مع قرب دخول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يومها الـ220 أمس الاثنين (13 أيار 2024) توضح المؤشرات المتراكمة إلى الآن ما يلي من تطورات:
أولاً، عزّز الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة قواته في قطاع غزة بفرقتين، وبذا أصبح مجموع عدد الفرق العسكرية 4 فرق، وذلك على النحو الآتي: الفرقة 162 في شرق رفح جنوبي القطاع، والفرقة 99 في وسط القطاع وهي متركزة في "الشريط" الذي يفصل بين شمال القطاع وجنوبه وفي حي الزيتون، وفرقة غزة التي ترابط بالقرب من المناطق الحدودية ولا سيما في دير البلح، والفرقة 98 التي بدأت باجتياح جباليا.
ثانياً، وفقاً للتقديرات السائدة في أوساط الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية فإن الحرب على قطاع غزة ستستمر حتى إشعار آخر، مثلما أفادت صحف "يديعوت أحرونوت" و"معاريف" و"يسرائيل هيوم" أمس (الاثنين). وقد أوضحت هذه الصحف وغيرها في الوقت عينه أن الانتقادات التي توجهها المؤسسة الأمنية إلى الحكومة الإسرائيلية آخذة في التصاعد على خلفية عدد من القضايا. وبموجب ما أفادت قناة التلفزة الإسرائيلية 13 مثلاً، فإن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هليفي قال في سياق أحد الاجتماعات إن الجيش يعمل الآن في جباليا مرة أخرى، وطالما لا توجد عملية دبلوماسية لتطوير "هيئة حكم" في القطاع عدا حركة حماس، سيتعين على الجيش تنفيذ حملات عسكرية مراراً وتكراراً في أماكن أخرى لتفكيك البنية التحتية لهذه الحركة، وفي قراءته "ستكون هذه مهمة سيزيفية".
ثالثاً، كان المحلل العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي ("يديعوت أحرونوت" وموقعها الإلكتروني "واينت") كشف النقاب، قبل أكثر من عشرة أيام، عن أن حدّة الخلافات بين قيادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بمن فيها وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الجنرال هرتسي هليفي، وبين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في ظل الحرب على قطاع غزة، آخذة بالتفاقم من يوم إلى آخر، وذلك على خلفية مطالبة قادة المؤسسة الأمنية نتنياهو بالحسم في خمس قضايا استراتيجية يعتبرونها ضرورية من أجل إنهاء الحرب على غزة وإيقاف القتال في مقابل حزب الله في الشمال، وهم يقولون إن نتنياهو يمتنع من الحسم في هذه القضايا، وبذلك يمنع الجيش الإسرائيلي من التقدم نحو تحقيق أهداف الحرب.
وتتعلق القضية الأولى، وفقاً لبن يشاي، بالمخطوفين الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، إذ تطالب المؤسسة الأمنية نتنياهو بأن يقرر ما إذا كان سيتم إيقاف الحرب فترةً غير معروفة لمصلحة صفقة شاملة يتم تنفيذها على عدة مراحل، أو مرحلة واحدة. ويؤكد الجيش الإسرائيلي، وبدعم من جهاز الأمن العام ("الشاباك")، لنتنياهو أن في إمكانه أن يهزم حركة حماس، سواء استمرت الحرب وجرى اجتياح رفح، أو تم تأجيل الحرب إلى موعد آخر. وهذا يعني أن الجيش يطالب بهدنٍ، لكن نتنياهو يرفض ذلك. وتتعلق القضية الثانية بـ "اليوم التالي للحرب" في قطاع غزة. وتعتبر المؤسسة الأمنية أن عدم اتخاذ نتنياهو أيّ قرار بهذا الشأن، وعدم وجود خطوات سياسية لإقامة حُكم مدني بديل من حماس في القطاع، يؤديان إلى عودة هذه الحركة إلى مناطق يزعم الجيش أنه تم إخراجها منها، واستقرارها فيها من جديد. وتعتبر المؤسسة الأمنية أنه لا جدوى من اجتياح رفح من دون وجود حُكم بديل من حماس، لأن الحركة ستعود إلى السيطرة على منطقة الحدود مع مصر واستئناف نقل أسلحة إلى القطاع، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من رفح. وبحسب المؤسسة الأمنية، ثمة بديلان أمام إسرائيل: إمّا إقامة حُكم عسكري يستوجب تجنيد فرقتين عسكريتين تبقيان بشكل دائم في القطاع وتديرانه، أو أن يتوصل نتنياهو إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن تشكيل هيئة سلطوية في القطاع تكون مقربة من حركة فتح، وبدعم ورعاية قوة عربية تشكلها الإمارات ومصر والأردن، وربما السعودية والبحرين أيضاً. وتحتّم خطوة كهذه على نتنياهو وحكومته الاستجابة إلى مطلب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالموافقة المبدئية على "حلّ الدولتين". ويطالب الجيش الإسرائيلي وجهاز "الشاباك" نتنياهو باتخاذ قرار حيال ذلك، وتنفيذه بسرعة، ويؤكدان أنهما سينفّذان القرار مهما يكن. وتتعلق القضية الثالثة باجتياح مدينة رفح. ويقول الجيش الإسرائيلي إنه أعدّ خطة قابلة للتنفيذ لإجلاء نحو مليون نازح عن رفح، ويلي ذلك توغُّل بري في المدينة ومنطقتها على مراحل، وأنه بهذه الطريقة سيفكّك كتائب حماس الباقية ومقاتلي حركة الجهاد الإسلامي في هذه المنطقة. وصادق رئيس هيئة الأركان العامة على خطتَي إجلاء السكان المدنيين عن رفح واجتياح المدينة، غير أن نتنياهو ما زال غير مستعد لإصدار الأمر بتنفيذهما. وتتعلق القضية الرابعة بالمواجهات المسلحة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله في الجنوب اللبناني ومنطقة الحدود الشمالية. ويتخوّف الجيش من احتمال استمرار هذه المواجهات فترة طويلة، بحيث تصبح وضعاً اعتيادياً يحول دون إمكان عودة سكان البلدات الإسرائيلية القريبة من منطقة الحدود اللبنانية إلى منازلهم. وفي الوقت نفسه، يعتقد الجيش أن توسيع الحرب في مقابل حزب الله يجب أن يتم فقط بعد تحقيق استقرار وحسم في قطاع غزة. وتتعلق القضية الخامسة بالميزانية الأمنية الإسرائيلية، إذ تدّعي المؤسسة الأمنية أنها غير واضحة، وتشدّد على أن هذه القضية مهمة، في ضوء الاستعداد لمواجهة محتملة مع إيران. كما أن المؤسسة الأمنية تمارس ضغوطاً من أجل زيادة هذه الميزانية. وأكد مصدران رفيعا المستوى في المؤسسة الأمنية لـ "يديعوت أحرونوت" أنه في حال عدم اتخاذ قرارات بشأن كل هذه القضايا، فقد ينفّذ قادة المؤسسة والجيش وغالانت خطوات امتنعوا من تنفيذها حتى الآن، من دون أن يذكرا مزيداً من التفاصيل. وقال أحد هذين المصدرَيْن إن عدداً من ضباط الجيش قد يعلن خلال الأشهر القريبة استقالته بسبب ضلوع هؤلاء في إخفاق هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهذا الأمر سيسهّل على المستقيلين إيضاح مواقفهم لنتنياهو والوزراء.
رابعاً، ازدادت الأصوات التي تقول، بكيفية ما، إن الحرب باتت عديمة الجدوى في كل ما يرتبط بتحقيق الأهداف التي وضعت لها لدى شنّها. وكان أبرز هذه الأصوات الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الجنرال احتياط أفيف كوخافي، الذي شدّد خلال اجتماع عقده مع جمهور من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة قبل نحو أسبوع، على أن وقف الحرب على قطاع غزة يُعتبر السبيل الوحيد إلى إعادة المخطوفين والأسرى الإسرائيليين المحتجزين في القطاع، وأشار إلى أن هناك تناقضاً جليّاً بين الأهداف التي أعلنتها إسرائيل لحربها على قطاع غزة.
وبرأي كوخافي، قبل شهرين، أو 3 أشهر، لم يكن الهدفان اللذان وضعتهما إسرائيل للحرب على غزة- وهما تدمير حماس وإعادة المخطوفين- متناقضَيْن. أمّا اليوم، فهما كذلك. كما أعرب عن اعتقاده بأنه يستحيل تحقيق النصر الكامل في أشهر، وسيستغرق الأمر أعواماً عديدة. وتطرّق كوخافي إلى المواجهات مع حزب الله في منطقة الحدود الشمالية، فقال إن السبيل الوحيد إلى وقف الحرب في الشمال هو إيقاف الحرب في غزة.
وتكلّم كوخافي أيضاً عما يوصف بأنه "المفهوم الإسرائيلي" الذي كان سائداً في أثناء ولايته وقبلها حيال قطاع غزة وحركة حماس إلى حين وقوع هجوم "طوفان الأقصى"، والذي ثبت بطلانه جملة وتفصيلاً، وهو ما يحتاج إلى وقفة أوسع في مناسبة لاحقة.
خامساً، على صعيد آخر الأوضاع في الجبهة الشمالية، كان من الملفت قبل عدة أيام قيام أحد المحللين العسكريين في صحيفة "يسرائيل هيوم" بنشر تقرير أشار فيه إلى أنه بالرغم من مرور أكثر من 7 أشهر على الحرب فإن القدرة العملانية لـ "كتيبة الرضوان" في حزب الله لم تتضرر بصورة كبيرة. بل أكثر من ذلك، إن قوات النخبة في هذا الحزب لا تزال قادرة على اجتياح أراض محدودة من إسرائيل بواسطة 200 مقاتل في أيّ لحظة يُتخذ فيها قرار بهذا الشأن (10/5/2024).
ونقل هذا المحرّر عن رئيس قسم الأبحاث في "معهد ألما"، المتخصص بالساحة الشمالية، طال بئيري، قوله إن حزب الله يحتفظ بجيش كبير، كما أن عدد الأسلحة الدقيقة الموجودة بحيازة الحزب ارتفع من مئات إلى عدة آلاف، والتقدير هو أن حزب الله مستعد للحرب، فضلاً عن كونه مهيّأ لمواجهة كل السيناريوهات، سواء جرى التوصل إلى إعلان وقف النار في قطاع غزة، أو توسيع العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، كما أنه من المنتظر أن يرفع الحزب من وتيرة إطلاق الصواريخ في منطقة الحدود الشمالية والتي شهدت تصعيداً كبيراً في الأشهر الأخيرة.