المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1871
  • برهوم جرايسي

يزداد الحديث في وسائل الإعلام الإسرائيلية، مع تقدم أيام الحرب على قطاع غزة، حول احتمال حل الحكومة والكنيست، وإجراء انتخابات برلمانية في العام المقبل 2024، إلا أن هذه الأحاديث، التي تدعمها استطلاعات رأي عام تشير إلى انهيار الثقة بالائتلاف الحاكم، لا تنعكس على تماسك الائتلاف، الذي سيكون متراصا أكثر، أمام نتائج الاستطلاعات المتوالية. ومستقبل الحكومة سيكون منوطا بمدى هذا التماسك، الذي سيكون عليه تحدي الضغط الجماهيري، في حال نشأ، وهناك سيناريوهات عدة لمستقبل الحكومة، أقواها حتى الآن، استمرار الحكومة، أو على الأقل، في حال تقرر حل الكنيست، فإن انتخابات كهذه صعب رؤيتها في العام المقبل، وفق الوضع القائم، كما أن قرارا من بنيامين نتنياهو بالنزول عن المسرح، ليس بالضرورة أن يؤدي إلى تفكيك الكنيست والتوجه إلى انتخابات مبكرة.

منذ الأسبوع الأول للحرب، بدأت تُنشر استطلاعات رأي عام حول ما إذا جرت الانتخابات البرلمانية في هذه الأيام، وبعضها عن مدى مسؤولية نتنياهو عما جرى. وتُظهر الاستطلاعات انهيارا للائتلاف الحكومي الأساسي، الذي يرتكز على 64 مقعدا حاليا، من أصل 120 مقعدا في الكنيست، فيما شريك حكومة الحرب، كتلة "المعسكر الرسمي" بقيادة بيني غانتس، تضاعفت قوتها بأكثر من مرتين، من 12 مقعدا اليوم إلى ما بين 36 وحتى 40 مقعدا، مقابل انهيار قوة الليكود من 32 مقعدا اليوم إلى 18 وحتى 17 مقعدا، كما تتراجع القوة المشتركة لكتلتي التيار الديني الصهيوني الاستيطاني من 14 مقعدا اليوم إلى 11 وحتى 9 مقاعد، وتحافظ كتلتا الحريديم، تقريبا، على قوتيهما مع تراجع محدود. وبحسب الاستطلاعات نفسها، فقد انهارت مكانة نتنياهو، بصفته السابقة، الشخص الأكثر ملاءمة لتولي رئاسة الحكومة، وبات يحظى بنسبة 25% مقابل 40% وأكثر لغانتس.

كذلك، حسب الاستطلاعات، فإن كتلة المعارضة الأكبر، "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، هي أيضا تنهار قوتها من 24 مقعدا اليوم إلى 17 وحتى 15 مقعدا لصالح كتلة غانتس.

لكن لا يمكن التعويل على هذه الاستطلاعات، فهي تجري في ظل غضب جماهيري عارم، ونقمة على الحكومة وعلى شخص نتنياهو، الذي يمسك بخيوط الحكم منذ قرابة 15 عاما. وسعى نتنياهو أكثر من مرّة، خلال أسابيع الحرب، للتنصل من المسؤولية، ولإلقائها على قادة الأجهزة العسكرية والاستخباراتية، ما زاد من النقمة عليه، كونه يبرئ نفسه، ويتهم قادة الأجهزة "المنهمكين بالحرب"، ولا يستطيعون الرد عليه، فاضطر في واحدة من المرّات إلى الاعتذار.

في كل الأحوال، فإن استطلاعات الرأي العام التي تصدر بكثرة، تعكس أجواء آنية في الشارع الإسرائيلي، بمعنى أن هذه الأجواء مرشّحة للتقلب عدة مرات، بحسب الأجواء التي تحيط يوم أو أيام إجراء الاستطلاعات، لناس في بيوتها، تتأثر من الأحداث، ومن الأجواء التي تضفيها وسائل الإعلام.

وكما يبدو، فإن نتنياهو ينتظر الصورة الإعلامية التي يعلن فيها انتهاء الحرب، وشكل انتهاء الحرب، وفي هذا تندرج مسألة الرهائن والأسرى في قطاع غزة، وعليه سيكون حُكم الشارع عليه أوضح حينها؛ لكن في كل الأحوال، فإن نتنياهو لا يمكنه أن يخرج "نظيفا" من المسؤولية عن نتائج هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، إذ تحل عليه المسؤولية العامة: عن جاهزية الجيش وأجهزة المخابرات، وعن كل الوسائل الدفاعية والتحصينات التي احتفل بحجمها مرارا، وأنه هو من قاد تطبيقها، مثل الجدار الفوقي والسفلي الذي يحاصر قطاع غزة، وأجهزة الرقابة المكثفة، الثابتة والمتنقلة.

وليس معروفا عن بنيامين نتنياهو، على مر وجوده في الحلبة السياسية، وبشكل خاص خلال كل سنوات توليه رئاسة الحكومة، التي فاقت بعددها كل رؤساء حكومات إسرائيل، ابتداء من دافيد بن غوريون، أنه يتمتع بما يمكن تسميتها "أخلاقيات المسؤول"، وأن يعلن تحمله المسؤولية الشخصية ويقرر أن يرحل، وهنا أيضا نقول "لكن"، بمعنى لا نعرف ما إذا كان نتنياهو سيقرر أن يشذ عن نهجه ويقرر مغادرة الحكم.

في كل الأحوال يجب أن نذكر أن من يقرر حل الكنيست، بموجب القانون القائم، هم أغلبية النواب الـ 120، وليست أي جهة أخرى، وفي الحالة القائمة حتى إذا قرر نتنياهو الاستقالة، فهذا لا يعني حل الكنيست. وسنأتي هنا على السيناريوهات المحتملة.

وضعية الائتلاف الأساسي والليكود

السيناريو الأقرب للواقع البرلماني القائم هو تماسك الائتلاف الحاكم الأساسي، بمعنى من دون كتلة "المعسكر الرسمي" بقيادة غانتس، وهو قادر على حماية نفسه من المعارضة البرلمانية، خاصة على ضوء نتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى انهيار القوة المجتمعة لكتل الائتلاف، في حال جرت الانتخابات حاليا.

وهناك من يشير إلى احتمال انشقاق في كتلة الليكود، وهذا في الوضع القائم بعيد عن الواقع، فانشقاق كتلة برلمانية يحتاج إلى ثلث أعضائها، بمعنى 11 نائبا من الليكود يقررون الانشقاق وتشكيل كتلة برلمانية مستقلة، تسلخ نفسها عن الائتلاف، وتسقط الحكومة، فأولا لا يوجد عدد كهذا في الكتلة معارضين لنتنياهو، الذي جعل من الليكود تدريجيا على مدى أكثر من 18 عاما "عزبة خاصة به"، إن صح التعبير، وغالبية نواب الكتلة الحاليين، وبضمنهم وزراء، يربط كل واحد منهم مصيره السياسي ببقاء نتنياهو على رأس الحزب.

لكن حتى لو راودت بعض نواب الليكود ووزرائه فكرة كهذه، فهم يعلمون أن التجارب السياسية للمنشقين لا تبقيهم على الخارطة السياسية، زد على ذلك، أن المعارضين لنتنياهو، وهم قلة، يتنافسون في ما بينهم على رئاسة الليكود، ودفع كل واحد منهم ثمنا سياسيا، لدى تشكيل الحكومة بعد الانتخابات الأخيرة، إذ وجدوا أنفسهم في حقائب هامشية، أو حتى من دونها.

في هذا السياق، يغيب في غالب الأحيان عن أذهان واضعي احتمالات انشقاق كتلة الليكود، أو إحداث انقلاب داخل الائتلاف، تأثير "القانون النرويجي" على مجمل العمل البرلماني. والقصد القانون الذي يجيز للوزراء الاستقالة من عضوية الكنيست، ليدخل النائب التالي في قائمة الحزب مكانه، ويكون وجود هذا النائب على كف عفريت، في حال قرر الوزير العودة إلى عضويته البرلمانية، وفي هذا أيضا قيود يفرضها القانون. وفي الوضع القائم، فإن غالبية وزراء الليكود استقالوا من عضوية الكنيست، وعددهم 10 وزراء، وهم من الأشد إخلاصا لشخص نتنياهو، ما يعني أنه يجب معرفة من هم الذين يتململون داخل الليكود ضد نتنياهو، بحسب تقارير صحافية، فإذا كانوا من النواب الذين دخلوا إلى الكنيست بفعل القانون المذكور، فإنهم لا يسيطرون على مقاعدهم البرلمانية، وبإمكان كتلتهم أن تخرج المتمرد منهم من الكنيست بقرار فوري من الوزير الذي أخلى مكانه البرلماني له. ونقصد القول من وراء ذلك أن "القانون النرويجي" يزيد من ضُعف احتمالات انشقاق الليكود.

سيناريوهات أخرى مفترضة

ما يمكن أن يكون مؤكدا هو أن حملة الضغط الشعبي على بنيامين نتنياهو وحكومته ستشتد إلى ما هو أكثر مما شهدناه خلال أشهر حملة الاحتجاجات الشعبية على ما تمت تسميته في حينه "مسعى الانقلاب على جهاز القضاء"، فهذه الاحتجاجات بدأت منذ أسابيع قليلة، وتتمركز أساسا حول أهالي الرهائن والأسرى في قطاع غزة، الذين يطالبون بصفقة تضمن عودة أبنائهم، لكن تُرفع بعض الشعارات الداعية إلى استقالة نتنياهو فورا، وقبل انتهاء الحرب، تحت شعار "فشله في السابع من تشرين الأول".

ومن الطبيعي الافتراض أن بنيامين نتنياهو وفريقه سيطرحان قوة شعبية موازية لغرض حماية حكمهما، وفي ظل هذا قد يبحث نتنياهو عن مسارات لتخفيف الضغط، أو حتى إجهاضه.

والقضية الفورية التي ستكون مطلبا شعبيا هي تشكيل لجنة تحقيق رسمية، وليس لجنة فحص حكومية، كما أرادها نتنياهو، لأن لجنة التحقيق الرسمية يعين أعضاءها رئيس المحكمة العليا، وتكون توصياتها مؤثرة أكثر، وحتى لو استجاب نتنياهو لهذا الطلب، فإن عمل لجنة كهذه سيأخذ وقتا طويلا، ولربما سيتجاوز العام، وسيطلب نتنياهو انتظار استنتاجات لجنة التحقيق، وفي هذا سيكسب وقتا.

سيناريو افتراضي آخر، هو أن يسعى نتنياهو لتغيير تركيبة حكومته، مثل أن يقيل كتلة "قوة يهودية"، بزعامة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ليس فقط بسبب تطرفها، ففي حكومته وحزبه من ينافس هذا التطرف، بل لأن بن غفير ونوابه تسببوا بالكثير من الحرج للحكومة أمام الرأي العام المحلي والعالمي. وفي المقابل، سيعرض نتنياهو على بيني غانتس الاستمرار في ائتلافه، الذي ينتهي مع إعلان انتهاء الحرب وحالة الحرب، لكن السؤال الذي سيكون مطروحاً في هذا الافتراض هو إلى أي حد سيوافق غانتس على عرض كهذا، وهو يرى أن استطلاعات الرأي العام تجعله الأقرب إلى مقعد رئاسة الحكومة؟

فرضية أخرى، سبق ذكرها هنا، هي أن يقرر نتنياهو الانقلاب على نهجه، ويعلن استقالته من منصبه. في هذه الحالة سيكون الكنيست أمام حالتين: الأولى اتفاق بين الأحزاب على حل الكنيست، والتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وهذه حالة قد تجد جدلا، وهو كيف تتجه إسرائيل بسرعة إلى انتخابات كهذه، وهي في هذه الأوضاع التي خلفتها هجمات 7 تشرين الأول والحرب، ولذا قد يكون من يطلب فترة زمنية فاصلة. الحالة الثانية، أن يقرر حزب الليكود اختيار بديل لنتنياهو، وإسناد مهمة تشكيل حكومة بديلة له، قد تحافظ على التركيبة الحالية، التي هي الأقوى لليكود، وفي هذه الحالة المفترضة فإن الليكود قد يجد شركاء لحكومته، مع شروط، مثل الاستغناء عن كتلة بن غفير، وحتى كتلة "الصهيونية الدينية"، بزعامة بتسلئيل سموتريتش، إذ إن من كتل المعارضة، أو النواب، من لا يختلفون مع الليكود وبرنامجه السياسي، بل لديهم مشكلة مباشرة مع شخص نتنياهو. ولكن في هذه الحالة أيضا، فإن كتل المعارضة، حتى تلك التي ترى أنها ستخسر من مقاعدها في حال جرت الانتخابات في هذه المرحلة، ستكون معنية بالانتخابات أكثر من تشكيل حكومة بديلة.

في ظل كل هذا، نشير كذلك إلى أنه لا أحد يعرف متى ستنتهي الحرب، وحتى إن أعلنت إسرائيل انتهاء الحرب الفعلية على قطاع غزة، فهذا لا يعني إنهاء فورياً لحالة الحرب، بمعنى حالة الطوارئ، من باب استمرار الجاهزية، وهذا ما يعزز استنتاجنا بأنه إذا كانت إسرائيل ستتجه إلى انتخابات مبكرة، فعلى الأغلب لن تكون في العام المقبل 2024، من باب أن التجربة علمت أن كل انتخابات تجري بعد ما لا يقل عن 5 أشهر وحتى 6 أشهر من يوم قرار حل الكنيست، على الرغم من القانون الذي يتحدث عن 90 يوما بعد حل الكنيست.   

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات