المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المشهد الاقتصادي
  • 949
  • برهوم جرايسي

بدأت أوساط مالية وحكومية إسرائيلية في الأيام الأخيرة تطالب بالدفع بقانون حكومي، تم ادراجه منذ أكثر من عامين، يقيد حجم الصفقات التي مسموح دفعها نقدا بالعملة الورقية. إذ أن استخدام الأوراق النقدية يُعد من الأعلى بين الدول الأكثر تطورا، فيما يرى خبراء أن الدفع النقدي هو أساس للاقتصاد الأسود، والتهرب الضريبي، وأيضا لعالم الجريمة. ويتضح من تقرير إسرائيلي أن من يعيق تقدم القانون هم المتدينون المتزمتون "الحريديم"، كي لا يكون القانون عائقا أمام "الاقتصاد" الاسود السائد في مجتمعهم.

وتقول المحللة الاقتصادية ميراف أرلوزوروف، في مقال لها في صحيفة "ذي ماركر" التابعة لصحيفة "هآرتس"، إن الدفع بالأوراق النقدية هو اساس الاقتصاد الاسود، وهو فاتحة للجرائم المالية، وللتهرب الضريبي، ولعالم الجريمة بشكل عام. وحسب التقديرات، فإن ما بين 20% إلى 22% من الناتج الإسرائيلي هو اقتصاد أسود، وبسبب ذلك تخسر خزينة الضرائب ما يعادل 50 مليار شيكل سنويا، وهذا ما يعادل 2ر14 مليار دولار. كما أن 5% من الناتج العام، هو من الجريمة المنظمة وعالم الجريمة بشكل عام.

ولهذا السبب، فإن العالم المتطور يتجه نحو استخدام البطاقات الذكية، "الديجيتال"، التي هي بديلة لحمل الأوراق النقدية. وليس المقصود بطاقات الاعتماد فقط، وإنما بطاقات خاصة، من فئة بطاقات الاعتماد، ولكنها تستخدم للدفع النقد الفوري من الحساب البنكي.

ويقول تقرير لمنظمة التعاون بين الدول المتطورة، إن إسرائيل من أكثر الدول استخداما للدفع نقدا بالأوراق النقدية، مقارنة مع باقي الدول الأكثر تطورا في العالم. ففي السويد مثلا، فإن حجم الدفع نقدا بالأوراق النقدية يعادل 7ر1% من الناتج العام، وفي الدانمارك 3% وفي بريطانيا 5ر3%، وفي إسرائيل 6ر5%؛ في حين أن معدل النسبة في دول اليورو يصل إلى 10% من الناتج العام.

وتقول معطيات بنك إسرائيل المركزي، التي نشرتها صحيفة "ذي ماركر"، إن الدفع بالعملة النقدية ارتفع في العامين 2015 و2016 بنسبة 19%، إذ في العام 2015 وحده ارتفع استخدام الاوراق النقدية بنسبة 16%، تليها 3% في العام 2016. ويقول التقرير إنه في السنوات العشر الأخيرة، ارتفع الدفع نقدا بنسبة 11% سنويا، وهذا يبرز بشكل خاص في استخدام أكبر ورقة نقدية من فئة 200 شيكل.

ويقول التقرير إنه في العام 2000، كان 11% من العملة المستخدمة من فئة 200 شيكل، و47% من فئة 100 شيكل، و28% من فئة 50 شيكلا، و14% من فئة 20 شيكلا. أما في العام 2016 الماضي، فقد كان استخدام فئة 200 شيكل من بين جميع الأوراق النقدية المستخدمة بنسبة 49%، وفئة 100 شيكل بنسبة 32%، وفئة 50 شيكلا بنسبة 12%، ثم فئة 20 شيكلا بنسبة 8%. وبحسب البنك، فهذا يدل على حجم المبالغ التي تدفع نقدا.

وحسب ما ورد في تقرير لصحيفة "ذي ماركر"، فإن أحد أسباب الارتفاع الحاد في حجم استخدام الاوراق النقدية، هو سوق السيارات المستعملة، التي نادرا ما يكون فيها الدفع بحوالات بنكية أو تحويلات، بل هي قطاع يتعامل غالبا بالأوراق النقدية، مثل سوق الخضراوات والفواكه أيضا.

القانون والحريديم

المشكلة الكبرى التي تقف امام إسرائيل هي انها حتى الآن ليست مصنفة بين الدول التي تنتشر فيها ظاهرة تبييض الأموال، ولكنها مطالبة بأن تسن قانونا يحد من حجم استخدام الأوراق النقدية في الصفقات، والحديث يجري عن صفقة لا تتعدى 10 آلاف شيكل، وهو ما يعادل 2840 دولارا، بحسب نص القانون الحكومي، الذي ادرج على جدول أعمال الكنيست، إلا أنه ما زال عالقا في اللجنة البرلمانية ولا يتم الدفع به إلى الأمام.

وحسب "ذي ماركر"، فإنه على الرغم من أن القانون اقر بالقراءة الأولى قبل عامين، إلا أن أحدا لا يهتم في دفع القانون، على الرغم من أن الحد الأقصى للدفع نقدا، الذي ينص عليه القانون، يُعد فضفاضا، مقارنة مع دول أخرى. ولكن الأمر بات حاليا أكثر الحاحا، إذ أن المنظمة الدولية لمكافحة ظاهرة تبييض الأموال من المفترض أن تزور إسرائيل في هذه الايام.

وبحسب التقديرات، فإن أحد أسباب عدم الدفع بالقانون إلى الأمام في مسار التشريع، هو معارضة المتدينين المتزمتين لذلك، إذ إن في مجتمع "الحريديم" "اقتصادا أسود" واسع النطاق، ومن شأن هذا القانون أن يحد من حركة مشترياتهم، وحياتهم المنغلقة على ذاتها.

ووفق سلسلة تقارير، فإنه لدى الحريديم تتسع باستمرار ظاهرة "الاقتصاد الأسود"، وهي ميزانيات ضخمة يتلقاها الحريديم من مصادر خارجية خاصة بهم، ومنها يديرون معاهد ومؤسسات تدفع الرواتب نقدا، بعيدا عن سلطة الضريبة. وهذا بشكل خاص منتشر لدى الطوائف الغربية (الأشكناز)، والأكثر بين طائفة ساتمر، التي لا تعترف بإسرائيل رسميا، ويقدر عدد ابنائها بحوالي 7% من اجمالي الحريديم.

وبموجب تقديرات سابقة، فإنه في حين أن 49% من رجال الحريديم ينخرطون في سوق العمل، وعمليا يجري الحديث عن عمل رسمي مسجل، فإنه على ارض الواقع نسبة الانخراط في سوق العمل أعلى بكثير، وهناك من يبالغ للحديث عن 80% بين الرجال في جيل العمل، إلا أن هذا العمل ليس مسجلا.
ولا ينحصر الاقتصاد غير المسجل عند مسألة العمل والتجارة، بل هناك دورة مالية مغلقة، وأشبه بقطاع بنكي وفق الشريعة اليهودية، و"تحظر" فيه الفوائد البنكية، إذ تنتشر بين الحريديم جمعيات وأطر، تعلن عن نفسها أنها لا تعمل لغاية الربح، وتضع آليات ومقاييس لمساعدة العائلات الفقيرة، والفقر هو من نصيب الأغلبية المطلقة، وحسب التقديرات فإن الفقر بين الحريديم حوالي 55% وفق ما ذكره تقرير الفقر الرسمي للعام 2010.

وتوزع هذه الجمعيات ألبسة وأثاثا ومعدات بيتية وأغذية في الكثير الحالات، وهذه البضائع توزع مجانا أو بأثمان رمزية. ولكن الأمر الأبرز في قطاع هذه الجمعيات، هو تقديم قروض من دون فوائد، وحسب الأنظمة المتبعة فإن العائلة التي تريد مستقبلا الحصول على قروض لمساعدتها على شراء بيت أو تأثيثه أو للقيام بمشاريع عائلية كبيرة، عليها أن تودع مبالغ رمزية شهرية لهذه الجمعيات، بمعنى أشبه بصندوق توفير، ولكن أيضا من دون فوائد، وبعد سنوات محددة يحصلون على نصف ما وفروه، إضافة إلى قرض "سخي"، حسب الوصف، ومن دون فوائد، وتصل قيمة القروض إلى عشرة أضعاف مبلغ التوفير.

بكلمات أخرى، بالإمكان القول إن هذه الجمعيات تحصل على فائدة غير معلنة، وهي نصف التوفير الذي تحتفظ به لديها، إذ أن حجم القرض مرتبط بحجم التوفير، ولكن بكل الأحوال تبقى القروض أكثر تسهيلا من البنوك التجارية.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات