المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1178
  • سليم سلامة

نتنياهو في قلب الصدام، قبله وبعده!

*هل يستخدم نتنياهو "القائم بأعمال النائب العام" (المؤقت دان إلداد) للثأر من المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، وتصفية الحساب معه على خلفية تقديم لائحة الاتهام الجنائية الخطيرة بحقه؟!*

سجّل الخلاف بين المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، والقائم بأعمال النائب العام للدولة، دان إلداد، في نهاية الأسبوع الأخير، ذروة أخرى، لكنها غير مسبوقة هذه المرة من حيث حدتها، علنيتها ومضمون الاتهامات المتبادلة خلالها، لكن الأهمّ ـ من حيث ما يمكن أن تكون خلفيتها الحقيقية والأيدي "الخفية" التي تحرك هذا الخلاف، تغذيه وتؤججه، ثم الغايات المراد تحقيقها من ورائه ومن حيث انعكاسات هذا الخلاف وإسقاطاته في نهاية الأمر على مجمل الجهاز القضائي في دولة إسرائيل بأذرعه ومؤسساته المختلفة، أو ما يسمى "أجهزة ومؤسسات تطبيق القانون"، سواء منها المحاكم، وفي مقدمتها المحكمة العليا، أو النيابة العامة للدولة ومؤسسة المستشار القانوني للحكومة.

تفجرت الجولة الأخيرة هذه بين مندلبليت وإلداد بإعلان الأول، يوم الخميس الأخير، أن ثمة مانعاً قانونياً يحول دون تمديد فترة إشغال إلداد منصب القائم بأعمال الناب العام للدولة بصورة مؤقتة (الفترة الأصلية تنتهي بعد أسبوع)، وذلك في رسالة رسمية وجهها مندلبليت إلى "مفوض خدمات الدولة" ضمّنها نقداً لاذعاً شديداً لإلداد وأدائه معتبراً، بصورة جازمة، بأنه (إلداد) "غير مناسب لهذا المنصب"! علماً بأن مندلبليت كان قد عارض تعيين إلداد منذ البداية، بالحجج نفسها (عدم ملاءمته) لكن وزير العدل، أمير أوحانا، لم يأبه بهذا الموقف وهذه المعارضة وأقر تعيين إلداد لهذا المنصب لفترة مؤقتة (تنتهي في مطلع أيار القريب).

في رسالته المذكورة، يستند مندلبليت في رفضه التمديد لإلداد على رأي نائبته، دينا زيلبر، التي تقول إنه بما أن حكومة جديدة ستقام في أول أيار القادم، بالتزامن مع انتهاء فترة إلداد المؤقتة بالضبط، فليست ثمة حاجة أو مبرر للتمديد وإنه "حتى لو لم يتم تعيين نائب عام جديد، فلن يكون هنالك أي فراغ، لأن الجزء الأكبر من صلاحيات النائب العام للدولة مشتق من صلاحيات المستشار القانوني للحكومة" وإنه (مندلبليت) قد ملأ هذا الفراغ شخصياً خلال الفترة منذ إنهاء النائب العام السابق (شاي نيتسان) مهام منصبه وحتى تعيين إلداد لفترة مؤقتة.

من جهته، اتهم إلداد مندلبليت بأنه يسعى إلى عزله وإقصائه عن منصبه على خلفية الفحص الذي يجريه في "قضية من الماضي" تتعلق بمندلبليت نفسه، فيما هو يقصد "قضية هرباز" (اقرأ عن هذه القضية وخلفية الصدام الجديد والاتهامات المتبادلة على هذه الصفحة).

الاتفاقية الائتلافية الجديدة ويد نتنياهو

من جهتها، قالت مصادر في النيابة العامة للدولة ـ حسبما أفادت تقارير صحافية ـ إنه "كان من الواضح تماماً أن مندلبليت ينتظر بفارغ الصبر انتهاء فترة التعيين المؤقت لإلداد في هذا المنصب وإنه سيعارض، بكل ما أوتي من قوة وتأثير، تمديد فترة ولايته حتى انتخاب/ تعيين نائب عام جديد ودائم". وأضافت هذه المصادر: "لكنّ الاتفاق الائتلافية الجديدة بين بنيامين نتنياهو (الليكود) وبنيامين غانتس (أزرق أبيض) من شأنها أن تثبّت تعيين إلداد في هذا المنصب، لستة أشهر أخرى على أقل تقدير، وهذا ما دفع مندلبليت إلى التحرك الفعلي الآن بالذات وبقوة لمنع إبقاء إلداد في كرسي النائب العام للدولة".

فالاتفاقية الائتلافية الجديدة هذه تشمل بنداً ينص على تمديد جميع التعيينات المؤقتة في الوظائف والمناصب العليا في خدمات الدولة، والتي تحتاج إلى مصادقة الحكومة عليها، لمدة ستة أشهر إضافية أخرى، بصورة أوتوماتيكية. وقد أطلقت مصادر في وزارة العدل على هذا البند اسم "بند دان إلداد"! رغم أن ثمة في القطاع العام عموماً، وفي سلك خدمات الدولة تحديداً، وظائف ومناصب عديدة يشغلها أشخاص تم تعيينهم لفترات مؤقتة خلال عمر "الحكومة الانتقالية" برئاسة نتنياهو في الفترة التي جرت فيها ثلاثة انتخابات تشريعية عامة متتالية دون النجاح في تشكيل حكومة جديدة ثابتة. وجدير بالإشارة هنا أن الموظفين، حتى الكبار منهم، الذين يشغلون مناصبهم بتعيينات مؤقتة هم، في الغالبية الساحقة، أقل استقلالية وأكثر ميلاً لإرضاء واسترضاء السياسيين، المسؤولين المباشرين عنهم وعن تعيينهم.

في جانب آخر، ذهبت مصادر سياسية وقضائية مختلفة إلى القول إن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، شخصياً، يقف وراء هذه المعركة المتجددة الآن وبصورة غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل بين مندلبليت وإلداد وهو الذي يذكيها من وراء الكواليس، لأن (كما يعتقد كثيرون) "هذه المعركة بين مندلبليت وإلداد تندرج في إطار حرب أكبر وأوسع بكثير"، موضحين أن "الحرب الأكبر والأوسع بكثير" التي يقصدونها هي "حرب نتنياهو ومحاولاته المتكررة في الأشهر الأخيرة لتشويه سمعة مندلبليت وصورته والطعن بمصداقيته واستقامته، على خلفية تقديمه لائحة الاتهام الجنائية الخطيرة ضد نتنياهو".

غير أن الأمور قد تزداد تعقيداً بصورة غير متوقعة وغير محسوبة في حال إصدار المحكمة العليا، في إطار البتّ في التماسات قدمت إليها وأخرى ستقدم تطالبها بإصدار قرار قضائي مبدئي يمنع شخصاً (عضو كنيست) من تشكيل حكومة وتولي رئاستها إذا ما كانت قد قُدمت لائحة اتهام جنائية بحقه، كما هي حال نتنياهو اليوم. وهذا، ناهيك عن قرار آخر قد تصدره المحكمة أيضاً بشأن بعض البنود الإشكالية جداً، من ناحية قانونية وإدارية، في الاتفاقية الائتلافية الجديدة التي جرى التوقيع عليها بين الليكود (نتنياهو) و"أزرق أبيض" (غانتس)، وفي مقدمتها على سبيل المثال لا الحصر البند المذكور أعلاه بشأن التمديد الفوري الأوتوماتيكي لجميع أصحاب المناصب العليا في خدمات الدولة الذين يشغلونها بتعيينات مؤقتة. ومن شأن قرارات كهذه (كما يطالب بها الملتمسون) تصدر عن المحكمة العليا الآن، سواء في الالتماسات جميعها في جميع القضايا أو في بعضها فقط، أن تحول دون قدرة نتنياهو (المتهم جنائياً) على مجرد الضلوع في عملية التعيينات الجديدة، وخصوصا لمنصب النائب العام للدولة خلال الفترة القريبة جداً.

سيكون معنى هذا، ومع تشكيل حكومة جديدة، تسجيل مندلبليت انتصاراً كبيراً على نتنياهو في حال نجح في تحقيق إرادته الآن بمنع التمديد لإلداد. فهو، من الجهة الأولى، سيخرج نفسه من دائرة الاتهام والتشكيك فيضع حداً نهائياً لمحاولات إعادة فتح "ملف هرباز" من جديد، بكل ما يمكن أن يكون فيه من "مواد متفجرة محتملة"؛ وفي الجهة الثانية، سيضع حداً نهائياً لإمكانية اقتصاص نتنياهو منه على خلفية لائحة الاتهام التي قدمها ضده.

أما في حال قررت المحكمة العليا رد الالتماسات المقدمة إليها، كما ذكرنا، بعدم التدخل في الاتفاقية الائتلافية الجديدة وفي إمكانية تشكيل عضو الكنيست قدمت ضد لائحة اتهام جنائية حكومة وتولي رئاستها، فسيكون نتنياهو هو المنتصر الكبير في هذه المعركة وسيبقى إلداد في منصبه، ما يعني وضع مندلبليت في موضع حرج جداً، ليس أقله الطعن في شخصه والتشكيك في مصداقيته واستقامته، بما سيصعب عليه تأدية مهام منصبه بصورة واضحة، حتى تحت وزير العدل الجديد (آفي نيسانكورن من "أزرق أبيض")، إذ سيكون بين مطرقة رئيس الحكومة من جهة وبين سندان "القائم بأعمال النائب العام للدولة" من جهة أخرى، في ضوء كل ما مر وتقدم في مساريّ العلاقتين معهما.

لكن الأخطر في كل هذا التطور قد يكون، حسبما يعبر عدد من المراقبين والمحللين القانونيين في إسرائيل، أن نتنياهو ـ إذا ما تحقق له هذا السيناريو الورديّ جداً ـ لن يكتفي بهزم مندلبليت، محاصرته والتضييق عليه ووضع جملة من علامات التشكيك حول شخصيته ومصداقيته، سواء بصورة مباشرة أو من خلال إلداد وآخرين، وهو ما يعني ـ في المحصلة النهائية ـ توجيه ضربة قاسية جدا لمنصب المستشار القانوني للحكومة كإحدى الأذرع الأساسية والأكثر أهمية في "الجهاز القضائي" في إسرائيل، بل قد يتعداه إلى ما هو أبعد من ذلك أيضاً ـ طريقة انتخاب المستشار القانوني للحكومة والنائب العام للدولة.

تحقيق جنائي آخر مع نتنياهو، قريباً؟

في موازاة هذه التطورات العاصفة وبالتزامن معها، كشف المعلق في القناة التلفزيونية الأولى في إسرائيل (كان 11)، مردخاي غيلات، نهاية الأسبوع الأخير، عن احتمال الشروع في إجراء تحقيق جنائي آخر، جديد، مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وذلك في ما أطلق عليه اسم "قضية الأسهم المالية".

وقال غيلات إنه علم من "مصادر عليمة" في النيابة العامة للدولة أن هنالك "استعدادات داخلية" لديها لاحتمال الشروع في إجراء تحقيق جنائي في هذه القضية، بعد فترة طويلة من الوقت شهدت مماطلات ممتدة ومتكررة، وذلك إزاء الخشية من أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن لبضعة أسابيع أخرى، "فلن يكون بالإمكان الشروع في إجراء هذا التحقيق، مطلقاً"، وهو ما دفع النيابة العامة إلى تشكيل طاقم خاص لمعالجة هذه القضية ومتابعتها.

"قضية الأسهم المالية" هذه هي التي تدور فيها شبهات خطيرة بشأن العلاقات المالية الواسعة بين نتنياهو وقريبه العائلي، رجل الأعمال الأميركي نتان ميليكوفسكي وما يتخلل هذه العلاقة من مواد "حساسة جداً" كان مراقب الدولة السابق، يوسف شابيرا، قد حوّلها إلى المستشار القانوني للحكومة، مندلبليت، على خلفية البحث الذي جرى في العام 2019 في "لجنة التصاريح" التابعة لمكتب مراقب الدولة حول طلب نتنياهو التصريح له بتمويل مصروفاته القضائية من تبرعات يقدمها له مقربون وأقارب، وهو الطلب الذي فتح الباب أمام فحص جميع المواد المتعلقة بطلبات سابقة مماثلة تقدم بها نتنياهو منذ العام 2009.
من خلال فحص تلك المواد، التي توفرت لدى مكتب مراقب الدولة حتى ذلك الوقت، أثير السؤال عما إذا كان رئيس الحكومة قد خرق القواعد والأنظمة التي تحظر على وزراء في الحكومة حيازة "ملف استثمارات" في سوق السندات المالية (البورصة). وقد ادعى نتنياهو في حينه أنه كان يمتلك تصريحاً خاصاً لتجاوز القواعد والأنظمة في هذا المجال، وخاصة منها تلك التي تُلزم بنقل ملف الاستثمارات إلى جهة ائتمانية، بصورة فورية. لكن مراقب الدولة حوّل تلك الوثائق والمستندات جميعها إلى المستشار القانوني للحكومة لفحصها، وخصوصا ما إذا كان نتنياهو يمتلك تصريحاً ساري المفعول آنذاك ولدى بيعه الأسهم المالية في العام 2010، ثم البتّ بشأنها (باعتباره الوحيد المخول هذه الصلاحية قانونياً).

مندلبليت لا يزال في عين عاصفة "فضيحة هَرْباز"!

الذروة الأخيرة التي بلغها المسؤولان الرفيعان، المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، والقائم بأعمال النائب العام للدولة، دان إلداد، في خلافهما، صدامهما، العلني هذا تجسدت في تبادل اتهامات خطيرة وغير مسبوقة في هذا المستوى القضائي الرفيع، في هذين المنصبين اللذين غلبت عليهما، منذ قيام الدولة حتى اليوم، علاقات الانسجام والتنسيق التامين تماماً، بل "وحدة الحال" يمكن القول، في إطار العلاقات الوظيفية التي يحددها القانون الإسرائيلي.

مندلبليت اتهم إلداد بأنه "تصرف من وراء ظهره، تمرد عليه ولم ينصع له وأخفى عنه معلومات في قضايا مهنية عالجها ولقاءات عقدها مع وزير العدل، أمير أوحانا"، وذلك "رغم تعليماتي له بأن يطلعني بشكل كامل على هذه الأمور، بالنظر إلى أهمية استقلالية الادعاء العام وإشكالية العلاقة بين القائم بأعمال النائب العام للدولة والجهة السياسية التي تمتلك صلاحية التمديد له" (أي: وزير العدل).

في المقابل، اتهم إلداد مندلبليت بأنه "سعى، بصورة فعلية، لعزله وإقصائه عن منصبه نظراً لأنه (إلداد) قرر بحث وفحص مواد تتعلق بمندلبليت في قضية من الماضي، ترتسم منها صورة مثيرة للقلق"! وذلك في أعقاب توجه صحافي إليه (إلداد) بهذا الشأن. وعن القضية التي تتعلق بمندلبليت وشرع في فحصها، أوضح إلداد: "قبل العيد (الفصح العبري) وصلت إلى مكتبي رسالة من صحافي تتعلق بقضية تخص أفيحاي مندلبليت. وكي أستطيع الرد على الرسالة، شرعت في فحص المواد المتوفرة في مكتب النائب العام للدولة حول هذه القضية من الماضي. من هذه المواد بدأت ترتسم صورة مثيرة للقلق. خلال الأيام الأخيرة، أطلعتُ الجهات المعنية على الأمور وعلى رغبتي في تعميق الفحص والتحقيق في الموضوع، قبل الرد على رسالة الصحافي"!

بهذه "القضية من الماضي"، كان إلداد يقصد إغلاق ملف التحقيق ضد مندلبدليت نفسه في القضية المعروفة في إسرائيل باسم "قضية هَرْباز" ـ وهي القضية التي تم الكشف عنها في العام 2010 تحت اسم "وثيقة غالانت" في البداية، ثم "وثيقة هرباز" ـ الوثيقة السرية التي تضمنت توجيهات لتلميع صورة وشخصية أحد المرشحين لمنصب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، يوآف غالانت (كان قائداً للمنطقة العسكرية الجنوبية آنذاك ويشغل اليوم منصب وزير "الهجرة والاستيعاب" في الحكومة الإسرائيلية الحالية)، لتعيينه في هذا المنصب خلفاً لرئيس الأركان آنذاك، غابي أشكنازي، الذي كان على خلاف حاد وعميق مع وزير الدفاع آنذاك، إيهود باراك، الذي كان يرفض تمديد ولايته. تبين لاحقاً أن الوثيقة مزيفة وأن الذي قام بتزويرها هو بوعاز هرباز، ضابط متقاعد من الجيش الإسرائيلي، وقد تضمنت أيضاً تشويها واسعاً لصورة أشكنازي وشخصيته. وقد وصلت الوثيقة المزورة إلى يدي أشكنازي الذي أطلع عليها مندلبدليت، رئيس النيابة العسكرية آنذاك، واستغلها ضد باراك وغالانت بدعوى أنهما هما اللذان يقفان خلفها، رغم علمه الأكيد بأنها مزورة. وقد تطورت هذه القضية إلى ملف جنائي كان مندلبليت أحد المشتبهين المركزيين فيها، إلا أن المستشار القانوني للحكومة آنذاك، يهودا فاينشطاين، قرر في نهاية المطاف إغلاق ملف التحقيق ضده، دون الافصاح عن أسباب هذا القرار ومسوغاته القانونية.

خلال الأشهر الأخيرة، عادت مسألة إغلاق ملف التحقيق ضد مندلبليت لتحتل العناوين مرة أخرى، وذلك في أعقاب كشف صحافي في نهاية كانون الأول الماضي عن أن شلومو لامبرغر، أحد المسؤولين الكبار في النيابة العامة (النائب العام في لواء تل أبيب وأحد المرشحين السابقين لإشغال منصب الناب العام للدولة) رأى، خلال المداولات التي جرت لدى المستشار القانوني للحكومة (السابق فاينشطاين) في العام 2015، أن قرار إغلاق ملف التحقيق ضد مندلبليت يجب أن يستند إلى حجة "انعدام الأدلة"، وهو ما كان يعني، من الناحية القانونية، سدّ الطريق نهائياً أمام إمكانية تعيين مندلبليت مستشاراً قانونياً جديداً للحكومة، كما كان يريد رئيس الحكومة، نتنياهو. غير أن لامبرغر عاد، حسب الكشف الصحافي إياه، وغيّر موقفه ليدعم، بصورة مفاجئة، إغلاق ملف التحقيق ضد مندلبليت بحجة "انعدام التهمة"، وهو ما دفع في نهاية المطاف إلى اتخاذ القرار النهائي بإغلاق الملف دون تحديد سبب/ مسوّغ الإغلاق القانوني، ثم فتح الطريق تالياً أمام المحكمة العليا لتبرئة مندلبليت تماماً ونهائياً برفضها جميع الالتماسات التي قُدمت ضد النية لتعيينه مستشاراً قانونياً للحكومة، فأزيلت جميع الموانع، القانونية، أمام ذلك، حتى تم الأمر نهائياً بقرار الحكومة في شباط 2016، بناء على رغبة وتوصية رئيسها، نتنياهو.

يستفاد من التسريبات المتواترة من وزارة العدل الإسرائيلية (التي يعمل المستشار القانوني في إطارها) أن دائرة الناطق بلسان الوزارة تحجب عن مندلبليت أية معلومات بشأن أية استفسارات صحافية في قضايا معينة، أبزرها "قضية هرباز" على خلفية دوره الشخصي فيها. فكيف عرف مندلبليت بأمر "توجه/ سؤال الصحافي" الذي ذكره إلداد أعلاه؟ من جهة أخرى، كان إلداد رئيس طاقم النيابة العامة الذي رافق هذه القضية خلال التحقيقات فيها. ومن هنا، فمن المرجح أنه يعلم كل صغيرة وكبيرة فيها، فما الجديد الذي يمكن أن يكشف عنه الآن، في إطار "الفحص لمواد تتعلق بقضية من الماضي" كما قال (أي: "قضية هرباز")؟

ليست هذه الجولة الأولى من المعركة بين مندلبليت وإلداد، والتي تشكل في حد ذاتها أحد تفرعات المعركة التي يشنها مندلبليت ضد وزير العدل، أمير أوحانا، في مسألة تعيين القائم بأعمال النائب العام للدولة، إذ أحبط (مندلبليت) من قبل قرار أوحانا تعيين أورلي بن آري، النائبة العامة في لواء المركز، لهذا المنصب. لكنها جولة مختلفة عما سبقها، من حيث توقيتها، ظروفها ومعطياتها، مما قد ينبئ بأن تطورات جدية وخطيرة قد تحصل في أكثر من مستوى ربما تشمل الكشف عن معلومات حقائق جرى تغييبها و/ أو طمسها بصورة متعمدة وبإيعاز من جهات سياسية عليا، وهو ما من شأنه أن يعيد فتح ملفات مغلقة واستئناف التحقيق فيها، لكن في دائرة أوسع، من حيث الأشخاص والمخالفات القانونية على حد سواء.

جدير بالتوضيح هنا أن منصب المستشار القانوني للحكومة هو أحد أهمّ الوظائف الرسمية وأكثرها تأثيراً في طريقة الحكم الإسرائيلية عموماً، وفي طريقتها القضائية خصوصاً. ورغم ذلك، فليس ثمة قانون محدد ينظم هذا المنصب ومكانة من يشغله، وإنما هي اشتقاق من قوانين أخرى، غير مباشرة. وقد تعززت مكانة المستشار بصورة كبيرة جداً خلال السنوات، وخصوصاً مع انتخاب مناحيم بيغن رئيساُ للحكومة في العام 1977، إذ بدأ المستشار القانوني يشارك في جلسات الحكومة الإسرائيلية بصورة ثابتة. وطبقاً للقانون، تنتخب الحكومة المستشار القانوني، حسب توصية مباشرة من رئيس الحكومة، لدورة مدتها ست سنوات. وابتداء من مطلع شباط 2016 يشغل هذا المنصب أفيحاي مندلبليت، حسب اختيار وتوصية شخصيين من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بعد أن أشغل من قبل منصب رئيس النيابة العسكرية (في الجيش الإسرائيلي) ثم منصب سكرتير حكومة نتنياهو ابتداء من أيار 2013.

في المقابل، تعمل النيابة العامة للدولة كوحدة مستقلة في إطار وزارة العدل وضمن مسؤولياتها من الناحية التنظيمية، لكنها خاضعة لمسؤولية المستشار القانوني للحكومة، وهي المسؤولة المباشرة عن تمثيل الدولة وسلطاتها المختلفة أمام المحاكم المختلفة في جميع المستويات والدرجات. ويشغل دان إلداد منصب "القائم بأعمال النائب العام للدولة" لفترة مؤقتة ابتداء من أواخر شباط الأخير (تنتهي في الأول من أيار القريب)، بعد إنهاء النائب العام السابق، شاي نيتسان، مهام منصبه قبل بضعة أشهر ـ في كانون الأول 2019 تحديداً، وذلك في ضوء عدم الاتفاق بين مندلبليت ووزير العدل الليكودي أمير أوحانا على شخص النائب العام الجديد.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات