المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1732

سمعتُ أخيرا، وإن بنصف أذن، أجزاءً من الخطاب الذي ألقاه رئيس الكنيست الإسرائيلي يولي إدلشطاين (الليكود). كانت "وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها" واحدة من الآيات التي سمعته يقتبسها عدة مرات خلال خطابه في الحفل الرسمي –القومجي– اليميني المسمّى "خمسون عاماً للإستيطان في يهودا والسامرة". وقد قلت لنفسي إنه من غير المعقول أن يختار رئيس الكنيست في مثل هذا الحفل اقتباس آية تتناول حرية "جميع سكان البلاد". فكل شخص من أولئك الجالسين في الجمهور يعرف أن الفلسطينيين أيضا هم سكان البلاد، قسم منهم مواطنون في إسرائيل وهم ليسوا أحراراً كعصافير الدوري، وقسم آخر في مناطق الضفة الغربية حيث يعيشون هناك في وضعٍ متواصل هو النقيض التام للحرية، ويتصل بشكل وثيق بـ "احتفالات الإستيطان في يهودا والسامرة".

أيعقل أن رئيس الكنيست أراد إطلاق رسالة راديكالية خفية؟ هل هذا هو السبب في اختياره أن يذكر الحق في الحرية – في تقرير المصير، الأوتونوميا الثقافية، حرية الحركة، حرية فلاحة الأرض، حرية الإقامة في مناطق "ج" دون خوف من أن يهدموا بيتك – في حفل اليوبيل للإحتلال بالذات؟

قررت أن أقرأ أكثر عن الآية التي اختار رئيس الكنيست اقتباسها. الآية الكاملة التي قرأ إدلشطاين منها هي: "وتقدسون السنة الخمسين وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها" (سفر اللاويين، الإصحاح 25، 10). وقد فهمت أن سنة اليوبيل هي سنة مقدسة في الدين اليهودي، حيث يعود كل شخص الى بيته، فيتحرر العبيد وتعود الأراضي إلى أصحابها الأصليين ("ترجعون كل الى ملكه وتعودون كل الى عشيرته"). وفهمت أنه قد يكون لطيفا التطرّق بهذا الشكل لسنة 2017، أي تكريسها كسنة اليوبيل الفضي للإحتلال العسكري الذي بدأ سنة 1967، والإعلان لجميع الفلسطينيين الذين أقيمت على أراضيهم الخاصة والزراعية معسكرات جيش، مستوطنات وشوارع، أنه يمكنهم العودة الى أراضيهم.

واصلت البحث في شبكة الإنترنت ووصلت إلى موقع "كيباه" ففهمت منه أن التفسير المركزي لتلك الآية مرتبط بحرية الحركة. وقد جاء هناك: إن التشديد على حرية الحركة كمركّب مهم ومبدأ أساس في حرية الإنسان، يجد له تعبيراً في الآية المذكورة ضمن مبحثنا، في فريضة اليوبيل، وهي آية نقشت أيضا على جرس الحرية في الولايات المتحدة: "وتقدسون السنة الخمسين وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها". وهكذا فإن الرسالة الراديكالية الخفية لرئيس الكنيست باتت أوضح أكثر فأكثر. لقد اختار في المناطق المحتلة – التي لم يجر ضمها بالمرة إلى إسرائيل – وفيها يعيش مواطنون إسرائيليون من جهة وفلسطينيون محرومون من الدولة من الجهة الثانية، أن يقتبس الآية الموجودة على جرس الحرية في الولايات المتحدة الأميركية، الـ Liberty Bell الشهير في فيلادلفيا التي قرعت أجراسها كرمزٍ لحركة إلغاء العبودية. أمر لا يصدق.

عن الحكماء، الحرية وعصافير الدوري

لقد تناول الحكماء التوراتيون ("حزال") كثيراً محاولة تفسير كلمة "درور (حرية - المترجم)" المتماثلة اليوم مع عصفور الدوري (درور أيضاً - المترجم) – رمز الحرية، وهي كلمة تظهر في التوراة مرة واحدة فقط، وفي الآية التي اختار رئيس الكنيست اقتباسها. وفقا لأولئك الحكماء فإن الكلمة تشير الى حرية الحركة وحرية العيش والإقامة في كل مكان. وقد قال الرابي يهودا ما معناه إنها حرية الإقامة في كل مسكن والتجارة في كل دولة. كذلك، ففي تلمود بابل، إصحاح السبت، جاء أن اسم عصفور الدوري اشتق من الكلمة التي توازيه لفظاً بالعبرية بمعنى الحرية: عدم الخضوع لأي سلطة والتحرك من مكان الى آخر بحرية. ولقد جاء أن اختيار عصفور الدوري لكونه لا يخضع لأي سلطة كانت، وكما قال الرابي يشماعئيل أطلق عليه هذا الإسم لأنه يعيش في المأوى وفي الحقل على حد سواء.
وجاء في موقع "يشيفا" ما كتبه الراب شمعون هكوهين حول أهمية موقع عصفور الدوري في فهم تلك الآية. ووفقا لأقواله، فهم الرابي أبراهام إبن عزرا أيضا معنى كلمة حرية كواحدة من خصائص عصفور الدوري، ووفقا له الإسم مماثل للحرّ. وهكذا، يختتم الراب هكوهين، فإن ابن عزرا يشير إلى أن الكلمة لا تدل فقط على عدم الراحة في ظروف السكن وموقعه بل أكثر من ذلك بكثير: إن عصفور الدوري الموجود في داخل قفص يفضّل الموت، وحين يتم تحريره فإنه يغرد ويغني.

واصلت البحث أكثر، ووجدت أن الرابي البروفسور أفيعاد هكوهين مقتبَس في الموضوع نفسه على موقع "توراه". وفقا له، فإن إصحاح "بهار" الذي تظهر فيه الآية، يدعونا الى الخروج في استراحة من المنافسة المجنونة، ووقف وتيرة سيل الحياة قليلا. فسنة التبوير وسنة اليوبيل مثلها مثل السبت، تهدف الى إعادة الإنسان، وعلى الخصوص وعي الإنسان، إلى النصاب الصحيح. وفقا لأقوال هكوهين: من يقرأ هذا الإصحاح يكتشف بسهولة "العنصر الأسري" الذي يفيض به بجرعات كبيرة. فهو لا يتوجه فقط للإنسان الفرد، لرجل الأعمال الذي يسافر في جميع أنحاء المعمورة ويحتاج إلى قليل من الراحة في فندق بدرجة 5 نجوم أو على جزيرة نائية، للمزارع والعامل اللذين يتوقان إلى بعض الراحة من جهدهما اليومي، وإنما إلى الأسرة بأكملها، وهذه – ما العمل – أسرة مباركة "الأولاد" وموسعة جدا: "لك ولعبدك ولأمتك ولأجيرك ولمستوطنك النازلين عندك ولبهائمك وللحيوان الذي في أرضك" (الإصحاح نفسه). وهو يختتم بالقول: وهكذا، ففي سنة التبوير وكذلك في سنة اليوبيل "تنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها" من خلال الشرح بأن كلمة "جميع" تشمل الجميع بمن فيهم المقيمون والأجانب، السكان ومهاجرو العمل.

الحرية وفقا لتفسير إدلشطاين

هنا عدت مرة أخرى إلى خطاب إدلشطاين فلم يكن هناك الكثير من الراديكالية. صحيح، أننا في سنة 2017 نحيي يوبيلا: يوبيل خمسين عاما لحرب الأيام الستة – يوبيل الاحتلال العسكري في مناطق الضفة الغربية، ويوبيل القرار بعدم ضم الأراضي إلى إسرائيل كي لا تُعطى حقوق إنسان أو مواطن للفلسطينيين الذين يعيشون هناك. إذن فالجزء الذي يتناول في هذه الآية "اليوبيل" هو جزء صحيح. هناك خمسون عاماً فعلا. لكن ماذا بشأن سائر الآية؟ ما الذي قصده رئيس الكنيست، الشخصية الأهم في بيت المشرعين، حين قرر التحدث عن الحرية في هذا اليوم بالذات وفي سنة 2017 بالذات وفي هذا الحفل بالذات.

وهذا ما فسره بنفسه على أية حال في ذلك الخطاب:
على الرغم من المصاعب والمخاطر، فإن سكان يهودا والسامرة لم يحجّموا أنفسهم أبداً إلى سكان البلاد فحسب، بل كانوا شركاء في حمل أعباء المجتمع الاسرائيلي... في سنة يوبيل عودتنا المجددة إلى قلب البلاد، إلى الأغوار والجولان، يجب علينا الخروج بدعوة لتعميق هذه النزعة. "وتقدسون السنة الخمسين وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها"، هذا ما تقوله التوراة عن سنة اليوبيل. هذه الحرية ليست حرية جسدية فحسب بل حرية روحانية أيضا، هذه حرية من الآراء المسبقة، حرية من التنميطات المشوهة، من الأفكار المقولبة التي لا توجد صلة بينها وبين الواقع. إنها أيضاً حرية التواصل مع سكان "عمونا" وكذلك مع سكان "ديمونا". وأنا على ثقة بأن سنة اليوبيل ستكرس هكذا: "وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها".

في خطابه عشية يوم الغفران، وفي حين كان يشدد على كلمات "لجميع سكان البلاد"، ويرفع يده قائلا كلمة "الجميع"، لم ينجح إدلشطاين في رؤية أي إنسان غير يهودي. وبعد هذه السنوات، الأكثر قسوة بالذات من ناحية علاقات اليهود والعرب في البلاد، بما في ذلك التشريعات المناهضة للديمقراطية ضد العرب في إسرائيل، الحملة ضد حرية الشعراء، المسارح والمخرجين، هنا بالذات، حين يتوجب على رئيس الكنيست وبإسم الكنيست إجراء حساب نفس على ما قد وقع هنا، فإنه قام علانية بأخذ آية من التوراة تتحدث عن حرية جميع سكان البلاد، ليفسرها كحرية لليهود فقط. لقد حدث هذا فعلا قبل عدة أيام في غوش عتسيون: لقد نظر رئيس الكنيست الى آية "لجميع سكان البلاد" ولم ينجح في رؤية فلسطينيين فيها.

 

المصطلحات المستخدمة:

ديمونا, عزرا, الليكود, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات