بدأت في الأيام الأخيرة تظهر تقارير اقتصادية سوداوية حول وضعية الاقتصاد الإسرائيلي، وهو ما بات أشبه بـ "موسم تقارير سوداوية" تبادر له وزارة المالية ومؤسسات اقتصادية أخرى، في الفترة التي تسبق اقرار الموازنة العامة، فبعد أن تحدثت تقارير سابقة عن فائض في جباية الضرائب، وأن الزيادة نابعة عن حراك أقوى في الأسواق، وبموازاة ذلك، استمرار تراجع البطالة وارتفاع نسبة المشاركة في سوق العمل، ظهرت الآن تقارير جديدة تتحدث عن توقعات هي أقرب إلى ركود اقتصادي في الربع الثاني من العام الجاري.
واعتادت وزارة المالية في السنوات الأخيرة على اصدار الكثير من التقارير الاقتصادية التي تتنبأ بالسوء للاقتصاد في الفترة التي يبدأ فيها الكنيست اقرار الموازنة العامة، وكما يبدو بهدف خفض التوقعات ومستوى مطالب الأحزاب من الموازنة العامة. وهذا ما جرى في السنوات الأخيرة، نذكر على وجه الخصوص في خريف العام 2009، حينما جرى اقرار أول موازنة مزدوجة، وكذا أيضا في العامين 2010 قبل موازنة عامي 2011 و2012 وفي العام 2013 حينما أقرت ميزانيتي 2013 و2014. وكنا نشهد بُعيد اقرار الموازنة، تقارير تنقض التقارير التي سبقت الموازنة العامة.
وجديد اليوم، أن مكتب الاحصاء المركزي أعلن أن نسبة النمو في الربع الثاني من العام الجاري بلغت 3ر0%، بمعنى أقرب إلى الصفر، بعد أن كان النمو قد سجل في الربع الأول من العام الجاري نسبة 2%، في حين أن الربع الثاني من العام الماضي كان قد سجل نموا بنسبة 3ر3%. في حين تتحدث التوقعات الإسرائيلية، وتوقعات المؤسسات المالية العالمية عن نمو اقتصادي في العام الجاري 2015 يتراوح ما بين 1ر3% وحتى 5ر3%. إلا أنه بموجب نسب النمو في الربعين الأول والثاني، فإن النمو قد يسجل هذا العام ارتفاعا بنسبة 6ر2%، مقابل 8ر2% في العام الماضي 2014. ويقول تقرير الدائرة إن الاستهلاك الفردي سجل في الربع الثاني من هذا العام انكماشا بنسبة 9ر0%، ما يعني ركودا اقتصاديا، وهذا ما يعزز "قلق" الأوساط الاقتصادية.
وحسب التقرير ذاته، فإن العامل الأكثر تأثيرا على التباطؤ الشديد في النمو، هو التراجع الحاد بنسبة 5ر12% في مردود الصادرات من بضائع وخدمات في الربع الثاني من العام الجاري. وجاء هذا التراجع كاستمرار للتراجع بنسبة 11% الذي كان في الربع الأول من العام الجاري. وحسب التقرير، فإن النصف الأول من العام الجاري سجل تراجعا في الصادرات بنسبة 6ر8%، بعد أن كانت قد سجلت تراجعا بنسبة 7ر2% في النصف الثاني من العام الماضي 2014.
إلا أن كل هذا التراجع يتناقض مع تقرير سلطة الضرائب عن النصف الأول من العام الجاري، إذ سجلت مداخيل الضرائب ارتفاعا بنسبة 3ر6% مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي 2014. وبلغ اجمالي الجباية 6ر134 مليار شيكل، ما يعادل 6ر35 مليار دولار. وتقول مصادر في وزارة المالية إن على تقديرات الجباية للعام الجاري أن ترتفع بقيمة 10 مليارات شيكل، لتصل إلى مستوى 262 مليار شيكل، بدلا من 252 مليار شيكل، حسب التقديرات السابقة لضرائب هذا العام.
وقالت المحاسبة للعامة للدولة إن جباية الضرائب في النصف الأول من هذا العام سجلت فائضا بقيمة 6ر3 مليار شيكل، ما يعادل 952 مليون دولار، عما كان متوقعا لنصف العام، وقد نجم الفائض عن ارتفاع حاد في جباية الضرائب المباشرة، بقصد ضريبة الدخل، بقيمة 4ر4 مليار شيكل، ما يعني أن الضرائب غير المباشرة، مثل ضريبة المشتريات والجمارك، سجلت تراجعا بقيمة 800 مليون شيكل.
وحسب محللين وخبراء اقتصاديين إسرائيليين، فإن هذا الفائض يعكس حراكا اقتصاديا وتزايدا في نسبة المشاركة في سوق العمل، خاصة وأن البطالة تسجل في الأشهر الأخيرة نسبة تتراوح ما بين 5% إلى 2ر5%، وهي الأدنى منذ سنوات طوال. ويتوقع خبراء وزارة المالية أن يسجل مداخيل الضرائب في هذا العام فائضا يتراوح ما بين 3 مليارات إلى 4 مليارات دولار (11 مليار إلى 15 مليار شيكل).
وتخوف مسؤولو وزارة المالية، حسب تقارير صحافية، من أن تفتح هذه التقارير الايجابية "شهية السياسيين" لدى اقرارهم الموازنة العامة، للعامين الحالي 2015 والمقبل 2016، إذ ظهرت مطالب لشركاء الائتلاف في الحكومة الجديدة، التي ستكلف الخزينة العامة مليارات، وخاصة رفع مخصصات اجتماعية، وأولها مخصصات الأولاد التي تتقاضاها كل عائلة عن كل ولد دون سن 18 عاما. والسؤال الذي يُتداول به في أقسام وزارة المالية، هو وجهة صرف الفائض، ففي السنوات الأخيرة كان يدعو محافظ بنك إسرائيل السابق ستانلي فيشر، إلى صرف الفائض على تسديد أجزاء من الدين العام، وبذلك تقليص نسبة الدين من الناتج العام، الذي كان حتى نهاية العام الماضي 5ر67%، في حين أن إسرائيل وضعت هدفا للتراجع إلى نسبة 60% مع حلول العام 2020.
وكانت الحكومة قد أقرت الاطار العام للموازنة العامة للعامين الجاري والمقبل، إلا أن صيغة الموازنة سيتم اقرارها نهائيا في الأيام القليلة المقبلة، قبل طرحها رسميا على جدول أعمال الكنيست في اليوم الأخير من شهر آب الجاري، على أن تبحث الهيئة العامة للكنيست الموازنة في يوم 2 أيلول المقبل، في جلسة استثنائية تقطع العطلة الصيفية التي ستمتد إلى منتصف شهر تشرين الأول، على أن يتم اقرار الموازنة المزدوجة حتى منتصف تشرين الثاني.
وحتى الآن بات واضحا أن ميزانية الجيش ستتلقى إضافة بنسبة 8%، في حين أن الموازنة العامة ستشهد تقليصا في اليوم التالي لإقرارها بنسبة 4%، وستكون نسبة عامة على كل الوزارات باستثناء ميزانية الجيش. كذلك يتضح أن مخصصات الأولاد التي تتقاضاها العائلات عن كل ولد لديها دون سن 18 عاما، ستسجل ارتفاعا محدودا ولكنها لن تعود إلى مستواها الذي كانت عليه حتى شهر تموز من العام 2013، إذ ستقتطع الحكومة قيمة 50 شيكلا من المخصصات (نحو 13 دولارا) شهريا، لتكون مدخرة لكل ولد حتى بلوغه عامه الـ 18.