المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بينيت على كرسي رئاسة الحكومة. (أ.ف.ب)
بينيت على كرسي رئاسة الحكومة. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1021
  • برهوم جرايسي

تسعى الحكومة الإسرائيلية الجديدة، مع بدء أسبوع عملها الثالث، إلى تثبيت حكمها على المستوى البرلماني، من خلال سلسلة تعديلات قانونية تلائم وضعية الائتلاف الهش، الذي يرتكز على 61 نائبا من أصل 120 نائبا، ما يخفف العبء البرلماني على كتل الائتلاف، من حيث ضرورة التواجد في الكنيست، لمنع أي خسارة في التصويت؛ وهذا بموازاة سعيها لتمرير تمديد سريان مفعول القانون المؤقت الذي يقضي بحرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل. ومن جهة أخرى، فإن مؤشرات التململ من بنيامين نتنياهو في حزب الليكود تتكاثر، ما يعزز الاستنتاج بأنه في حال صمدت الحكومة الجديدة لأكثر من عام، فإن فرص نتنياهو للعودة إلى رئاسة الحكومة من شأنها أن تتضاءل.

سيكون هذا الأسبوع الامتحان الأصعب للحكومة، وليس أقل من ذلك للمعارضة اليمينية الاستيطانية، الليكود وحلفاؤه. فيوم الرابع من تموز المقبل، ينتهي سريان مفعول القانون المؤقت الذي يحرم العائلات الفلسطينية، التي أحد الوالدين فيها من المناطق المحتلة منذ العام 1967، من لم الشمل، وهو القانون الذي تم فرضه كقانون مؤقت في العام 2003، ويتم تمديده سنويا، في هذه الأيام. ولم تجد أي من الحكومات صعوبة في تمديد هذا القانون، إلا أن حزب الليكود وحلفاءه، أعلنوا رفضهم التماشي مع الحكومة والتصويت تأييدا للقانون، بهدف إسقاط الحكومة، رغم أن الحديث عن قانون توصي به الأجهزة العسكرية والاستخباراتية، إضافة إلى أنه تعبير عن العقلية العنصرية المسيطرة على سدة الحكم الإسرائيلي. وليس واضحا ما إذا كان الليكود وحلفاؤه سيصمدون في هذا الإصرار، الذي في حال تم، سيلقى ردود فعل صاخبة في الشارع الإسرائيلي.

في المقابل، فإن الأنظار تتجه في الائتلاف الحاكم إلى ثلاث كتل: القائمة العربية الموحدة، وكتلة ميرتس التي ليس فقط عارضت القانون بل كانت ضمن من التمسوا للمحكمة العليا ضده قبل سنوات ليست قليلة، وكذا بالنسبة لحزب العمل، الذي زعيمته الجديدة، ميراف ميخائيلي، كانت من أصحاب الصوت العالي ضد القانون. ولذا فإن تمرير هذا القانون سيكون مؤشرا لمدى تماسك الائتلاف منذ بداياته.

الحراك في الليكود ومصير نتنياهو

سجّل رئيس الحكومة السابق رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو، وما زال، سوابق وذروات في السياسة الإسرائيلية، فهو بات الشخصية السياسية الأكثر جلوسا على كرسي رئاسة الحكومة، 15 عاما، بينما رئيس الحكومة الأول دافيد بن غوريون، جلس على الكرسي ذاته 13 عاما. وهو رئيس الحكومة الوحيد الذي حوكم بقضايا فساد خلال توليه منصبه، وهو ثاني زعيم لليكود من حيث المدة الزمنية- 24 عاما- في فترتين، مقابل 35 عاما لمناحيم بيغن.

إلا أن السابقة الأقوى لنتنياهو أنه الزعيم السياسي الإسرائيلي الوحيد، الذي يتمسك بكرسيه رغم فشله مرارا في تشكيل الحكومة، ويسعى لصد أي شخص ينافسه على رئاسة حزبه، أيضا الآن، إلا أن نتنياهو بات يشعر بأجواء مخالفة في حزبه، وحسب التقدير، فإذا ما صمدت الحكومة الجديدة لأكثر من عام، مع بوادر ثبات، فإن "العرش" الذي بناه نتنياهو لنفسه في الليكود سيهتز، وكلما تقدم الوقت، سيصعب عليه البقاء على رأس حزبه.

تميز حزب الليكود، على نحو خاص، بكثرة القلاقل الداخلية، حتى في فترة رئاسة مناحيم بيغن، مؤسس الحزب، في سنوات السبعين والثمانين. ولطالما وصلت النزاعات في الحزب إلى درجة العنف، وكانت دائما تيارات متناحرة في الحزب، وشخصيات عديدة تنافس على رئاسته، ورغم ذلك فإنه منذ العام 1948 وحتى اليوم، تولى رئاسة الحزب 4 شخصيات: بيغن- 35 عاما، إسحق شمير- أقل من 9 سنوات، أريئيل شارون- 5 سنوات، وبنيامين نتنياهو- 24 عاما على فترتين، وهي ما تزال مستمرة.

إلا أنه منذ أن عاد نتنياهو لرئاسة الليكود، في نهاية العام 2005، في أعقاب انشقاق رئيس الحزب أريئيل شارون عنه، في شهر تشرين الثاني من ذلك العام، مؤسسا حزب كديما، فإن المهمة التي وضعها نتنياهو أمامه، أن يبقى لسنوات طويلة، وهذا تطلب منه "إزالة العوائق" التي تمنع استمراره. ولأجل ضمان الهدف الذي وضعه نتنياهو لنفسه، عمل على مدى السنوات على إبعاد كل شخص من شأنه أن يهدد ولو بقليل بقاءه في رئاسة الحكم، ورأينا أسماء عديدة تساقطت بهذا الشكل أو ذاك، حتى من كتلة الليكود البرلمانية، أبرزهم لربما وزير الخارجية الأسبق سيلفان شالوم، وأسماء أخرى ليست ذات وزن، وكان آخرها من تم دفعه إلى خارج الحزب، جدعون ساعر، الذي انشق عن حزبه في خريف العام الماضي 2020، تمهيدا لانتخابات آذار2021، التي كانت يومها تلوح في الأفق، وأقام حزبا أسماه "أمل جديد" وانضم اليه منشقون آخرون من الليكود، وخاض الانتخابات وحصل على 6 مقاعد، أقل بكثير من طموحه ومن توقعات استطلاعات الرأي العام.

لكن العقبة الأساس التي أزاحها نتنياهو من طريقه، لا بل ومن الليكود كليا، هو التيار الأيديولوجي القديم، الذي رغم تطرفه اليميني، في الجانب السياسي، وتمسكه بما يسمى "أرض إسرائيل الكبرى"، إلا أن هذا التيار سعى للجم سياسات نتنياهو في الشأن الداخلي وأيضا في داخل حزب الليكود، مثل أن هذا التيار كان يعترض على قوانين عنصرية متطرفة، يرى أن إسرائيل ليست بحاجة لها، وتسبب الضرر لها على الصعيد العالمي.

بعد أن حقق نتنياهو كل هذا، لم يعد في الحزب شخص ذو وزن يهدد زعامته المطلقة لليكود، وحتى من أعربوا عن طموحهم لتولي رئاسة الليكود ومن ثم الحكم، قالوا إن هذا سيكون بعد نتنياهو.

لكن هذا المشهد، كما يبدو وصل إلى نهاياته، وقد بدأ نتنياهو يلمس هذا، من خلال تصريحات "مقربين" لهذا الشخص أو ذاك، أو تسريبات إعلامية.

نتنياهو أمام واقع جديد في حزبه

حينما نقول إنه إذا ما ثبتت الحكومة الجديد لعام واحد على الأقل، فإن فرص نتنياهو للعودة إلى رئاسة الحكم ستتقلص، فلأن الجلوس على مقاعد المعارضة، لمن اعتاد أن يكون في المناصب الوزارية على مدى 12 عاما متواصلا، عدا ما سبقها، لن يكون مريحا. وأكثر من هذا، فإن الحلقات الحزبية في الليكود، التي يقودها أصحاب المصالح الكبيرة والصغيرة، التي كانت تصول وتجول في أروقة الحكم والوزارات المختلفة، ستجد نفسها منذ الآن، أنها فقدت قوة التأثير وتحقيق المصالح، وستكون معنية بعودة حزبها بأسرع ما يكون إلى رئاسة الحكم، وإذا ما أيقنت أن نتنياهو لن يحقق لها الهدف، فستتخلى عنه، علما أن نتنياهو اعتمد طيلة الوقت على هذه الحلقات ومن يقودها، كقوة ميدانية أساسية داعمة له.

وقد نقلت محللة الشؤون الحزبية سيما كدمون، في تقرير لها في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في نهاية الأسبوع الماضي، عمن أسمته شخصية كبيرة في الليكود، قوله لها إنه رويدا رويدا سيفهم الناس أن نتنياهو لن يعود إلى الحكم، إن كان بسبب جيله (72 عاما)، وتراجع مستوى التقديرات لديه، وأيضا، حسب ما يقوله الشخص ذاته، لأن نتنياهو نقل مصدر القرارات إلى المقر الدائم لرؤساء الحكومة، قاصدا إلى عائلته الصغيرة.

ويصف الشخص ذاته في حديثه للصحيفة كيف أن ممارسات نتنياهو أفشلت عمل ديوان رئاسة الحكومة، وكيف أن نتنياهو حيّد الطاقم الوزاري المقلص للشؤون العسكرية والسياسية (الكابينيت)، عدا عن الحكومة كلها، من تحديد السياسات الاستراتيجية. ويقول هذا الشخص إن ما بات يفصل حزب الليكود عن الحكم هو نتنياهو شخصيا. ورغم ذلك، يقول الشخص ذاته إنه حتى الآن لا يوجد تمرد في الليكود، ولكن في المقابل هناك همس وتذمر في صفوف قيادة الحزب وفي الكتلة البرلمانية، وأيضا تذمر كهذا موجود في أوساط رؤساء بلديات من حزب الليكود، وقيادات ميدانية للحزب.

كما نشرت القناة التلفزيونية الإسرائيلية الرسمية (كان 11) في الأسبوع الماضي، أن وزير الصحة السابق يولي إدلشتاين هاجم في محادثات مغلقة رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو، مؤكداً نيته المنافسة على رئاسة الليكود ضده في الانتخابات الداخلية القادمة. وحسب ما نشر، فإن إدلشتاين قال لمستمعيه إن إعلانه عن المنافسة على رئاسة الليكود ساعده، وقال: "كنت متأكداً من مهاجمتي لكني تفاجأت بأني أينما ذهبت يقولون لي إن الوقت قد حان لتغيير نتنياهو". وحسب ما نشر فإن إدلشتاين يقوم بخطوات من أجل ضمان إجراء انتخابات تمهيدية في الليكود في الأشهر المقبلة. وقال: "لا أريد تأجيل ذلك كثيراً. لا أنوي أن أكون ثانياً في القائمة. أنوي الانتصار" وادعى أنه في حال بدأت الحكومة الحالية تسجّل العقبات فإنه سيكون من الصعب منافسة نتنياهو.

وأضاف إدلشتاين: "لقد قام نتنياهو بكافة الأخطاء الممكنة. لماذا وافق على إعطاء جدعون ساعر ونفتالي بينيت وبيني غانتس والجميع رئاسة الحكومة ولم يوافق على منحها لأي شخص آخر من الليكود؟ لماذا على الليكود خسارة الحكم؟".

وحتى مطلع الأسبوع الجاري، فإن من لا يزال صامتا إلى الآن، أمام وسائل الإعلام، هو الشخص الأقوى في الجهاز التنظيمي في الليكود، وزير المالية السابق يسرائيل كاتس، ولكن تسريبات عدة في وسائل الإعلام قالت إن كاتس كان من أشد المعارضين لنية نتنياهو إجراء انتخابات داخلية سريعة لرئاسة الحزب وهيئاته، في محاولة لمنع منافسيه من تهيئة أنفسهم للمنافسة.

وسارع أحد المرشحين الأقوى في مواجهة نتنياهو، عضو الكنيست نير بركات، إلى إقامة مهرجان دعم له قبل أسبوعين، بمشاركة 4 آلاف شخص، بينهم عدد من أعضاء الكنيست من الليكود، وبكلفة إجمالية للمهرجان تقدر بنحو 700 ألف شيكل، إلا أن هذا المبلغ لا يساوي شيئا، لدى من حقق خلال عام واحد زيادة لأرباحه بنحو 575 مليون دولار. وبات مع شقيقه يملكان ثروة تقدر بـ 900 مليون دولار، بحسب تقرير الأثرياء السنوي الذي تصدره المجلة الشهرية لصحيفة "ذي ماركر"، في شهر حزيران المنتهي. وهو بذلك عضو الكنيست الأغنى من دون منافس. وقد شارك في مهرجان دعم بركات أعضاء الكنيست من الليكود حاييم كاتس، رئيس مركز الليكود، والذي يواجه لائحة اتهام بالفساد، ورئيس كتلة الليكود في الكنيست ميكي زوهر، وآفي ديختر وكاتي شطريت وغادي بركان وكيرن باراك وإيتي عطية وفطين مُلا.

وكما يبدو فإن في الحكومة الجديدة هناك من يعي تفاصيل ما يدور في حزب الليكود، ولهذا فإن الحكومة صادقت في مطلع الأسبوع، ضمن سلسلة من مشاريع قوانين وأنظمة تثبت حكمها، على مشروع قانون يجيز انفصال أربعة أعضاء كنيست عن كتلتهم البرلمانية، وتشكيل كتلة جديدة، حتى لو لم يكن النواب الأربعة يشكلون ثلث كتلتهم البرلمانية، بموجب القانون القائم. وهذا القانون ليس جديدا، بل حاول فرضه بنيامين نتنياهو في العام 2010، في سعي منه لشق كتلة كديما في العام 2010. وكانت كتلة كديما المعارضة يومها هي الأكبر في الكنيست وتضم 28 نائبا، برئاسة تسيبي ليفني، وسعى نتنياهو لإغراء منافسها على رئاسة الحزب، شاؤول موفاز، إلا أن مشروع القانون لم يقرّ في حينه.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات