المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1188

ارتفع حجم الاستثمارات الصينية في العالم بشكل مذهل خلال العقدين الماضيين، لدرجة أن هذه الاستثمارات للعملاق الصيني تثير تخوفات في دول عديدة حيال أهداف الصين من وراء هذا الكم من الاستثمارات، خاصة وأن الشركات الصينية المستثمرة هي بملكية حكومية كاملة أو جزئية.

وخلال السنوات الخمس الأخيرة، ارتفعت الاستثمارات الصينية في إسرائيل بشكل كبير. وبدأ مؤخرا نقاش في إسرائيل حول هذه الاستثمارات ودوافعها وما إذا كان ينبغي على الحكومة الإسرائيلية التدخل في الصفقات الاستثمارية، وخاصة شراء شركات، وتقييدها.

وتدل المعطيات على أنه خلال السنوات القليلة الماضية استثمرت شركات صينية عشرات مليارات الدولارات في شركات إسرائيلية. وبلغ حجم هذه الاستثمارات قرابة عشرة مليارات دولار في العام الماضي وحده، بحسب تقارير نشرتها صحف إسرائيلية في نيسان الماضي. وتعتزم شركات صينية استثمار 8 مليارات شيكل في القطار البلدي في تل أبيب، الذي سيمتد بناؤه لعدة سنوات. كذلك ستستثمر شركات صينية ما بين 3 إلى 4 مليارات شيكل في توسيع ميناء أسدود. واستثمر الصينيون ملياري شيكل في فرع الهاي- تك في إسرائيل خلال العام الماضي، ما شكل 15% من مجمل الاستثمارات في هذا القطاع. وفي شباط الماضي، اشترت شركة صينية شركة المساحيق الإسرائيلية "أهافا" بمبلغ 300 مليون شيكل تقريبا.

وبدأت الاستثمارات الصينية في إسرائيل قبل خمس سنوات، عندما اشترت شركة "كمتشاينا" شركة "ماختشيم أغان" لصناعة المبيدات والأسمدة مقابل 7ر5 مليون شيكل. وفي العام 2013 اشترت شركة "بوسون بارما" الصينية شركة "ألما لايزرس" الإسرائيلية بمليار شيكل. وقبل سنتين اشترت شركة "برايت فود" الصينية شركة الألبان الإسرائيلية الكبرى "تنوفا" مقابل 4 مليارات شيكل. وضربت الاستثمارات الصينية رقما قياسيا في إسرائيل في العام 2015 وبلغت 10 مليارات شيكل.

خلال الأعوام 2012 – 2015 دخل 30 مستثمرا صينيا جديدا إلى 80 شركة إسرائيلية. وتزور إسرائيل مئات الوفود الصينية سنويا. ويبحث رجال أعمال إسرائيليون بارزون عن تعاون مع شركات صينية. ورغم عدم خروج عدة صفقات إلى حيز التنفيذ، مثل شراء شركة صينية لشركة التأمين الإسرائيلية "هفينيكس" بمبلغ ملياري شيكل، إلا أن معظم مكاتب المحامين الكبرى في إسرائيل والتي تعمل في مجال التجارة الدولية فتحت أقساما خاصة للاعتناء بزبائن صينيين. وحتى أن مكتب دعاية صينيا هو الذي يسوق في العالم شركة الطيران الوطنية الإسرائيلية "إل عال".

استثمارات إستراتيجية؟

رأى السفير الإسرائيلي السابق في الصين، يهوداع حاييم، أنه "ينبغي أن ندرك أن الصينيين هم دولة عظمى عالمية، وكونهم كذلك فإنهم يريدون التواجد في أي مكان". وقال لصحيفة "معاريف"، في تقرير نُشر الشهر الماضي، إنه "لا ينبغي أن نتخوف من أن يتحول السيف الصيني ذو الحدين ضدنا. إذ أنه في أي وقت بإمكاننا أن نقطع أيديهم ونوقف صفقات. وعلى كل حال فإن أداءهم هنا نابع من إعجاب. إنهم معجبون جدا بإسرائيل، ويعتقدون أنه إذا كان هناك شعب ذكي فهو الشعب اليهودي. جميعنا آينشتاين بنظرهم. وطموحهم من الناحية المبدئية هو المجيء إلى إسرائيل والتعاون مع اليهود، وهذا هو الدافع الأساس".

لكن ليس هذا ما يحرك الشركات الصينية وهناك دوافع أهم، إذ أن قسما من الصفقات عاد بأرباح هائلة على المستثمرين الصينيين، المتعطشين لإبرام صفقات تجارية في أنحاء العالم. وتفيد المعطيات بأن 10 مليارات دولار تخرج من الصين يوميا لكي تستثمر في شركات في جميع أنحاء العالم. وكان الثري الصيني لي كا شينغ، مالك شركة "هاتشيسون"، من أوائل المستثمرين في إسرائيل، كمشغل لشركة "بارتنر" للاتصالات الخليوية في العام 1999. وبعد عشر سنوات باع "بارتنر" لرجل الأعمال الإسرائيلي إيلان بن دوف، وذلك بعد أن جنت هذه الشركة أرباحا تزيد عن ملياري دولار والمساهمون فيها جنوا عائدات بمبلغ مشابه. كذلك فإن لي كا شينغ استثمر في شركة "ويز" الإسرائيلية وحقق ربحا بمئات ملايين الدولارات عندما بيعت هذه الشركة إلى "غوغل". ويبلغ حجم استثمارات هذا الثري الصيني في 19 شركة ستارت- أب إسرائيلية حوالي 5ر1 مليار شيكل.

ليست جميع الشركات مسجلة كشركات صينية مثل شركة "هاتشيسون"، وقسم منها ليس مسجلا في الصين. لكن غالبيتها بملكية حكومية صينية، ولو جزئية. وقال الباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، الدكتور عوديد عيران، الذي ركز مؤخرا مشروعا بحثيا حول العلاقات بين الصين وإسرائيل، إنه "عندما تسمح لشركة صينية بتشغيل الميناء الجديد في حيفا، وبناء ميناء أسدود الجديد، فإنه لا يمكنك التهرب من أن تسأل نفسك ما إذا كانت توجد هنا رؤية إستراتيجية صينية تتجاوز محاولة كسب المال. وبما أن معظم الشركات الصينية هي بملكية حكومية، فإنه ليس واضحا ما إذا كانت توجد هنا خطوة اقتصادية أو رؤية إضافية أخرى".

وأوضح عيران أن "الصين تفعل ذلك بصورة عدوانية في المحيط الهندي. وهي تستثمر في هذه المنطقة من خلال رؤية إستراتيجية، إذ يوجد لها حضور عسكري هناك. وتستثمر الصين في تلك المنطقة أكثر بكثير من الاستثمارات الاقتصادية. والسؤال هو ما إذا كان هذا نمط النشاط الذي تعتزم الصين تطبيقه في البحر المتوسط أيضا. وحاليا، إضافة إلى الاستثمار في إسرائيل، اشترت شركة صينية ميناء بيريوس في اليونان، والصينيون شركاء في ميناء السويس، ودخلوا إلى ميناء اسطنبول في تركيا".

وأضاف عيران أن "قسما من الاستثمارات غايته خفض تكلفة نقل البضائع الصينية، وقد يكون قسم آخر نابع من رؤية إستراتيجية. لا ينبغي منع الصينيين من شراء شركات في إسرائيل، لكن ينبغي إقرار سياسة عامة في الموضوع لا تكون موجهة ضد الصينيين حصرا وإنما تجاه جميع الشركات الأجنبية. فلو كانت شركات بريطانية ضالعة هنا بالحجم نفسه، لتعين علينا طرح الأسئلة نفسها، مثلما يحدث في العالم. وتوجد أدوات للتدقيق في هذه الأمور. وحقيقة هي أن المسؤولة عن التأمين في وزارة المالية، دوريت سيلينغر، قررت عدم بيع الصينيين شركة التأمين هفينيكس. وطرح مثل هذه التساؤلات هو أمر مقبول في العالم. فعندما بدأ الصينيون بالدخول إلى الهاي- تك في الولايات المتحدة، واجهوا شكوكا".

وقبل ثلاث سنوات، كتب رئيس الموساد الأسبق، إفرايم هليفي، تقريرا حول ضلوع شركات صينية في مد سكة الحديد إلى إيلات. واعتبر هليفي أن ضلوعا كهذا ليس مرغوبا فيه بالنسبة لإسرائيل لأن اهتمام الصين في الشرق الأوسط هو جيو - سياسي ليس أقل من كونه اقتصاديا، وأن الصين تسعى إلى أن تصبح "لاعبا لديه مصالح في المنطقة". وأشار هليفي إلى العلاقات بين الصين وإيران وإلى أن الصين ساعدت إيران في "التضليل" في كل ما يتعلق ببرنامجها النووي. وأضاف أنه "على الرغم من أن الحكومة (الإسرائيلية) لم توافق على رأيي، لكن ما زال هذا هو اعتقادي ولم أغير رأيي".

كذلك حذر رئيس الموساد الأسبق وعضو الكنيست السابق، داني ياتوم، من ضلوع صيني في إسرائيل، وقال إنه "يمكن السماح لهم بالمشاركة في التنقيب عن النفط والغاز، لكن ليس السيطرة على مصادر النفط والغاز. ولا توجد مشكلة في أن يمدوا خط سكة الحديد إلى إيلات، لكن ما كنت لأسمح لهم بالسيطرة على مطار أو ميناء. والأفضل الابتعاد عنهم في المكان الذي قد نسقط فيه كرهائن".

"لا حاجة للهلع"

العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والصين لا تقتصر على الاستثمارات وإنما هناك تبادل تجاري كبير بين الدولتين. وتشير المعطيات إلى أنه في العام 2015، استوردت إسرائيل من الصين بضائع بمبلغ 1ر22 مليار شيكل، لتشكل الصين بذلك ثاني أكبر مصدر لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، التي استوردت منها بضائع بمبلغ 1ر29 مليار شيكل. وصدرت إسرائيل إلى الصين بضائع بمبلغ 1ر12 مليار شيكل، لتحل في المكان الثالث بعد الولايات المتحدة (43 مليار شيكل) وبريطانيا (1ر14 مليار شيكل).

وطرأ في آذار الماضي تطور هام على العلاقات بين إسرائيل والصين، في إثر لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مع نائبة رئيس الحكومة الصينية، ليو يان دونغ، خلال مؤتمر التحديثات إسرائيل – الصين 2016، الذي عقد في القدس، وأعلنا عن بدء محادثات من أجل التوصل إلى اتفاق تجارة حرة بين الدولتين.

ووفقا لدراسات نُشرت في الولايات المتحدة، فإن هناك تخوفات من ضلوع الصين هناك. ففي العام الماضي استثمر الصينيون 15 مليار دولار في شركات أميركية. وتشير التوقعات إلى أن الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة ستتضاعف. وتعمل في الولايات المتحدة حاليا 1900 شركة صينية يعمل فيها 90 ألف عامل. رغم ذلك، توجد لدى الولايات المتحدة تخوفات حيال التقارب بين الصين وإسرائيل، وأحد أبرز الأمثلة على ذلك، منع الولايات المتحدة إسرائيل من بيع الصين طائرات تجسس من طراز "فالكون" قبل 16 عاما.

إلا أن السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، والرئيس السابق لجامعة تل أبيب، البروفسور إيتمار رابينوفيتش، رأى أن "لا حاجة للهلع. والأميركيون لا يعارضون دخول الصينيين إلى إسرائيل. وحساسية الأميركيين هي حيال المواضيع الأمنية فقط لأنهم يرون أنه يوجد احتمال لحدوث صدام بين الولايات المتحدة والصين في مرحلة ما. وإسرائيل هي التي يجب أن تسأل نفسها حول ما هو جيد بالنسبة لها".

وأضاف رابينوفيتش أنه "حتى في أفريقيا تتعالى تساؤلات إزاء ضلوع الصينيين في هذه القارة. وثمة ما يستدعي قلق الأفريقيين بسبب وجود مليون صيني وتجارة يشكل حجمها 15% من اقتصاد أفريقيا. ومن حيث الأرقام، فإن التجارة بين الصين وأفريقيا في العام 2000 بلغ حجمها 10 مليارات دولار. وارتفع في العام 2012 إلى 180 مليار دولار. ومنذ العام 2000 ضاعف الجيش الصيني ضلوعه في أفريقيا 20 مرة بواسطة قوات الأمم المتحدة. وكل من يتجول في أفريقيا يرى فورا التأثير الصيني، شركات كبيرة وحوانيت ومطاعم ومصالح تجارية في مناطق نائية جدا كما في المدن الكبرى، وكلها تابعة للصينيين. ليس هذا وحسب، وإنما الصين هي مصدرة الأسلحة الخفيفة الأكبر إلى أفريقيا. والذين يعارضون الصينيين يصفونهم بـ’الاستعماريين’. ويخوض سياسيون أفارقة محليون يسعون إلى الوصول إلى مناصب رفيعة حملات انتخابية تعتمد على العداء المحلي للصينيين".

وأشار عميد جامعة تل أبيب، البروفسور أهارون شاي، وهو خبير في الصين وأصدر مؤخرا كتابا بعنوان "الصين وإسرائيل"، إلى أنه "يجري في إسرائيل أيضا نقاش حول ضلوع الصين، رغم أن هذا النقاش عندنا لا يجري في الحيز الواسع وإنما في أوساط معينة ومطلعة. وقد طُرح موضوع ضلوع الصين في إسرائيل بشكل مقلص عندما اشترى الصينيون شركة تنوفا وعندما طلبوا شراء شركة التأمين هفينيكس. ولم يطرح هذا الأمر للنقاش العام كإستراتيجية واسعة. وكان ينبغي أن ننظر إلى هذا الأمر كإستراتيجية شاملة تبحث في الاتجاه الذي يذهب إليه العالم وما هي وجهة إسرائيل".

وقال شاي إن "هذه النقطة بسيطة جدا. الصينيون يستثمرون في جميع أنحاء العالم وهذا الأمر يثير بعض القلق. والطريقة التي ينبغي النظر فيها إلى ذلك هي كيف ستستمر الأمور في المستقبل. من جهة، الاستثمارات الصينية في إسرائيل تمنح إطراء لاقتصادنا وحتى أنها جيدة بالنسبة لاقتصادنا. هكذا حدث عندما اشتروا شركة ’أهافا’، إذ أن صفقة كهذه لا تغير مناعتنا القومية. لكن إذا أراد الصينيون شراء شركة إل عال، هل يوجد إسرائيلي مستعد لبيع شركة خطوطنا الجوية؟ على الأرجح أن الإجابة هي لا".

وختم شاي النقاش في هذا الموضوع بالقول إن "على الحكومة إقرار سياسة في هذا السياق، وأن تدرس أية مشاريع هي جزء من أمننا القومي ولذلك ليس مرغوبا أن تباع إلى شركات أجنبية. لكن الأمور عندما تسير من خلال سكبها من الكُم من دون أن نفهم أنه عندما يشغل الصينيون ميناء حيفا الجديد ويبنون ميناء أسدود الجديد وسكة الحديد إلى إيلات، فإن هذا سيحدد مستقبلنا أكثر من أن شخصا ما سيكون وزيرا في الحكومة أم لا".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات