المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
من مناورة أميركية إسرائيلية إماراتية بحرينية مشتركة في تشرين الثاني من العام الماضي. (صحف)
من مناورة أميركية إسرائيلية إماراتية بحرينية مشتركة في تشرين الثاني من العام الماضي. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1430
  • عبد القادر بدوي

تزايد خلال الأيام الماضية النقاش حول دور حلف شمال الأطلسي- الناتو، خصوصاً في ظلّ الأزمة الأوكرانية- الروسية والحرب التي تشنّها الأخيرة على أوكرانيا، حيث علّق البعض آماله على أن التحالف الذي تمثل الولايات المتحدة الأميركية الوزن الأكبر فيه من الناحيتين العسكرية والسياسية- أو على الأقل حلف الناتو، لن يقف مكتوف الأيدي في حال أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا، على خلفية احتمالية نية الأخيرة الانضمام له، أو بسبب سياسات وممارسات الحلف التي تسبّبت في نهاية المطاف في إشعال الحرب، على الرغم من أن أوكرانيا ليست ضمن هذا التشكيل العسكري.

بموازاة ذلك؛ عادت قضية إنشاء تحالف عسكري في منطقة الشرق الأوسط- تكون إسرائيل جزءاً منه- إلى الواجهة مرّة أخرى، وإن كان ذلك على صعيد النقاش النظري البحت، وذلك بعد أن تراجع النقاش الإسرائيلي- السياسي والأمني على الأقل- حول فُرص نجاح ذلك على المديين القريب والمتوسط قبل عدّة سنوات.

تحاول هذه المساهمة استعراض التصور الإسرائيلي لمثل هذا التشكيل/ التحالف، وتحديداً تلك التي أوردتها تقديرات استراتيجية خلال السنوات الماضية جاءت إحداهما بعنوان "المبادرة لتأسيس ناتو عربي: الرؤية والمخرجات"

يوئال جوزنسكي وكوبي ميخائيل، "المبادرة لتأسيس ناتو عربي: الرؤية والمخرجات"، معهد أبحاث الأمن القومي- جامعة تل أبيب، عدد 1107، 14 نوفمبر 2018، https://bit.ly/3vorWUD. في العام 2018، وكما جاء أيضًا في التصور الذي أعاد معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إبرازه قبل أيام عدّة، والذي جاء بعنوان "إمكانية إقامة تحالف عسكري في المنطقة- رؤية جديدة"،يوئال جوزنسكي وكوبي ميخائيل، "إمكانية إقامة تحالف عسكري في المنطقة- رؤية جديدة"، معهد أبحاث الأمن القومي- جامعة تل أبيب، عدد 1561، 24 فبراير 2022، https://bit.ly/3IEmpNi. مع أهمية الإشارة إلى أن الأفكار الواردة أدناه، مستوحاة من هذه التقديرات، بالإضافة إلى التقارير ذات الصلة.

محاولات فاشلة لتشكيل تحالفات عسكرية بين الدول العربية

تُشير التقديرات الإسرائيلية- في معرض تناولها لهذه القضية- إلى أن كل محاولات تشكيل تحالف عسكري عربي في السابق قد باءت بالفشل، بدءاً من فشل محاولات الولايات المتحدة في تشكيل "حلف بغداد" في خمسينيات القرن المنصرم، وتلت ذلك محاولات الجامعة العربية تشكيل تحالف عسكري (2015)، حيث جرى السعي لإقامة تحالف عسكري يضم 40.000 جندي، لمواجهة "الخطر الإيراني" و"الإسلام المتطرّف" (تقدّم مصر القوة البشرية الأكبر، ودول الخليج تقدّم الدعم المادي)، وصولاً لمحاولة المملكة العربية السعودية في العام 2016 تشكيل تحالف عسكري يضم 34 دولة إسلامية لمحاربة التنظيمات (كيانات أقل من دولة)، كتنظيم "الدولة الإسلامية"، لكن كل هذه المحاولات، بحسب التقديرات الإسرائيلية، لم تخرج إلى حيّز التنفيذ وباءت بالفشل.

إدارة ترامب وبروز فكرة التحالف العسكري الشرق- أوسطي

في العام 2018، تداولت وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية أنباء عن مساعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإعداد خطّة لإنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة، تحت مسمّى "تحالف استراتيجي شرق أوسطي" - Middle East Strategic Alliance (MESA)- أو "الناتو العربي"، ووفقاً للمصادر نفسها فإن مهمّة هذا التحالف هي محاربة ما أسمته "أطماع إيران في المنطقة وتدخّلاتها في المنطقة العربية"، وكذلك "الإسلام المتطرّف"، ويتشكّل هذا التحالف، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية، من جميع دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الأردن ومصر، وأن هذا التشكيل سيرى النور في العام 2019،Yasmine Farouk, “The Middle East Strategic Alliance Has a Long Way to Go”, Carnegie endowment, 08.02.2019, https://bit.ly/35z6pNZ. وتبع ذلك إجراء مناورات عسكرية، هي الأولى من نوعها، لجيوش الدول العربية المذكورة في مصر، باستثناء دولتي قطر وعمان، وبمشاركة ممثلين عن لبنان والمغرب تحت مسمّى "درع العرب 1"، وقد أعطى ذلك إشارات بالنسبة لكثيرين إلى إمكانية نجاح محاولات تشكيل التحالف المشترك، الذي كانت تسعى إليه الولايات المتحدة، في إطار مساعيها لتقليص تواجدها المباشر في الشرق الأوسط، وتحديداً في عهد ترامب، الذي كان يرى فيه فرصة "لتقاسم عبء حماية حلفاء الولايات المتحدة ومصالحها...ـ، وتقليل مساهمة الولايات المتحدة ودعمها العسكري لضمان الأمن الإقليمي في المنطقة"، وأن الهدف الرئيس لهذا التحالف هو "مواجهة إيران والمخاوف الإلكترونية والهجمات على البنية التحتية وتنسيق إدارة الصراع من سورية إلى اليمن".Ibid.

احتمالية تحقّق ذلك في ضوء المستجدّات

أشارت التقديرات الاستراتيجية الإسرائيلية في العام 2018، إلى أن فرص نجاح تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط (MESA)، ضعيفة للغاية، وتحديداً إذا كان هذا التحالف بمشاركة إسرائيل، حيث أكّدت أنه لا توجد إمكانية حقيقية لتأسيس مثل هذا التحالف- نظراً للظروف التي كانت قائمة حينها. وقد أشارت هذه التقديرات إلى أن عوائق عديدة تحول دون نجاح مساعي الولايات المتحدة في هذه القضية، تتمثّل في غيابها، أي الولايات المتحدة، عن مثل هذا التحالف، وصعوبة انضمام قادة الدول العربية المعنية إلى تحالف عسكري بمشاركة إسرائيل إلى جانب الرفض الشعبي العربي الواضح لمثل هذه الخطوة، وأخيراً أن هناك تباينا في وجهة النظر بين هذه الدول حول أهداف هذا التحالف، وقيادته أيضاً.

لكن التقديرات نفسها عادت مرّة أخرى خلال الفترة الماضية لإعادة تقييم إمكانية إقامة تحالف عسكري إقليمي بمشاركة إسرائيل، في ضوء المتغيّرات والظروف المستجدّة منذ العام 2018: توقيع اتفاقيات التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل والمعروفة باسم "اتفاقيات أبراهام"، الالتزام العلني والمُعلن لدولتي الإمارات والبحرين بالعلاقات مع إسرائيل، وتحديداً في المجالين الأمني والعسكري، بالإضافة إلى "العداء المشترك" لإيران والموقف من مشروعها الإقليمي كقاسم مشترك بين هذه الدول وإسرائيل، وتزايد الشعور "بالتهديد" و"الخطر" الإيراني، لا سيّما بعد زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى الإمارات في كانون الثاني المنصرم.

تقول التقديرات نفسها إن دول الخليج قد حسمت أمرها فعلاً (الحديث عن الدول التي أقامت علاقة مباشرة مع إسرائيل)، ولا تخفي رغبتها في تعميق العلاقات مع إسرائيل، وتوقيع اتفاقيات التعاون الاقتصادي، فضلاً عن الزيارات الرسمية والعامة، وتعميق العلاقات الأمنية والتنسيق السياسي والاستخباراتي، والإعلان عن صفقات أسلحة والمشاركة الرسمية في تدريبات عسكرية مشتركة، إلى جانب العلاقة مع كل من مصر والأردن منذ عقود. وتعزو التقديرات كل ذلك لأسباب ثلاثة، يتمثّل الأول في الشعور المتزايد بـ "التهديد الإيراني" وحلفاء طهران في المنطقة، لا سيما بعد أن أشارت التقديرات السياسية- الأمنية إلى أن التوصل إلى اتفاق نووي جديد سيعطي إيران حرية العمل في المنطقة، والثاني هو الابتعاد المستمر للولايات المتحدة عن الشرق الأوسط والشعور السائد بين عدد غير قليل من حلفائها في المنطقة بأنه لا يُمكن الوثوق بها كما في الماضي، أمّا السبب الثالث فيتعلّق بما تُطلق عليه هذه التقديرات "النضج الأيديولوجي والاستراتيجي" بين قادة الخليج فيما يتعلق بالإضافة التي ستُقدّمها العلاقات مع إسرائيل لدفع المصالح الاستراتيجية والوطنية لكل من هذه الدول، كل ذلك في وضعية لم تعُدْ فيها القضية الفلسطينية عبئاً استراتيجياً على كاهل الدول وقادتها، ولم يعُد الالتزام بحلّها مقدّمة لأي علاقات بينها وبين إسرائيل كما كان في السابق. إلى جانب ذلك، تُشير التقديرات الاستراتيجية الإسرائيلية إلى أن انضمام إسرائيل إلى "القيادة المركزية الأميركية"- (CENTCOM) مؤخراً، سيسمح بتوسيع مساحة التعاون العملاني على الصعيدين العسكري والأمني، بين إسرائيل والدول المنضوية ضمن هذا التشكيل، حتى وإن كان تحت إشراف الولايات المتحدة، التي ترى في مثل هذا التحالف فرصة لخفض قواتها، مع الحفاظ على مصالحها الحيوية في المنطقة.

 الفرص والمخاطر بحسب التقديرات الإسرائيلية

بحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن "الخطر الإيراني" وحده، لا يُمكن أن يُشكّل أساساً لمثل هذا التحالف، حيث أن هناك دولاً عربية (مصر ودول المغرب العربي مثلاً)، وإسلامية أيضاً (باكستان على سبيل المثال)، لا ترى في إيران تهديداً أو خطراً مركزياً، وإن كان ذلك نابعاً في الحدّ الأدنى من رغبة هذه الدول بعدم "تشويه" علاقاتها مع إيران، الأمر الذي يجعل من إمكانية استعداد دول هذا التحالف، إن وجد في المستقبل، الالتزام ببند الدفاع المشترك، كما هو منصوص عليه في المادة الخامسة في الوثيقة المؤسسة لحلف الناتو (حلف شمال الأطلسي) مثلاً، ضئيلة، وإلى جانب ذلك تُشير التقديرات نفسها إلى أن مسألة القيادة ستظلّ معيقاً أساسياً في طريق أي تحالف طالما أنه لا يوجد تسليم بتفوق دولة عربية على أخرى في المجالين الأمني- العسكري، ما يجعل من وجود "العدو المشترك" عاملاً ضعيفاً لا يُمكن البناء عليه لتشكيل مثل هذا التحالف، يُضاف إلى ذلك تخوف إسرائيل نفسها من أن يُصبح هذا التحالف مناهضًا ومعاديًا لإسرائيل في المستقبل، في حال تبدّلت الأنظمة الموجودة، أو حتى الأشخاص.

بحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن لإسرائيل مصلحة قوية في وجود مثل هذا التحالف، حتى وإن لم تكن فيه شريكاً كاملاً في البداية، على الرغم من المعيقات الكثيرة التي تقف في طريق تشكيله، فمن شأن ذلك أن يُعزّز من استراتيجيتها في "محاربة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة، ومساعيها للهيمنة الإقليمية"، وليس فقط في مساعيها لامتلاك السلاح النووي. وعلى الرغم من ذلك، تشير التقديرات نفسها إلى أنه وعلى الرغم من كل المتغيرات التي ذُكرت أعلاه، فإن الطريق إلى تشكيل قوة عسكرية مشتركة بمشاركة إسرائيل لا يزال طويلاً ومليئاً بالعقبات، حتى وإن كانت الدول العربية نفسها تُدرك حجم "الفائدة" التي ستحصل عليها من التحالف مع إسرائيل، لا سيّما في المجالين العسكري والاستخباراتي، الأمر الذي سيضعها في محور المواجهة المباشرة مع إيران، ومع شعوبها أيضاً. من ناحية أخرى، ترى التقديرات نفسها بأنه وعلى الرغم من الفوائد التي ستجنيها إسرائيل من هذا التحالف، إلّا أنها غير مستعدة لــ"إكراه" نفسها على الدخول في الالتزامات الناشئة عن التحالفات العسكرية (بالمعنى التقليدي للكلمة)، ولا ترغب إسرائيل نفسها في تحمّلها، يُضاف إلى ذلك، أن إسرائيل تُدرك جيداً، أن مثل هذا التحالف سيدفع إيران لاتخاذ خطوات عملية ضدّها، قد تكون لا ترغب بها في الوقت الراهن.

استناداً إلى ذلك؛ فإن إسرائيل مُطالبة في الوقت الراهن، ووفقاً لهذه التقديرات، بتعزيز مثل هذا التحالف، حتى وإن لم يكن بالشراكة الحقيقية معها، وإنما من خلال دفع الولايات المتحدة الأميركية لقيادته، ومن ثم العمل على إنشاء بنية تحتية صلبة تجعل، في المستقبل القريب، من إمكانية نجاح مثل هذا التحالف ممكناً، ولا سيّما على الصعيد المدني (الجماهيري والشعبي)، والاستمرار في العمل على ذلك في الوقت الراهن من خلال التعاون "تحت الرادار"، كما هو سائد حالياً، من خلال الاستمرار في العمل على إحباط كل محاولات إيران "لتهريب الأسلحة إلى حلفائها في المنطقة"، وإظهار قوتها الاستخباراتية والأمنية، والاستمرار في المشاركة في المناورات العسكرية المشتركة، وتعزيز التعاون التكنولوجي والاقتصادي والثقافي على طريق الوصول إلى بنية تحتية تُسهم في تحقيق "التعاون الإقليمي" مستقبلاً. جدير بالذكر أنه قد تم تداول هذه القضية من قبل بعض المحلّلين في وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية، حيث اعتبر هؤلاء أن الحرب الروسية-الأوكرانية أعطت إشارة لبعض الدول العربية، وتحديدًا تلك التي تعتبر إيران ومشروعها الإقليمي يُشكّل خطر حقيقي عليها، أنه لا يُمكن استمرار الاعتماد على الولايات المتحدة في صدّ أي "حرب" تشنّها إيران عليها في المستقبل، ما يجعل من مسألة تشكيل تحالف عسكري إقليمي- شرق أوسطي، بالشراكة مع إسرائيل أو بالتنسيق معها، أمرًا غير مُستبعدًا، وهذا الأمر الذي ترى فيه إسرائيل فرصة حقيقية لتطبيع وجودها في المنطقة العربية، على الرغم من أن مثل هذا التحالف، لن يُضيف لإسرائيل الكثير بالمعنيين العسكري والأمني، وإنمّا تكمن فائدته في منح إسرائيل "شرعية" عربية، تمنحها حرية الاستمرار في احتلال الأرض الفلسطينية وارتكاب جرائم الأبارتهايد والفصل العنصري والتطهير العرقي بحق الفلسطينيين، في ظلّ تصاعد حملات "نزع الشرعية" عنها من قبل حركات التضامن والتعاطف مع الفلسطينيين والقضية الفلسطينية التي اتّسعت خلال العقد المنصرم.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات