صدر مؤخراً تقرير رقابة الدولة الإسرائيلية للعام 2021 حول السلطات المحلية، وشمل وفقاً لمقدمته: نتائج وتوصيات الرقابة التي تناولت مجموعة من المواضيع الواقعة في صلب عمل السلطات المحلّيّة، بما في ذلك المواضيع الاجتماعيّة ومواضيع الرفاه والتخطيط والبناء. ومن أبرز ما جاء فيه هو التفاوت الكبير في حجم الخدمات المقدمة للمواطنين على خلفية مدى قوّة السلطة المحلية الواحدة من الناحية الاقتصادية.
وجاء أن إحدى القضايا الشاملة التي يتناولها هذا التقرير هي سلوك السلطة المحلّيّة خلال أزمة كورونا. ويعلّق: "يُقال حيانا إنّه عند الحرب في الجبهة الداخليّة، وفي أحداث الطوارئ، يُلقى العبء الرئيس على السلطات المحلّيّة، ويجب عليها الاستعداد لذلك". فقد زادت أزمة كورونا من أهمّية أعمال الرفاه المطلوبة في حالات الطوارئ لضمان الاستجابة لاحتياجات الفئة السكانية الجديرة بالمساعدة، وبيّنت الأزمة أن موظفي نظام الرفاه الاجتماعي في السلطات المحلّيّة هم عاملون أساسيّون وضروريّون في الأزمات، يؤكد التقرير.
وهو يشدّد على أنه من اللائق أن يقدم مسؤولو الحكم المركزي والسلطات المحلّيّة لخدمات الرفاه الاجتماعي جميع الأدوات والحلول اللازمة للتعامل مع مهامّ الطوارئ والتغلّب على الصعوبات التي تنشأ في أثناء هذه المهامّ. لكنه لاحظ أنه في مجال التربية والتعليم، وجدت السلطات المحلّيّة صعوبة في التعامل مع التوجيهات المتعددة والتغيّرات المتواترة فيها، ولم تحرص السلطات دائماً على تنفيذ التوجيهات كما هو مطلوب. ويوصي بأن تقوم وزارة التربية والتعليم والسلطات المحلّيّة، في إطار التحضير للسنة الدراسية القادمة، بإجراء استخلاص العبر لدراسة النواقص والمُعيقات التي وُجدت لأجل توفير الحلول. كما يوصي بأن تعمل وزارة التربية والتعليم، قدر الإمكان، على توحيد توجيهاتها للسلطات ونشرها مُسبقا. على ضوء الدور الهام الذي قامت به السلطات المحلّيّة في إدارة الأزمة، ومساهمتها في الحفاظ على حصانة الجمهور، على الحكم المركزيّ أن يعمل على دمج ممثلي السلطات المحلّيّة في صياغة السياسة، وأن يفحص زيادة الاستقلاليّة والمرونة الإداريّة للسلطات، وخاصّة أثناء حالات الطوارئ.
أما في إطار تنويع المجالات التي تتناولها رقابة الدولة، بما في ذلك مجال المراجعة الماليّة، فقد تمّ فحص موضوع الحصانة الماليّة للسلطات المحلّيّة. وبيّنت الرقابة أنّ العجز التراكميّ لجميع السلطات المحلّيّة في نهاية العام 2018 كان 3.7 مليار شيكل، وأنّ حجم ديون الأرنونا المستحقّة للسلطات المحلّيّة التي يمكن تحصيلها، وفقاً لتقدير السلطات، بلغ 9.7 مليار شيكل. لا تتوفّر لـ 80% من السلطات القدرة على تحمّل نفقاتها من تلقاء نفسها وتحتاج إلى منحة توازن، وفي العام 2018 كان مبلغ المنحة 3.3 مليار شيكل. تبيّن أيضاً أنّه في العام 2018، كان متوسط الإنفاق على الخدمات المحلّيّة للساكن في الخُمس الأدنى للسلطات 699 شيكل جديد، وفي الخُمس الثاني حوالي 1126 شيكل جديد، وفي الخمس الأعلى حوالي 2101 شيكل جديد - ثلاثة أضعاف متوسط الإنفاق بالخمس الأدنى وضعفي متوسط الإنفاق بالخمس الثاني.
غياب مخطّط رسمي لتسهيل الخدمات بأدوات رقمية
وتبيّنت في الرقابة فجوات كبيرة في موارد السلطات المحلّيّة، وفي قدرتها على تقديم الخدمات لسكّانها. وعليه، يستنتج المراقب: "فإنّ التحدي الذي تواجهه وزارة الداخلية والسلطات المحلّيّة في إسرائيل مع دخولنا العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين هو تقليص الفجوات بين السلطات، فحص نسبة دخلها الذاتي، تنويع مصادر دخلها، والعمل على ترشيد وتحسين قدرتها الماليّة على الصمود، إلى جانب زيادة جودة الخدمات للسكّان".
وفقاً للتقرير الرسمي، فخلال العقد الماضي، وضعت السلطات العامة تحدي "الخدمة وتجربة الزبون" في مكان متقدّم في ترتيب الأولويات، وهي تستثمر جهوداً في تحسين الخدمة من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل، بما في ذلك الوسائل التكنولوجية. وقد بيّنت الرقابة على موضوع خدمات السلطات المحلّيّة عبر الإنترنت في فترات الروتين والطوارئ أنه على الرغم من الإنجازات والمعرفة المكتسبة في بعض السلطات المحلّيّة في المجال الرقمي، من منظور قطريّ، هناك اختلافات كبيرة بين السلطات في حجم الخدمات عبر الإنترنت التي تقدمها والمعلومات التي تنشرها للجمهور، في جودة الخدمات وإتاحتها للجمهور. تبيّن أيضاً أنه لا يوجد مخطّط رسمي يتضمن مبادئ توجيهية مهنية لبناء وتشغيل المنصات الرقمية التي من شأنها أن تسمح للسلطات المحلّيّة بتقديم الخدمات الأساسية، وخاصة في أوقات الطوارئ، عن طريق الإنترنت. ومن اللائق أن يعمل مسؤولو الحكم المركزيّ والسلطات المحلّيّة على الحد من الثغرات المذكورة وزيادة مستوى الحوسبة في السلطات المحلّيّة. في هذا الإطار، يُقترح العمل على تحسين تجربة المستخدم وإتاحة الخدمات لجميع العملاء في مجموعة منوعة من القنوات الرقمية، وضمان الامتثال لمتطلبات الإتاحة وحماية خصوصيّة المستخدمين.
من تجليات نقص الخدمات – اتساع العنف في البيوت
وفي موضوع ذي صلة بما يجدر أن توفره السلطات المحلية من خدمات مهمة، يحاجج التقرير بأنه "يُمتحن المجتمع في قدرته على رعاية جميع أفراده، بما في ذلك الاهتمام بالفئات السكّانية التي تستحق الدعم، والسعي من أجل تحصيل حقوقها. الاهتمام بالضعفاء مهم ليس فقط بسبب مساهمته من أجل الفرد، ولكن أيضا لمساهمته من أجل المجتمع ككلّ، سواء من الناحية القيميّة-الأخلاقيّة أو الاقتصادية. هذا هو اختبار للقوّة الأخلاقيّة للمجتمع التي هي أساس قوي لوجوده". تناولت رقابة الدولة القضايا الاجتماعيّة، وفي هذا الإطار تمّ فحص مواجهة ظاهرة "العنف بين الأزواج، وهي مشكلة اجتماعيّة صعبة وشائعة بين جميع الطبقات والثقافات والأعمار" كما جاء في التقرير. بيّنت الرقابة على هذا الموضوع أنهّ خلال تفشّي وباء كورونا كانت هناك زيادة كبيرة في عدد المتوجهين للحصول على المساعدة من سلطات الخدمات الاجتماعيّة - زيادة بنسبة 205% في عدد التوجهات إلى الخط الساخن 118 و26% في التوجّهات إلى اقسام الخدمات الاجتماعيّة والى مراكز علاج العنف الأسريّ والوقاية منه، فضلاً عن زيادة بنسبة 12% في عدد الملفّات التي تم فتحها في الشرطة بسبب العنف بين الأزواج.
وتبيّن أنّه في العام 2020 قتلت 13 امرأة من قبل أزواجهنّ - وهذه زيادة قدرها 160% مقارنة بالعام 2019. تؤكّد هذه الزيادة الكبيرة ضرورة زيادة نشاطات الخدمات الاجتماعيّة لمنع هذه الظاهرة، رصد الأسر المحبوسة في دائرة العنف، تقديم المساعدة والدعم لضحايا العنف وإعادة تأهيل الرجال الذين يمارسون العنف. يُوصى بأن يتمّ التعامل مع هذه الظاهرة بالتعاون بين جميع الهيئات العاملة في الميدان، وأن يتمّ ضمان الحفاظ على التسلسل العلاجيّ - سواء عند المصابين أو مسبّبي الإصابة، والتأهيل المناسب للمعالجين والتقليل من عبء العمل عليهم. مواجهة هذه الظاهرة تشكل تحدّياً صعباً ومركزيّاً أمام العديد من الأطراف في هذا المجال، بما في ذلك وزارة الرفاه، السلطات المحلّيّة، وزارة الصحة، وزارة التربية والتعليم، وزارة الأمن الداخليّ، الشرطة وهيئة مكافحة العنف - وهو التعاون انطلاقاً من منظور منهجيّ للقضاء على ظاهرة العنف بين الأزواج، التي تسبّب أضراراً فوريّة وطويلة الأجل للفرد والمجتمع.
تمييز في توزيع الوزارة لوظائف الأقسام الاجتماعية
وبيّن الفصل الذي يتناول موضوع تمويل خدمات الرفاه، أن طريقة إقرار الميزانيّات لأقسام الخدمات الاجتماعيّة في السلطات المحلّيّة، يمكن أن تزيد من الفجوات بين السلطات الضعيفة والسلطات القوية. فلقد تبيّن أنّ هناك فجوات في توزيع الوظائف من قبل وزارة الرفاه لأقسام الخدمات الاجتماعيّة في السلطات المحلّيّة في العناقيد الاجتماعيّة - الاقتصاديّة المنخفضة وكذلك في المناطق البعيدة عن المركز. طريقة خصم الأموال التي لم تستغلّها سلطات محلّيّة ونقلها إلى سلطات محلّيّة أخرى ليست شفّافة، كما أنّ مقرّ الوزارة لا يعلم ما هي المبالغ التي تم تحويلها وإلى أي جهة. في غياب المعلومات وفي غياب تحكُّم الوزارة بهذه التحويلات الماليّة في ألويتها، لا يمكن معرفة ما إذا كانت الأموال التي خُصمت لم يتم تحويلها من السلطات الضعيفة إلى السلطات القوية. لم تنشر وزارة الرفاه للجمهور بشفافيّة عشرات الصيغ المصممة لتخصيص الأموال والوظائف. من أجل تحسين مجمل العلاج لمتلقي خدمات الرفاه، من اللائق أن تعمل وزارة الرفاه، بالتعاون مع السلطات المحلّيّة، لإصلاح النواقص التي وُجدت لصالح متلقّي خدمات الرفاه كأفراد، ولصالح المجتمع من منظور شامل.
رقابة على قضية اجتماعيّة بحتة أخرى تناولت موضوع سفريّات التلاميذ في السلطات المحلّيّة. يحقّ لأكثر من 307.000 تلميذ التنقل بسفريّات، وبالفعل يتمّ نقلهم بسفريّات يوميّاً للدراسة في المؤسّسات التعليمية التي يتعلّمون فيها؛ بعضهم ينقل بالسفريّات مسافة عشرات الكيلومترات من مكان إقامتهم. تقدر التكلفة السنوية لنقل التلاميذ التي تتحمّلها السلطات المحلّيّة بـ 2.7 مليار شيكل، تشارك فيها وزارة التربية والتعليم بمبلغ 1.4-1.5 مليار شيكل. بيّنت الرقابة نواقص في كلّ ما يتعلّق بتمويل السفريّات، وظروف الأمان للتلاميذ الذين ينقلون بهذه السفريّات، بما في ذلك:
غياب أنظمة سفريّات آمنة للتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة
لم تفحص وزارة التربية والتعليم ما إذا كان من الضروريّ تحديث الشروط المحدّدة منذ حوالي 13 عاما، والتي استندت إليها في الحسابات مع السلطات المحلّيّة، وتحديث قرار اتخذته في مطلع العام 2012. في أعقاب ذلك، بلغت مشاركة وزارة التربية والتعليم في تكلفة جزء من سفريّات التعليم الخاص في السلطات التي تمّ فحصها 36% إلى 64% بدلاً من 50% إلى 85% - نسبة المشاركة التي حددتها لتلك السلطات المحلّيّة. لم تصدر أنظمة سفريّات آمنة للتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة من سنّ 3 أعوام فصاعداً. لم تنفّذ السلطات المحلّيّة التي تم فحصها عمليات رقابة وإشراف كما ينبغي على طريقة تنفيذ السفريّات. رقابة الشركة الاقتصاديّة لمركز السلطات المحلّيّة في السلطات التي تعاقدت معها، نُفّذت بوتيرة أقلّ من المطلوب؛ معالجة النواقص التي تبينت من خلال الرقابة ومن الشكاوى التي تتناول سفريّات التلاميذ لم تكُن مُرضية. ويجب على وزارة التربية والتعليم والسلطات المحلّيّة إصلاح النواقص لضمان نقل التلاميذ بأمان إلى المؤسّسات التعليميّة وإعادتهم بأمان إلى بيوتهم، وفقا لشروط السلامة الملزمة. ويوصى أيضاً بأن يكمل وزير التربية والتعليم وضع أنظمة سفريّات آمنة للأطفال الصغار والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
السلطات المحلّيّة لم تكن مستعدّة بشكل كافٍ للفيضانات
شمل تقرير المراقب أيضاً فصلا خاصّا حول موضوع الاستعداد لحدوث فيضانات والحماية منها. خلال شتاء العام 2020، هطلت عدة مرات أمطار غير عادية، ممّا أدّى إلى حدوث فيضانات وحالات غمر شديدة، خاصّة في المدن الساحليّة. في هذه الحوادث فقد سبعة أشخاص حياتهم ولحقت بالممتلكات والبنى التحتية أضرار تقدّر بعشرات الملايين من الشواكل.
تبيّن في الرقابة التي تناولت موضوع استعداد السلطات المحلّيّة للفيضانات وحالات الغمر وأدائها خلال شتاء 2020 أنّ السلطات المحلّيّة التي تمّ فحصها لم تكن مستعدّة بشكل كافٍ للفيضانات وحالات الغمر في شتاء العام 2020، ولم تكن مستعدّة بما فيه الكفاية لمثل هذه الأحداث وحتى لأحداث أكثر حدّة متوقّعة في المستقبل القريب، بسبب الزيادة في شدّة هطول الأمطار والتوسّع الكبير في المناطق المبنيّة. لم تتمّ تسوية مسألة استعداد السلطات المحلّيّة لحالات الطوارئ المدنيّة، وقسم من بنى المجاري التحتية قديم ولم تتمّ ملاءمته للسيناريوهات المرجعيّة المحدّثة لكمّيّات الأمطار المتوقّعة وقدرات التدفق والامتصاص المطلوبة. لم تتّخذ بعض السلطات التي شملها الفحص خطوات تحضيريّة كافية لفصل الشتاء؛ ولم تُجر تدريبا لأجهزة الطوارئ فيها لمواجهة الفيضانات وحالات الغمر.
بالتزامن مع فحص نشاطات السلطات المحلّيّة، جرى فحص عمل الوزارات وسلطات تصريف المياه، وعُرضت نتائج الرقابة في فصل الوقاية من أضرار الفيضانات. في العقود الأخيرة، تسارع التمدن في البلاد، ممّا أدّى إلى تقليص المناطق المفتوحة واتّساع المنطقة غير النفّاذة لتغلغل الجريان العلويّ للمياه. يزيد هذا الأمر من مخاطر تفاقم الأضرار الناجمة عن الفيضانات، ويجعل ضرورة الاستعداد على صعيد البنى التحتيّة لعلاج الجريان العلويّ والتعامل مع أحداث الفيضانات الأمر الأكثر أهمّيّة. بيّنت الرقابة أنّه لسنوات كان تنفيذ الأعمال التي قامت بها الدولة للحدّ من أضرار الفيضانات ملقًى على عاتق السلطات المحلّيّة وسلطات تصريف المياه، التي تعمل في أحواض مختلفة في جميع أنحاء البلاد، ولا تعتمد على رؤية شمولية لأحواض التصريف وعلى تحليل قطريّ. كما تبيّن أنّه لا توجد هيئة منظِّمة واحدة تتعامل مع مسألة الجريان العلويّ، إذ تُقسّم معالجة هذا الموضوع بين هيئات حكوميّة وبلديّة ذات مصالح وأولويات مختلفة.