المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
من تظاهرة ضد محاولة فرض وقائع استيطانية جديدة في بؤرة حومش المقابة على أرض قرية برقة. (أ.ف.ب)
من تظاهرة ضد محاولة فرض وقائع استيطانية جديدة في بؤرة حومش المقابة على أرض قرية برقة. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1661
  • عبد القادر بدوي

شهد العقد المنصرم محاولات مسعورة لتفكيك القضية الفلسطينية، أفرزت جملة من التحولات التي ألقت بظلالها على مُجريات الصراع العربي- الإسرائيلي عموماً وعلى القضية الفلسطينية على وجه التحديد. وجاءت هذه المحاولات في ضوء تحولات واضحة حصلت في المشهد الإسرائيلي الذي شهد هيمنة، شبه مطلقة، لليمين الجديد- بتياراته المختلفة- وازدياد نفوذ وتأثير المستوطنة وأجنداتها السياسية على مُختلف الصعد، وهو ما تُرجم عملياً في الممارسات الإسرائيلية على الأرض، إلى جانب سنّ "قانون القومية" وخطّة الضم وعمليات الاستيطان المتزايدة والمستمرّة، وتعزّزت بدعم من الإدارة الأميركية في عهد دونالد ترامب، و"اتفاقيات أبراهام" بين إسرائيل وبعض الدول العربية، والتي وصلت ذروتها في إعلان "صفقة القرن".

ألقت هذه التحولات بظلالها على القضية الفلسطينية بشكل لا يُمكن تجاهله، خصوصاً في ظل حالة الانقسام والتشظّي التي يعيشها الفلسطينيون، وانغلاق أي أفق سياسي. في ضوء ذلك، تزايد الحديث عن "حل الدولة الواحدة" كبديل آخر لـ "حل الدولتين" السائد في الخطاب السياسي كحل دائم للصراع، وليس في النقاش الإسرائيلي فحسب.

واستمراراً للنقاش حول "حل الدولة الواحدة" في الفضاء الأكاديمي الإسرائيلي، أصدر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب الشهر الماضي دراسة بعنوان "نماذج الدولة الواحدة: جوانب عملية" للباحثة بنينا شربيت باروخ،رئيسة برنامج بحوث القانون والأمن القومي في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي. تُجمل فيه النقاش حول "حل الدولة الواحدة" بنماذجه الممكنة والمقترحة. ونتناول هنا أبرز ما تضمّنته الدراسة، مع التركيز على نموذج واحد من النماذج الواردة في الدراسة، علماً بأن الأفكار الواردة أدناه، وكذلك المصطلحات مصدرها كاتبة الدراسة نفسها.

تنطلق باروخ من افتراض مفاده أن السنوات الأخيرة شهدت نقاشاً متزايداً حول موت "حل الدولتين"، واستبداله بنموذج "الدولة الواحدة" بين البحر والنهر كحل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ذلك بعد أن اتضح أنه لا توجد إمكانية، في الوقت الحالي على الأقل، لتقسيم الأرض مادياً؛ بسبب تذويب/ تعتيم "الخط الأخضر"، والارتباط الفعلي لـ "يهودا والسامرة"- الضفة الغربية- بدولة إسرائيل، وهو ما يُترجم في النطاق الأوسع في الاستيطان اليهودي والنشاط الإسرائيلي- "الأمني والمدني" في هذه المناطق، وهذا من الناحية الجغرافية والمادية. من الناحية الديمغرافية؛ تدّعي الدراسة إن إضافة جميع الفلسطينيين الذين يعيشون في مناطق "يهودا والسامرة" إلى دولة إسرائيل تعني أن الفلسطينيين سيشكّلون ما يقارب 40% من "سكّان البلاد"، وفي حالة تضمين قطاع غزة أيضاً سيُصبح نصف سكان الدولة تقريباً (50%) فلسطينيين. تتناول هذه الدراسة أربعة نماذج للحل: "دولة واحدة على كامل المنطقة الواقعة بين البحر والأردن"؛ دولة يهودية على كامل مساحة فلسطين الانتدابية تتضمّن "حكما ذاتيا" فلسطينيا (معازل فلسطينية منفصلة)؛ اتحاد فيدرالي مقسّم لمقاطعات/ أقاليم يهودية وفلسطينية؛ كونفدرالية فلسطينية- يهودية. وبما أن النقاش العام يُركّز على مسألة ما إذا كان من الممكن إقامة دولة واحدة يهودية وديمقراطية، تسعى الدراسة لبحث إمكانية تحقّق ذلك عملياً، وما إذا كان هذا الحل يُشكّل حلاً ناجعاً للصراع القائم، وجدوى الوصول إلى هذا النموذج وفرص نجاحه أيضاً، وبحث ذلك من خلال التقسيم الجغرافي؛ وضع القدس؛ قضية اللاجئين الفلسطينيين؛ وضع المستوطنات؛ المسائل الأمنية والاقتصادية والمدنية وغيرها؛ الطابع الديمقراطي واليهودي لإسرائيل؛ التداعيات على المواطنين العرب في إسرائيل؛ التداعيات على السلطة الفلسطينية ومكانة قطاع غزة وغيرها من القضايا.

تُشير باروخ إلى أن حل الدولتين، الحل الذي تُقام بموجبه دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية، قد شكّل على مدار وقت طويل، الحل الرئيس للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني في النقاش العام، وقد أعرب معظم الجمهور الإسرائيلي عن دعمه لهذا الحل، كما أنه الحل المقبول لغالبية دول العالم والمنظّمات الدولية، وهو ما يتضّح من خلال قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة. لكن، مع ظهور "حل الدولة الواحدة"- بنماذجها المذكورة أعلاه- كبديل آخر لحلّ الصراع، ينتقل النقاش العام لرفض فكرة إلغاء "الطابع اليهودي" لدولة إسرائيل؛ حيث أن الغالبية العظمى من المواطنين اليهود ترفض الفكرة، بالإضافة إلى أن غالبية الجمهور الإسرائيلي مُهتمة بالحفاظ على "الطابع الديمقراطي" للدولة.

تدّعي باروخ أن الصعوبة في "خلق واقع لدولة واحدة يتم فيها الحفاظ على الطابع اليهودي والديمقراطي لدولة إسرائيل" تكمن في الإشكالية الديمغرافية التي تترتّب على ذلك (ومُشار إليها أعلاه)، كما أن النماذج المقترحة لإقامة "دولة واحدة" لا تشمل إدخال قطاع غزة في أراضي هذه الدولة، حيث يعيش في قطاع غزة حوالي مليونين من الفلسطينيين وهذا سيُضيف تعقيداً للمسألة الديمغرافية، وأن غزة، وعلى عكس مناطق الضفة الغربية- "يهودا والسامرة" في التسمية اليهودية- ليست لها أهمية أيديولوجية ولا قيمة استراتيجية كبيرة لإسرائيل، كما أنها لا تسعى لاستعادتها بالقوة. وفي ظل غياب حلّ لقطاع غزة، فلن يكون هناك حل كامل للصراع. على أية حال، وسواءً تم ضمّ قطاع غزة إلى هذه الدولة أم لا؛ فإن وضع "الدولة الواحدة" سيترتّب عليه واقع وجود "أقلية" فلسطينية مهمة في الدولة، سيُطلب منها التخلي عن تطلعاتها القومية، في ضوء نيّة اليهود الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة، وهو ما سيؤدي إلى توتّر وصدام "داخلي"، وسيُشكّل هذا الصدام والاحتكاك تحدّياً خطيراً للاستقرار في "الدولة"، لا سيّما وأن الأمر يتعلّق بـ "شعبين" بينهما سنوات طويلة من العداء والصراعات الحادة، كما ظهر ذلك بوضوح في الاشتباكات العنيفة بين العرب واليهود خلال هبّة أيار المنصرم.

علاوةً على ذلك، ترى باروخ أن منح الفلسطينيين حقوقاً مدنية متساوية في الدولة، سيولّد خوفاً يهودياً من أن يكون لهم تأثير كبير على "المستوى القومي"، بطريقة تتعارض مع "المصالح القومية اليهودية"؛ أي إلى حدّ محاولة إلغاء "الطابع اليهودي للدولة". ومن ناحية أخرى؛ فإن عدم منح الفلسطينيين الحقوق الكاملة في الدولة- بما في ذلك المواطنة والحق في الانتخاب لسلطات الدولة المختلفة، وحرية التنقل والحق في اختيار مكان الإقامة، وتكافؤ الفرص... وغيرها من الحقوق التي يتمتّع بها مواطنو أي دولة سيجعل هذا الحل مشوهاً، أي أنها لن تكون دولة.

تُشير الدراسة إلى أن النقاش العام حول قضية الدولة الواحدة يتركّز على مسألة ما إذا كان من الممكن التوفيق بين إقامتها وبين الحفاظ على الطابع "اليهودي والديمقراطي" لهذه الدولة؛ حيث يُجادل معارضو الفكرة بأن دولة واحدة يمكن أن تكون يهودية أو ديمقراطية، لكن لا يمكن أن تكون "يهودية وديمقراطية" في نفس الوقت، ويعود ذلك أساساً إلى القضية الديمغرافية المعروضة أعلاه. من ناحية أخرى؛ يُجادل المؤيدون لهذا الحل بأن هذا مزيج مُحتمل وممكن، حيث يعتقدون أنه من الممكن التنازل عن عناصر معينة من الطبيعة الديمقراطية أو اليهودية للدولة. لكن هذا النقاش ليس كافياً، كونه لا يتناول الجوانب والقضايا التفصيلية المُشار إليها أعلاه.

وكما أشرنا أعلاه، تتناول هذه الدراسة أربعة نماذج لحل الدولة الواحدة؛ "دولة واحدة على كامل المنطقة الواقعة بين البحر والأردن"؛ دولة يهودية على كامل مساحة فلسطين الانتدابية تتضمّن "حكما ذاتيا" فلسطينيا (معازل فلسطينية منفصلة)؛ اتحاد فيدرالي مقسّم لمقاطعات/ أقاليم يهودية وفلسطينية وكونفدرالية فلسطينية- يهودية، وتقوم ببحث فُرص وإمكانية تطبيق ذلك من خلال القضايا التفصيلية المُشار إليها، والتي لا تقتصر على المخاوف والحسابات الديمغرافية.

هنا سنقوم باستعراض نموذج واحد منها فقط.
دولة واحدة على كل المنطقة الواقعة بين البحر والنهر (ربّما تشمل قطاع غزة): تبحث الكاتبة شكل وطبيعة تحقّق هذا النموذج من خلال قضايا وتفصيلات لا تقتصر على الحسابات الديمغرافية؛ نتطّرق لبعضاً منها على النحو التالي:
1- التقسيم الجغرافي: في هذا النموذج؛ سيتم شطب/ إلغاء الخط الأخضر، وتطبيق القانون الإسرائيلي على المنطقة بأكملها وعلى جميع المقيمين في الدولة؛ سيكون هناك إقليم واحد موحّد للدولة.
2- المستوطنات: المستوطنات ستظلّ في مكانها، مثل أي مستوطنة أخرى في البلاد.
3- القدس: ستكون القدس بأكملها عاصمة لإسرائيل، دون الحاجة إلى تقسيم السلطات، مع الحفاظ على حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة لمختلف الأديان.
4- قضية اللاجئين: سيتم منع عودة اللاجئين من الخارج بسبب الحسابات الديمغرافية، لكن ستكون هناك محاولات من قبل اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة للعودة "من جانب واحد".
5- الجنسية والإقامة: يُصبح جميع الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية مقيمين دائمين في دولة إسرائيل، وتمنح هذه الإقامة حقوقاً مختلفة، بما في ذلك حق العمل في الدولة والحقوق الاجتماعية مثل الضمان الاجتماعي والمشاركة في الانتخابات المحلية. بالإضافة لذلك، وكما هو الحال في بقية البلدان، يحق للمقيمين الدائمين في بلد ما التقدم بطلب للحصول على الجنسية، على الرغم من أن عملية التجنّس قد تتضمّن متطلّبات معينة كالتعبير عن الولاء للدولة، وإذا تم رفض منح السكان الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية؛ سيعني ذلك تركهم بدون جنسية كحل دائم، وهو ما سيتعارض مع "الطابع الديمقراطي" لإسرائيل، وسيؤدي ذلك إلى إنشاء نظام تمييزي، مع مستويين من المقيمين في البلاد وحرمان مجموعة بأكملها من حق تمثيل نفسها على أساس قومي. من ناحية أخرى، سيؤدي ترك الفلسطينيين بدون حقّ المواطنة إلى خلق حالة من الإحباط والعداء للدولة، وهو ما سيُقوض استقرارها.
6- السلطات الحكومية: تواصل السلطات الحكومية مثل الكنيست والحكومة العمل، وسيتمكن جميع مواطني الدولة من التصويت والترشّح لسلطات الدولة المختلفة، مع إدخال تعديلات حكومية في المؤسسات والسلطات الحكومية، تأخذ بعين الاعتبار السكّان الفلسطينيين، بما في ذلك إنشاء السلطات المناسبة لهم، مثل آليات جباية الضرائب والترخيص وتقديم الخدمات، وإذا لم يكن هناك تعاون من "القيادة المحلية الفلسطينية"، والذهاب باتجاه خيار مقاطعة مؤسسات الحكم من جانبهم، قد تلجأ الحكومة الإسرائيلية إلى تعيين ممثلين عنهم لإدارة المستوى البلدي والخدماتي المحلي.
7- تدخل الفلسطينيين في السلطة: بحكم وضعهم كمواطنين في إسرائيل، سيُمنح الفلسطينيون حقّ التصويت والترشح لمؤسسات الدولة، ما يعني أن أعضاء "الأقلية الفلسطينية" الكبيرة سيمتلكون نفوذاً سياسياً وفرصة للمشاركة في القرارات الاستراتيجية في الدولة، وقد تكون القوة السياسية المُحتملة لهم أكبر في ضوء الانقسامات بين الجمهور اليهودي (الانقسامات الإثنية). ويُحتمل أن يتضمّن ذلك الاعتراف بالحقوق الجماعية لـ "لأقلية الفلسطينية" في الدولة، بطريقة تشمل تنمية الهوية والثقافة العربية والحكم الذاتي في مجالات مثل التعليم والدين والثقافة، أي السماح لهم بالتعبير عن المشاعر القومية والثقافية لكن في "دولة يهودية"، لكن ذلك لن يكون بديلاً عن منحهم حقوقا مدنية متساوية.
8- حرية الحركة والتنقّل: كمقيمين دائمين في إسرائيل، سيتمتع الفلسطينيون بحرية التنقل، بما في ذلك الحقّ في اختيار مكان الإقامة، والانتقال للعيش داخل الخط الأخضر، وفي نفس الوقت، سيتمكن مواطنو إسرائيل من العيش في جميع أنحاء الضفة الغربية وستحتفظ حكومة إسرائيل بالسيطرة الكاملة على الجو والبحر البرّ والمعابر والحدود.
9- القضايا الأمنية: سيعزّز هذا النموذج بشكل كبير التفاعل بين المجتمع الفلسطيني والمجتمع اليهودي، لا سيّما في ضوء حرية الحركة التي يضمنها. لكن سيكون من الضروري إجراء عمليات مصالحة فعالة بين اليهود والفلسطينيين، وهذا أمر في غاية الصعوبة بالنظر إلى العداء التاريخي العميق بينهما، ما يجعل من فرصة نجاح هذه العملية ضئيلة جداً.
10- الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة: سيقود انخراط الفلسطينيين في العملية السياسية في الدولة، بصفتهم مواطنين لهم حقوق متساوية فيها، إلى محاولة تغيير "الطابع اليهودي" لدولة إسرائيل، لكن من الممكن ترسيخ الهوية اليهودية للدولة بطريقة تجعل من الصعب تغييرها، من خلال "دستور مُحصّن" يمنع تآكل "يهودية الدولة"، وهذا ليس بالأمر السهل وسيواجه الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية، لكنه ممكن.
11- الحفاظ على الطابع الديمقراطي- الليبرالي للدولة: سيقود حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الكاملة في الدولة إلى القضاء على "الطابع الديمقراطي" لها. علاوةً على ذلك، سيقود وجود الفلسطينيين كمواطنين أو مقيمين إلى تحدِّي الطابع الليبرالي للدولة (تستند هذه النقطة إلى رؤية استشراقية يهودية).
12- المواطنون العرب في إسرائيل: هذا النموذج سيجبرهم على الاختيار بين استمرار ارتباطهم المدني بالمجتمع اليهودي الإسرائيلي والرغبة في الاندماج فيه، وبين الارتباط القومي والديني بالفلسطينيين كمجموعة قومية.
13- السلطة الفلسطينية: سيتم حل السلطة الفلسطينية ونقل كافة صلاحياتها (المحدودة) إلى سلطات الدولة، مع إمكانية استمرار وجود بعض الهيئات والمؤسسات التابعة للسلطة الفلسطينية، مثل خدمات الرفاه والصحة والتعليم، تعمل ضمن نطاق الدولة وموافقتها الكاملة، كما سيتم أيضاً تفكيك قوات الأمن الفلسطينية وتسليم جميع المعدات والأسلحة التي بحوزتها، ومن المرجّح أن يواجه تنفيذ هذه الخطوة مقاومة من الفلسطينيين، كما لن تتمكّن جميع الكيانات العاملة على الساحة الدولية باسم السلطة الفلسطينية / فلسطين من الاستمرار في تمثيلها دولياً.
14- قطاع غزة: في حال تم ضمّ قطاع غزة في هذا النموذج، فسينطبق عليه المذكور أعلاه، وسيكون بإمكان ساكنيه التقدّم بطلب الحصول على الجنسية الإسرائيلية ضمن شروط الجنسية المذكورة أعلاه، لكن هذه الخطوة ستتطلّب إعادة السيطرة الفعلية على غزة (بالقوة).
تُشير الدراسة إلى أن هذه الخطوة ستُحدث تغييراً جذرياً في بنية وجوهر دولة إسرائيل، حيث سيتم تطبيق القانون الإسرائيلي على كل مساحة فلسطين الانتدابية، وذلك من خلال:
أ‌- إقامة دولة واحدة بناءً على اتفاق مع الفلسطينيين، وهذا بعيد المنال.
ب‌- إقامة دولة واحدة بشكل قسري؛ أي بعكس الموقف الفلسطيني، وهو ما سيترتّب عليه عملية استيلاء على كامل الأراضي والسلطات من السلطة الفلسطينية وتفكيك قوات الأمن الفلسطينية من جانب واحد، وسيحتاج ذلك إلى الدخول في مواجهة عسكرية كبيرة.

جدوى هذا النموذج؟

تُشير الكاتبة إلى أن مثل هذا النموذج سيلقى معارضة فلسطينية حقيقية، وأن فرصة الحصول على موافقة الفلسطينيين على هذا النموذج تكاد تكون معدومة؛ كونهم لا يُفضلّون التنازل عن تطلّعاتهم القومية وتفكيك مؤسساتهم التمثيلية والانضمام لدولة إسرائيل ذات "الطابع اليهودي"، وبدون حقوق متساوية، إلّا إذا كان لديهم تقدير بأن هذه الخطوة ستمكّنهم من "الاستيلاء" و"السيطرة" لاحقاً على الدولة من الداخل. من جهة أخرى، تقول الدراسة إن مثل هذه الخطوة ستُعارضها تيارات وقطاعات يهودية واسعة كونها ستقود إلى القضاء على يهودية الدولة، كما سترفض بعض التيارات أن يتم القضاء على الطابع الديمقراطي- الليبرالي أيضاً. إلى جانب ذلك، ستواجه إسرائيل ضغوطا كبيرة للامتناع عن هذه الخطوة في حال كانت من جانب واحد (النقطة ب أعلاه).

أخيراً، وفي هذا النموذج، تذهب الكاتبة إلى أن فُرص تطبيق هذا النموذج- في ضوء ما ورد أعلاه- تنطوي على مخاطر حقيقية؛ فإلى جانب تقويضه، أي هذا النموذج، ليهودية الدولة وديمقراطيتها، في كل الحالات، من المرجّح أن يقود تطبيق هذا النموذج بشكل فعلي، ومع هذه المحاذير إلى "انفجار داخلي" أو "حرب أهلية" بين اليهود والفلسطينيين بسبب العداء التاريخي بينهما. إلى جانب ذلك، يظهر البُعد الاستشراقي اليهودي بوضوح لدى كاتبة الدراسة، حيث ترى أن تطبيق مثل هذا النموذج سيقوّض أيضاً بنية الدولة الليبرالية ومؤسسات الحكم والديمقراطية (في حال منح الفلسطينيين حقوق مدنية متساوية) بسبب "الفجوة الثقافية" بين اليهود والفلسطينيين، كما سيقود ذلك إلى زيادة نسبة الجريمة والفقر وزيادة الأعباء الاقتصادية بسبب الفجوات الدينية والاجتماعية والاقتصادية بين إسرائيل، ومناطق الضفة الغربية (وقطاع غزة في حال تم ضمّها). كما تُشير أيضاً إلى أن التجارب الأخرى الشبيهة لم تنجح في "توحيد كيانين لهما طبيعة وخلفية قومية مختلفة"، خاصة في حالات سبقها صراعات دموية وحروب طويلة الأمد، كالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

إجمالاً؛ تأتي هذه الدراسة في سياق نقاش إسرائيلي مُتزايد، في الفترة الأخيرة، يُحذّر من تداعيات الوصول إلى وضع يُصبح فيه "حل الدولة الواحدة" خيارا وحيدا، من خلال استعراض المخاطر التي ينطوي عليها مثل هذا الحل، ولا سيّما على "يهودية وديمقراطية دولة إسرائيل"، حيث أن النماذج الأربعة لهذا الحل، لن تُشكّل حلاً دائماً وناجحاً للصراع، والسبب أن هذه النماذج جمعيها تحمل قدرا كبيرا من الاحتكاك بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذين يعيشون حالة من الصراع والعداء طويل الأمد، وهو ما سيقود في النهاية إلى صراعات عنيفة ستقوّض أي نموذج في نهاية المطاف، ولذلك تُشير الكاتبة في نهاية الدراسة إلى أن "حلّ الدولتين"، والذي يقوم على فكرة الفصل بعكس النماذج المطروحة، وعلى الرغم من المساوئ الكبيرة التي تترتّب عليه، يبقى الحل الأقل سوءاً، لاستحالة نجاح أي نموذج غير قائم على الفصل بين اليهود والفلسطينيين كحل دائم للصراع.

 

 

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات