أثار قرار الحكومة الإسرائيلية في نهاية الأسبوع الماضي القاضي بتقليص ضريبة المشتريات من 18% إلى 17% وتقليص ضريبة الشركات من 5ر26% إلى 25%، جدلا واسعا ومتشعبا في الأوساط الاقتصادية من جهة، والأوساط الاجتماعية من جهة أخرى، فقد صدر القرار بعد أقل من 24 ساعة على إقرار الكنيست بالقراءة الأولى الموازنة العامة للعامين 2015 و2016، والتي تتضمن تقليصا بنسبة 4% في ميزانيات الوزارات الاجتماعية الأساسية.
وكان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير ماليته موشيه كحلون قد أعلنا في مؤتمر صحافي مساء الخميس الماضي، عن تخفيض ضريبة المشتريات من 18% إلى 17%، ابتداء من مطلع شهر تشرين الأول المقبل، بعد مرور عامين وثلاثة أشهر على رفعها إلى 18%، كما أعلنا عن تخفيض ضريبة الشركات من 5ر26% إلى 25%، ابتداء من مطلع العام المقبل 2016، وبعد عامين على رفعها الأخير رغم أن هذه الضريبة كانت حتى نهاية سنوات التسعين من القرن الماضي في حدود 34%.
وحسب تقديرات وزارة المالية، فإن هذا التخفيض سيقلص مداخيل خزينة الدولة من الضرائب بنحو 5ر6 مليار شيكل، وهو ما يعادل 65ر1 مليار دولار، بسعر الصرف في هذه الأيام. وجاء القرار على ضوء الفائض الحاصل في خزينة الدولة من الضرائب في النصف الأول من العام الجاري، وحسب التقديرات فإن الفائض مستمر بالتزايد، رغم كل التقارير التي تتحدث عن تباطؤ شديد قد يقلص النمو الاقتصادي إلى حدود 6ر2% في العام الجاري، ورغم طلب وزير المالية رفع العجز المالي للعام الجاري إلى نحو 3%.
وكان تقرير سلطة الضرائب عن النصف الأول من العام الجاري أشار إلى أن مداخيل الضرائب سجلت ارتفاعا بنسبة 3ر6% مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي 2014. وبلغ إجمالي الجباية 135مليار شيكل، ما يعادل 35 مليار دولار.
وتقول مصادر في وزارة المالية إن الجباية قد ترتفع بقيمة 10 مليارات شيكل، لتصل حتى نهاية العام الجاري إلى مستوى 262 مليار شيكل، بدلا من 252 مليار شيكل، حسب التقديرات السابقة لضرائب هذا العام. وحسب التقديرات فإن الفائض بلغ حتى نهاية آب الماضي ما يزيد عن 5 مليارات شيكل، وهو ما يعادل 3ر1 مليار دولار تقريبا.
وجاء هذا الإعلان بعد أقل من 24 ساعة على إقرار الهيئة العامة للكنيست، في جلسة استثنائية في عطلة الصيف، بالقراءة الأولى، على الموازنة العامة للعامين الجاري والمقبل 2016، ويتضمن مشروع الميزانية تقليصا لاحقا بنسبة 4% في أساس ميزانيات الوزارات الاجتماعية، مثل التعليم والصحة والرفاه، وحسب تقارير صحافية فإن مجموع ما سيتم تقليصه من هذه الوزارات أقل من حجم الضريبة المخفضة.
بنك إسرائيل يعترض
وأثار هذا القرار جدلا واسعا في الحلبة الإسرائيلية، وبالذات لدى الأوساط الاجتماعية من جهة، ولدى الأوساط الاقتصادية من جهة أخرى. فقد رحبت الأوساط الاقتصادية بداية بتخفيض ضريبة الشركات، بدعوى أن هذا سيساهم في تحريك عجلة النمو، ومساعدة شركات الانتاج على مواجهة حالة التباطؤ في الحركة الشرائية، إلا أن الأوساط ذاتها قالت إنه كان على الحكومة أن تستخدم الفائض من أجل تقليص العجز في الموازنة العامة، وتقليص الدين العام، الذي يعادل حاليا 67% من اجمالي الناتج العام.
وأصدرت محافظة بنك إسرائيل المركزي كارنيت فلوغ بيانا شديد اللهجة، انتقدت فيه قرار الحكومة بتخفيض ضريبة المشتريات بنسبة 1%، وضريبة الشركات بنسبة 5ر1%، وقالت إن هذا القرار يصدر في الوقت الذي يطغى فيه عدم وضوح الرؤية للأوضاع الاقتصادية في العام المقبل 2016، وأيضا في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد حالة تباطؤ شديد، فالنمو الاقتصادي سجل في الربع الثاني من العام الجاري نسبة 3ر0%. وتخفيض ضريبة المشتريات بنسبة 1%، يعني انتقاص 8ر4 مليار شيكل سنويا من الخزينة العامة، ما من شأنه أن يرفع العجز في الموازنة العامة إلى نسبة 9ر2%، في الوقت الذي يدعو فيه البنك إلى أن لا يتعدى العجز في الموازنة نسبة 5ر2%.
وقالت فلوغ إن الأشهر الأخيرة شهدت فائضا في جباية الضرائب، ومن الصعب معرفة ما إذا كان هذا الارتفاع سيظل متواصلا، أم أنه نابع من تحركات اقتصادية استثنائية، مثل ارتفاع حاد في بيع البيوت، أو بسبب ارتفاع الضرائب على أرباح البورصة. وفي المقابل فإن المعطيات الاقتصادية تشير إلى حالة تباطؤ اقتصادي، وتراجع في الصادرات، على خلفية الأزمات الاقتصادية في دول العالم، وبناء على هذا فإن خطوة الحكومة هي خطوة ليست حذرة، وما كان على الحكومة أن تتعامل مع فائض الضريبة وكأنه حالة مستمرة.
وهاجمت القرار أيضا الأوساط الاجتماعية ولكن من منطلقات أخرى، وقالت إن تخفيض الضرائب جاء ليخدم الشرائح الميسورة، إذ أن تخفيض ضريبة المشتريات لن يكون ملموسا لدى الشرائح الفقيرة، فعلى سبيل المثال لن تسارع شبكات التسوق الغذائي إلى اجراء تعديل على أسعارها، بسبب تخفيض ضريبة المشتريات بنسبة 1%، ما يعني أن من سيستفيد من هذا التخفيض سيكونون أصحاب المداخيل العالية، وأيضا شبكات التسوق.
وتابعت الأوساط الاجتماعية مشيرة إلى أنه كان على الحكومة أن تستغل الفائض في الضرائب، إما لإلغاء تقليص الميزانية المرتقب في الوزارات الاجتماعية الحيوية، أو لصرفه على مشاريع بنى تحتية مجمدة، أو لتنفيذ سلسلة من المشاريع التي يسعى لها جهاز التعليم، مثل بناء الغرف الدراسية وتقليص أعداد الطلبة، وغيرها من البرامج المتعلقة بالجهاز.
إقرار الموازنة العامة
وكان الكنيست قد أقر في الثاني من أيلول الجاري الموازنة العامة للعامين 2015 و2016، إذ تبلغ موازنة العام الجاري حوالي 91 مليار دولار، في حين ترتفع موازنة العام المقبل إلى 93 مليار دولار، قبل اجراء التخفيض المتوقع، بعد أن يقر الكنيست موازنة العامين، حتى منتصف شهر تشرين الثاني. وقد قررت الحكومة كما ذكر سابقا اجراء تخفيض بنسبة 4% في ميزانيات الوزارات الاجتماعية، واستثنت ميزانية الجيش من التقليص المرتقب، على الرغم من الدعوة إلى تقليصها.
وكانت الحكومة قد قررت زيادة أساس ميزانية الجيش بنسبة 8%، تدخل في الميزانية الأساس الثابتة، عدا الزيادات التي تتلقاها الميزانية من فائض الموازنة العامة ومن الولايات المتحدة، ما سيجعلها تسجل في العامين الجاري والمقبل 2016 مستوى قياسيا يقارب 22 مليار دولار كميزانية شبه ثابتة.
ورفض بنيامين نتنياهو ومعه وزير الدفاع موشيه يعلون توصية لجنة تحقيق رسمية بتقليص ما يزيد عن ملياري دولار من ميزانية جيش الاحتلال.
ويدور في إسرائيل جدل واسع منذ سنوات حول حجم ميزانية الجيش، التي تتراوح عادة ما بين 5ر13 إلى 14 مليار دولار كميزانية ثابتة، إلا أن الجيش يتلقى سنويا دعما عسكريا من الولايات المتحدة بمعدل 2ر3 مليار دولار، ويضاف إلى هذا تحويل مالي سنوي من الفائض العام من مختلف الوزارات يتراوح سنويا ما بين مليار إلى 5ر1 مليار دولار.
وبلغت ميزانية الجيش في العام 2014 مستوى قياسيا غير مسبوق بنحو 22 مليار دولار، بهدف تغطية مصاريف العدوان على غزة في صيف العام ذاته. وتطالب جهات مختلفة بتقليص ميزانية الجيش، لكن في بنود الرواتب وامتيازات الضباط، ورواتب التقاعد، وتأخير سن التقاعد المبكر من الجيش، وتقليص أعداد الجيش النظامي، إلا أن أحدا لا يطالب بتقليص ميزانيات التسلح.
ويعارض الجيش بشكل دائم أي حديث عن تقليص ميزانيته، ويطالب بزيادتها بشكل دائم. وكرد على تقليص جزئي وطفيف في السنوات الثلاث الماضية، بادر الجيش إلى وقف بعض تدريباته الضرورية، بهدف افتعال أزمة أمام الحكومة، التي بادرت إلى اعادة كافة الميزانيات التي قلصتها، وهي بضع مئات ملايين الدولارات، وعملت على زيادة ميزانية الجيش تحت غطاء العدوان على غزة.
وبعد قرار رفع ميزانية الجيش بنسبة 8%، من شأن ميزانية الجيش الثابتة أن تصل هذا العام إلى حوالي 17 مليار دولار، يضاف اليها ما يزيد عن 3 مليارات دولار من الدعم العسكري الأميركي، وملياري دولار كتحويلات مالية إضافية من فائض الموازنة المتوقع.