المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 745
  • برهوم جرايسي

يستدل من استطلاعات الرأي العام التي تظهر تباعا أن انتخابات الثاني من آذار المقبل، لن تغير المشهد الانتخابي الذي أفرزته انتخابات أيلول 2019، بما يمكنه أن يقلب الموازين رأسا على عقب، إذ أن الليكود وحلفاءه من جهة، والقوائم الأخرى التي تعارض الليكود، أو تعارض الليكود طالما هو برئاسة بنيامين نتنياهو، من جهة أخرى، هي أيضا لا تحقق أغلبية، في حين أن القائمة المشتركة، التي تمثل أساسا الجماهير الفلسطينية في الداخل، تبدي ثباتا واتجاها نحو زيادة قوتها، ما سيعقد أزمة إسرائيل البرلمانية أكثر.

وهذه الحال، التي قد تتغير حتى يوم الانتخابات في حال حصلت مفاجآت غير منظورة حتى الآن، جعلت المنافسة الأشد في داخل المعسكرات، بمعنى أن كلا من قائمتي "أزرق أبيض" والليكود تسعيان لاقتناص أصوات من القوائم الحليفة المباشرة. وفي ذات الوقت فإن "أزرق أبيض" يعرض مواقف يمينية متشددة أكثر، لكسب أصوات من الليكود، في حين أن الليكود بدأ في الأيام الأخيرة حملة في محاولة يائسة لاقتناص بعض أصوات من العرب، ويقود الحملة شخص بنيامين نتنياهو، الذي جعل حملته في أيلول الماضي تحريضا شرسا على الجماهير العربية، متهما إياها بنيتها تزوير الانتخابات.

الليكود وحلفاؤه والسعي للأغلبية

يخوض حزب الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو معركة شديدة، في سعي للوصول إلى عدد المقاعد "الذهبي" من ناحيته، 61 مقعدا، له وللقوائم الحليفة الفورية له، بمعنى من دون قائمة "يسرائيل بيتينو"، التي هي سياسيا في صلب هذا المعسكر، ولكن رئاسة نتنياهو لليكود ما تزال تمنع زعيم الحزب أفيغدور ليبرمان، الانضمام له لتشكيل الحكومة الأغلبية.

وحسب كل استطلاعات الرأي الصادرة حتى الآن، فإن قوة هذا المعسكر تراجعت منذ انتخابات نيسان، من حيث المقاعد، من 60 مقعدا، من دون ليبرمان، في انتخابات نيسان، إلى 54 وحتى 55 مقعدا، على الأكثر، وهي نتيجة مطابقة لنتائج انتخابات أيلول. وبعد ضم ليبرمان، فإن القوة المجتمعة، حسب الاستطلاعات، هي ما بين 62 إلى 63 مقعدا، مقابل 67 مقعدا في انتخابات العام 2015.

ورغم هذا، فإن هذا المعسكر، وبضمنه ليبرمان، يحصل على 60% من أصوات اليهود. وما ساهم في تراجع التمثيل البرلماني، خاصة في انتخابات أيلول 2019، كان ارتفاع نسبة التصويت بين العرب بنسبة 10% من اجمالي ذوي حق الاقتراع العرب، من 50% في نيسان 2019 إلى 61% في انتخابات أيلول 2019، بمعنى زيادة فعلية بنسبة 20% مقارنة بنيسان، مقابل أن نسبة التصويت بين اليهود في أيلول تراجعت بنحو نصف بالمئة. وكل الزيادة في أصوات العرب صبّت في صالح القائمة المشتركة، التي حصلت أيضا على أصوات تعادل قرابة مقعد برلماني كان قد صبّت في نيسان لصالح الأحزاب الصهيونية.

وعلى ضوء ما يراه الليكود من شبه تمترس في مواقف الناخبين، فإنه يعمل في مسارين بشكل متواز: الأول أنه وفق حساباته، فإن قطاعا من مصوتيه لم يصل إلى صناديق الاقتراع، وهذه تقديرات مشكوك بمدى دقتها، بعد فحص نمط التصويت في بلدات عينية، فنمط التصويت لمعسكر اليمين الاستيطاني، كما هو لدى كل واحد من القطاعات المختلفة، يتم أخذه من البلدات والتجمعات السكانية ذات الأغلبية الساحقة لهذا المعسكر أو ذاك. وفي حالة الليكود، فإن المقياس الأكبر له، نجده في نسب التصويت وأنماطه في مستوطنات الضفة ككل، على مختلف تياراتها في داخل هذا المعسكر، ونرى أن الاقبال على صناديق الاقتراع من ناحية هذا المعسكر هو الأعلى من دون منافس، بما في ذلك تصويت المتدينين من التيارين، الديني المتزمت- الحريديم والديني الصهيوني (القومي).

وفي المقابل، يسعى الليكود، ولكنه يفشل، في اقناع قائمة "عوتسما يهوديت" (قوة يهودية) المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة، وزعيمها إيتمار بن غفير، بالانسحاب من المنافسة، منعا لحرق ما بين 70 ألف إلى 80 ألف صوت، بعد أن حصلت القائمة في انتخابات أيلول الماضي على 83 ألف صوت، في الوقت الذي احتاج فيه اجتياز نسبة الحسم، أكثر من 140 ألف صوت. فقد أعلن بن غفير في مقابلة مطولة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" في نهاية الأسبوع الماضي، أنه مصر على الاستمرار في المنافسة، وأنه يرفض كل توجهات الليكود وأحزاب اليمين الاستيطاني للانسحاب.

ولكن حتى من باب الافتراض بأن "عوتسما يهوديت" قررت الانسحاب في الدقيقة التسعين، فإن جمهور هذه القائمة هو في أقصى حدود التطرف، ومنه تخرج عصابات الإرهاب الاستيطانية، وغالبيته لن تخرج للتصويت في حال انسحبت القائمة من المنافسة. ولكن تفاصيل الاتصالات بين الليكود وهذه القائمة، واغراءات الليكود لها، مثل العمل على خفض نسبة الحسم لاحقا، تشير إلى مدى استعداد نتنياهو للشراكة حتى مع قوى كهذه، خلافا لموقف أحزاب استيطانية، تُعد أشد تطرفا من الليكود، ولكنها ترفض في ذات الوقت الشراكة الانتخابية مع "عوتسما يهوديت".

أمام هذا المشهد، فإن الليكود لا يتوانى عن منافسة شركائه الفوريين في أي حكومة يشكلها، وهي قائمة "يمينا" التي تضم ثلاثة أحزاب، وتمثل بالأساس التيار الديني الصهيوني- القومي، ومن حين إلى آخر، تتصاعد لهجة المناكفات، المزايدة على المواقف الأشد تطرفا بين الليكود وقائمة "يمينا".

القوائم المقابلة لليكود

في الحقيقة فإن القوائم الصهيونية الأخرى من غير الممكن إطلاق صفة المعسكر عليها، لأنها ليست متناغمة، والمسألة ليست فقط القائمة المشتركة، التي هي معسكر ثالث قائم بحد ذاته، وإنما أيضا حزب "يسرائيل بيتينو" برئاسة أفيغدور ليبرمان، الذي يرفض الليكود طالما هو برئاسة بنيامين نتنياهو، ولا يرفضه سياسيا؛ فمن ناحية سياسية، هذا الحزب يقف على يمين الليكود، وخاصة بالخطاب العنصري.

وقد كسر ليبرمان كل الرهانات، بعد جولتي الانتخابات في نيسان وأيلول 2019، بأنه سينضم لحكومة الليكود برئاسة نتنياهو في الدقيقة الـ 90. فالصحافة الإسرائيلية جعلت الأمر وكأنه خلاف شخصي بين ليبرمان ونتنياهو، بينما حقيقة موقف ليبرمان نابعة من كونه بات يتمسك بالخشبة الأخيرة، التي تسلق عليها في النهر السياسي الهادر، كي يبقى في الحلبة، وهي مسألة التصدي لقوانين وأنظمة الإكراه الديني، وفرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم، وهو ما لا يستطيع نتنياهو القبول به، لأنه سيفقد الدعم الفوري من الكتلتين اللتين تمثلان الحريديم. وقد كرر ليبرمان موقفه في نهاية الأسبوع الماضي، بأنه لن يكون جزءا من حكومة يرأسها بنيامين نتنياهو، ورغم ذلك، فإن كل الاحتمالات تبقى واردة.

من ناحية أخرى، فإن تحالف "أزرق أبيض" ما زال يراوح مكانه وفق استطلاعات الرأي، مع تقدم طفيف مفترض على الليكود، ولكن هذا التقدم جاء على حساب التحالف الأقرب لـ"أزرق أبيض"، قائمة حزبي العمل وميرتس، التي تضم أيضا الحزب الصغير الذي أقامته النائبة أورلي ليفي- أبكسيس، قبل انتخابات نيسان 2019. وهذا على الرغم من أن "أزرق أبيض" يسعى أيضا إلى اقتناص أصوات من اليمين الاستيطاني، من خلال خطاب يميني متشدد، برز في عدة نقاط، منها استعداده لضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت، في الضفة المحتلة، رغم أن برنامجه السياسي الذي أقره في شهر آذار 2019، كان ينص على أن الضم سيكون ضمن ضم كل الكتل الاستيطانية، وفي إطار اتفاق وحل نهائي. كما أعلن "أزرق أبيض" عن تبنيه لما تسمى "صفقة القرن"، والتزامه بتطبيقها فور تسلمه رئاسة الحكومة. كما هاجم هذا التحالف قرار لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بإعلان قائمة الشركات الـ 112 الشريكة باقتصاد المستوطنات، وهو ذات الموقف الذي اتخذه أيضا حزب العمل الشريك لحزب ميرتس.

وبموازاة ذلك كثف "أزرق أبيض" هجومه على القائمة المشتركة، ونفوره منها، متعهدا أنها لن تكون جزءا من حكومته، ولن يطلب شراكتها، في حين أن مسألة الشراكة في الحكومة ليست في وارد القائمة المشتركة. وفي هذا الإطار، كان "أزرق أبيض" من أبرز الداعمين لشطب ترشيح النائب د. هبة يزبك من التجمع الوطني الديمقراطي، في القائمة المشتركة.

القائمة المشتركة

مرّة أخرى، ستكون قوة القائمة المشتركة التي تضم كل الأحزاب الناشطة في الشارع العربي المنخرطة في العمل البرلماني، هي محط الأنظار في انتخابات آذار المقبلة. فبعد أن نجحت القائمة في رفع نسبة التصويت من 50% في نيسان 2019، إلى 61% في أيلول 2019، ما أدى إلى تغيير جدي في موازين القوى بين المعسكرات، بإضافة ثلاثة مقاعد لها، يجري الحديث الآن عن احتمال ارتفاع آخر في تصويت العرب، وتحويل أصوات عربية أكثر من الأحزاب الصهيونية للقائمة المشتركة.

وتبقى هذه تقديرات تشير لها استطلاعات داخلية، في حين أن كل الاستطلاعات التي تنشر في مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية تمنح القائمة المشتركة ما بين 13 إلى 14 مقعدا، وغالبيتها تشير إلى 14 مقعدا. في حين أن ذات الاستطلاعات كانت تمنح القائمة المشتركة قبل انتخابات أيلول ما بين 10 إلى 11 مقعدا، بينما حصلت فعليا على 13 مقعدا.

وزيادة المشتركة مرهونة أساسا بارتفاع نسبة التصويت بين العرب، وأيضا بمدى قدرتها على جذب أصوات عربية من الأحزاب الصهيونية، التي حصلت في أيلول على حوالي 105 آلاف صوت عربي، مقابل 134 ألف صوت عربي في انتخابات نيسان 2019.

وهذا الواقع جعل الأحزاب الصهيونية تقتحم الشارع العربي في الأيام الأخيرة، أكثر مما كان في انتخابات أيلول. وحتى أن بنيامين نتنياهو، الذي جعل التحريض على العرب "والخوف من أنهم سيسرقون الانتخابات" في أيلول، يغير الاتجاه حاليا بـ 180 درجة، "بمغازلة" العرب، وبات ينسب لنفسه إنجازات تجاه المجتمع العربي، ولكن حسب الأجواء القائمة، فإن هذا لن يضيف له شيئا، ولهذا فإن الاعتقاد السائد في الأوساط السياسية في المجتمع العربي، هو أن نتنياهو يسعى لتهدئة الأجواء، ظنّا منه أن هدوءا كهذا سيساهم في عدم رفع نسبة التصويت.

ودلالة على هذا الاستنتاج، هو أن تحريض نتنياهو على العرب، خاصة في ما عُرف في حينه بقانون الكاميرات في صناديق الاقتراع باستهداف العرب، قد ساهم في رفع نسبة التصويت في حينه.

كذلك فإن البند الوارد في ما تسمى "صفقة القرن" بضم منطقة المثلث إلى الكيان الفلسطيني، الذي تسميه الخطة إياها "دولة"، مقابل ضم المستوطنات، بمعنى مقايضة أهل البلاد بالمستوطنين، قد أثار الجماهير العربية، وسط مؤشر لارتفاع نسبة التصويت في الانتخابات المقبلة. ولهذا فقد ادعى نتنياهو في مقابلة متلفزة باللغة العربية أن هذا البند لن يطبق، في حين أكدت سلسلة من التقارير أن هذا البند دخل إلى الخطة بطلب من نتنياهو.

يشار إلى أن الانتخابات في المجتمع العربي تجري لأول مرّة منذ 72 عاما، بعدم وجود منافسة بين قوائم عربية أخرى، ما خلق أجواء أفضل لعمل القائمة المشتركة، التي من المتوقع لها أن تحصل أيضا على آلاف الأصوات من الشارع اليهودي، كما حصل في انتخابات 2019 وقبلها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات