المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 2198

تصادف، يوم الاثنين المقبل، الخامس من حزيران، ذكرى مرور خمسين عاماً على الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة. وهو الاحتلال الذي يتعامل معه قطاع واسع جداً من الإسرائيليين باعتباره "قضية أمنية أو سياسية، ولا علاقة له بالقضية الاقتصادية ـ الاجتماعية"، كما يشير تقرير جديد أصدره، لهذه المناسبة خصيصاً، مركز "أدفا ـ معلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل" تحت عنوان "الاحتلال: مَن يدفع الثمن؟ ـ تأثيرات الاحتلال على الاقتصاد والمجتمع في إسرائيل".

 

توزع التقرير، الذي أعده الباحثان شلومو سفيرسكي ونوغا دغان ـ بوزاغلو وامتد على 92 صفحة، على الأبواب التالية: 1. المقدمة؛ 2. ليس شريحة مئوية واحدة بل اثنتان؛ 3. الاحتلال وسياسة تقليص الميزانيات؛ 4. بين الاحتلال والنيو ليبرالية: كان بالإمكان غير ذلك؛ 5. الاحتلال وإضعاف شبكة الأمن الاجتماعي؛ 6. الاحتلال وسياسة التطوير القائمة على الأيدي العاملة الرخيصة والإنتاجية المتدنية: قطاع البناء كحالة اختبارية؛ 7. الاحتلال والتطوير غير المتساوي: عن بلدات التطوير؛ 8. الاحتلال والتطوير غير المتساوي: عن المناطق الصناعية في البلدات العربية؛ 9. الاحتلال والتطوير غير المتساوي: فجوات في ميزانيات السلطات المحلية؛ 10. الاحتلال: التكلفة العسكرية؛ 11. ملخص.

يؤكد الباحثان على أن نظرة الجمهور الإسرائيلي المذكورة إلى الاحتلال (باعتباره قضية أمنية وسياسية، فحسب، ولا علاقة له بالمسألة الاقتصادية ـ الاجتماعية) هي نظرة خاطئة، لأن "صيانة الاحتلال" مكلفة جداً، تمسّ بالنمو الاقتصادي، بقدرة الدولة على رصد الموارد والاستثمارات لتطوير الضواحي والمناطق النائية، كما يحدّ من قدرتها على رفع وتحسين مستوى حياة مجمل المواطنين في الدولة.

ومن هنا، يلفت الباحثان إلى أن بحثهما هذا "يبتغي إغناء النقاش العام، من خلال توضيح العلاقة الوثيقة بين ما يجري في جانبي الخط الأخضر، ومن خلال التركيز على بعض الاسقاطات الاجتماعية والاقتصادية المركزية المترتبة على الاحتلال المستمر منذ خمسين عاماً، بشكل خاص، وعلى النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني المستمر منذ سبعين عاما، بشكل عام".

شريحتان مئويتان لا واحدة!

يشير معدّا البحث، بداية، إلى أن مصطلح "الشريحة المئوية العليا" أضحى مصطلحاً مركزيا خلال السنوات الأخيرة في إطار الجدل العام حول اتساع عدم المساواة، تعمقه وتفاقمه في إسرائيل، مع التنويه بأن هذا المصطلح يقصد "التركيز الكبير للموارد والثراء العام في أيدي قلة قليلة من أصحاب الرساميل الأكبر". غير أن فهم الصورة العامة لواقع انعدام المساواة في إسرائيل يستلزم التطرق، أيضا، إلى "شريحة عليا إضافية"، هي "الشريحة المئوية العليا السياسية"، إلى جانب تلك الاقتصادية ـ المالية! وهذه الشريحة المئوية، الإضافية، تشمل المستوطنين "الإيديولوجيين" الذين تتمتع قياداتهم السياسية بقوة سياسية هائلة تتيح لها استخدام وممارسة حق النقض (الفيتو) على أي إجراء سياسي يخطو نحو حل سياسي للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وبالأساس: أي تحرك في اتجاه حل يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة بجانب إسرائيل. وبينما تساهم الشريحة المئوية الأولى، الاقتصادية ـ المالية، في تعزيز وتكثيف حركة تركيز الرساميل في أيدي قلة من الأشخاص في إسرائيل، تساهم الشريحة المئوية الثانية، السياسية الاستيطانية ـ الإيديولوجية، في إدامة الصراع وتحميل إسرائيل، بالتالي، ثمناً اقتصاديا واجتماعيا باهظاً لقاءه.

ويؤكد الباحثان أن "الجواب على السؤال الجوهري: لماذا هذه الهوة السحيقة من عدم المساواة في إسرائيل، بين "أمّة الستارت أب" (الشركات البادئة) من جهة، وبين إسرائيل الأخرى، من جهة ثانية، يكمن في قدرة الشريحتين المئويتين الأعلى، الاقتصادية والسياسية، على وضع وصياغة جدول الأعمال الجماهيري العام ومنع أية خطوات من شأنها تقليص عدم المساواة واحتواء كل المواطنين في إسرائيل، أو غالبيتهم على الأقل، بين ظهرانيّ "أمّة الستارت أب" هذه"!

ويضع التقرير الثمن الاقتصادي والاجتماعي الباهظ المشار إليه ترتبا على الاحتلال واستمراره في "عناوين" رئيسية أبرزها:
• أن الاحتلال يعود بالضرر على الاستقرار الاقتصادي في إسرائيل ويولّد سيرورات نمو متقلبة جدا، وغالبا ما يصطدم النمو الاقتصادي بعقبات تلجمه وتوقفه تماما، وخاصة في فترات المواجهات العنيفة المتواصلة، كما حدث وقت الانتفاضتين الفلسطينيتين وعدوان "الجرف الصامد" على قطاع غزة في العام 2014.

• الضرر الأوضح، الأبرز والأكثر تأثيرا هو الثمن العسكري: الزيادات الكثيرة والمتكررة لميزانية الأمن لتغطية نفقات العمليات والأنشطة العسكرية المختلفة. فقد بلغت هذه الزيادات بين السنوات 1988 و 2015، نحو 6ر55 مليار شيكل، إضافة إلى ميزانية الأمن الاعتيادية (الجارية)، والتي تمول أيضا العمليات الجارية في المناطق المحتلة. وثمة جانب آخر لزيادة النفقات الأمنية هو توجيه جزء من موارد وزارة الأمن الداخلي لأنشطة مختلفة تصب، في محصلتها، في جهود صيانة الاحتلال والإبقاء عليه.

• القطاع الاقتصادي الأكثر تأثراً بالصراع هو القطاع السياحي. فلدى إسرائيل إمكانيات هائلة في مجال السياحة، لكنّ كل "حدث أمني كبير" من شأنه أن يؤدي (وهو يؤدي فعلاً) إلى تراجع حاد في حركة السياحة الوافدة إلى الدولة.

• يمس الاحتلال أيضا بمكانة إسرائيل في تدريج الاعتمادات المالية العالمي، علماً بأنها تحتل مرتبة متدنية أصلاً بالمقارنة مع الاقتصاديات المتطورة في العالم. ويعود سبب ذلك إلى التهديدات الكامنة في الأخطار الأمنية التي تلقي بظلالها على الاستقرار الاقتصادي في إسرائيل. والتصنيف المتدني لتدريج الاعتمادات المالية في العالم يعني الارتفاع الكبير في تكاليف الفوائد على الديون الخارجية. في فترات المواجهات مع الفلسطينيين، كما حصل في العدوان على قطاع غزة في العام 2014 مثلا، تتجنب حكومة إسرائيل الإعلان عن حالة طوارئ خشية أن يعود ذلك بالضرر على تصنيفها في تدريج الاعتمادات الدولي، مما يؤدي إلى امتناعها عن تقديم تعويضات كاملة للمواطنين والمصالح التجارية التي تتضرر اقتصاديا خلال أيام المواجهات.

• تفاقمت مشكلة انعدام المساواة في إسرائيل بصورة حادة خلال العقود الثلاثة الأخيرة وتعتبر اليوم من الأعلى في العالم الغربي. لقد تبنت إسرائيل السياسات الاقتصادية النيو- ليبرالية منذ العام 1985، لكنّ الخطوات الأشد حدة اتُخذت إبان الانتفاضة الثانية، والتي صاحبتها أزمة اقتصادية كانت من الأطول في تاريخ الدولة. وكانت أبرز وأهم تلك الخطوات: سياسة تقشف حكومية أدت إلى تقليص الإنفاق الحكومي عامة والإنفاق على الخدمات الاجتماعية خاصة؛ تخفيض الضرائب على الأفراد والشركات، الأمر الذي عاد بالفائدة الكبرى على الطبقات الغنية في إسرائيل؛ تقليصات حادة في مخصصات "التأمين الوطني"، والتي رفعت إلى حد كبير نسبة الفقراء ومسّت بالطبقة الوسطى.

• يمكن الافتراض بأنه لولا حالة الطوارئ التي ولّدتها تلك الانتفاضة لما كان بالإمكان تطبيق تلك الخطوات الحادة جدا، أو ربما كان بالإمكان تنفيذها بصورة أقل حدة وأكثر تدريجية. ويشكل هذا مثالاً واضحاً على العلاقة بين النهج النيو- ليبرالي داخل حدود "الخط الأخضر"، من جهة، وبين الحكم العسكري المستمر في الجانب الآخر من "الخط الأخضر"، من جهة أخرى.

• انعدام الاستقرار لا يمس بالإسرائيليين محدودي الدخل فقط، إنما يمسّ أيضا بالشركات الكبيرة وبأصحاب المداخيل العالية. إلا أن هؤلاء يتمتعون بحماية مُباشرة وبدعم سخي من حكومات إسرائيل، التي تبذل أقصى ما في وسعها لحمايتهم، من خلال تخفيض عبء الضرائب عليهم ومن خلال خفض تكلفة الاعتمادات المالية واتباع سياسة ثابتة تسعى إلى خفض تكاليف العمل.

• الصراع المتواصل يمس، بوجه خاص، بالمواطنين العرب في الدولة، الذين يعانون من التمييز المستمر في جميع جوانب التطوير الاقتصادي وجودة الحياة، مقارنة بالسكان اليهود. كما يجعل الصراع من الصعب جدا اعتماد سياسة أكثر سخاء (تجاه المواطنين العرب) في مجال تخصيص الأراضي العامة. وبدون سياسة عادلة في هذا المجال، سيبقى من الصعب جدا النهوض باقتصاد البلدات العربية وسكانها بشكل حقيقي- مثلا من خلال إقامة مناطق صناعية فيها، مثل تلك القائمة في بلدات التطوير وفي المستوطنات اليهودية.

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر, التأمين الوطني

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات