أوقفت الشرطة الإسرائيلية ثلاثة مستوطنين متهمين بإطلاق النار على الشهيد موسى حسونة من مدينة اللد. هذا التوقيف أثار حفيظة العديد من الجهات اليمينية المتطرفة في إسرائيل التي دعت إلى إطلاق سراحهم. وأحد أبرز هذه الأصوات كان على لسان أمير أوحانا، وزير الأمن الإسرائيلي الداخلي عن حزب الليكود. لم يكتف أوحانا بالدعوة إلى إطلاق سراح الموقوفين بشكل فوري، إنما قال بأن تسليح المستوطنين هو أمر هام كونهم "يحافظون على القانون ويمكن النظر إليهم باعتبارهم إسناداً ضرورياً للقوى الشرطية" في وجه التمرد العربي.سروغيم، أوحانا يطالب بالإفراج عن مطلق النار من اللد: السلاح قوة مضاعفة، أخبار سروغيم، 12 أيار 2021 https://bit.ly/33HkQvl
هذا التصريح الذي يأتي على لسان وزير الأمن الداخلي، والذي يشرف على عمل جهاز الشرطة وحرس الحدود، مثله مثل غيره من التصريحات العنصرية، لا يأتي كرد فعل أرعن على تطور الأحداث داخل إسرائيل، إنما يعبر عن عقيدة، وهو ما تحاول هذه المقالة أن تقوم بتناوله.
من هو أمير أوحانا؟
يمكن تصنيف أوحانا باعتباره محافظاً.
في العام 2016، عرف اليهود (أكثر من 75% من سكان إسرائيل) أنفسهم كالتالي: علمانيون (45%)، متدينون (16%)، حريديم أو متزمتون (14%) بالإضافة إلى محافظين (25%).مكتب الإحصاء الإسرائيلية المركزي، سكان إسرائيل حسب الدين والتعريف الذاتي للديانة: بيانات مختارة من تقرير رقم 10، 195/2018 (القدس: مكتب الإحصاء الإسرائيلية المركزي، 2018) https://bit.ly/3fc7Tz2. بشكل عام، يمكن القول بأن المحافظين يشكلون حوالي ربع الإسرائيليين اليهود، وهم تلك الفئة التي ترى نفسها في ما بين الديني والعلماني، بحيث أنهم يحافظون على التقاليد الدينية اليهودية، بدرجات متفاوتة، لكن ليس كأيديولوجيا تفرض نفسها على الأجندة السياسية (كما هي الحال لدى الصهيونية الدينية)، وإنما من باب الانتماء إلى الشعب اليهودي. ولأن الدين لدى المحافظ هو انتماء إلى جماعة وليس عقيدة وممارسة خارج الحيز الخاص، فإن الحدود بين الدين والحداثة تظل مبهمة وغير مرسومة بدقة. أوحانا مثلا، الذي يعتبر من اليمين الجديد الذي ينمو كالفطر داخل الليكود، هو أحد المثليين الذين يعيشون في تل أبيب ويحافظ على علاقة وطيدة مع العلمانيين كما المتدينين. فهو يعرف نفسه كمتدين وصاحب عقيدة دينية، بيد أن هذه العقيدة لا تفرض نفسها بقوة على ممارساته اليومية. فاليوم، هو يعيش في تل أبيب مع زوجه الذكر، ولديهما توأمان جلباهما عن طريق "استئجار الرحم"، بحيث أن أوحانا يعتبر الوالد البيولوجي لواحد، بينما زوج أوحانا هو الوالد البيولوجي للطفل الثاني!
ويرى المحللون وعلماء الاجتماع الإسرائيليون بأن المحافظين هم المستقبل الحقيقي للشعب الإسرائيلي، خصوصا في ظل وصول التصدع ما بين العلماني والديني إلى مرحلة لا يمكن جسرها. هنا، المحافظ يقدم نفسه كمشروع جديد لما سوف يكون عليه المجتمع الصهيوني في المستقبل القريب بحيث يتجاوز التناقضات الأيديولوجية والسياساتية المتعلقة بكلا الطرفين، ويصهرها في بوتقة واحد ليخرج المحافظ الجديد.
لكن الأمر ليس بتلك السهولة. فالمحافظون الذي يعتقدون بأنهم المنطقة الرمادية التي تجمع حسنات كل من الديني والعلماني في إنسان واحد، هم أيضا منقسمون وبشدة بناء على التوجه السياسي. أوحانا، مثلا، هو مزيج ما بين الليكودي المتطرف والصهيوني الديني. وبشكل مجازي، وإذا رغبنا بالالتفات إلى الجانب السياسي والموقف من القضية الفلسطينية، يمكن الادعاء بأنه كالصهيوني الديني لكن صاحب هوية جنسية مثلية غير ملتزم بالممارسة الدينية. فهو يعرف نفسه بأنه "يهودي، إسرائيلي، شرقي، مثلي، ليكودي، ناشط أمني، ليبرالي ورجل اقتصاد حر". كناشط أمني، يحاول أوحانا أن يسن قانونا يسمح بحمل السلاح لكل الإسرائيليين، وتحويل دولة إسرائيل إلى نموذج شبيه بالولايات المتحدة. لكن إباحة حمل السلاح واستخدامه مقتصرة، لدى أوحانا، على الإسرائيلي اليهودي وليس العربي بالتأكيد.
يدفع أوحانا بكل قوته نحو استمرار الاستيطان داخل أراضي الضفة الغربية. وينشط بهدف الاعتراف بالبؤر الاستيطانية غير المعترف بها بعد. ولأن أوحانا هو وزير الأمن الداخلي، فقد قام بتعيين أفراد متطرفين في الأجهزة الأمنية التي يشرف عليها. فمثلا، بتاريخ 15 كانون الأول 2020، قام بتعيين مفتش جديد للشرطة الإسرائيلية، هو يعقوب شبتاي، الذي كان من مؤسسي وحدة المستعربين في غزة في بداية التسعينيات. ويمكن القول بأن أوحانا وشبتاي مسؤولان عن العديد من السياسات (إقرارا وتنفيذا) والتي أدت إلى تأجيج المواجهات بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية خلال شهر رمضان، والتي ساهمت لاحقا في اندلاع مواجهات في كل أنحاء إسرائيل. صحيح أن شبتاي يتهم الصهيونية الدينية (خصوصا حزب "قوة يهودية" برئاسة الكهانيّ إيتمار بن غفير) بجرّ المستوطنين إلى "انتفاضة" وأعمال استفزت "المشاعر" الفلسطينية، على حد تعبيره، إلا أنه هو نفسه، إلى جانب صديقه أوحانا، يتحملان المسؤولية الأكبر عن طريقة تعامل أجهزة الأمن مع الهبّة الفلسطينية.