في 17 تشرين الأول 2024، تداولت مواقع إخبارية عبر منصة تلغرام صوراً تظهر جثمان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار، بين أنقاض منزل في منطقة تل السلطان برفح. ويتفق المحللون على أن إسرائيل لم تكن ترغب في نهاية كهذه لمن تعتبره المسؤول عن هجوم 7 أكتوبر. ويرى البعض أنه لولا تسريب تلك الصور من أحد الجنود في المكان، لكانت إسرائيل قد اختلقت رواية أخرى لواقعة استشهاده تتماشى مع طموحاتها وتصورها للنصر.
من الجدير بالذكر، أن هذه القنوات الإعلامية ليست تابعة للإعلام الرسمي الإسرائيلي، لكنها اكتسبت ثقة جزء من الجمهور الإسرائيلي، وأصبحت مصدراً للأخبار العاجلة خلال الحرب الجارية مع غزة ولبنان.
يسعى هذا المقال إلى تحليل طبيعة هذه القنوات "التلغرمية"، وطرح سيناريوهات عدة حول الجهات التي قد تقف وراءها، مع تقديم أمثلة حول كيفية عمل كل قناة على حدة. كما سنناقش تأثير هذه القنوات على الجمهور، ومدى تجاوزها للإعلام الرسمي والرقابة العسكرية.
الرقابة العسكرية وتصاعد التحكم خلال الحرب
في العام 1990، شكّل الكنيست الإسرائيلي "اللجنة البرلمانية لشؤون الرقابة العسكرية"، التي ترأسها عضو الكنيست السابق يوسي سريد، والتي عرفت بـ "لجنة سريد". كانت مهمتها فحص عمل "الرقابة على الصحافة ووسائل الإعلام"، والمعروفة اختصاراً باسم "الرقابة العسكرية". هذه اللجنة سلطت الضوء على جوانب متعددة من عملية الرقابة، حيث تتدخل بشكل دوري لحجب المعلومات أو تعديلها لضمان عدم تسرب أي تفاصيل أمنية حساسة.[1]
تشير البيانات إلى أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية تدخلت في العام 2018 في 2,712 خبراً صحافياً، حيث عدلت أجزاء من هذه الأخبار، بينما شطبت بالكامل 363 خبراً، ما يعني منع نشره تماماً. وفي العام 2023، تزايدت التدخلات بشكل ملحوظ، حيث منعت الرقابة نشر 613 مقالاً بشكل كامل، وهو ما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بالأعوام السابقة. كما تدخلت في تعديل أو حذف أجزاء من 2,703 تقارير أخرى، بزيادة تقارب ثلاثة أضعاف عن العام الذي سبقه.[2]
فيما شهد العام الماضي، وخاصة بعد هجوم حماس والحرب على غزة، قفزة حادة في تدخل الرقابة العسكرية، حيث تواجد ممثلو الرقابة بشكل مباشر في استوديوهات الأخبار لرصد الانتهاكات الإعلامية ومتابعة الشبكات الاجتماعية. نسبة التدخل ارتفعت من نحو 20% في سنوات عادية إلى 31% في العام 2023، كما ارتفعت نسبة المقالات المرفوضة بالكامل من 7% إلى 18%. تعكس هذه الإحصائيات تشديداً كبيراً في الرقابة تزامناً مع تصاعد العمليات العسكرية والخوف من تسرب معلومات أمنية.[3]
ظاهرة قديمة تضاعفت خلال الحرب
رغم أن القنوات الإخبارية على منصة التلغرام ليست ظاهرة جديدة، فإن تأثيرها وانتشارها زادا بشكل كبير خلال الحرب الأخيرة. بدأت هذه القنوات، التي لا يديرها صحافيون محترفون، بجذب جمهورها قبل عدة سنوات من 7 أكتوبر، لكنها شهدت قفزة هائلة في شعبيتها خلال فترة الحرب. أصبحت هذه المنصات مصدراً رئيساً للمعلومات لمئات الآلاف من الإسرائيليين، مما يعزز دورها كأداة مهمة في نقل الأخبار الفورية.
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "هآرتس" في 30 تموز 2024، فإن قناة "أخبار من الميدان" ارتفع عدد متابعيها من 125 ألفاً قبل الحرب إلى 521 ألفاً. كما زادت قناة "أخبار اللحظة" من 27 ألفاً إلى 102 ألف متابع، بينما ارتفع عدد متابعي قناة "أخبار في الوقت" من 122 ألفاً إلى 222 ألفاً.[4]
تشكل هذه القنوات، التي تعمل أحياناً بالتزامن عبر واتساب وإنستغرام، "ظاهرة جديدة ومهمة"، وفقاً لما ذكره أحياه شاتس، المدير التنفيذي لمشروع "فيك ريبورتر". حيث اعتبر أن 7 أكتوبر كان بمثابة "الوقت الذهبي للأخبار البديلة"، إذ شهدت هذه القنوات نمواً ملحوظاً في عدد المتابعين وقدرتها على نقل المعلومات. كانت الصدمة العامة كبيرة، بينما كانت المعلومات المتاحة محدودة، مما أوجد فراغاً معلوماتياً. وقد قامت جهات أخبار مستقلة ومؤثرون بملء هذا الفراغ، مستغلين نقاط الضعف في الإعلام التقليدي ونقاط القوة في وسائل التواصل الاجتماعي، ليصبحوا مصدراً رئيساً للمعلومات المباشرة لآلاف، إن لم يكن ملايين، من الإسرائيليين.[5]
لكن التحدي، وفقاً لشاتس، يكمن في أن بعض هذه الصفحات تُستخدم – أو تستغلها جهات معينة – لنشر معلومات غير دقيقة أو مضللة لتحقيق أهداف خاصة. في "عصر ما بعد الحقيقة"، أصبح الكذب غير مُجرّم ويُمارس من دون أي مساءلة، بل حتى الإعلام التقليدي قد يقع في هذا الخطأ. فالمسؤولية تجاه المعلومات أصبحت أمراً غائباً إلى حد كبير. وتضيف عميت شارون، الباحثة في "فيك ريبورتر": "في كثير من الحالات، من المستحيل تتبع مصدر المعلومات".
وفقاً لتقرير من المعهد الإسرائيلي للديمقراطية أعدته الدكتوره تهيلة شفارس ألتوشلر، فإن 65% من الجمهور اليهودي في إسرائيل يعتمدون على واتساب و44% على تلغرام في استهلاك الأخبار. وتظهر البيانات أن 26% من هؤلاء يعتبرون واتساب أو تلغرام المصدر الأول أو الثاني للأخبار. كذلك، وجدت الدراسة أن 28% من الجمهور المتشدد يستهلكون الأخبار عبر واتساب وتيلغرام كمصدر رئيس للأخبار، مما يجعل هذه المنصات أكثر أهمية من الراديو والصحافة المطبوعة، وتحتل مرتبة أقل بقليل من المواقع الإلكترونية والتلفزيون.[6]
إدارة المعلومات في زمن الحرب: تجربة قناة "أخبار في الوقت"
في 30 أيار الماضي، قامت قناة "أخبار في الوقت" بنشر إعلان حول "مقتل جنديين في معارك غزة"، مما جعلها تتقدم بمدة ست ساعات عن الإعلان الرسمي للجيش الإسرائيلي بشأن وفاة الرقيب أدر غبريئيل والعريف يونتان إلياس. أودي مزراحي، مشغل الصفحة، أوضح أن هذا القرار لم يكن مجرد تهور، بل كان استجابة لانتشار الشائعات حول عدد القتلى. حيث قال: "عندما تنتشر شائعات عن 20 قتيلاً بينما لا يوجد إلا عدد قليل، يجب على شخص ما إيقاف تلك الشائعات".[7]
رغم أن مزراحي أشار إلى أنه تعاون مع المتحدث السابق باسم الجيش في بعض الأحيان، فإنه واجه أيضاً حالات من عدم التناغم. على سبيل المثال، نشر مزراحي معلومات مثيرة حول انهيار وحدة الدبابات، مما أثار قلقاً بشأن سلامة الجنود. وفي ما يتعلق بتلك الادعاءات، لم يتلقَ رداً مناسباً من الجيش. بينما يُصر مزراحي على أنه حذر جداً في كل كلمة ينشرها، مؤكداً على ضرورة أخذ التهديدات بجدية، بما في ذلك تلك التي تأتي من جهات غير معروفة.
سطوة الإعلام الجديد تطاول الوزراء
أثارت قضية قدمها الوزير إيتمار بن غفير جدلاً واسعاً، وذلك بعد أن نشر مدير صفحة "أخبار في الوقت"، في أيلول 2024، منشوراً يتناول ظروف اعتقال أسرى من غزة. حاول بن غفير، وزير الأمن القومي، إقناع مزراحي بعدم نشر هذه المعلومات، بل قام أيضاً برفع دعوى قضائية ضده بدعم من حزبه. وعندما طلب الكنيست التحقق من ظروف عناصر حماس، تم رفض هذا الطلب.[8]
وقد كشف مزراحي في مجموعة تلغرام الخاصة به عن ظروف اعتقال أسرى من غزة، وكتب: "بن غفير ونائب المفوض الجديد في مصلحة السجون يخفيان عن الجمهور أن ما لا يقل عن خمسة أسرى من غزة يتلقون العلاج في المركز الطبي لمصلحة السجون. هؤلاء الجرحى يتلقون الرعاية من الممرضات والأطباء على مدار الساعة، ويقيمون في غرف فردية (وليس في خيام) مع دش خاص، وعلاج طبي شامل، ووجبات بلا حدود في ظروف تشبه الفندق".
أبو علي أكسبرس بين الاستخبارات ومنصات التواصل
تمثل صفحة "أبو علي أكسبرس"، نموذجاً مثيراً للجدل في الإعلام الجديد، يتميز بطابعه النقدي تجاه الإعلام الإسرائيلي، ويعكس مجال عمله كضابط استخبارات على هيئة صحافي تأثيره الكبير على فهم الأحداث في العالم العربي.
في يوم 21 شباط 2022 ذكرت صحيفة هآرتس أن الجيش الإسرائيلي أنهى عقده مع جلعاد كوهين، مدير قناة التلغرام "أبو علي"، بعد اتهامه بتشويه سمعة الصحافيين والمشرعين. جاء ذلك بعد تقرير من صحيفة هآرتس عن توظيفه كمستشار لنائب رئيس الأركان ولقيادة القيادة الجنوبية بشأن "حرب الوعي"، كان كوهين مسؤولاً في القيادة الجنوبية عن رصد وتحليل التحولات والاتجاهات الرئيسة بين السكان الفلسطينيين في غزة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وقد تم حظر نشر اسمه في البداية بموجب قرار الرقابة العسكرية لحماية سلامته، نظراً لوصوله إلى معلومات حساسة.[9]
تحولت قناة "أبو علي إكسبرس" إلى واحدة من أكثر القنوات تأثيراً على التلغرام في المواضيع الأمنية. كذلك، كانت تهاجم بشكل متكرر الصحافيين الذين انتقدوا سياسة الجيش، مثل ألموغ بوكر من قناة 13. كما استهدفت سياسيين مثل وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان بعد استقالته.
في مقابلة مع صحيفة "يسرائيل هيوم" بتاريخ 14 آب 2024،[10] أشار كوهين (مع أن "يسرائيل هيوم" قدمته بأنه مجهول الهوية) إلى أن بداياته تعود إلى الصف الخامس، حيث بدأ حبّه للغة العربية بفضل معلمه. هذا الشغف قاده لاحقاً للانضمام إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي. خلال فترة خدمته العسكرية، شغل منصب رئيس وحدة "استخبارات المصادر المفتوحة" (OSINT) حيث اعتمد على المعلومات المتاحة من المصادر العامة لجمع البيانات حول أعداء إسرائيل. ومع ذلك، في العام 2011، وعند تولي أفيف كوخافي رئاسة هيئة الأركان أُغلقت الوحدة، ما أدى إلى تحول الاستخبارات نحو الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا ووسائل جمع المعلومات الحديثة، وتراجع التركيز على المصادر التقليدية.
بعد مغادرته الجيش، انتقل "أبو علي" للعمل في القطاع الخاص، لكن سرعان ما أدرك أن التغطية الإعلامية للعالم العربي في الإعلام الإسرائيلي كانت غير كافية. "كان هناك عدد قليل من المراسلين المعنيين بالشؤون العربية، وغالباً ما كانوا يعتمدون على وسائل الإعلام الحكومية لدول عربية، التي لا تعكس دائماً الواقع"، كما يقول.
ومع بروز وسائل التواصل الاجتماعي، وجد "أبو علي" منفذاً جديداً للمعلومات. يرى أن هذه المنصات تعكس واقعاً جديداً، حيث تمنح القوة للجماهير للتعبير عن أنفسها، كما برز ذلك خلال "الربيع العربي". ويشدد على أهمية فهم هذه الظاهرة في جهاز الأمن الإسرائيلي، حيث يشعر بالأسف عندما يجد أن المعلومات التي يقدمها غير متاحة لجهاز الأمن.
في العام 2014، بدأ كوهين الكتابة في موقع الأخبار "روتر" مستخدماً اسم "أبو علي"، وهو اسم جاء بدون تفكير عميق. لاحقاً، أنشأ صفحة على فيسبوك تحت الاسم نفسه، والتي حظيت بشعبية متزايدة، خاصة عندما بدأ يكتب عن تنظيم داعش. "لقد تعلمت الكثير من خلال دراسة داعش، خاصة كيفية عملها في التسويق، وهو ما اعتبره السبب الرئيس لنجاحها"، كما يوضح.
تحليل القنوات غير الرسمية: كيف تعمل؟
تتجاوز هذه القنوات قيود الرقابة، مما يثير تساؤلات حول مصدر هذه المعلومات. هنا تبرز فرضيتان رئيستان حول كيفية عمل هذه القنوات:
- تدار من قبل أجهزة استخباراتية: هناك اعتقاد متزايد بأن بعض هذه القنوات قد تكون جزءاً من لعبة معلوماتية تُديرها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أو حتى جهات عسكرية، بهدف توجيه الرأي العام أو نشر معلومات مسبقة لجس النبض أو التهيئة لا سيما في ما يتعلق بأخبار القتلى أو المصابين الإسرائيليين. تتميز هذه القنوات بقدرتها على نشر معلومات دقيقة وسريعة عن العمليات العسكرية، مما قد يشير إلى تعاون وثيق مع مصادر أمنية.
- يديرها صحافيون مستقلون: في سيناريو آخر، قد تعتمد هذه القنوات على مراسلين مستقلين أو صحافيين داخل إطار المؤسسات الإعلامية التقليدية. يقوم هؤلاء الصحافيون بجمع المعلومات من مصادر محلية مباشرة، أو من خلال شبكاتهم الشخصية داخل الجيش أو الأجهزة الأمنية. ينشرون معلوماتهم عبر تلغرام هرباً من القيود التي يفرضها القانون على الإعلام الرسمي، ومن الملاحظ أن بعض القنوات تضع وسوم أسماء الصحافيين بعد كل خبر، رغم أن القناة نفسها لا تحمل اسم هؤلاء الصحافيين.
ختاماً، تلعب القنوات الإخبارية غير الرسمية عبر منصات التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في تقديم المعلومات في إسرائيل خلال فترات الحروب والأزمات. سواء أكانت مدعومة من قبل جهات استخباراتية أو قائمة على جهود صحافيين مستقلين، فإن هذه القنوات أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المشهد الإعلامي الإسرائيلي. تتيح هذه القنوات للمواطنين الوصول إلى المعلومات بسرعة، لكنها تطرح أيضاً تساؤلات حول مصداقية هذه المعلومات وتأثيرها على الجهود العسكرية والدبلوماسية لإسرائيل.
من الجدير ذكره أن الإعلام الفلسطيني يعتمد بشكل كبير على مجموعة من المواقع الإخبارية كمرجع من أجل نقل الأخبار والمعلومات. وتُعرف هذه المواقع بمسميات عدّة، مثل "المصادر العبرية" و"مواقع المستوطنين"، أو تتم الإشارة إليها بأسمائها مباشرة. ويقوم العديد من الصحافيين وكتّاب الرأي الفلسطينيين بالاستناد إلى هذه المصادر كجزء أساس من تغطيتهم الإعلامية وتحليلاتهم.
[1] للمزيد أنظر/ي، موسوعة المصطلحات، مدار، https://2u.pw/qstHYNKr
[2] حَجّاي مَطر."الرقم القياسي الجديد: الرقابة العسكرية منعت نشر 613 مقالاً في العام 2023"، سيحا مكوميت، للمزيد أنظر/ي، https://2u.pw/nWTzAvmU
[3] المصدر السابق.
[4] إيدو ديفيد كوهين، "أخبار كاذبة في الوقت الحقيقي: كيف استحوذت صفحات تلغرام على تغطية الأخبار؟"، ("هآرتس"، 30 تموز 2024)، للمزيد أنظر/ي https://2u.pw/YskbFfVR
[5] المصدر السابق.
[6] المصدر السابق.
[7] المصدر السابق.
[8] روتم شاسون، أفيف دروري، "مدير قناة على تلغرام نشر خبراً عن بن غفير"، (يسرائيل هيوم 5.09.2024)، للمزيد أنظر/ي https://2u.pw/GFZdZR8C
[9] ينيف كوبوفيتش، "الجيش الإسرائيلي أنهى عقد مدير قناة التلغرام الذي قام بتشويه سمعة الصحافيين وأعضاء الكنيست"، ("هآرتس"، 21.02.2022)، للمزيد أنظر/ي https://2u.pw/JgyaJ1Qz
[10] إيتاي إيلناي. "من أنت "أبو علي إكسبريس"؟ أول مقابلة على الإطلاق مع الشخص وراء شخصية في التلغرام"، ("يسرائيل هيوم"، 14.08.2024)، للمزيد أنظر/ي https://2u.pw/rn7fCaTG
المصطلحات المستخدمة:
مصلحة السجون, هآرتس, يسرائيل هيوم, دورا, الكنيست, أفيغدور ليبرمان