المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المشهد الاقتصادي
  • 1981
  • برهوم جرايسي

سجل التضخم المالي في إسرائيل في الأشهر الـ 10 الأولى من العام الجاري 2018، ارتفاعا بنسبة 4ر1%، بعد أن ارتفع التضخم في شهر تشرين أول بنسبة 3ر0%. وبلغ ارتفاع التضخم في الأشهر الـ 12 الأخيرة نسبة 2ر1%. ولكن هذه نسب تبقى في الحد الأدنى للهدف، وهو 1% إلى 3%. وعليه فمن المتوقع الإبقاء على الفائدة البنكية القائمة 1ر0%. إلا أن تقارير عديدة تحذر من موجة غلاء إضافية في أسعار المواد الغذائية، تبادر لها شركات الإنتاج وشبكات التسويق، دون أن تبادر الحكومة إلى خطوات ملموسة للجم الأسعار، وخاصة في مجال توسيع التنافسية.

 

وقال مكتب الإحصاء المركزي في تقريره الدوري، في منتصف الشهر الجاري، إن التضخم المالي في شهر تشرين الأول تأثر من ارتفاع أسعار موسمي، خاصة في مجال الأحذية والأغذية بنسبة فاقت 8%.

واللافت أن هذا العام، وخلافا للأعوام الأربعة التي سبقت، لم تشهد الأشهر العشرة السابقة، سوى تراجعا في شهر واحد للتضخم، في الشهر الأول، بينما الارتفاعات الشهرية كانت متفاوتة. وحسب التقديرات فإن اجمالي التضخم في الشهرين المتبقيين، سيكون "سلبيا". ويبقى السؤال، إذا ما سيكون اجمالي التضخم مع نهاية العام، فوق 1%، أم أنه سيهبط إلى 8ر0%، وفق تقديرات بنك إسرائيل المركزي، بمعنى أقل من الحد الأدنى للهدف الذي وضعته السياسة الاقتصادية.

في المقابل، تحذر سلسلة تقارير في الصحافة الاقتصادية من موجات غلاء، خاصة في أسعار المواد الغذائية. وجرى تسليط الأضواء على أن رفع الأسعار في قطاع الأغذية في خلفيته قرارات صادرة عن شركات احتكارية كبرى، تتبعها شركات غذائية، حصتها أقل في السوق. وتوجه السهام أساسا ضد المؤسسات الاقتصادية في مؤسسة الحكم، التي لا تعمل على فض الاحتكارات وفسح المجال أمام تنافسية أكبر في السوق، كما أنها لا تُخضع أسعار الكثير من المواد الغذائية للرقابة.
ويقول تقرير للمحللة نوريت كادوش في صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت" إن تحليلا لشركة ستارونكست بيّن أن الشركات العشر الأكبر في سوق الأغذية تسيطر على 56% من سوق الأغذية في إسرائيل، وهذه نسبة فيها زيادة طفيفة جدا عما كان في العام 2017. والشركات هي: "تنوفا" و"شتراوس" و"أوسم" و"الشركة المركزية للمشروبات الخفيفة" و"يونيليفر" و"نيطو" و"دبلومات" و"سانو" و"حجولا" و"تيمبو".

والسيطرة على سوق الأغذية، كالسيطرة الإنتاجية في قطاعات أخرى، تفسح المجال أمام الشركات الاحتكارية لتقرر في حجم كلفة المعيشة. ويقول التقرير إن شركات الاغذية تتبع بعضها في رفع الأسعار، فيكفي أن تقرر شركة إنتاج كبرى رفع الأسعار حتى تلحق بها شركات أصغر، كما جرى في سوق المشروبات الخفيفة، إذ رفعت كوكاكولا في الشهر الماضي الأسعار بنسبة 5ر3%، وتبعتها شركتا "تيمبو" و"ويفؤورا"، برفع أسعار بحوالي 4%.

وليس قطاع المشروبات الخفيفة وحده، ففي شهر آب الماضي أعلنت شركة تنوفا عن رفع أسعار الحليب بنسب في حدود 4ر3%، وهي تسيطر على حوالي 51% من سوق منتوجات الحليب. ويقول التقرير إن رفع الأسعار، الذي بدأ بقرار من الشركات المنتجة، كان في عدة قطاعات غذائية وأخرى استهلاكية بيتية، مثل الورق الصحي على مختلف أنواعه واستخداماته، وأيضا في مجال الحبوب، مثل الأرز وغيره. وتدعي شركات أن رفع الأسعار نابع أيضا من ارتفاع كلفة الإنتاج، وبضمنها رفع الحد الأدنى من الأجر في السنوات القليلة الأخيرة. وأيضا من الشركات ما تدعي أن رفع الأسعار نابع من ارتفاع أسعار المواد الخام في مواطنها في العالم.

ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، تومر غونين، "إن الحقيقة المُرّة هي أنه في سوق المواد الاستهلاكية، لا يوجد من يدافع عن المستهلكين في وجه ارتفاع الأسعار. لا سلطة القيود على الشركات، ولا وزارة الاقتصاد، وبالتأكيد ليس الشركات ذاتها. فالشركات لربما تتفاخر بالإعلانات الجميلة، وبحساسيتها المعلنة تجاه الجمهور، ولكن مطلبها أن لا تشكو من ارتفاع الأسعار. وهذا أيضا حتى إذا كان رفع السعر بسبب المنتوج ذاته، وليس بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج والتسويق".

ويتابع غونين كاتبا أنه حتى قوة الردع الشعبية، التي حققها الجمهور في حملة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في صيف 2011، وجرى معاقبة منتوجات باهظة الثمن، قد تراجعت، وعمليا لم تعد ملموسة، ولذا لم يعد من يعمل حسابا لاحتجاجات الجمهور. ويقول إن إحدى ظواهر رفع الأسعار تستفحل في القطاعات التي تقل فيها التنافسية، ويبرز الاحتكار، مثل قطاع المشروبات الخفيفة. ففي هذا القطاع تُعد شركة كوكاكولا الشركة الاحتكارية الأضخم، وقد رفعت الأسعار قبل نحو شهر. وتبعتها شركة "تيمبو" قبل أقل من أسبوعين، ثم شركة ثالثة، "ويفؤورا" في الأسبوع الماضي.

ويقول غونين إن نظرية السوق الحرة تدعي أنه إذا لم تتدخل الدولة، وتمنح اللاعبين العمل لوحدهم، فإن اليد الخفية في السوق سترتب الوضع. وبموجب هذا المنطق، فإنه إذا رفعت شركة كوكاكولا الأسعار، فإن على الشركات الأخرى أن تستغل الوضع، كي تختطف منها قسما من السوق، ولكن ليس هذا الحال في السوق، بل إن المنافسين يتبعون الشركة الأكبر بذات الخطوة، بمعنى يرفعون الأسعار.

وهذا كله يحصل لأن الجهات التي عليها التدخل لا تفعل ذلك، حسب غونين، الذي كتب أيضا، أن سلطة القيود على الشركات، التي من المفترض أن تكون أدارة لمعالجة هذه الظاهرة، مثل الإعلان عن شركة ما أنها شركة احتكارية كبرى، فإنها لا تفعل. فالقانون يجيز لهذه السلطة أنه في حال رأت أن هناك خللا يعرقل التنافسية في السوق، عليها اتخاذ الإجراءات وإزالة العوائق أمام التنافس الحر، لضمان منافسة شديدة. كذلك فإن وزارة الاقتصاد، التي عليها الاشراف على الأسعار، هي أيضا لا تبدي استعدادا للتدخل. إلا أن وزارة الاقتصاد تدعي أنه لا يوجد مبرر للتدخل برفع الأسعار في هذه المرحلة.

الفائدة البنكية

وبعد الإعلان عن نسبة التضخم، تتجه الأنظار إلى قرار بنك إسرائيل في 26 الشهر الجاري، تشرين الثاني، بقيادة محافظ البنك الجديد أمير يارون، بشأن ما سيقرره حول الفائدة البنكية الأساسية، التي أبقاها البنك في مطلع تشرين الأول الماضي، عند مستواها القائم منذ 45 شهرا، 1ر0%.

وكثير من التحليلات الإسرائيلية يربط سياسة الفائدة البنكية بشخص محافظ البنك، وجرى الحديث دائما، عن أن محافظة البنك كارنيت فلوغ، التي تنهي مهمات منصبها في نهاية الشهر الجاري، هي مكملة لذات نهج سابقها الأميركي الإسرائيلي ستانلي فيشر، الذي ما أنهى منصبه في العام 2013، حتى عاد إلى وطنه الأصلي.

وللمرة الثانية في سنوات الألفين، يستقدم بنيامين نتنياهو مهاجرا إسرائيليا إلى الولايات المتحدة، ليكون محافظا جديدا للبنك المركزي، وهو البروفسور أمير يارون، حامل الجنسية الإسرائيلية، ولكنه مقيم في الولايات المتحدة كمهاجر منذ 20 عاما، ويحمل الجنسية الأميركية. وقد أقرت الحكومة نهائيا تعيينه في جلستها التي عقدت يوم الأحد الأخير (18 تشرين الثاني)، فحينما كان نتنياهو وزيرا للمالية في العام 2005، استقدم الأميركي اليهودي ستانلي فيشر، لتولي منصب محافظ بنك إسرائيل. ولهذا الغرض، هاجر إلى إسرائيل وحمل جنسيتها، ثم عاد إلى وطنه الأصلي بعد أن أنهى منصبه، الذي جلس فيه 8 سنوات.

إلا أن معطيات التضخم، التي على أساسها جرى تخفيض الفائدة البنكية إلى ما يلامس الصفر بالمئة، ما تزال قائمة، وبموازاة ذلك، هناك تحدي سعر صرف الدولار أمام الشيكل، المهدد حاليا بالتراجع مجددا، على ضوء قرار بنك إسرائيل التوقف عن شراء الدولارات، لمنع ارتفاع قيمة الشيكل، بعد أن بدأ تنفيذ صفقات بيع الغاز.

ولذا فإن التقدير الأولي يشير إلى أن فلوغ ستبقي ذات السياسة، في تقريرها الأخير، المتوقع في نهاية الشهر الجاري، لتترك للمحافظ الجديد القرار بشأن السياسة المستقبلية. وهذا يعني أن العام 2018، سينتهي مع ذات الفائدة، وهو ما ينقض توقعات بنك إسرائيل للعام الثالث على التوالي، إذ كانت التقديرات أن يتم رفع الفائدة البنكية في الربع الأخير من العام الجاري. وكانت هناك توقعات مماثلة للعامين الماضيين 2017 و2016.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات