المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
مبنى خطر في رمات غان. (وكالات)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1017
  • هشام نفاع

يتوقف بحث جديد أجراه "معهد الأبحاث والمعلومات" التابع للكنيست الإسرائيلي، بطلب من لجنة الاقتصاد البرلمانية، عند مشكلة المباني والبيوت التي تعرّف كـ"خطرة" أو "في خطر انهيار" على قاطنيها أو مستخدميها. ويشير إلى انعدام صورة واضحة للعدد الدقيق لهذه المباني ومواقعها وكذلك لانعدام وجود أنظمة موحدة وسياسة واضحة للتعاطي مع المشكلة. وعلى الرغم من وجود تقديرات لعدد هذه المباني الكبير، يخلص البحث إلى أنه "ليس معروفاً في الواقع عدد المباني الخطرة الموجودة في مختلف السلطات المحلية، وكم منها يشكل خطراً مباشراً، وكم منها معرض لخطر الانهيار أو عدد المباني التي انهارت بالفعل". وفيما يتعلّق بمسؤولية السلطتين، المركزية والمحلية، وأدائهما، جزم البحث: "تبين هذه الوثيقة أن تنظيم طريقة ووتيرة القيام بالتفتيش على المباني من قبل السلطات المحلية هو جزئي وغير موجود. ولا توجد سياسة منظمة لدى لحكومة حول هذه المسألة".

لقد تناول تقرير لمراقب الدولة حول السلطات المحلية للعام 2022 مجموعة متنوعة من "المواضيع التي تقع في صميم عمل السلطات المحلية" كما جاء فيه، وأورد بينها المباني الخطرة التي "تعرّض حياة الناس للخطر". فقد أظهرت الرقابة لموضوع معالجة السلطات المحلية للمباني الخطرة أن "الدمج بين ظروف مئات الآلاف من المباني التي أقيمت في إسرائيل ليس وفقا لمعايير البناء الملزمة لمقاومة الهزات الأرضية، وعمر هذه المباني الآخذة في التقدم، وصعوبة صيانتها، وعدم وجود تنظيم شامل لموضوع الصيانة - هذا الدمج يخلق احتمالا لوجود العديد من المباني الخطرة في إسرائيل".

"قنبلة موقوتة" تعرّض حياة كل من حولها للخطر

يقول المراقب: يمكن أن تشكل المباني الخطرة غير المُعتنى بها "قنبلة موقوتة" تعرّض حياة كل من حولها للخطر، وتعرّض كذلك كلا من أصحابها والسلطات المحلية لعواقب وخيمة هم غير مستعدين لها دائماً. وكشفت الرقابة أنه في العام 2021 قُدّر عدد الوحدات السكنية التي تم تشييدها قبل العام 1980 بنحو 610 آلاف وحدة سكنية، والتي قد لا تستوفي معايير مقاومة المباني للهزات الأرضية. وبلغ عدد المباني التي تم الإعلان عنها كمبانٍ خطيرة في 44 سلطة محلية تم فحصها في الرقابة 4840 بناية. وفي 89% من السلطات المحلية التي شملها الفحص لم تقم السلطة المحلية بإجراء أي مداولات حول المباني الخطرة؛ 77% من السلطات المحلية التي شملها الفحص لم تقم بإجراء تخطيط أو مسح للمباني أو الأحياء التي قد تكون خطيرة.

لم تتخذ هيئات الحكم المركزي، لا سيما وزارة الداخلية ووزارة الإسكان، بموجب التقرير، أية إجراءات للمضي قدماً بمعالجة مشكلة المباني الخطيرة من قبل السلطات المحلية ومعالجة العواقب الاقتصادية والاجتماعية التي ينطوي عليها هذا الأمر. لم تتخذ هذه الجهات والسلطات المحلية إجراءات استباقية لتحديد مواقع المباني الخطرة، الأمر الذي قد يحول دون معالجة مشكلة المباني المهددة للحياة. الخوف المستمر من وقوع هزة أرضية في دولة إسرائيل، إلى جانب الخوف من انهيار مبانٍ قديمة لم تتم صيانتها، على غرار الأحداث التي وقعت خلال العام 2021، وإمكانية الحاق أضرار ملموسة تنجم عنها، تزيد من الحاجة إلى تنظيم المباني الخطرة وتقليص الفجوات بين السلطات في هذا المجال. وهو يجزم بأنه: يجب أن تعمل السلطات المحلية على استغلال الوسائل المتاحة لها، من خلال المبادرة إلى تنفيذ إجراءات تخطيط وإشراف، لضمان المعالجة الفعالة لمشكلة المباني الخطرة وإزالة المخاطر التي تمس السلامة والتي تهدد الساكنين في المباني والجمهور، دون المساس بأصحاب المباني.

عدد البيوت الخطرة في كل سلطة محليّة غير واضح

البحث الذي أجراه معهد أبحاث الكنيست يضم وصفاً لتنظيم المسؤولية عن المباني الخطرة، وتنظيم الالتزام بصيانة المباني، وسياسة الحكومة للتعاطي مع المباني الخطرة وتعزيز التجديد الحضري، ورسم خرائط إمكانات المباني الخطرة، واقتراح وزارة البناء والإسكان لخفض معدل الموافقة على الإخلاء والبناء في حالات المباني الخطرة.

ويقول: يحدث انهيار المباني الناجم عن البلى (وليس الناجم عن كارثة طبيعية) في الغالب بسبب عدة عوامل، قد تجتمع أحياناً معاً، بما في ذلك المباني القديمة التي لم يتم بناؤها وفقاً لمعايير البناء الحديثة؛ سوء صيانة أو إهمال للمباني على مرّ الوقت؛ تغييرات هيكلية تم إجراؤها على المبنى تساهم في عدم استقراره؛ وتغييرات في بيئة المبنى تؤثر على استقراره، مثل حركة التربة، والحفر تحت الأرض أو المحاجر، وحركة المياه الجوفية والجريان السطحي.

ومسؤولية الحفاظ على المبنى في حالة جيدة، بما يضمن سلامة الجمهور، تقع عموماً على عاتق أصحاب المبنى، وتقع مسؤولية الإشراف على ذلك على السلطة المحلية. ولا تتحمل السلطة المحلية أية مسؤولية قانونية تجاه مستأجري المبنى في حال الإعلان عن المبنى كمبنى معرض لخطر فوري وصدور أمر بإخلائه أو إغلاقه أو هدمه، وبالتالي لا تتحمل أيضاً مسؤولية عن إيجاد حلول سكنية بديلة، معالجة المباني الخطرة، أو تعزيز التجديد الحضري في القسيمة أو المجمع المقام في نطاقهما المبنى الخطر.

أما بالنسبة للسياسة المعتمدة في هذا المجال، فإن السلطات المحلية مسؤولة عن إجراء عمليات تفتيش على المباني الخطرة - سواء كانت مبادرة تفتيش من قبل مهندس المدينة، أو استجابة لأصحاب المباني المهتمين بحالتها – ومطالبة أصحاب المبنى بتصحيح مكامن الخلل فيه، والإشراف على تنفيذ الإصلاحات اللازمة في وقت محدد.

على نحو أوسع، لا تتحمل الوزارات الحكومية المختلفة التي يتعلق مجال اختصاصها بمسألة المباني الخطرة - وزارة البناء والإسكان ووزارة الداخلية - أية مسؤولية مباشرة عن التعامل مع هذه المسألة أو عن جمع البيانات أو الإشراف على أنشطة السلطات أمام المشكلة. لذلك، ليس معروفاً اليوم في الواقع عدد المباني الخطرة الموجودة في مختلف السلطات المحلية، وكم عدد ما يمثل منها خطراً مباشراً، ولا عدد المباني المعرضة لخطر الانهيار أو عدد المباني التي انهارت بالفعل.

خلافات بين الوزارات تمنع صياغة قرار حكومي في القضية

ينوّه البحث إلى أنه في شهري تشرين الأول وتشرين الثاني 2021، عُقدت عدة اجتماعات في وزارة الإسكان بهدف صياغة قرار حكومي بشأن هذه القضية، ليتم من خلاله تشكيل طواقم عمل مشتركة بين الوزارات للقيام بتركيز وقيادة العمل والاستجابة للقضايا الرئيسة في هذا المجال. ولكن، كما يكشف البحث، بسبب الخلافات بين وزارة البناء والإسكان وبين الوزارات الأخرى، فحتى مطلع آب 2022 لم يجرِ استكمال هذا العمل، والخلاصة أنه لا توجد اليوم سياسة حكومية منظمة حول هذا الموضوع.

يعدد البحث المشاكل المركزية التي شخّصها، واضعاً في مقدّمتها "إهمال المباني القديمة". ويقدّر أنه قد تكون الوحدات السكنية القديمة خطيرة بسبب إهمال أصحاب الشقق في المبنى، إذا لم يقوموا بصيانة المبنى بشكل صحيح. فالصيانة المناسبة للمبنى تتطلب اهتمام وموارد أصحاب الشقق وتعاونهم. وهكذا، ففي الحالات التي تظهر فيها مشكلة في العمل المشترك لأصحاب الشقق داخل المبنى الواحد، من أجل صيانتها المناسبة، أو عند نقص الموارد اللازمة لتغطية تكلفة الإصلاحات المطلوبة، قد تكون الصيانة غير كافية لإزالة الخطر.

هناك مشكلة أخرى متعلّقة بجدوى إصلاح المباني الخطرة، وهذا نابع من انعدام تغطية تأمينية في حالة انهيار مبنى أو في حالة صدور أمر هدم لمبنى تم فيه تحديد متطلبات الهدم بسبب حالته المادية. وهكذا فإنه في الحالات التي يتم فيها الإعلان عن مبنى معرض لخطر مباشر ويجب إخلاؤه أو إغلاقه أو هدمه، قد يفقد أصحاب المباني الخطرة والمعرضة لخطر الانهيار القيمة الكاملة لعقاراتهم. ولا يتم تغطية هذا الضرر حالياً من خلال ترتيبات التأمين القائمة على المباني، وبالتالي فإن تكلفة الضرر، والتي قد تصل إلى قيمة العقار بالكامل تقريباً، يتم نقلها إلى مالكي الشقق، الذين لا يسارعون إلى معالجة المشكلة بسبب الخسارة التي تنتظرهم.

كما تنعدم الحلول البديلة لسكان المبنى الذي تم الإعلان عن خطورته. وفي الحالات التي تم فيها الإعلان عن أن المبنى يمثل خطراً مباشراً، وكان إخلاؤه مطلوباً، فإن السلطة المحلية ليست ملزمة وفقاً للقانون بتوفير حلول سكنية أخرى للمستأجرين. من الناحية العملية، قد تتصرف السلطات المحلية بشأن هذه القضية وفقاً لمبادرة تقوم بها بإرادتها، وبموجب مواردها وقدراتها، لكن ليس لديها التزام محدد بشأن هذه القضية يجبرها عليه القانون.

سياسة ترميم المباني خاضعة لأرباح المستثمرين 

ليس هناك خط جامع موحد وناظم لأشكال التشريع الثانوي الذي تقوم به السلطات المحلية بشأن الطريقة التي يتم بها تحديد ما هو المبنى الخطير والإجراءات التي يجب اتخاذها لإزالة الخطر. ويسري هذا أيضاً على طريقة إجراء التفتيش الهندسي للمباني والمعايير التي يتم بموجبها تحديد درجة خطورة المباني. بالإضافة إلى ذلك، لا تحدد الأنظمة البلدية عدد المرات التي يجب فيها على البلدية إجراء مسح للمباني الخطرة، ولا هوية الجهة التي يجب أن تقوم بهذه المهمة، أو كيف يجب اختيار المباني التي ستكون مشمولة في المسح. وفقاً لتقرير مراقب الدولة الصادر في تموز 2022، فإن 208 سلطات محلية (تمثل حوالي 81% من 257 سلطة محلية في إسرائيل) لديها قائمة داخلية بشأن موضوع المباني الخطرة، و86% من السلطات التي لديها أنظمة بلدية داخلية (178 سلطة محلية) أنظمتها الداخلية قديمة تم سنها قبل العام 2010.

ولاحظ البحث النقص في البيانات والتوجيه المهني والرقابة من قبل الحكومة المركزية. فالبيانات المتوفرة في السلطات المحلية حول موضوع المباني الخطرة متناثرة، وهي ليست مركّزة على المستوى القطري من قبل الجهات الحكومية ذات الشأن والصلاحية والمسؤولية. كما أنه ليس هناك أي توجيه أو إشراف مهني على نشاط السلطات المحلية في هذا الموضوع. وإلى هذا يُضاف ما أسماه التقرير "الافتقار إلى التوحيد في التعريفات والمناهج" الخاصة بقضايا التفتيش والأنظمة البلدية بين مختلف السلطات المحلية، وهو ما من شأنه أن يجعل من الصعب إنشاء قاعدة بيانات مشتركة حول هذا الموضوع، حتى لو جرت أصلا محاولة لتجميعها ومركزتها. ويشدّد البحث على أنه من أجل جمع البيانات بطريقة سليمة، من الضروري إنشاء فئات واختبارات وطرق اختبار وطرق توثيق موحدة.

أخيراً، يشير البحث إلى مشكلة عميقة تتجسّد في أن ترميم وتجديد المباني محكومان بالجدوى الاقتصادية، مما يبقي عدداً أكبر من المباني الخطرة في البلدات والأحياء التي يُنظر إليها كمُربحة ومجدية اقتصادياً. وأكد أن هناك انعداماً للتوافق بين درجة الحاجة إلى التجديد الحضري (حالة المباني، والبنية التحتية، والأماكن العامة والمباني العامة) ودرجة القدرة على تعزيز التجديد الحضري. فوفقاً للنموذج المستخدم في إسرائيل، تستند برامج التجديد الحضري إلى مبدأ الجدوى الاقتصادية للمستثمرين الاقتصاديين، أي ربحهم الذي ينطوي عليه مشروع "الإخلاء- البناء"، وهو يعني ترميم وتجديد مبانٍ قديمة. فالمناطق التي تكون فيها قيمة الشقق أو الأرض منخفضة لا تحظى "بجاذبية ربح المستثمرين، وتصبح فرصة الترويج لخطة التجديد الحضري فيها منخفضة". ويخلص البحث إلى أن الدولة تعتمد سياسة تعمّق هذه النزعة، التي تميّز ضد الشرائح السكانية التي تعيش في مناطق طرفيّة وفقيرة، ويقول إن الدولة لا تعطي الأولوية للمناطق حسب درجة الحاجة للتجديد حضري، لكنها تمنح الفوائد الهائلة في هذا المجال بالذات لمشاريع في المناطق التي تعود بالأرباح على المستثمرين الاقتصاديين.

المصطلحات المستخدمة:

مراقب الدولة, لجنة الاقتصاد, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات