هناك تعارض يصل حدّ الصدام في تحديد المعطيات ورؤية التوجهات، ما بين الحكومة الإسرائيلية ممثلة بوزارة التعليم، والهيئات التمثيلية والمهنية التربوية العربية العاملة في هذا المجال. ففي بيانات الوزارة قبل افتتاح السنة الدراسية وفي بدايتها، يظهر "التفاخُر" بإنجازات الحكومة، وتقسيمها على نحو طائفي: "عرب ودروز وبدو" إلى آخره. وهو تقسيم يجسّد المشكلة الشاملة الكبرى في هذه السياسة، وهي عدم احترام الهوية الجامعة للطلاب العرب، بل تقسيمهم وتصنيفهم وفقاً لعقيدة أيديولوجية لا ترى فيهم أبناء وبنات أقلية وطن ذات تاريخ وحاضر وخصوصية مشتركة. من هنا يصعب القول إن رفع حجم ونسبة الميزانيات المخصصة لحل مشكل جهاز التعليم المخصص للعرب (والمفكّك إلى مديريات بعضها طائفي وجهوي)، من شأنه توفير حلول عميقة في صلبها المساواة وكرامة الطالب.
فمثلا يرى وزير التعليم في الحكومة التي أنهت ولايتها مع إعلان الانتخابات التي جرت قبل أسبوع، رافي بيرتس، إلى وجود: "مؤشّر إيجابي في موضوع الاستثمار بجهاز التّعليم وفي أجور المعلّمين. وهذا الأمر مبارك وأنا سعيد به. والأمر الذي يقلقني هو الاستثمار في الطالب الفرد وعليه لا بدّ من سدّ هذه الفجوة ووضع الحلول اللازمة. طلابنا أذكياء ويملكون القدرة والكفاءة ويستحقّون أن نوفّر لهم كل يلزم بهدف إعدادهم للتأقلم مع تحدّيات المستقبل. نحن نقود تغيّرات جذريّة في جهاز التّعليم كفيلة بإحداث التّغيير المطلوب وإلى جانب ذلك علينا سد الفجوة المتعلّقة بالميزانيّات لتحقيق الهدف".
مدير عام الوزارة شموئيل أبوآب يقول في بيان رسمي: "لدينا ما نفتخر به. طلاب دولة إسرائيل يحصلون على تعليم أكثر. المصروفات على التّربية دائما بارتفاع، أطر التّربية ذات جودة أكثر وإلى جانب كل ذلك فإنّنا ما زلنا نرى بأنّ الميزانيّة الفرديّة لكل طالب تختلف عن الميزانيّة الفرديّة للطالب في الدّول النّامية. وبناء على ذلك سنستمر في دعم وتطوير جهاز التّربية وسنستمر في ملاءمة جهاز التّربية لمتطلّبات القرن الـ 21 وسنستمر في اعداد الطلاب لعالم الغد".
تقول الوزارة في بيان لها إن "طلاب المجتمع العربي: 391 ألف طالب، وطلاب المجتمع البدوي: 123 ألف طالب، وطلاب المجتمع الدّرزي: 41 ألف طالب، وطلاب المجتمع الشّركسي: 1000 طالب".
وتعقيباً على هذا التقسيم يؤكد رئيس لجنة متابعة التعليم العربي شرف حسّان أن اللجنة "تعالج قضايا التعليم العربي أجمع ولا تتبنى بل وترفض تقسيمات وزارة التربية والتعليم إلى تعليم عربي ودرزي وبدوي التي تحقق وتطبق سياسة "فرق تسد". لجنة متابعة التعليم العربي تطالب باستقلالية للتعليم العربي داخل وزارة التربية والتعليم أسوة بالتعليم الحريدي. هناك رفض حكومي لهذا المطلب، ولذلك علينا أن نبادر إلى تعميق استقلالية التعليم العربي من خلال أخذ دور فعال لجميع الأطراف العربية الفاعلة وبشكل خاص السلطات المحلية والمعلمين والمدارس وأولياء أمور الطلاب، واستغلال الحد الأقصى من المساحة التي بالإمكان التأثير عليها، الأمر الذي يعزز من نضالنا لتغيير جذري في تعامل الدولة مع التعليم العربي".
تراجع البناء في المجتمع العربي ونقص بنحو 5000 غرفة تدريسية!
قبل افتتاح السنة الدراسية لوّحت نقابة المعلمين الثانويين ومنظمة المعلمين الابتدائيين بإعلان الإضراب على خلفية أزمة التعليم العامة، التي تشمل نقصا في الوظائف والتجهيزات المختلفة، وبسبب إخفاق الوزارة بتطبيق التوصيات الخاصة بتنفيذ الإصلاح في مجال تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا على الرغم من تعهدها بتمويل دمج هؤلاء طلاب ذوي الاحتياجات الخاصة في مدارس عادية، بمبلغ وقدره 105 ملايين شيكل.
أبوآب قام بعدد من الجولات في عدة مدارس قبيل افتتاح السنة الدراسية، وقال خلال زيارة لمدرسة في اللد: "سنرمّم المكتبات، سنبني فناءات تعليميّة، وسنخرج الطلاب للتعلّم خارج الصّفوف، كذلك سنعمل على إعداد طالب، مستقّل، مفكّر، بالغ جاهز للتّعليم العالي ولسوق العمل. سنوسّع الخدمات المحوسبة للطلاب وللمعلّمين وسنعمل على تذويت القيم وزيادة عدد الطلاب في حركات الشّبّيبة ومنظّمات الشّبّيبة وفي برامج معرفة البلاد".
لقد تعهدت الوزارة ببناء 600 حيّز تعليمي، العام المقبل، إضافة إلى 600 أنشئت العام الماضي. وفيما يخص السنة الدراسية المقبلة تعهدت الوزارة بترميم 70 مكتبة أسوة بـ77 مكتبة رممتها العام المنصرم. وتعهدت في مجال تقليص الفجوات (وهو الاسم الحركي لنتائج سياسة التمييز العنصري ضد العرب): "ستنهي الوزارة هذا العام موضوع الميزانيّة التّفاضليّة في المرحلتين الابتدائيّة والإعداديّة، الأمر الذي سيجعل الطالب من كل عنقود اجتماعي اقتصادي ضعيف يحصل على 6 ساعات إضافيّة والطالب من عنقود عال يحصل على ساعة إضافية وذلك في إطار تقليص الفجوات، كذلك سيتم العمل على تقليص نسبة التّرسّب".
بالمقابل تقول لجنة متابعة قضايا التعليم: الفجوة ما زالت كبيرة جداً جداً. التمويل التفاضلي لم يمرر بالكامل لغاية الآن، ولا يزال التمويل جزئيا فقط. هناك تراجع للبناء في المجتمع العربي، ونقدّر أن النقص يصل إلى نحو 5000 غرفة تدريسية. في مدينة رهط في النقب يوجد 140 مبنى مؤقتا غير آمن، الطلاب ما زالوا يتعلمون فيها منذ عشرين سنة. في النقب عموماً هناك نقص بآلاف الغرف التدريسية، وفي بعض المدارس يستخدمون المختبر والملجأ وكل زاوية متاحة لأجل التدريس. ومن بين 1000 غرفة دراسية يجب أن تبنى، بنيت 150 غرفة فقط. وبشأن ساعات التعليم تقدر لجنة متابعة التعليم أن هناك نقصاً بـ140 ساعة تدريسية لكل طالب عربي. والمطلب هو وضع قرار حكومي رسمي واضح بتخصيص أموال لبناء الغرف في المدارس العربية.
معطيات سابقة تبيّن منهجيّة في التمييز وما ينجم عنه
في مطلع هذا العام، في شهر شباط، نشر معهد أبحاث الكنيست تقريرا بعنوان "التعليم البدوي في النقب" وجاء فيه أن نسبة التّسرب من التعليم بين العرب في النقب هي الأعلى في البلاد، إذ وصلت إلى 24% في العام 2016 فيما بلغت نسبة التسرب في جهاز التعليم العربي إجمالا 10%، وفي جهاز التعليم اليهودي 5% فقط. وبلغت نسبة تحصيل شهادات الثانوية العامة "البجروت" لمجموع السكان في البلاد 62% وفي التعليم العربي 48%. وجاءت نسبة التحصيل في التعليم العربي في النقب في المكان الأخير وهي 31% فقط.
هذا الوضع تراكميّ، فالعودة إلى معطيات وبيانات إحصائية سابقة تبيّن أن هناك منهجيّة في هذه الظاهرة. ووفقاً لبحث وضعه مركز "عدالة" لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، عام 2013، ففي الغالبية المطلقة من قرى النقب لا توجد خدمات مواصلات عامة، خدمات رفاه اجتماعي، بريد وبنك. في 5 من 13 قرية لا توجد مدرسة ثانوية، وفي 8 من 13 قرية لا توجد مكتبة عامة ولا حتى مكتبات مدرسية. المدرسة الابتدائية والثانوية القائمة غالباً ما تكون في مبان مؤقتة (كرافانات) وتعاني من نقص شديد في المعدات واللوازم المدرسية.
وبموجب تقرير أصدره مركز أدفا في العام 2010، نسبة مستحقي شهادة البجروت من ضمن من يتعلمون في الصفوف الثاني عشر تصل إلى 48%، لكن نسبة التسرب من جهاز التعليم في القرى العربية البدوية هي الأعلى في البلاد، وبهذا فإن الكثيرين لا يصلون إلى الصف الثاني عشر أصلاً. فقط 7ر64% من أبناء الشبيبة في القرى البدوية يكملون 12 سنة تعليمية، وذلك بالمقارنة مع 6ر81% في القرى العربية بشكل عام و5ر93% من أبناء الشبيبة في البلدات اليهودية.
وبموجب تقرير أعده مركز المعلومات والأبحاث التابع للكنيست عام 2010 اتضح أنه في البلدات البدوية بشكل عام، وفي المجلس الإقليمي أبو بسمة بشكل خاص، هناك نقص حاد في الموظفين المختصين بمحاربة التسرب (ضباط دوام) في المدارس. بموجب هذا التقرير، عدد الوظائف المخصصة لضباط دوام في مجلس أبو بسمة هو اثنان فقط، رغم أن عددها بموجب معايير وزارة التربية والتعليم يجب أن يكون 2ر5 وظيفة. هذه العلاقة الطردية بين نسبة التسرب العالية وبين النقص في ضباط الدوام قائمة أيضا في البلدات البدوية عرعرة، اللقية وحورة.
مركز عدالة كان قدم قبل سنوات التماساً للمحكمة العليا باسم أهالي طلاب من 7 مدارس من قرى أبو بسمة، أم بطين، كحلة والسيد وذلك بطلب ربط المدارس بشبكة الكهرباء القطرية. وجاء في الالتماس أن عدم ربط المدارس في هذه القرى بشبكة الكهرباء، يضر بتعليم الأطفال وبحقهم بالتعليم اللائق والمناسب. أبحاث كثيرة، تقارير مختلفة ومقاييس متعددة تشير إلى صورة قاتمة بالنسبة لاستثمار الدولة في جهاز التعليم البدوي في النقب والإنجازات المتدنية التي يحققها هذا الجهاز بسبب الإهمال وقلة الاستثمار، وذلك مقارنة مع جهاز التعليم في أوساط أخرى في إسرائيل. وادعى الالتماس أن إسقاطات عدم ربط المدارس بشبكة الكهرباء تؤدي وتعزز هذه النتائج السلبية.
ولكن في العديد من المدارس، كما أشرنا في القسم الأول من هذا التقرير، ما زالت المدارس تحصل على الطاقة الكهربائية من مولدات كهرباء، تعمل لمدة ساعات قليلة خلال اليوم. وهذه المولدات لا تستطيع تزويد المدارس بالكمية الكافية من الكهرباء وبشكل متواصل مما يؤدي إلى مشاكل كثيرة في تشغيل المكيفات، الحواسيب، خدمات الإنترنت والمختبرات العلمية.