المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 2067
  • مركز مدار

أعلنت الولايات المتحدة عن دعمها لإسرائيل في الحرب التي تشنّها على قطاع غزة على نحو يتجاوز إطار التحالف التقليدي بين دولتين. ففي الحرب الروسية الأوكرانية، دعمت الولايات المتحدة أوكرانيا بالسلاح والمال، ولكنها لم تحرّك أسطولها البحري إلى سواحل أوكرانيا، مع علمنا الفرق بين إمكانية ردع دولة كروسيا أو ردع حزب الله وإيران. 

وشمل الدعم الأميركي لإسرائيل مجالات عديدة: الدعم السياسي، والدعم الدبلوماسي في مجلس الأمن الدولي، والدعم العسكري، والدعم الاقتصادي، وتبنى السردية الإسرائيلية. بيد أن الدور الأميركي لم يقتصر على الدعم بل تعدّاه إلى الشراكة في وضع أهداف الحرب السياسية، والتي لا توليها إسرائيل أي اهتمام بسبب نزعتها للانتقام عسكرياً من حركة حماس وقطاع غزة، واقتصار رؤيتها على هذا الأمر فقط.

تحاول هذه الورقة تحليل الدور الأميركي في الحرب على غزة، وتنطلق من أن الدور الأميركي لا يقتصر على الدعم لإسرائيل خلال الحرب، بل يتجاوز ذلك إلى التدخل في صياغة أفق سياسي واستراتيجي لها، وربط الأهداف العسكرية الإسرائيلية بالأهداف السياسية والاستراتيجية للولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.

الدعم الأميركي لإسرائيل

يبدو أن الولايات المتحدة أدركت منذ بداية الأزمة والحرب خطورة الموقف الإسرائيلي، وتعاظمه على أمن إسرائيل، في حال شجعت الهجمات التي نفذتها حركة حماس اندلاع المواجهات على جبهات أخرى وخاصة مع حزب الله، لذلك سارع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى تحذير خصوم إسرائيل من استغلال الوضع ومهاجمتها، ولم تكتف الولايات المتحدة بالتهديد والتحذير الحازم، بل أرسلت حاملة طائرات إلى المنطقة، وأسطولا بحريا لردع حزب الله وإيران عن فتح جبهات أخرى على إسرائيل مستغلين حالة الإرباك والضعف التي ظهرت فيها هذه الأخيرة في الأيام الأول للهجوم[1]

ولم تكتف الإدارة الأميركية بإرسال أسطولها الحربي لردع الجبهات الأخرى، بل جاءت زيارة بايدن إلى إسرائيل في زمن الحرب للتأكيد على جديّة الموقف والتحذير الأميركيين، وهي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس للولايات المتحدة إسرائيل وهي في حالة حرب.

وقد تعهدت الولايات المتحدة بتقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية غير مسبوقة، وكأن إسرائيل في حرب مع دولة قوية، فقد طلب بايدن من الكونغرس تخصيص ميزانية تقدر بحوالي 14.3 مليار دولار مساعدات لإسرائيل، منها حوالي 10.6 على شكل مساعدات عسكرية، والتي بدأت تصل إلى إسرائيل من خلال قافلة جوية متواصلة[2]. هذا فضلاً عن الاستشارة العسكرية، والمعلومات الاستخباراتية وغيرها. وقد أشار أبراهام بن تسفي، أستاذ الدراسات الأميركية في جامعة حيفا، إلى أن زيارة بايدن جاءت لعدم ثقته بقدرة القيادة الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، على إدارة المعركة بعد الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر، وفي ضوء هذا أتى في محاولة منه لإعادة التوازن إلى المؤسستين السياسية والعسكرية[3].

الدور السياسي

بعد هجمات السابع من أكتوبر 2023 وإعلان إسرائيل الحرب، بدأت الولايات المتحدة بتحركاتها الدبلوماسية في المنطقة العربية، وقد بدأت هذه التحركات من خلال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي زار بداية إسرائيل، مؤكدا على الدعم الأميركي الذي أعلنه بايدن، ومن ثم انطلق في جولة إقليمية شملت سبع دول عربية، وعاد بعدها إلى إسرائيل. وهنا برز الدور الأميركي في محاولة لتجنيد موقف إقليمي داعم للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولكن الأهم كان تهدف الجولة إلى محاولة بناء تحالف إقليمي موحد حول اليوم الذي يلي انتهاء الحرب. 

وكانت المحطة المركزية لوزير الخارجية الأميركي هي مصر، وتهدف إلى فحص الموقف المصري من فتح معبر رفح أمام خروج الفلسطينيين إلى سيناء، وليس بالصدفة أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعلن عن موقف مصر من التهجير علنا خلال زيارة بلينكن لمصر، وأمامه مباشرة. 

ويمكن القول إن جولة بلينكن كانت تهدف إلى تحقيق الأهداف التالية:

  • بناء تحالف عربي داعم للحرب على قطاع غزة، وهو أمر فشل بلينكن في تحقيقه.
  • التوصل إلى معادلة إقليمية متفق عليها بشأن الأفق السياسي في غزة بعد انتهاء الحرب، وهو أمر لم ينجح في تصورنا بسبب عدم وضوح الأفق السياسي للحرب فيما يتعدى الأهداف العسكرية الانتقامية، والرفض المصري لتصفية القضية الفلسطينية.
  • العمل على عدم توسيع المواجهة في المنطقة وحصرها في قطاع غزة.
  • محاولة إنقاذ مسار التطبيع في المنطقة، خاصة مع المملكة السعودية، والتي ذكرت مصادر مختلفة أنه توقف بعد أحداث غزة.

وقد شارك بلينكن وبايدن في اجتماعات المجلس الوزاري الإسرائيلي المقلص لشؤون الحرب ("كابينيت الحرب")، ويعود ذلك إلى حرص الولايات المتحدة على التأكد من الخطط الإسرائيلية ونجاعتها، ولكن الأهم هو الأفق السياسي والاستراتيجي للحرب، وهذا على ما يبدو لم يعثر عليه الأميركان في الخطط الإسرائيلية، فلم يجدوا سوى مقاربة عسكرية انتقامية من قطاع غزة، وهو ما حدا ببايدن إلى التصريح في المؤتمر الصحافي الختامي له خلال زيارته لإسرائيل أن على إسرائيل التعلم من التجربة الأميركية في أفغانستان والعراق، وعدم وضع الانتقام هدفاً للحرب. كما تعطي الولايات المتحدة الغطاء الدولي للعمليات العسكرية الإسرائيلية من خلال حق النقض (الفيتو) على القرارات المطالبة بوقف إطلاق النار، حتى من أجل إدخال المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين.

ولا ينحصر القلق الأميركي في غياب الأفق السياسي للحرب، وهو ما قد يؤدي إلى تعقيد المشهدين الإقليمي والدولي، بل يصل حتى إلى عدم ثقة الولايات المتحدة في قدرة الخطط والجهوزية الإسرائيلية على تحقيق أهداف الحرب، والتي رفعت إسرائيل من سقفها. فقد نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن الولايات المتحدة قلقة من قدرة الخطط الإسرائيلية الموضوعة على تحقيق أهداف الحرب[4]. في هذا الصدد يشير ألون بينكاس، القنصل الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة، إلى أن زيارة بايدن وتدخله العميق في اتخاذ القرارات في إسرائيل لا ينطوي فقط على دعم إسرائيل عسكرياً وسياسياً، بل أيضاً على عدم ثقته في الاعتبارات الإسرائيلية عند اتخاذ القرارات، والتي قد تنجم عنها قرارات تُهدّد المصالح الأميركية في المنطقة[5].

ووضعت الولايات المتحدة موضوع الأسرى والرهائن كنقطة مركزية في مقاربتها للحرب، وكانت عاملاً هاماً في القرار الإسرائيلي بإدراج هذا الموضوع ضمن أهداف الحرب، علاوة على الضغط الشعبي المتصاعد على الحكومة الإسرائيلية، مما حدا بنتنياهو لأول مرة إلى الإعلان بأن إطلاق سراح الأسرى والرهائن يدخل ضمن أهداف الحرب الأساسية[6].

تحولات مستقبلية في العلاقات بين البلدين

تحمل العلاقات الأميركية الإسرائيلية في هذه الفترة تحوّلات قد تكون مفصلية على الرغم من الدعم الأميركي لإسرائيل، ونذكر فيما يلي أهمها:

أولاً: زعزعة هيبة إسرائيل كحليف لا يُهزم في نظر الإدارة الأميركية. في هذا الصدد يقول الدكتور يوآف فرومر، رئيس مركز الدراسات الأميركية في جامعة تل أبيب، إن الولايات المتحدة انطلقت من أن لديها حليفاً قوياً في المنطقة، يستطيع تدبر أموره لوحده، ويحتاج من الولايات المتحدة إلى الدعم، ولكنه انكشف بأنه حليف لا يحتاج إلى الدعم فقط، بل أيضاً إلى الدفاع عنه بشكل مباشر، كما فعلت الولايات المتحدة بإرسال حاملة الطائرات والجنود للمنطقة، وهذا على المدى البعيد، برأي فرومر، قد يحوّل إسرائيل إلى عبء على الولايات المتحدة[7].

ثانيا: في مقابل الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة، والتي بدا أنها "الأب" القوي الذي يحضن "ابنه الضعيف"، فسيكون لذلك ثمن سياسي قد تطلبه الولايات المتحدة من إسرائيل فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، وخاصة إن استمرت الإدارة الأميركية الحالية لفترة رئاسية جديدة، وقد صرح بايدن في هذا الصدد بأن الوضع القائم بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين لا يمكن أن يعود إلى ما كان قبل السابع من أكتوبر، وأن الهدف سيكون الذهاب إلى حل الدولتين[8]. وقد يكون الثمن السياسي أيضا اتخاذ إسرائيل موقفا أكثر وضوحا من الأزمة الأوكرانية.

ثالثاً: عودة الولايات المتحدة بشكل أكثر مثابرة ومباشرة إلى منطقة الشرق الأوسط، فالخارطة الإقليمية التي حاولت رسمها، والتي تتمركز في بناء تحالف إقليمي تكون إسرائيل رُكناً أساسياً فيه، سوف تتراجع، حيث تبين للدول الإقليمية أن إسرائيل لا تُغني عن الولايات المتحدة الأميركية، وأنها عرُضة للهجوم، وردعها ليس مؤثراً، وهذا الأمر سيعيد التفكير في دور الولايات المتحدة في المنطقة، وهشاشة التحالفات الإقليمية مع إسرائيل كعامل لاستقرار المنطقة.

رابعاً: العودة إلى التوازن في السياسة الإسرائيلية تجاه السياسة الأميركية، والتي تميزت بتفضيل إسرائيل الحزب الجمهوري، بالذات في صفوف اليمين الإسرائيلي، وقد عبّرت تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في أعقاب هجمات حركة حماس والتي شنّ فيها هجوماً على نتنياهو وقيادة إسرائيل الحاليّة، عن الوهم الذي تعلق به الكثير من الإسرائيليين وفحواه أن ترامب هو أفضل لإسرائيل من الحزب الديمقراطي عموما، والرئيس بايدن خصوصا.

إجمال

تجاوز الدعم الأميركي لإسرائيل مسألة وقوف حليف مع حليفة في وقت الحرب، بل تعدى ذلك إلى أخذ دور فاعل في الحرب ليس من الناحية العسكرية فحسب، بل كذلك من ناحية قيادة الدور السياسي للحرب ووضع أفق سياسي لها، يمنح المزيد من الشرعية للأهداف العسكرية الإسرائيلية. فالولايات المتحدة هي جزء من اتخاذ القرارات العسكرية والسياسية للحرب، ويتمحور هدفها الأساس على المستوى الاستراتيجي في ربط الأهداف العسكرية الإسرائيلية مع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.

لا ينبع دعم الولايات المتحدة ودورها من مصالح إسرائيلية فقط، والناجمة عن استشعار الخطر على دولة إسرائيل ومكانتها وهيبتها في البيئة الإقليمية، بل من مصالح أميركية عميقة في المنطقة تتمثل في محاصرة المحور الإيراني، وإضعافه، وعدم ترك فراغ في الشرق الأوسط ناتج عن ضعف أو تآكل القوة الرادعة لإسرائيل في المنطقة، فقد جاء الانسحاب الأميركي من المنطقة بعد بناء تحالفات إقليمية برعاية أميركية كما تمثلت في "اتفاقيات أبراهام" من أجل تعبئة الفراغ الأميركي، وبدأت الولايات المتحدة بالعودة إلى المنطقة بعد أن فشل هذا التحالف أو المحور الأميركي، إن صح التعبير، في ملء الفراغ الأميركي فظهر النفوذ الصيني بقوة، ولذا تريد الولايات المتحدة دمج الحرب على قطاع غزة ضمن رؤيتها الاستراتيجية الأوسع ومصالحها في المنطقة، خاصة وأنها ترى أن إسرائيل غارقة في أهدافها العسكرية، والتي حتى الولايات المتحدة تشكّك في إمكانية تحقيقها.

 

[1] إلداد شفيط وآخرون، "سيوف حديدية" عشية زيارة الرئيس بايدن، سلوك الولايات المتحدة وتوصيات لسياسات، معهد دراسات الأمن القومي، 17/10/2023، أنظر الرابط: 'חרבות ברזל' לקראת ביקור הנשיא ביידן: התנהלות ארצות הברית והמלצות למדיניות - המכון למחקרי ביטחון לאומי (inss.org.il)

[2] معاريف، بين إسرائيل وأوكرانيا، الصعوبة التي تواجهها أميركا في تقديم المساعدات العسكرية، معاريف، 22/10/2023، أنظر الرابط: מלחמת חרבות ברזל: הקושי שבו נתקלים האמריקאים במתן הסיוע הצבאי | חדשות מעריב (maariv.co.il)

[3] أبراهام بن تسفي، زيارة بايدن لإسرائيل: الرجل المسؤول وصل، يسرائيل هيوم، 18/10/2023، أنظر الرابط: דעה | ביקור ביידן בישראל: המבוגר האחראי מגיע | ישראל היום (israelhayom.co.il)

[4] Helene Cooper and Others, U.S Raises Concerns about Israel Plan of Action in Gazam Officials says, New York Times, 23/10/2023, U.S. Raises Concerns About Israel’s Plan of Action in Gaza, Officials Say - The New York Times (nytimes.com)

[5] موقع معاريف، زيادة تأييد غير مسبوقة؟ يختبئ وراءها عدم الثقة في اتخاذ القرارات في إسرائيل، معاريف، 18/10/2023، أنظر الرابط: ביקור תמיכה חסר תקדים؟ מסתתר אי אמון ביכולת קבלת ההחלטות של ישראל | חדשות מעריב (maariv.co.il)

[6] آنا برسكي، مرة أخرى نتنياهو لا يأخذ مسؤولية، ويقف أمام مشكلة كبيرة في نظر الجمهور، معاريف، 25/10/2023، أنظر الرابط: נתניהו שוב לא לקח אחריות - ועומד בפני בעיה קשה מול הציבור | מעריב (maariv.co.il)

[7] يوآف فرومر، نحن لم نعد الرابحون؟ العلاقات الإسرائيلية الأميركية في فخ 22، موقع ynet، 27/10/2023، أنظر الرابط: אנחנו כבר לא ווינרים? יחסי ארה"ב-ישראל במלכוד 22 (msn.com)

[8] بن سموليس، بايدن: لا يمكن العودة إلى الوضع القائم قبل 7 أكتوبر- المرحلة القادمة: حل الدولتين، هآرتس، 25/10/2023، أنظر الرابط: ביידן: אי אפשר לחזור לסטטוס-קוו של לפני 7 באוקטובר, השלב הבא – פתרון שתי המדינות - מדיני ביטחוני - הארץ(haaretz.co.il)

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, يسرائيل هيوم

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات