المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
ائتلاف نتنياهو: عودة إلى روتين سنّ القوانين التمييزية. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 489
  • برهوم جرايسي

افتتح البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، هذا الأسبوع، دورته الشتوية، التي ستستمر حتى مطلع نيسان المقبل، وعلى أجندته قوانين مركزية في الشأن الداخلي، وفي مقدمتها ميزانية العام المقبل 2025، وقانون تجنيد الشبان المتدينين المتزمتين، الحريديم، في الجيش، وبموازاة ذلك، سيستكمل الكنيست تشريع قوانين خطيرة أخرى، منها ما تحظى بشبه إجماع صهيوني، كتلك التي تستهدف وكالة "الأونروا"، وقوانين تهدف لمزيد من تقييد الحريات، وبضمنها الترشح للكنيست، وكل هذا في ظل استمرار الحرب وتوسعها، بدون ظهور أي مطالبة من جميع الكتل الصهيونية والدينية بوقفها. كما أن الائتلاف الحاكم بات يرتكز على قاعدة أكبر، بانضمام كتلة من 4 نواب، وبات يسيطر على 68 مقعدا متماسكا، من أصل 120 مقعدا، ما يؤكد مجددا على أن لا انتخابات مبكرة، بل أن الوضع القائم يتيح لبنيامين نتنياهو استكمال ولايته الحالية حتى بعد عامين من الآن.

تعزيز قاعدة الائتلاف الحاكم

قبل نحو شهر من افتتاح الدورة الشتوية، وخلال العطلة الصيفية، صادق الكنيست بأغلبية الأصوات، على انضمام كتلة "اليمين الرسمي"، بزعامة جدعون ساعر، المنشق عن تحالفه مع كتلة "المعسكر الرسمي" بزعامة بيني غانتس، إلى الحكومة، وبات الائتلاف الحاكم يرتكز على 68 نائبا، دون أن تكون لساعر حقيبة تنفيذية، سوى أنه سيكون ضمن الطاقم الاستشاري المقلص للشؤون الحربية (الكابينيت).

ولم يكن أي تفسير لقرار ساعر، الذي انشق عن حزبه الليكود في السنوات القليلة الماضية، معلنا رفضه لنهج بنيامين نتنياهو في إدارة الحكم، رغم الالتصاق التام بأجندة اليمين الاستيطاني المتشدد، الذي لم يشذ ساعر عنه يوما. إلا أنه بعد انشقاقه عن تحالفه مع حزب غانتس، وعلى مدى 5 أشهر، أيقن ساعر كليا أنه لا أمل له بالبقاء في الكنيست، في حال خاض الانتخابات المقبلة، بقائمة مستقلة خارج أي تحالف، إذ إنه يحصل على نسبة أصوات ضئيلة، بعيدة عن نسبة الحسم، التي هي 3.25%، ولهذا فقد رافق الحديث عن انضمامه لحكومة نتنياهو أيضا الحديث عن عودته إلى صفوف الليكود، وضمان مقعد له ولشريكه زئيف إلكين، لكن لم يظهر تأكيد لهذا من أي مصدر مسؤول في الليكود.

في المقابل، فإن نتنياهو يحتاج إلى توسيع الائتلاف، وهذا ما يحتاجه كل رئيس حكومة، لكن بحسب إجماع التحليلات الإسرائيلية، فإن نتنياهو يريد من هذه الخطوة مع خصمه على مدى سنوات، لجم تهديدات وزيره إيتمار بن غفير، الذي يسيطر على 6 مقاعد برلمانية، بالانسحاب من الحكومة، على كل كبيرة وصغيرة، إذ إنه أكثر من مرّة، سحب كتلته من جلسات تصويت برلمانية على قضايا يسعى لها الائتلاف.

وبالفعل، فإن انضمام ساعر مع زملائه الثلاثة، وكلهم منشقون أصلا عن الليكود، أفقد بن غفير قوته في الائتلاف، من زاوية أن كتلته البرلمانية هي من تضمن الأغلبية المطلقة للائتلاف الحاكم.

الاستنتاج الآخر من هذه الخطوة، أنها تؤكد مجددا عزم بنيامين نتنياهو على استكمال الولاية البرلمانية حتى يومها الأخير، لتكون الانتخابات البرلمانية في موعدها القانوني، في الأيام الأولى من شهر تشرين الثاني 2026.

الميزانية العامة وقانون التجنيد

على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، فإن القضية المركزية في بدايات الدورة الشتوية، ستكون ميزانية العام المقبل 2025؛ فعلى الرغم من أن قاعدة الائتلاف واسعة، ويمكن للحكومة تمرير ما تريد من قوانين وقرارات، فإنه بفعل الحرب المستمرة، وكلفتها التي في زيادة مستمرة، والتي سترافق الاقتصاد الإسرائيلي والميزانية العامة سنواتٍ عديدة، فإن وزارة المالية عرضت طلبات قاسية جدا على الجمهور العام، وبشكل خاص الشرائح الفقيرة والضعيفة، بدءا من تجميد المخصصات الاجتماعية، وتجميد راتب الحد الأدنى، وزيادة ضرائب بشكل مباشر أو بشكل ضمني، وهذا ما سيلقى اعتراضات أيضا في الائتلاف الحاكم، وقد نشهد جدلا حولها، لكن هذا سيناريو تقليدي معروف، لدى وزارة المالية، إذ إنها تطرح مقترحات "تقطع باللحم الحي"، إن صح التعبير، من أجل إبداء نوع من التراجع، في مقابل تمرير إجراءات صعبة أخرى. ما يعني أن الميزانية العامة ستمر بدون تشكيل أي تهديد على تماسك الائتلاف الحاكم.

البند الثاني الجدلي بشكل كبير، هو استكمال قانون تجنيد الشبان المتدينين المتزمتين، الحريديم، وفق الصيغة التي يريدها نتنياهو، وهذه المرة بموافقة ضمنية من كتلتي الحريديم، اللتين عارضتا في ما مضى هذه الصيغة، لكنهما باتتا تستوعبان أنها أفضل من الصيغة التي تلمح لها المحكمة العليا، وقطاعات واسعة من الجمهور، بما في ذلك بعض نواب الليكود.

وليس واضحا كيف ستكون الصيغة النهائية لهذا القانون، لكن من المحتمل أن تكون عليه اعتراضات شعبية، وأيضا من كتل المعارضة الصهيونية، وقد تصل هذه الاعتراضات مجددا إلى المحكمة العليا، التي قد يكون لها موقف مغاير، إذا ما استفحلت صيغة القانون في التساهل مع جمهور الحريديم.

قوانين الحرب والاحتلال والتمييز العنصري

ستكون هذه الدورة الشتوية للكنيست واحدة من أخطر الدورات التي سيتم ذكرها في السنوات اللاحقة، نظرا لما على أجندتها من قوانين خطيرة وشرسة، تزيد على ما هو قائم من قوانين دعم الاحتلال والاستيطان، والتمييز العنصري، والتضييق على حرية التعبير، والحريات العامة والنشاط السياسي، إذ إن سلسلة من مشاريع القانون مطروحة منذ عامين على جدول أعمال الكنيست، ومنها ما دخل مسار التشريع في مراحله الأولى، وقد يتم استكماله في هذه الدورة بالذات، تحت أدخنة حرب الإبادة المستمرة.

ففي شهر تشرين الثاني المقبل، ستطلب الحكومة تمديد سريان سلسلة من قوانين الطوارئ، التي تم سنها مع إعلان حالة الحرب، في النصف الأول من شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، مثل قانون الاعتقال ومدته، ومنع الالتقاء بمحامين، وظروف السجن بما يتعارض مع القانون الدولي، وأيضا قانون وسائل الإعلام الذي يستهدف قنوات تلفزيونية، وعلى أثره تم حظر قناتي الجزيرة والميادين، طالما حالة الحرب مستمرة، وغيرها.

كذلك خلال فترة العطلة الصيفية أنجزت لجنة الدستور والقانون والقضاء البرلمانية مشروع قانون اعتبار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، "الأونروا"، منظمة إرهابية، يحظر عملها في المناطق الواقعة تحت "السيادة الإسرائيلية"، وهنا القصد القدس الشرقية المحتلة، ومخيمي شعفاط وقلنديا، ومن المتوقع عرض القانون للتصويت عليه نهائيا مع بدايات الدورة الشتوية.

كذلك جرى التقدم في مشروع قانون يسهّل عمليات فصل معلمين من المدارس في حال عبّروا عن مواقف سياسية مناهضة للحرب والاحتلال. وقانون يحظر فتح ممثلية دبلوماسية أجنبية في القدس الشرقية المحتلة، مخصصة لخدمة الفلسطينيين.

كذلك تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن نية جهات في الائتلاف الحاكم الدفع بمشاريع قوانين تقيّد الحريات، بما فيها تسهيل حظر أحزاب، أو منع ترشحها للانتخابات البرلمانية، باستهداف واضح لأحزاب ناشطة بين فلسطينيي الداخل.

وكل هذه قوانين تحظى بتأييد، أيضا، في صفوف المعارضة الصهيونية البرلمانية، بمعنى أنه لا توجد قوة برلمانية تمنعها، حتى وإن لاقت اعتراضات من الجهاز القضائي المهني، بمعنى جهازي الاستشارة القانونية للحكومة والكنيست.

استطلاعات الرأي العام

على الرغم من سلسلة الاغتيالات التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ولبنان، ورأت بها الحكومة الإسرائيلية بمثابة "انتصار لها"، فإنها لم تُحدث انقلابا في استطلاعات الرأي العام لصالح الائتلاف الحاكم، الذي يواصل تقدمه الزاحف، مقارنة بما كان مع نشوب الحرب قبل 13 شهرا.

والمتغيّر الحاصل هو إعادة توزيع المقاعد بين كتل الفريقين، وثبات منح 10 مقاعد في المجموع للكتلتين اللتين تمثلان فلسطينيي الداخل. إذ نرى أن حزب الليكود عاد ليكون القوة السياسية الأولى، ويتراوح عدد مقاعده ما بين 23 إلى 25 مقعدا، بدلا من 32 مقعدا له حاليا، لكن بعضا من هذا التقدم الحاصل لليكود، بالمقارنة مع استطلاعات حتى قبل أشهر قليلة، يأتي على حساب شركائه، وبشكل خاص على حساب حزب "قوة يهودية" (عوتسما يهوديت) بزعامة إيتمار بن غفير، الذي كانت تمنحه استطلاعات الرأي قبل بضعة أسابيع 10 مقاعد، ليهبط إلى 7 مقاعد، مقابل 6 مقاعد له حاليا. وهذه النتيجة ظهرت مجددا في آخر استطلاع لصحيفة "معاريف" في نهاية الأسبوع الماضي، والتي تنشر استطلاعا أسبوعيا منذ ما يزيد عن عام ونصف العام.

وفي المقابل، نرى ثباتا في قوة الكتل البرلمانية، التي شاركت في الحكومة السابقة، التي أبعدت حزب الليكود عن الحكم لمدة تزيد عن عام، وأن المتغير الحاصل في هذا الفريق هو أن الحزب الناشئ من وحدة حزبي العمل وميرتس وبات اسمه "الديمقراطيون" يحصل على 9 أو 10 مقاعد، وقسم منها يأتي على حساب حزب "يوجد مستقبل" على وجه الخصوص، الذي يهبط في جميع الاستطلاعات من 24 مقعدا له حاليا، إلى 13 و14 مقعدا. وفي وقت سابق كان هبوطه أشد.

نشير هذا إلى أننا نستعرض معدل الاستطلاعات في عدة وسائل إعلام إسرائيلية، باستثناء استطلاعات القناة الـ 14 التلفزيونية اليمينية المتشددة، التي تعرض نتائج شاذة عن جميع الاستطلاعات، بمنح قوة زائدة لحزب الليكود وشركائه.

في المحصلة، فإن الفريق الذي يجلس في صفوف المعارضة البرلمانية، وبعد إعلان أقطابه رفضهم تكرار تجربة الشراكة في الحكومة مع الذراع البرلمانية للحركة الإسلامية، التيار الجنوبي، بزعامة النائب منصور عباس، يفقد الأغلبية المطلقة التي تؤهله لتولي سدّة الحكم.

الأمر الآخر هو تزايد طرح فرضية دخول لاعب قديم متجدد في الانتخابات المقبلة، حزب أو تحالف انتخابي يقوده رئيس الحكومة الأسبق، نفتالي بينيت، وهو من اليمين الاستيطاني المتشدد، ورغم هذا يتم وضعه في خانة الحكم البديل. فقائمة كهذه تحصل على ما بين 22 وحتى 27 مقعدا، تقتطعها من غالبية الكتل البرلمانية، لكن بشكل خاص من حزب "المعسكر الرسمي" بزعامة بيني غانتس، الذي فقد حتى 9 مقاعد من قوته الحالية في الاستطلاعات، كما أن حزب الليكود قد يخسر ما بين 4 إلى 7 مقاعد، ثم تظهر خسائر في أحزاب أخرى، من بينها "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، و"يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد.  

هذا المشهد الظاهر من هذه الفرضية يؤكد الاستنتاج بأنه رغم التشابه في نتائج استطلاعات الرأي العام، فإنه لا توجد حالة استقرار، وأن نسبة جدية من الأصوات في الشارع اليهودي يمكن وصفها بـ "الأصوات العائمة"، وهي التي تنتظر الجديد لتحسم موقفها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات