المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة أرشيفية تجمع ساعر وبينيت.
صورة أرشيفية تجمع ساعر وبينيت.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1111
  • برهوم جرايسي

10 أيام فاصلة عن تقديم القوائم الانتخابية، يومي 3 و4 شباط المقبل، وما يزال الضباب يفرض ستارا شديد الكثافة على مصير التحالفات، فكثرة الأحزاب والتشكيلات الإسرائيلية التي تم الإعلان عنها حتى الآن، تتقلب في استطلاعات الرأي، صعودا يتلوه هبوط بعد هبوط. ومن وجدوا أنفسهم ذات يوم قريب، في مقدمة التوقعات، بات منهم من يتخبط ويصارع نسبة الحسم، وحتى الابتعاد عنها كثيرا. وإذا كانت هذه هي حال ما يسمى "الوسط- يسار"، فإنها باتت تطال أيضا أحزاب اليمين الاستيطاني المتشدد، ليبرز الليكود مجددا على رأس الاستطلاعات بفارق ضعفي مقاعد القائمة التالية من بعده، ولكنه ما يزال بعيدا عن دائرة الأمان، من حيث الاستمرار على رأس الحكم.

وكثُرت في الأيام الأخيرة استطلاعات الرأي التي تضع الحزب الذي أقامه رئيس بلدية تل أبيب رون خولدائي (الإسرائيليون) في خانة المهدّدين بعدم اجتياز نسبة الحسم؛ والحال ذاتها تسري منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه النائب عوفر شيلح الانشقاق عن حزب "يوجد مستقبل"، إذ أنه لا يصل حتى لنسبة 1%، بينما نسبة الحسم هي 3.25%.

أما في أحزاب اليمين الاستيطاني المتطرف، فإن الانشقاق الذي يبدو أنه بات واقعا، لم ينعكس بعد على قوة تحالف "يمينا"، الذي كان حتى قبل أقل من شهرين، يهدد بحصوله على 20 مقعدا؛ بينما اليوم تمنحه الاستطلاعات ما بين 11 إلى 12 مقعدا على الأكثر، وهذا ليس نهاية المطاف، فقد نرى هذا التحالف الذي تخوّف منه بنيامين نتنياهو يهبط إلى ما دون 10 مقاعد، إذ حلّ محله الحزب الذي أقامه النائب المنشق عن حزب الليكود جدعون ساعر.

ساعر يتوغل في اليمين الاستيطاني

في الأيام الأخيرة، بدا واضحا أن جدعون ساعر سيتركز في منافسة حزب الليكود ورئيسه نتنياهو، على كسب كبير في معسكر اليمين الاستيطاني المتشدد، العصب القوي الذي يرتكز عليه الليكود بشكل قوي في السنوات العشر الأخيرة. بموازاة ارتكاز ساعر على اليمين المتشدد العلماني، الذي مال في الأشهر الأخيرة، مؤقتا، لتحالف "يمينا"، على الرغم من أن الأخير يسيطر عليه التيار الديني الصهيوني.

وحتى الآن، فإن ثلاث شخصيات بارزة في اليمين الاستيطاني أعلنت دعمها لجدعون ساعر، أبرزها الوزير والنائب الأسبق بنيامين بيغن، نجل رئيس الحكومة الأسبق مناحيم بيغن، الذي يحظى بهالة خاصة في أوساط اليمين المتشدد، وهو من الشخصيات التي اعترضت كثيرا على نهج بنيامين نتنياهو، في قضايا الفساد وأيضا في سياسات أخرى، مثل التطرف في العنصرية تجاه الفلسطينيين في إسرائيل، رغم أن بيغن هو من أنصار ما تسمى "أرض إسرائيل الكاملة". وظهر بيغن في شريط مصوّر إلى جانب ساعر، يعلن دعمه له، ولكن ليس واضحا إذا ما سيكون بيغن (78 عاما) مرشحا في قائمة ساعر، التي باتت تحصل في استطلاعات الرأي على ما بين 15 إلى 16 مقعدا.

كذلك سبق بيغن في الانضمام إلى قائمة ساعر، 4 نواب من حزب الليكود، ثلاث نائبات من الصفوف الخلفية، والوزير المستقيل زئيف إلكين، الذين لديه نفوذ في أوساط المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وهو مستوطن وانتقل في السنوات القليلة الأخيرة إلى القدس.

ويضاف لهم الرئيس الأسبق لمجلس المستوطنات داني دايّان، الذي كان مقربا من شخص بنيامين نتنياهو، وعيّنه في العام 2016 سفيرا لدى البرازيل، إلا أن البرازيل رفضت استقباله، لكونه مستوطنا، مسؤولا في جهاز الاستيطان، فتم تعيينه قنصلا متنقلا في الولايات المتحدة الأميركية، وغادر المنصب في العام الماضي. ودايّان هو أيضا من الوجوه البارزة بين المستوطنين، ومن شأنه أن يعزز الطابع اليميني الاستيطاني لقائمة جدعون ساعر.

وفي الأسبوع الماضي، أعلن رئيس مجلس المستوطنات، الذي يشغل أيضا رئيس مجلس مستوطنات غور الأردن، دافيد الحيّاني، مغادرته صفوف حزبه الليكود، والانتقال إلى حزب ساعر.

وكما يبدو فإن هذا المشهد في بداياته، وقد نشهد شخصيات أخرى تعلن دعمها لجدعون ساعر، إما حتى يوم تقديم القوائم للجنة الانتخابات المركزية في الأسبوع المقبل، 3 و4 شباط المقبل، أو أنها ستعلن دعمها في سياق الحملة الانتخابية.

وأمام هذا المشهد، فإن نتنياهو الذي يسعى دائما لعدم وجود كتل برلمانية كبيرة أمامه، قد يبرز مجددا أجندته اليمينية الاستيطانية المتطرفة. ولكنه في هذا الملف خيّب اضطرارا توقعات المستوطنين، وقطاع اليمين الاستيطاني، بعدم تطبيق مخطط ضم المستوطنات ومناطق شاسعة في الضفة المحتلة، ولم يستغل فترة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رغم أن الأخير ومستشاريه هم من أوقفوا تطبيق الضم، لصالح إبرام اتفاقيات تطبيع مع دول عربية، أهمها لإسرائيل دولة الإمارات. وهي اتفاقيات لم تمنح قفزة لليكود ورئيسه في استطلاعات الرأي، التي تمنحه بمعدل 30 مقعدا، أقل بـ 6 مقاعد عن انتخابات آذار العام الماضي.

استمرار تفكك "يمينا"

في المقابل، وكما ذكر، فإن تحالف "يمينا" اليميني الاستيطاني، بزعامة نفتالي بينيت، تراجع في استطلاعات الرأي من 20- 21 مقعدا، إلى 11- 12 مقعدا حاليا، وهذا تراجع وقع بعد انشقاق جدعون ساعر والإعلان عن حزبه الجديد. ولكن في الأيام المقبلة، وبعد أن يتأكد الانشقاق في "يمينا"، فإن هذا التحالف قد يتراجع أكثر.

وتؤكد سلسلة من التقارير الصحافية أن نتنياهو كثّف مساعيه لتفكيك تحالف "يمينا"، من خلال التقريب بين حزب "التكتل الوطني" الذي يترأسه النائب المستوطن المتطرف بتسلئيل سموتريتش، وحركة "قوة يهودية" (عوتسما يهوديت) بزعامة ايتمار بن غفير، وهي الحركة المنبثقة عن عصابة "كاخ" الإرهابية المحظورة في الكثير من دول العالم، وفي إسرائيل شكليا.

وهدف نتنياهو هو إعادة تشكيل التحالف الثلاثي الذي كان في انتخابات نيسان 2019، وبضم هذين الحزبين، مع حزب "البيت اليهودي" (المفدال سابقا)، وحصل في تلك الانتخابات على 5 مقاعد، وهو تحالف يسيطر عليه كليا التيار الديني الصهيوني المتطرف، والمتشدد دينيا.

وفي الأسبوع الماضي، انتخب المجلس المركزي لحزب "البيت اليهودي" حاجيت موشيه لرئاسة الحزب، وهي المرّة الأولى التي يتم فيها انتخاب امرأة لحزب فاعل في التيار الديني الصهيوني، وهو أقدم أحزاب هذا التيار، وحاضر منذ الكنيست الأول، ووصل تمثيله في سنين غابرة إلى 15 مقعدا، بينما هو اليوم أبعد من أن يصل إلى حافة نسبة الحسم في الانتخابات البرلمانية.

وحاجيت موشيه تشغل حاليا منصب نائب رئيس بلدية القدس، وتقول تقارير صحافية إن بنيامين نتنياهو قام بتفعيل الكثير من الأذرع التي يسيطر عليها، ليضمن لها أغلبية من بين أعضاء المجلس المركزي البالغ عددهم 829 عضوا، كون أن منافسها هو مدير عام الحزب نير أورباخ، الذي يعتقد نتنياهو أنه مقرّب من نفتالي بينيت.

في المقابل، فإن بينيت لا يقف مكتوف اليدين، وهو يبحث عن أوساط أخرى داعمة له. وفي الأسبوع الماضي، أعلن أفير كارا، من مؤسسي حركة احتجاج ميدانية لدعم أصحاب المهن الحرّة الذين تضرروا من الأزمة الاقتصادية ولم يحصلوا على دعم اقتصادي كاف، دعمه لنفتالي بينيت، سوية مع عدد من زملائه في حركة الاحتجاج، التي تشارك في المظاهرات الجارية أسبوعيا منذ سبعة أشهر، قبالة المقر الرسمي لرئيس الحكومة. ولكن هناك شك في أن ينجح بينيت في الحصول على دعم واسع في حركة الاحتجاج، التي تتلاقى فيها أطر عدة ذات توجهات مختلف عديدة، فكريا وسياسيا.

قطاع "الوسط- يسار" مهدّد بخسائر كبيرة

مقابل مشهد اليمين الاستيطاني، فإن الأزمة تتعمق في ما يسمى "قطاع الوسط- يسار". فحتى الآن حزبان ضمنا تمثيلهما البرلماني، حزب "يوجد مستقبل"، الذي تتوقع له استطلاعات الرأي ما بين 13 إلى 14 مقعدا، وحزب ميرتس اليساري الصهيوني، الذي تتوقع له الاستطلاعات ما بين 5 إلى 6 مقاعد.

أما حزب "أزرق أبيض" الذي يتزعمه بيني غانتس، فإنه يتأرجح ما بين عدم تجاوز نسبة الحسم، أو حصوله على ما بين 4 إلى 5 مقاعد. والحال ذاتها للحزب المتبلور حديثا، بقيادة رئيس بلدية تل أبيب رون خولدائي، الذي كما يبدو موجود في مفاوضات متقدمة مع زعيم "يوجد مستقبل" للتحالف في ما بينهما، وقد يكون هذا التحالف أوسع، في حال تم.

ويحاول حزب العمل عرض نفسه من جديد على الساحة السياسية، على الرغم من أن أعلى نسبة أصوات يحصل عليها في استطلاعات الرأي تقل عن 2%. ففي الأيام الأخيرة رفض الرئيس الأسبق للحزب، إيهود باراك، توجهات لينافس على رئاسة الحزب، التي جرت في مطلع الأسبوع الجاري، بعد انسحاب الرئيس الحالي عمير بيرتس من منصبه. كما أن وزير الرفاه الحالي إيتسيك شمولي أعلن انتقاله إلى حزب "أزرق أبيض"، ما جعل فوز النائبة ميراف ميخائيلي برئاسة الحزب أمرا مضمونا، وهي التي عارضت شراكة الحزب في حكومة بنيامين نتنياهو الحالية. وتنافس على رئاسة حزب العمل 7 مرشحين من بينهم ميخائيلي، والأسماء المرشحة من الصفوف الخلفية في الحزب، الذي ما يزال مسجلاً في عضويته 37 ألف شخص.

حزب العمل وبقوته الضئيلة من شأنه أن يكون داعما لأحد الأحزاب المتأرجحة في استطلاعات الرأي. والاحتمال الأقوى أن تكون الشراكة إما مع حزب "يوجد مستقبل" أو مع ميرتس.

أما النائب عوفر شيلح، السابق ذكره، فهو في ورطة بشأن التحالفات، كونه انشق عن حزب "يوجد مستقبل"، وليست له خيارات كثيرة تبقيه في الساحة السياسية.

المشهد الحاصل في قطاع ما يسمى "الوسط- يسار"، هو حالة تفتت، رغم ضعفه أصلا في الشارع الإسرائيلي، وفي حال عدم إقامة تحالفات، تجمع كل هذه الأحزاب وتضمن تمثيلها، فإن هذا القطاع مهدد بخسارة عشرات آلاف الأصوات.

استئناف محاولات رأب صدع القائمة المشتركة

في الأيام القليلة الأخيرة تجري محاولات لإعادة التئام القائمة المشتركة، التي تضم 4 أحزاب فاعلة في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، بتوجه الأحزاب لرئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، محمد بركة، لجمعها من جديد، والتفاوض بشأن الخلاف الدائر، وفي مركزه موقف القائمة العربية الموحدة، التي تمثل الجناح البرلماني للحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي)، بعدم رفض احتمال مقايضة في العمل البرلماني مع حزب الليكود ورئيسه بنيامين نتنياهو، بشأن حقوق الجماهير العربية، وهو ما ترفضه الأحزاب الثلاثة الأخرى.

وسيتضح مصير القائمة المشتركة في غضون أيام، وقبل الموعد الأخير لتقديم قوائم الترشيحات للجنة الانتخابات المركزية، إذ أن الموقف ما زال ضبابيا، من حيث مستقبل الشراكة، وأيضا في حال لم تنجح المحاولة، وبأي شكل سيخوض العرب الانتخابات، في الوقت الذي يتهددهم احتمال تراجع نسبة التصويت بسبب جائحة كورونا، بموازاة هجوم غير مسبوق للأحزاب الصهيونية في العقود الثلاثة الأخيرة. وبرغم الأزمة الحاصلة في القائمة المشتركة، فإن استطلاعات الرأي ما تزال تمنحها معدل 11 مقعدا، مقابل 15 مقعدا لها اليوم، إلا أنه يمكن القول إن المقاعد الـ 11 تدل على نواة صلبة للقائمة، من شأنها أن تتوسع أكثر في حال استمرت تركيبة القائمة المشتركة الحالية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات