المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 844
  • برهوم جرايسي

عُنيت عدة بنود في اتفاقية تشكيل الحكومة الجديدة، الخامسة برئاسة بنيامين نتنياهو، بكيفية ضمان استمرار نتنياهو في رئاسة الحكومة، وبعده ضمان استمراره وزيرا، قائما بأعمال رئيس الحكومة، وبإعفائه من واجب الاستقالة من الحكومة بسبب محاكمته بقضايا الفساد؛ وحتى هناك بند يتحدث عن حل الحكومة والتوجه الى انتخابات جديدة، في حال منعت المحكمة بقاء نتنياهو في الحكم.

وهذا يعني مسبقا عدم فسح المجال أمام الليكود لانتخاب رئيس جديد، فالمهم أن يبقى شخص نتنياهو رئيسا؛ وعدا ذلك، فإنه لم يعد في الحزب "فريق قيادي"، كما كان قبل مرحلة نتنياهو، الذي اهتم على مدى السنين بتصفية سياسية لكل من حاول أن ينافسه على منصبه الرفيع.

بنود الاتفاقية فيها نصوص غير مسبوقة في تاريخ السياسة الإسرائيلية، وفق ما يؤكده خبراء قانون، ومحللون عتيقون في السياسة الإسرائيلية، فهي تتحدث عن شخص بنيامين نتنياهو ورغباته وليس رغبات غيره.

ففي مقال له يقول المحلل السياسي رفيف دروكر، المعروف بانتقاداته اللاذعة لنتنياهو "ما تبقى ممن يسمون "كبار الليكود" لم تعد لديهم أي توقعات. لقد حاول جدعون ساعر، وتحطّم، ولم يعد أحد يريد المحاولة. وقد صاغها عضو بارز في أزرق أبيض بهذه الكلمات: نحن نتفاوض مع حزب نتنياهو، وليس حزب الليكود. كل ما يهمه هو أن لا تكون أي ثغرة في الاتفاقية، ما ستسمح لشخص آخر من الليكود بتولي منصب رئاسة".

وتابع دروكر "غلعاد إردان ويولي إدلشتاين وأصدقاؤهما يعرفون ذلك. نتنياهو أبقى لليكود الفتات لأنه يفضلهم صغارا وصامتين. كما ظهر الرؤساء الآخرون للتكتل اليميني على أنهم تابعون خانعون. فآرييه درعي، الذي تفاخر بإقناع بيني غانتس وكأنه ضامن لتنفيذ الاتفاق، قد اختفى. ويعقوب ليتسمان مشغول بأعماله، كما تبخّر موشيه غفني (من قادة كتلة "يهدوت هتوراة")".

وختم دروكر كاتبا "إن شهوة نتنياهو للسلطة أخضعت اليمين وحلم الضم لرغبة سارة ويائير في البقاء في شارع بلفور (مقر منزل رئيس الحكومة). وبقدر ما يبدو الأمر متطرفا، فقد يدعمون قراره بالتوجه لانتخابات رابعة في قلب أزمة كورونا، لو لم يقبل غانتس بالتوقيع على الاتفاق بالشروط المنصوص عليها".

في مقدمة قائمة الليكود، في الجولات الانتخابية الثلاث الأخيرة، شخصيات معروفة في الساحة الإسرائيلية، ومن بينها من يتطلع للمنافسة على رئاسة الليكود، "بعد نتنياهو"، كما أعلنوا من قبل، إلا أن أحدا منهم لا يعلم متى ستأتي مرحلة "ما بعد نتنياهو"، الذي يتصرف وكأنه واثق كليا من أن محاكمته في قضايا الفساد، ستنتهي من دون شيء.

وتقديرات كهذه وردت عند بعض المحللين، على ضوء سعي نتنياهو وأذرعه لتغيير رؤساء النيابة العامة، مع انتهاء ولاية الحاليين، بمن يتوافقون مع نهج نتنياهو، على أمل أن يغيروا اتجاه سير المحكمة، التي إن أدانت نتنياهو، فسيستأنف الأخير للمحكمة العليا. ولهذا رأينا إصرار نتنياهو على ضمان تمثيل قوي لليكود في لجنة تعيين القضاة الجديدة، بحيث يكون لحزبه عضوان من أصل 4 أعضاء سياسيين. وبموجب القانون، فإن اعتراض عضوين من أصل 9 على تعيين قاض للمحكمة العليا ممكن أن يتحول الى "فيتو"، ومنع تعيينه.

ومن الشخصيات البارزة في الليكود ظهر يسرائيل كاتس، الذي يتولى حاليا حقيبة الخارجية، كمن ضمن لنفسه حقيبة المالية، بينما شخصيات أخرى احتلت مقدمة القائمة الانتخابية لم تعد لها حقائب كانت تحلم بها، بل ستحصل على فتات حقائب. فلتحالف الليكود كله 15 حقيبة، منها ما بات مضمونا للحلفاء، وفي أحسن الأحوال سيحصل الليكود على 12 حقيبة، في حال بقي تحالف الأحزاب الاستيطانية "يمينا" خارج الائتلاف. فوزارة الداخلية لحزب شاس، والبناء والإسكان ستتجه إلى يهدوت هتوراة، بعد أن قرر رئيس الكتلة يعقوب ليتسمان التخلي عن حقيبة الصحة. وليس واضحا ما سيكون مصير حقيبة التعليم، فإذا قرر تحالف أحزاب المستوطنين "يمينا" المشاركة في الحكومة، فقد تكون الحقيبة من نصيبه. وحتى حقيبة الأمن الداخلي، فإن الأحاديث تقول إن نتنياهو سيُسندها لأكثر المواليات له في الحزب ميري ريغف، ذات اللسان السليط والمنفلت على كل من يعارض نتنياهو، أشبه بما يفعله نجل نتنياهو، يائير، في صفحات شبكات التواصل ضد كبار المسؤولين في الجهاز الحاكم، وفي جهاز القضاء بمن فيهم كبار مسؤولي النيابة.

ولكن هناك أسماء عديدة تنتظر من نتنياهو أن يسند لها مهمة معتبرة، مثل: غلعاد إردان، وزير الأمن الداخلي الحالي، وهناك من يقول إنه قد يبقى في منصبه؛ نير بركات، رئيس بلدية الاحتلال في القدس، الذي لفترة قصيرة قيل إنه هو الذي سيتولى حقيبة المالية؛ غدعون ساعر، الذي "تجرأ" على منافسة نتنياهو على رئاسة الحزب، وحصل على 28% من الأصوات، وصورته غائبة حاليا في الصحف، التي تعرض صور نواب الليكود المرشحين لتولي حقيبة وزارية. وأيضا هناك وزراء حاليون، مثل ياريف ليفين، الذي يُعد ذراعا قوية لنتنياهو في الحكومة والكنيست، وكان مبعوث نتنياهو لصياغة ما يسمى "صفقة القرن"، وزئيف إلكين، ويوآف غالانت، وتسيبي حوتوفيلي، وغيلا غمليئيل، ويولي إدلشتاين- إذا اعترض بيني غانتس على توليه رئاسة الكنيست مجددا، ففي هذه الحالة سيحل محله ياريف ليفين- ويوفال شتاينيتس، وأوفير أكونيس، وأمير أوحانا، وغيرهم.

ليست المرّة الأولى

وهذه ليست المرّة الأولى التي ترى فيها شخصيات كبيرة في الليكود أنفسها على هامش طاولة الحكومة والحقائب التي تتولاها، فهذا برز في حكومة نتنياهو 2009- 2013، التي ضمت حينها حزب العمل برئاسة إيهود باراك، وكان حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان متحالفا في قائمة الليكود. ولم ينفع يومها كل الضجيج الذي ثار في أروقة الليكود.

وعمليا هذا بات نهجا لدى نتنياهو، الذي كما ذكر على مر السنين الأخيرة، لديه منهجية في تصفية مفهوم "الفريق القيادي" للحزب. فالليكود بات الحزب الأكبر، كحزب؛ إن كان على مستوى التمثيل البرلماني، أو على مستوى القاعدة الجماهيرية. ولديه القوة الأكبر، مباشرة أو غير مباشرة في الحكم المحلي، بمعنى إدارة المجالس البلدية والقروية. ولكن أمام كل هذا، بات ملموسا في السنوات الأخيرة، أنه لم تعد أهمية لمؤسسات الحزب، مثل المجلس المركزي الذي يضم قرابة 4 آلاف عضو، والسكرتارية القطرية للحزب.

وكم من مرّة في سنوات مضت، منذ عودته لرئاسة الليكود في العام 2006، كان نتنياهو يبذل جهدا لتمرير قرارات في المجلس المركزي. حتى أنه في أكثر من مرّة اضطر لسحب مشاريع قرارات، لمعرفته بصعوبة تمريرها، واليوم هذا لم يعد موجودا.

شخصيات عديدة حاولت أن تقف له بالمرصاد وتتحداه الى مستوى المنافسة، وغالبيتها لم تعد في كتلة الليكود. مثل- قديما في سنوات التسعين- وزير الخارجية الأسبق دافيد ليفي. ولاحقا أيضا من تولى حقيبة الخارجية لسنوات، سيلفان شالوم، الذي اضطر لاعتزال السياسة في نهاية العام 2015، بعد 9 أشهر على انتخابات ذلك العام، بعد أن ظهرت شكاوى ضده بتحرشات جنسية، تبين أن لا أساس لها، بعد أن بات خارج الحلبة السياسية. وكذلك المتطرف موشيه فيغلين، الذي نافس نتنياهو على رئاسة الليكود، ودخل للكنيست لدورة واحدة، وهو حاليا خارج صفوف الليكود. وأيضا من يوشك على إنهاء ولايته في منصب سفير في الأمم المتحدة داني دانون، الذي تعارض مع نتنياهو ونافسه ذات يوم، على رئاسة الحزب، "فمنحه" نتنياهو منصب سفير وراء المحيط، وقيل في حينه إنه إبعاد عن السياسة الداخلية.

وحتى من بات اليوم من المقربين لنتنياهو، وسيتولى كما يبدو حقيبة المالية، يسرائيل كاتس، تصدى عدة مرات لنتنياهو في مشاريع قرارات في الحزب لخدمة شخص نتنياهو. كما أبعد نتنياهو وزير الدفاع الأسبق موشيه يعلون في العام 2016، ليس فقط لأنه يتهم نتنياهو بضلوعه في قضية الغواصات التي ظهرت فيها رشاوى، وإنما أيضا لأن يعلون أبدى نيّة لمنافسة مستقبلية على رئاسة الليكود.

وهذا ملف طويل لنتنياهو، حتى بات الليكود هو نتنياهو، ونتنياهو هو الليكود. ولكن نتنياهو لا يكتفي بهذا، بل هو يريد كل الحلبة السياسية والمؤسسة الحاكمة لا لون فيها سوى لونه.

تبّخر مكانة الجنرالات

في النصف الثاني من العام 2011، ولاحقا لعدة سنوات، واجه نتنياهو حملة انتقادات من كبار قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وعلى مدى السنوات اللاحقة. ومنهم رئيس الموساد الأسبق، الذي مات قبل سنوات قليلة، مئير داغان، ورئيس جهاز المخابرات العامة "الشاباك" الأسبق يوفال ديسكين، ورئيس الأركان الأسبق غابي أشكنازي، الذي بات الآن شريكا لنتنياهو في حكومته، ولحق بهم رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، وغيرهم من قادة، وفي وقت متأخر، رئيس الأركان الأسبق بيني غانتس، ونسمع في الآونة الأخيرة، من حين إلى آخر، رئيس الموساد السابق تمير باردو. وكلهم كانوا يؤكدون أن نتنياهو ينفرد في القرارات الحساسة، ويسعى لتحييد الطواقم المهنية في الجيش والمخابرات، وكانوا يعرضون بالتلميح كيف أنهم ضغطوا لمنعه من هذه المغامرة أو تلك. وشخصيات بهذا الوزن الأمني، في فترات سابقة لإسرائيل، كان بإمكانها أن تقلب حكومة رأسا على عقب، بعد أن تقلب الرأي العام، خلال وقت قصير، إلا أن نتنياهو كان أقوى من هذا، مستفيدا من التغيرات الحادة في التغيرات السياسية في الشارع الإسرائيلي، وسيطرته على صناعة الرأي العام. وساعده بهذا كثيرا في السنوات الأربع الأخيرة، الدعم المطلق من البيت الأبيض.

وخلال حملة الانتخابات الأخيرة، ظهر شريط فيديو في شبكات التواصل، يظهر فيه عدد من الأسماء المذكورة، وغيرهم، مثل رئيس الشاباك الأسبق عامي أيالون، وكان الحديث هناك، من شأنه أن يكون له الوقع الكبير، على شارع قدّس طيلة الوقت العقلية العسكرية، ولكن شيئا من هذا لم يحدث، لا بل تعززت قوة الليكود أكثر.

وها هما الجنرالان البارزان في السنوات الأخيرة غانتس وأشكنازي، ينخرطان الآن في حكومة، يناقض كل تفصيل صغير وكبير في تركيبتها وشروطها ما اعترضا عليه وكانا يدعوان لوقفه. وقبل هذا، مُني إيهود باراك في انتخابات أيلول 2019، بفشل ذريع بعد أن شكّل حزبا وتحالف مع ميرتس ومُني بنتيجة تعد هزيمة، فغاب باراك عن الواجهة، وكذا غيره ممن يسمونهم "سادة الأمن".

وهذا يعني أن نتنياهو ليس فقط قضى على مفهوم "الفريق القيادي في الحزب"، بل قضى أيضا على "قدسية سادة الأمن" إن صحّ التعبير، والقصد مكانة الجنرالات في الرأي العام.

السؤال الذي يظهر دائما في الأجواء السياسية والإعلامية: كيف يمكن التخلص من حكم نتنياهو؟ هناك من يعتقد أن خسارة دونالد ترامب لانتخابات أميركا في مطلع تشرين الثاني، وعودة الحزب الديمقراطي للحكم، قد تنعكس على نتنياهو وحكمه سلبا. ولكن هذه تبقى فرضية مزدوجة: فليس مؤكدا أن يخسر ترامب الحكم، وإذ خسر وعاد الحزب الديمقراطي للبيت الأبيض، فليس مضمونا أنه سيغير الاتجاه كثيرا في شكل التعامل مع نتنياهو، الذي حارب الحزب الديمقراطي بشكل مباشر في السنوات الثماني الأخيرة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات