات منحازة لهذا الطرف أو ذاك. وبحسب قراءته أرسلت إدارة بايدن منذ اليوم الأول لتسلمها مقاليد الحكم في البيت الأبيض إشارات إلى الإيرانيين تفيد بأنها تسعى للتوصل إلى تسويات معهم. وتمثلت أولى خطواتها في إخراج الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية، ووقف إرسال أسلحة هجومية إلى السعودية بإمكانها المساعدة في محاربة الحوثيين الذين يهاجمونها من أراضي اليمن. كما أن هذه الإدارة فرضت اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان على إسرائيل، وامتنعت من فرض عقوبات اقتصادية على إيران وقامت بتحرير مبالغ مالية لها تقدر بنحو 100 مليار دولار. ويصل طاوب إلى بيت القصيد حين يتبنى الخلاصة التالية: كان بمقدور الولايات المتحدة كبح إيران منذ فترة طويلة، ولكنها منذ تولي بايدن زمام الحكم في البيت الأبيض تفعل العكس تماماً.

أمّا السمة الثانية فهي المجاهرة علناً بالرهان على عودة ترامب إلى البيت الأبيض، بعد فوزه في الانتخابات القريبة، وعندها سيعود الاثنان إلى ما يوصف بأنه "العصر الذهبي من علاقاتهما"، والذي ساد خلال ولاية ترامب الرئاسية الأولى. وبموجب ما كتب أحد المحللين في صحيفة "يسرائيل هيوم"، هناك من بدأ بفرك الأيدي فرحاً في إسرائيل، ويتوقعون انتخاب ترامب رئيساً، وهؤلاء يؤمنون بأنه إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة، ستختفي كل مشاكل شحنات السلاح والمشكلات الإنسانية التي تفرضها إدارة بايدن على إسرائيل. بموازاة ذلك جاء في تحليلات أخرى، خصوصاً على لسان المحلل العسكري رون بن يشاي أنه ينبغي تذكر أن ترامب لديه كثير من التحفظات على نتنياهو، كذلك موقف ترامب من الحرب على غزة كان متناقضاً. ففي البداية أيّد الحرب، بعدها قال إنه يجب على إسرائيل إنهاء الحرب الآن،  ثم عاد وأيّد استمرار الحرب وتدمير حركة حماس. من هنا، فالمشكلة الكبيرة معه هي أنه لا يُعرف على أيّ جانب سيستيقظ كل صباح، وما هو القرار الذي سيتخذه قبل احتساء قهوته. ومن الجهة المقابلة من الواضح أن جاريد كوشنير سيكون إلى جانب ترامب في البيت الأبيض، وهو صهره ومستشاره، وصديق إسرائيل الكبير، ومهندس تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين، وأكبر داعية إلى إظهار القوة الأميركية في منطقة الخليج وفي منطقة الشرق الأوسط.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات