المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تظاهرة حريدية ضد التجنيد. (فلاش 90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 34
  • برهوم جرايسي

برزت في الأسابيع القليلة الأخيرة، أكثر من قبل، الخلافات بين تيارات اليهود الحريديم (المتشددون دينياً)، حول شكل تعاملهم مع الحكومة بشأن قانون إلزام شبان الحريديم بالخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي، والذي ما زال يتعثر، بسبب ضغوط الشارع من الجانبين، وأيضا داخل الائتلاف الحاكم، للجم التساهل مع الحريديم، إذ إن تطرف الحريديم السياسي لا يشفع لهم أيضا عند جهات سياسية متطرفة في مسألة التجنيد؛ وفي حين أن غالبية ممثلي الحريديم في الكنيست يبدون تفهما لوضعية الحكومة، ويمنحونها فرصة أطول لسن القانون، فإن أقلية منهم تضغط للإسراع في إنجاز القانون بصيغة متساهلة، وبلغ الضغط إلى حد التهديد بمعارضة الميزانية العامة. لكن جميع ممثلي الحريديم يعرفون أنهم أمام الحكومة الأمثل بالنسبة لهم.

ومن المفترض أن يبدأ الكنيست، في هذه الأيام، بإجراءات الإقرار النهائي للميزانية العامة، للعام الجاري 2025، قبل الوصول إلى الموعد القانوني الأخير، وهو نهاية اليوم الأخير من شهر آذار الحالي، وإلا فسيتم حل الكنيست فورا، والاتجاه إلى انتخابات برلمانية جديدة، لكن يبقى هذا احتمال ضعيف، رغم التهديدات التي تعاظمت، كالعادة، في غالبية "مواسم" إقرار الميزانية العامة.

فقد أعلن حزب أغودات يسرائيل، المنخرط في تحالف يهدوت هتوراة للحريديم الأشكناز، أنه سيعارض الميزانية العامة، إذا لم يتم إقرار قانون تجنيد الشبان الحريديم، بالصيغة التي يريدها، وهي إعفاء كامل، أو شبه كامل للشبان الحريديم. وهذا الحزب مواقفه السياسية اليمينية هي الأكثر تشددا، وحتى التطابق مع مواقف اليمين الاستيطاني، ويتمثل بنائبين اثنين من أصل 7 نواب للتحالف، إذ إن النواب الخمسة الآخرين هم من الحزب الثاني في هذا التحالف، وهو ديغل هتوراة.

وبعد خروج حزب "قوة يهودية" (عوتسما يهوديت) بزعامة إيتمار بن غفير، من الائتلاف الحاكم، على خلفية اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، فإن الائتلاف بات يرتكز على أغلبية 62 نائبا، بمعنى أن تهديد النائبين، يكون من الناحية الفرضية جديّا لضمان الأغلبية العادية لإقرار الميزانية العامة.

وبرز الخلاف في شكل التعامل مع الحكومة بشأن قانون التجنيد، حينما أصدر الرئيس السياسي لنواب ديغل هتوراة، النائب موشيه غفني، بيانا مشتركا مع الزعيم السياسي لحزب شاس، النائب آرييه درعي، امتدحا فيه قرار الحكومة بزيادة مليار شيكل (277 مليون دولار) للميزانية الأساسية لمعاهد التعليم والمعاهد الدينية التابعة للحريديم، عدا الزيادات الأخرى، وهي مع مخصصات "طلاب" هذه المعاهد، تقدّر بمليارات الشواكل، لكنها زيادات تقر سنويا، وليست ثابتة في صلب الميزانية.

هذا البيان لم يصدر صدفة، بل هو رسالة ورد غير مباشر، على من يضغطون على الحكومة والائتلاف الحاكم، لإعطاء أولوية لتمرير قانون التجنيد، حتى بثمن تهديد استمرار الحكومة.

ويمكن الاستنتاج أن حزب ديغل هتوراة، الذي يضم تيارات داخل الحريديم الأشكناز، يبدي مرونة في فهم الواقع السياسي، في حين أن الحزب الأصغر، أغودات يسرائيل، ينصت أكثر للمجموعات الأكثر تشددا في جمهور الحريديم، وبشكل خاص ما يسمى "التيار اليروشلامي" (التيار المقدسي) وأتباع هذا التيار في حالة صدام ميداني أسبوعي، تقع خلالها مواجهات مباشرة مع عناصر الأمن الإسرائيليين، وهم يرفضون كليا فرض أي شكل، ولو هامشي، للتجنيد العسكري وبدائله، مثل ما يسمى بـ "الخدمة المدنية".  

ونشير هنا إلى أنه بعد بحث متشعب، لم نجد خلافات دينية جوهرية بين تيارات الحريديم الأشكناز (الغربيين)؛ فهي في قسم كبير منها، تعيش ضمن مجموعات تتبع لتيار يقوده حاخام، وحوله مجلس ديني، وأيضا كما هو معروف، فإن نسبة عالية من الحريديم الأشكناز يعيشون ضمن "كومونات"، إن صح التعبير، بمعنى أن الأتباع يتلقون مخصصات اجتماعية، مالية وغذائية وغيرها من مقومات الحياة، مع اهتمام بضمان السكن، وغيره. وفي أحيان ليست قليلة، تكون الخلافات بين تيارات الحريديم حول مراكز قوة وسيطرة.

لكن على صعيد التمثيل البرلماني، فإنه عند أول مرّة تم فيها فرض نسبة حسم لدخول البرلمان، في العام 1992، وكانت 1.5%، رأى الحزبان أغودات يسرائيل وديغل هتوراة، أن تحالفهما ضروري لمنع تشكيل أي خطر على تمثيلهما البرلماني، الذي يضمن لهما الميزانيات الضخمة. واستمر هذا التحالف حتى يومنا، لأن نسبة التمثيل ارتفعت ابتداء من انتخابات 2015 إلى 3.25%، التي تضمن 4 مقاعد، في حين أن لتحالف يهدوت هتوراة، الذي يضم الحزبين المذكورين، 7 مقاعد، مع فائض أصوات كاد أن يمنحه المقعد الثامن، في كل واحدة من آخر جولتي انتخابات.

واستمرار التحالف في الانتخابات المقبلة سيكون ضروريا للحزبين، رغم ظهور ديغل هتوراة مع تمثيل أكبر من نسبة الحسم، ولهذا فإن ما نراه خلافا سيبقى خلافا موضعيا، لا انعكاس له على تحالف الحزبين.

أما بالنسبة لحزب شاس، الذي يمثل جمهور الحريديم الشرقيين، السفاراديم، فهو منذ ظهوره في العام 1984 يبدي مرونة أكبر في السياسة العامة، فخلافا لتحالف يهدوت هتوراة، الذي أكثر من 95% من جمهور مصوتيه هم من الحريديم، فإن شاس له جمهور مصوتين من اليهود الشرقيين من الشرائح الفقيرة والضعيفة، رغم أن هذه قاعدة شعبية تتناقص باستمرار، على ضوء الارتفاع المتواصل في مستوى معيشة هذا الجمهور، وتبدّل الأجيال، عدا عن أن ما يسمى بـ "الزاوج المختلط" المتزايد، بين شرائح الجمهور اليهودي، خلق جمهورا من الصعب تصنيفه لهذه الشريحة أو تلك.

وعلى الرغم من أن حزب شاس يطالب بقانون إعفاء من الخدمة العسكرية، لكنه في الواقع أقل تشددا، ونسبة جدية من شبان جمهوره تخدم بهذا المستوى أو ذاك في الجيش، أو في الخدمة البديلة المسماة "الخدمة المدنية"، أو "الخدمة الوطنية". لكن مصالح شاس المتشابكة مع تحالف يهدوت هتوراة، في كل ما يتعلق بمطالب جمهور الحريديم ومؤسساته، تجعله في تنسيق كامل مع هذا التحالف.

هل يواجه الائتلاف خطرا على إقرار الميزانية؟

في الحسابات العددية الجافة، إذا ما أصر حزب أغودات يسرائيل على موقفه، يصبح للائتلاف الحاكم 60 نائبا لدى التصويت على الميزانية. وعلى الرغم من أن قانون الكنيست يجيز إقرار الميزانية العامة بأغلبية عادية بين النواب الحاضرين في جلسة التصويت، إلا أن تساوي الأصوات في نتيجة التصويت يُسقط الميزانية، لكن هذا احتمال ضعيف جدا، إلى حد أنه غير قائم، بفعل المعادلات القائمة، وهذا سيظهر في العرض التفصيلي هنا، إذ إن كل نائب واحد يصبح "سلطانا" لضمان الأغلبية.

بموجب قانون الكنيست، فإن الموعد القانوني الأول لإقرار الميزانية العامة، للعام الجديد، هو اليوم الأخير من العام الذي يسبق، لكن القانون يمنح فترة إضافية، حدها الأقصى مع انتهاء اليوم الأخير من شهر آذار، وإلا يتم حل الكنيست فورا والاتجاه لانتخابات برلمانية. وهناك استثناء آخر، في حال جرت انتخابات في الفترة القانونية الملزمة لاقرار الميزانية، يتم التأجيل، مع السماح بمنح فترة زمنية ملائمة للحكومة الجديدة حتى ترتب أوراقها.

بحسب آخر قرار لرئاسة الكنيست، وبالتنسيق مع الائتلاف، فإنه في هذا الأسبوع الذي يصدر فيه هذا المقال، على لجنة المالية البرلمانية أن تقر مشروع الميزانية العامة، بالقراءة النهائية، لعرضه على الهيئة العامة للكنيست يوم الاثنين 24 آذار الجاري، لتبدأ عملية مناقشات يليها تصويت، لثلاثة وأربعة أيام متواصلة، ليلا نهارا، حسب ما هو مألوف، إلا إذا تقرر برنامج آخر.

وخلال هذه الأيام تتم مناقشة ما يسمى "قانون التسويات"، الذي يضمن عشرات البنود الإدارية التي تطلبها الحكومة لتحقيق أهداف الميزانية، ثم تكون مناقشة الميزانية العامة.

وعلى الرغم من إعلان كتل المعارضة بأنها صبّت آلاف الاعتراضات وتطالب بمناقشتها في اللجنة البرلمانية، ومن ثم في الهيئة العامة، فإنه جرت العادة أن تستخدم رئاسة الكنيست أنظمة ينص عليها الدستور، لاختصار أوقات النقاش والانتقال للتصويت، إن كان في اللجنة البرلمانية، أو في الهيئة العامة.

أما في ما يتعلق بالأغلبية، فإن حزب أغودات يسرائيل يعرف أنه أمام الحكومة الأمثل، والتوجه لانتخابات برلمانية جديدة قد تأتي بحكومة بديلة، تشكل صعوبة أشد على الحريديم وممثليهم، لذا فإذا لم يتراجع هذا الحزب عن تهديده، فعلى الأغلب سيتغيب نائباه عن جلسة التصويت.

الأمر الآخر هو أنه حينما خرج بن غفير وحزبه من الائتلاف، أعلن بشكل واضح أنه لن يسمح بإسقاط الحكومة وحل الكنيست، لأنه يعرف أن البدائل ليست مضمونة، حتى ولو أغرته استطلاعات الرأي العام بزيادة قوته البرلمانية، التي هي حاليا 6 نواب، لأن الحساب هو مجموع قوة الفريق الحاكم حاليا، بعد الانتخابات المقبلة، وهنا تدل الاستطلاعات على خسارة الأغلبية المطلقة التي يتمتع بها حاليا هذا الفريق.

وأمام هذا الواقع فإنه من المتوقع تكثيف الاتصالات مع كتلة بن غفير، إما لضمان تأييدها للميزانية العامة، أو على الأقل الامتناع عن التصويت، وحتى عدم حضور جلسة التصويت. وحتى ولو حدثت مفاجأة بانقلاب بن غفير على موقفه المعلن، وهذا احتمال ضعيف، فقد ظهر لديه أحد النواب المتمردين عليه، ويرفض إسقاط الحكومة الحالية.

ونضيف هنا أن للائتلاف "نائب احتياط"، إن صح التعبير، أيضاً، وهو نائب منشق عن حزب المعارضة "يوجد مستقبل"، ويدعم الائتلاف الحكوميّ من خارجه، ومن شبه المؤكد أنه سيفعل هذا في حال واجه الائتلاف خطر عدم تحقيق الأغلبية. 

وعمليا، مع انتهاء الدورة الشتوية للكنيست، يوم 2 نيسان المقبل، يكون الائتلاف قد دحرج أزمة قانون تجنيد الحريديم إلى الدورة الصيفية، التي من المفترض أن تبدأ يوم 5 أيار المقبل، وتستمر إلى النصف الثاني من شهر تموز المقبل.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات