تزايدت في الفترة الأخيرة الأنباء الإسرائيلية التي تتحدث عن اندلاع صدامات بين وزير الأمن القومي المكلف بالمسؤولية عن الشرطة وحرس الحدود ومصلحة السجون، إيتمار بن غفير، وبين قادة الجيش ووزيرهم، على خلفية دعم بن غفير المطلق لكل عنصر عسكري أو في الشرطة، يرتكب جرائم، يتم توثيقها بالأشرطة، وتنشر في وسائل الإعلام وشبكات التواصل، حتى تزايد الحديث في الأجواء الإسرائيلية عن أن بن غفير وفريقه يتسببان بأضرار إعلامية فادحة لإسرائيل في الخارج. إلا أن الغائب عن هذا الصدام، بحسب ما ينشر من تقارير إعلامية، هو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي من المفترض أن يكون منحازا إلى الجهاز الرسمي، وأن يدعم قادته، وهذا ما يعزز الاستنتاج بأن نتنياهو يرى في بن غفير حامية سياسية له ثابتة حتى بكل ثمن، إلا إذا وجد بديلا له، ولكن هذا ليس مضمونا على ما يبدو لنتنياهو حاليا.
نقدم في ما يلي ما يشبه الحصاد لتحولات المشهد الإسرائيلي منذ هجوم 7 أكتوبر. وكنا قدمنا في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، طوال أيام الحرب، العديد من التقارير ونشرناها بشكل دوري. في هذه الورقة، نقوم بتجميع أهم الاستخلاصات التي رشحت عن هذه التقارير، وتركيزها في تسعة محاور رئيسة سيتم تناولها تباعا: 1) لماذا يعتبر هجوم 7 أكتوبر حدثا تأسيسيا يدفع إلى تحولات داخل دولة إسرائيل؛ 2) كيف تدير إسرائيل الحرب، وماذا تريد؟ 3) كيف تتفاعل قضية الأسرى الإسرائيليين؛ 4) كيف تتفاعل قضية الفشل الأمني الإسرائيلي وتعكس ظلالها على مجريات الحرب؛ 5) ردود الفعل الدولية حول إسرائيل والحرب؛ 6) صناعة الرأي العالمي والخطابات التضليلية؛ 7) مصير السلطة الفلسطينية وحل الدولتين على ضوء مجريات الحرب؛ 8) إلقاء الضوء على تحولات مهمة أخرى تحصل تحت الرادار في ساحة الضفة الغربية، 9) تأثير الحرب على الفلسطينيين في الداخل.
نواصل، في هذه المقالة (السادسة في هذه السلسلة)، عرضنا لما توصل إليه مشروع الرصد والتوثيق المشترك الذي أطلقته مؤسستان إسرائيليتان بارزتان في أعقاب الهجوم المباغت الذي شنته المقاومة الفلسطينية على القواعد العسكرية والبلدات في منطقة ما يسمى "غلاف غزة" في عمق الأراضي الإسرائيلية يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. فقد خلص المشروع المذكور إلى وضع ما يمكن تسميته "وثيقة المفاهيم المركزية" الأبرز التي شكلت قاعدة الرؤية الأمنية ـ السياسية الإسرائيلية والتي يسود المجتمع الإسرائيلي إجماع شبه تام على حقيقة أنها مُنيت بالفشل الذريع، بل بالانهيار التام، في ما اصطلحوا على تسميته بـ"يوم السبت الأسود" وعلى أنّ تحديد تلك المفاهيم هو الخطوة الأولى التي لا مهرب منها في مسيرة إعادة ترميم ما ينبغي ترميمه في العقيدة السياسية والأمنية الإسرائيلية، ثم إعادة هيكلة الأجهزة، المنظومات والأذرع المكلفة بتطبيق هذه العقيدة في المستقبل. وقد رسمت مؤسستا "بيرل كتسنلسون" (شعارها المركزي: "نبني أسساً طويلة الأمد لمعسكر المساواة في إسرائيل") و"مركز مولاد" (لتجديد الديمقراطية في إسرائيل)، في "وثيقة المفاهيم" هذه خارطة تفصيلية لأحد عشر مفهوماً هي "المفاهيم المركزية التي انهارت، فقادت بنفسها وبانهيارها إلى الإخفاق". وكنا قد عرضنا في الحلقات الخمس السابقة لسبعة من هذه المفاهيم المركزية، كان آخرها العرض الذي تناولته الحلقة الأخيرة للمفهومين السادس (اليمين قويّ في الأمن) والسابع (الاستعداء والتحريض لا يمسّان الأمن). ونعرض، في هذه الحلقة، لمفهومين مركزيين إضافيين هما الثامن والتاسع في "وثيقة المفاهيم" هذه، تحت العنوانين التاليين: "إسرائيل تتقوى بتقليص القطاع العام" و"تعيين المقربين يساهم في تقوية الدولة وتعزيزها".
بموازاة العملية العسكرية- "المناورة البرية"- في قطاع غزة، تنشغل العديد من مراكز التفكير ومعاهد الأبحاث (Think Tank) في إسرائيل بوضع سيناريوهات وبدائل لمستقبل قطاع غزة تقريباً تحت شعار "اليوم التالي لحماس" من ناحية ما هو أفضل لإسرائيل أمنياً- عسكرياً وسياسياً كذلك. وفي مساهمات سابقة (للزميل وليد حباس) تم استعراض أبرز هذه المراكز والسيناريوهات التي أعدّتها، لكن في الناحية المقابلة، لا يبدو أن مستقبل حكم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بعيد عما يعتمِل في أروقة هذه المراكز بالتزامن مع التطورات الميدانية وتسريع عجلة الاستيطان والتهجير الداخلي للفلسطينيين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، وكل ذلك يحدث استجابة، أو ربّما، نتيجة لما بات يُعرف إسرائيلياً بـ "انهيار التصور" الذي حدّد على مدار أكثر من عقد (منذ تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة في العام 2009) طبيعة وشكل ومكانيزمات "إدارة الصراع" التي تستند بشكلٍ رئيس إلى مبدأ "العصا والجزرة" كما أرست قواعدها قيادة الحكم العسكري الإسرائيلي منذ الاحتلال العام 1967. في هذه المساهمة، نستعرض أبرز ما أوردته التقارير والتقديرات الصادرة عن معاهد ومراكز البحث والتفكير حول مستقبل الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية في "اليوم التالي للحرب".
قدّم مراقب الدولة الإسرائيلية ومفوض شكاوى الجمهور، يوم 19 كانون الأول الجاري، تقريراً خاصاً إلى الكنيست "بخصوص الأسابيع الستة الأولى للحرب" على غزة. ويستعرض التقرير مجمل الفعاليات التي قامت بها مفوضية شكاوى الجمهور خلال فترة التقرير ويصف التوجهات المتعلقة بحالة الطوارئ التي وصلت إلى المفوضية والعلاج المفصّل الذي قدمته المفوضية حيال عدد من الشكاوى.
منذ توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية لأول مرة العام 1996، عارض بنيامين نتنياهو اتفاق أوسلو، وعرقل التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية. لكنه في المقابل وجد نفسه "مرغماً" على العمل بموجب التزامات إسرائيل النابعة من الاتفاق. ووفرت الحرب الحالية، ونتائج هجوم حركة حماس غير المسبوق بالنسبة لإسرائيل، فرصة لنتنياهو لنقل معارضته لاتفاق أوسلو إلى مستوى آخر من الخطاب. في مساء يوم السبت 16 كانون الأول 2023 قال نتنياهو: "لن أسمح لدولة إسرائيل بالعودة إلى خطأ أوسلو المشؤوم". هذا التصريح لا ينطوي فقط على رفض إقامة دولة فلسطينية، وإنما يحمل في طياته أيضا إشارات إلى انتهاء العهد الذي يرى نتنياهو نفسه فيه "مرغماً" على العمل بموجب اتفاقيات أوسلو، والبدء بفرض تعديلات على طبيعة الاتفاقيات المبرمة مع الفلسطينيين وبشكل أحادي الجانب. هذه المقالة تقدم قراءة في هذه التعديلات التي يمكن رصدها بين ثنايا خطابات نتنياهو.
الصفحة 32 من 324